حرب البوير الثانية أو حرب جنوب إفريقيا هو صراع دامي إستمر في الفترة ما بين 11 أكتوبر عام 1899 و حتي 31 مايو عام 1902 بين الإمبراطورية البريطانية و جمهوريتي البوير (الأفريكان) التي تشمل جمهورية جنوب إفريقيا (ترانسفال) و دولة أورانج الحرة و تُعتبر من أكثر الصراعات تكلفةً و تعقيدًا في تاريخ الإمبراطورية البريطانية بعد أن أنفق فيها أكثر من 200 مليون جنيه إسترليني و هو مبلغ ضخم في ذلك الوقت و رغم التفوق العددي البريطاني الساحق الذي وصل إلي ما يقرب من 500,000 جندي مقابل 88,000 فقط من الجانب الأخر إلا أن البوير إستخدموا تكتيكات دفاعية ذكية و أسلحة حديثة جعلت الحرب أكثر شراسة و أطول مما توقعه البريطانيين لذلك فدائما ما ينظر إلي حرب البوير الثانية بإعتبارها مقدمة للحروب الحديثة لا سيما ما شهدته معارك الحرب العالمية الأولي .

و تعتبر أسباب حرب البوير الثانية محل جدل و نقاشات حادة بين المؤرخين حتي اليوم حيث إدعي السياسيين البريطانيين أنهم كانوا يدافعون عن سيادتهم علي جمهورية جنوب إفريقيا (SAR) كما نصت عليها إتفاقيات بريتوريا و لندن عامي 1881 و 1884 علي التوالي و مع ذلك يؤكد العديد من المؤرخين أن السبب الحقيقي كان بغرض السيطرة علي مجمع ويتواترسراند الغني بالذهب الذي كان أكبر مجمع لتعدينه في العالم في وقت كانت الأنظمة النقدية العالمية و خاصة البريطانية تعتمد بشكل متزايد علي الذهب و رغم عمل العديد من الأجانب الذين كانوا في الغالب من البريطانيين في صناعة تعدين الذهب في ويتواترسراند إلا أن المجمع نفسه كان خارج السيطرة البريطانية المباشرة كما أن إكتشاف الذهب في تلك المنطقة عام 1886 كان سيمنح جمهورية ” جنوب إفريقيا ” فرصة التقدم في جهود التحديث و المنافسة مع ” بريطانيا ” للسيطرة علي جنوب إفريقيا ككل لذلك بعد عام 1897 بدأت ” بريطانيا ” من خلال ” ألفريد ميلنر ” المندوب السامي البريطاني لجنوب إفريقيا التحرك لتقويض الإستقلال السياسي لجمهورية ” جنوب إفريقيا ” و طالبت بتعديل دستور جمهورية البوير لمنح حقوق سياسية للأجانب البريطانيين من أجل توفير دور مهمين لهم في صياغة سياسة الدولة التي يُفترض أن تكون أكثر تأييدًا لبريطانيا .

و إندلعت حرب البوير الثانية و التي دارت علي ثلاث مراحل رئيسية و هي :
- النجاح الأولي للبوير: في المرحلة الأولي من الحرب كانت القوات البريطانية في ” جنوب إفريقيا ” غير مستعدة و ضعيفة عسكريًا حيث هاجمت قوات البوير علي جبهتين أولها مستعمرة ناتال البريطانية من جمهورية جنوب إفريقيا و ثانيها شمال كيب كولوني من دولة أورانج الحرة و حقق البوير إنتصارات كبيرة في معارك مثل ماجيرسفونتين و كوليسبرج و ستورمبيرج .
- الإنتعاش البريطاني: مع وصول التعزيزات البريطانية بحلول عام 1900 أصبحت هزيمة البوير حتمية حيث تمكن البريطانيين تحت قيادة اللورد ” كيتشنر ” و اللورد ” روبرتس ” من تحرير المدن المحاصرة و التقدم بسرعة نحو العواصم البويرية.
- حرب العصابات والرد البريطاني: في المرحلة الأخيرة من الحرب إستخدم البوير تكتيكات حرب العصابات تحت قيادة قادة بارزين مثل ” كريستيان رودولف دي ويت ” و ” جاكوبوس هيركوليس دي لا ري ” و في المقابل رد البريطانيين بسياسة الأرض المحروقة و إنشاء معسكرات إعتقال و هو ما أدي إلي وفاة آلاف المدنيين.

و إنتهت حرب البوير الثانية بتوقيع معاهدة فيرينيجينج في مايو عام 1902 و التي أقرت بالهيمنة البريطانية علي جمهوريات البوير و رغم إنتهاء المعارك إلا أن تلك الحرب تركت إرثًا مريرًا من الخسائر البشرية و التوترات العرقية في ” جنوب إفريقيا ” حيث فقد ما يقرب من 100,000 شخص حياتهم بما في ذلك آلاف المدنيين في معسكرات الإعتقال كما أثرت الحرب علي العلاقات الدولية بعد أن تعاطفت العديد من الدول مع البوير ضد ” بريطانيا ” و حتي اللحظة لا تزال تلك الحرب تُذكر كواحدة من أكثر الصراعات تعقيدًا و تأثيرًا في التاريخ الحديث حيث كشفت عن التحديات الكامنة في الحروب الإستعمارية و الصراعات علي الموارد .