الحرب العالمية الثانية هى صراع شمل تقريبًا كل جزء من العالم خلال فترة أمتدت ما بين عامى 1939 و 1945 و كانت القوى المتحاربة الرئيسية فيها هي دول المحور المكونة من ألمانيا و إيطاليا و اليابان من جهه و دول الحلفاء المكونة من فرنسا و بريطانيا و الولايات المتحدة و الاتحاد السوفيتي أو روسيا من جهة أخرى و بدرجة أقل الصين و قد نشبت تلك الحرب نتيجة عددا من العوامل التى تسببت بها حقبة مضطربة اجتاحت العالم لفترة استمرت 20 عامًا فى اعقاب نهاية الحرب العالمية الأولى التى تركت ورائها نزاعات لم تحل , و ينظر إليها البعض على أنها كانت أكبر حرب فى التاريخ و أكثرها دموية بعد مقتل أعدادا تجاوزت 40 مليونا شخص و لا يزال حتى اللحظة نعيش فى خضم تأثيراتها بعد أن ساهمت بشكل كبير فى تغيير مجرى العالم بل و التاريخ نفسه .

بدء الحرب العالمية الثانية من قبل المحور و رد فعل الحلفاء

إندلاع الحرب العالمية الثانية

بحلول النصف الأول من عام 1939 كان الزعيم الألماني “أدولف هتلر” مصممًا على غزو و إحتلال “بولندا” التى كانت قد حصلت على ضمانات بالدعم العسكري الفرنسي و البريطاني حال تعرضها للهجوم من قبل “ألمانيا” و رغم تلك الضمانات الا أن “هتلر” كان يعتزم غزو “بولندا” على أي حال و لكن كان عليه أولاً تحييد “الاتحاد السوفيتي” حيث أدت مفاوضات سرية حدثت في الفترة ما بين يومي 23 و 24 من أغسطس إلى توقيع معاهدة عدم الاعتداء الألمانية السوفيتية في “موسكو” و التى أشتملت على ملحق سري أتفقوا فيه على تقسيم “بولندا” فيما بينهم على أن يذهب الثلث الغربي من البلاد إلى “ألمانيا” مقابل أن يحتل “الاتحاد السوفيتي” الثلثين الشرقيين.

و بمجرد الإنتهاء من توقيع تلك الاتفاقية أعتقد “هتلر” أن “ألمانيا” أصبح بإمكانها أن تهاجم “بولندا” دون أي خطر من التدخل السوفيتي أو البريطاني و أعطى أوامر ببدء الغزو في 26 أغسطس و لكن نظرا لتوقيع البولنديين و البريطانيين على معاهدة رسمية لتبادل المساعدات تم تأجيل الغزو مؤقتا لبضعة أيام مع تعمده تجاهل الجهود الدبلوماسية للقوى الغربية لكبح جماحه , و أخيرًا و في يوم 31 من أغسطس أمر “هتلر” ببدء الأعمال العدائية ضد “بولندا” و بدء الغزو و رداً على ذلك و فى 3 من سبتمبر أعلنت “بريطانيا ” و “فرنسا” الحرب على “ألمانيا” فى تمام الساعة 11:00 صباحًا و الساعة 5:00 مساءً على التوالي و كان ذلك ايذانا ببداية الحرب العالمية الثانية .

و على الرغم من أن قوي الحلفاء الذين كانوا ممثلين فى ذلك الوقت بـ “بريطانيا ” و “فرنسا” و “بولندا” متفوقين معًا في الموارد الصناعية و السكان و القوى العاملة العسكرية إلا أنه فى المقابل كان الجيش الألماني أو كما يطلق عليه “الفيرماخت” هو الأكثر كفاءة و فعالية نتيجة تسليحه و تدريبه و إنضباطه و روحه القتالية كما أن قوته النيرانية كانت تفوق كثيرا الحلفاء بالإضافة الى أن القوات الجوية الألمانية أو كما يطلق عليها ” اللوفتوافا ” كانت هى الأفضل من نوعها كقوة معاونة أرضية مصممة لدعم الجيش بعد أن تصاعد إنتاج طائراتها خلال فترة إعادة التسلح بين عامى 1935 و حتى 1939 بشكل جعلها تتفوق على جميع القوات الجوية للحلفاء تقريبًا.

تكتيكات الحرب من 1918 و حتى 1939

عندما انتهت الحرب العالمية الأولى بدا من الواضح ان الإستراتجيات الدفاعية خلال الحروب كانت أفضل من الهجوميه حيث كان يعتقد على نطاق واسع أن التفوق العددى من ثلاثة إلى واحد على الأقل كان مطلوبًا لتنفيذ هجوم ناجح لذلك فقد تم تطبيق تلك المفاهيم عند الحلفاء من خلال السعى فى بناء خطوط دفاعية مثل “خط ماجينو” بين “فرنسا” و “ألمانيا” و نظيره الأقل فى الامكانيات “خط سيجفريد” في سنوات ما بين الحربين العالميتين على الرغم من معرفتهم أنه حال توفر التسليح الكافى من الدبابات و الطائرات فإن ذلك من شأنه أن يعطى أفضلية عند الهجوم خاصة و بعد أن أثبتت معارك مثل “كامبراي” عام (1917) و “أميان” عام (1918) أنه عند إستخدام الدبابات بأعداد كبيرة بشكل مفاجئ و على أرض صلبة و مفتوحة فمن الممكن إختراق أي نظام دفاعى و تعلم الألمان ذلك الدرس جيدا من الحرب العالمية الأولى بعكس الحلفاء الذين شعروا أن إنتصارهم قد أكد أساليبهم و أسلحتهم و قيادتهم لذلك كان الجيشان الفرنسي و البريطاني متباطئين في إدخال أسلحة جديدة و إستخدام تكتيكات عسكريه حديثة و بالتالي في عام 1939 لم يكن لدى الجيش البريطاني فرقة مدرعة واحدة و تم توزيع الدبابات الفرنسية في مجموعات صغيرة بعكس الألمان الذين قاموا بتطوير تشكيلات دبابات كبيرة مع بدأ برنامج إعادة تسليحهم عام 1935 و هو ما أفادهم كثيرا فى الأحداث اللاحقة من الحرب العالمية الثانية .

الحرب العالمية الثانية فى أوروبا

الحملة على بولندا 1939

كان الغزو الألماني لبولندا في سبتمبر عام 1939 هو بداية الحرب العالمية الثانية و أول عرض للحرب الخاطفة التي تبناها الألمان عندما بدأوا إعادة تسليحهم و كانت “بولندا” دولة مناسبة تمامًا لمثل تلك الاستراتيجية حيث كانت حدودها طويلة للغاية بلغت أكثر من 5600 كيلومتر ثم أضيفت إليها لاحقا 2800 كم إضافية بعد الإحتلال الألماني لبوهيميا-مورافيا و سلوفاكيا بشكل جعل الجناح الشمالى و الجنوبى و الغربى من “بولندا” بين فكي “ألمانيا” لذلك فقد كان أمرا حكيما أن يتقهقر الجيش البولندي بعيدًا إلى الخلف خلف خط الدفاع الطبيعي الذي شكله نهرى ” فيستولا و سان ” و هو ما ترتب عليه التخلي عن بعض الأجزاء الغربية الأكثر قيمة في البلاد مثل حقول الفحم في “سيليزيا” و معظم المنطقة الصناعية الرئيسية التي تقع غرب الحاجز النهري.

و عندما أندلعت الحرب العالمية الثانية كان الجيش البولندي قادرًا على حشد حوالي مليون رجل و هو عدد كبير نسبيًا الا أنه كان جيشا عف عليه الزمن بشكل مؤسف و يفتقر تقريبًا للدبابات و ناقلات الجند المدرعة و المدافع المضادة للدبابات و الطائرات كما تشبث العديد من القادة العسكريين البولنديين بفكرة تمكن سلاح الفرسان من شن هجوم ضد القوات الآلية الألمانية بالإضافة الى أنهم كانوا يقللون من تأثير و أهمية القوة الجوية الألمانية و التى كانت متفوقة بشكل كبير و أقوى بعشر مرات من قوتهم الجوية.

و بدأ الاجتياح الألمانى فى 1 سبتمبر عام 1939 بمليون و نصف جندى حيث كانت الهجمات العميقة و السريعة التى قاموا بها فعالة خاصة مع تزامنها بقصف جوى من قبل القوات الجوية الألمانية التى دمرت نظم السكك الحديدية البولندية و المدن و الجسور و الطرق و محطات الطاقة و معظم سلاح الجو البولندي قبل حتى أن يبدأ العمل .

و بحلول 10 من سبتمبر أمر القائد العام البولندي المارشال “إدوارد ريدز سميجلى ” بالتراجع العام نتيجة شدة الضربات حيث توغلت القوات الألمانية الى داخل الأراضى البولندية و تم تقليص الدفاع البولندي إلى مجرد جهود عشوائية و في 17 من سبتمبر دخلت القوات السوفيتية الى “بولندا” من الشرق و في اليوم التالي عبرت الحكومة البولندية و القيادة العليا الحدود الرومانية في طريقهم إلى المنفى و صمدت حامية “وارسو” ضد الألمان حتى 28 سبتمبر حيث تعرضت لقصف كثيف تسبب فى تحويل أجزاء من المدينة إلى أنقاض دون أي اعتبار للسكان المدنيين و قاوم آخر جزء من الجيش البولندي حتى 5 من أكتوبر و أستمر بعض قتال العصابات في الشتاء و أخذ الألمان ما مجموعه 700 ألف أسير و هرب حوالي 80 ألف جندي بولندي عبر الحدود المحايدة و قُتل ما يقرب من 70 ألف جندي بولندي أخر و أصيب أكثر من 130 ألف خلال المعارك و فى المقابل تكبد الألمان حوالي 45 ألف ضحية و تم فى النهاية إحتلال “بولندا” و بدأت مرحلة تقسيمها بين “ألمانيا” و “الاتحاد السوفيتي ” حيث ألتقت القوتين و أستقبلوا بعضهم البعض على الأراضي البولندية و في 28 سبتمبر حدث تعديل فى الإتفاقية الألمانية-السوفيتية حيث كان من المفترض أن تكون “ليتوانيا” بأكملها منطقة نفوذ سوفيتية خالصة و ليست ألمانية و لكن تم تغيير الخط الفاصل في “بولندا” لصالح “ألمانيا” بعد نقله شرقًا إلى “نهر بوج” .

دول البلطيق والحرب الروسية الفنلندية 1939-1940

أستفاد “الإتحاد السوفيتي” بسرعة من تفاهمه مع “ألمانيا” في 10 من أكتوبر عام 1939 حيث فرض ضغوطا على “إستونيا” و “لاتفيا” و “ليتوانيا” من أجل القبول بحاميات سوفيتية على أراضيها و عندما حاول السوفييت إخضاع ” فنلندا ” بمطالب مماثلة رفضت الإمتثال و بدأ “الإتحاد السوفيتي” بمحاولة إخضاعها بالقوة حيث هاجموا “فنلندا” في 30 من نوفمبر بحوالى 70 فرقه (حوالي مليون رجل) مقابل 200 ألف جندي فنلندى موزعين على 10 فرق.

و نجح السوفييت في عزل ميناء “بتسامو” الصغير في القطب الشمالي بأقصى الشمال لكن تم صدهم بشكل فعال على جميع الجبهات المختارة لتقدمهم حيث أغلقت التحصينات الخرسانية المسلحة الضخمة لخط “مانرهايم” الفنلندي الطريق البري المباشر للقوات السوفيتية الذى يبدء من “لينينجراد” إلى “فنلندا” كما أن المخططين السوفييت قللوا بشكل صارخ من أهمية الإرادة الوطنية للفنلنديين للمقاومة بالاضافة الى العقبات الطبيعية التي شكلتها البحيرات و الغابات العديدة في تضاريس تلك الأماكن .

و نتيجة لهزيمة السوفييت على يد الفنلنديين أبتهجت القوى الغربية علانية بإذلال “الاتحاد السوفيتي” حيث كانت تلك الهزيمة لها بالغ الأثر فى تعزيز ميل كلا من “هتلر” و الديمقراطيات الغربية إلى التقليل من شأن القدرات العسكرية السوفيتية و لكن من ناحية اخرى أستوعب العسكريين السوفييت الدروس التي تعلموها من تلك المعارك لذلك و فى الأول من فبراير عام 1940 أطلق الجيش الأحمر 14 فرقة لتنفيذ هجوم كبير على “خط مانرهايم” و بعد تعرضه لقصف مدفعى هائل تم تدمير التحصينات و تقدمت الدبابات و المشاة التي تحمل زلاجات لإحتلال الأرض و بعد أسبوعين من هذه العملية تم إختراق كامل عمق “خط مانرهايم” و بمجرد أن بدء السوفييت فى فتح ممرًا على برزخ “كاريليان” كان إنهيار “فنلندا” في النهاية مؤكدًا و في 6 مارس رفعت “فنلندا” دعوة من أجل السلام و بعد أسبوع تم قبول الشروط السوفييتية حيث كان على الفنلنديين التنازل عن برزخ “كاريليان” بالكامل و منطقتهم من شبه جزيرة ريباتشي و ذلك بعد أن خسروا فى المعارك 70 ألف ضحية مقابل 200 ألف ضحية سوفيتية .

الحرب العالمية الثانية في الغرب 1939 – 1940

خلال حملتهم في “بولندا” احتفظ الألمان بـ 23 فرقة فقط في الغرب لحراسة حدودهم ضد الفرنسيين الذين حشدوا ما يقرب من خمسة أضعاف تلك الفرق و أقترح القائد العام الفرنسي الجنرال “موريس جوستاف جاميلين” إنشاء خطوط دفاعية متقدمه ضد “ألمانيا” من خلال “بلجيكا و هولندا” المحايدتين من أجل توفير مساحة لإستخدام آلته العسكرية الثقيلة الا أن إقتراحه تم رفضه لذلك كانت الدفاعات الفرنسية على إمتداد أكثر من 160 كيلومتر من الجبهة المتاحة على طول الحدود الفرنسية الألمانية و مع إنهيار “بولندا” تم وضع فرق متقدمة فى مواقع دفاعية بخط “ماجينو” و خلال الفترة من أكتوبر 1939 و حتى مارس 1940 تم تطوير خطط متتالية للرد المضاد في حالة الهجوم الألماني عبر “بلجيكا” و التى أستندت كلها إلى إفتراض أن الألمان سيتحركون فى السهول و ليس عبر التلال و غابات “الآردين” و لكن في مارس عام 1940 تبنى “هتلر” إقتراح جريء للجنرال “إريك فون مانشتاين” بأن يكون الهجوم عبر غابات “الاردين” بقوات من الدبابات .

و خلال تلك الفترة أيضا تغيرت نظرة “هتلر” نحو الدول الإسكندنافية حيث كان في الأصل ينوي إحترام حياد “النرويج” الى أن تسربت شائعات عن مخططات بريطانية يقودها “ونستون تشرشل” اللورد الأول للأميرالية و الذى يدفع الى ضرورة زرع ألغام في المياه النرويجية لوقف تصدير خام الحديد السويدي من “جاليفار” إلى “ألمانيا” عبر محطة السكك الحديدية في “النرويج” و ميناء “نارفيك” و ردا على إقتراح ” تشرشل ” قرر مجلس الوزراء البريطاني إعداد خطة لانزال القوات البريطانية في “نارفيك ” و في منتصف ديسمبر عام 1939 قام السياسي النرويجي “فيدكون كويزلينج ” و هو زعيم حزب مؤيد للنازية بتقديم تلك الخطة إلى “هتلر” ليأمر في 27 من يناير 1940 بوضع خطط لغزو النرويج إذ لم يعد بإمكانه إحترام حيادهم .

غزو النرويج

و رغم إعداد البريطانيين خطة إنزال جنودهم علي شواطئ “النرويج” إلا أنها تأجلت مؤقتًا حيث كان رئيس الوزراء “نيفيل تشامبرلين” مقتنعًا بضرورة إتخاذ بعض من الإجراءات حيال ذلك الأمر أولا و هو ما كان متفقا معه الفرنسي “بول رينود” الذي خلف “إدوارد دالاديير” في منصب رئيس وزراء “فرنسا” و الذى كان قد تولى منصبه بعد تصاعد مطالبة الشعب الفرنسي بإتخاذ سياسة عسكرية أكثر عدوانية تجاه “ألمانيا” و العمل على القيام بهجوم سريع عليها حيث تم الإتفاق على أنه يجب زرع الألغام في المياه النرويجية و أن يتبع ذلك هبوط بعض من القوات في أربعة موانئ نرويجية و هى “نارفيك ” و “تروندهايم” و “بيرجن” و “ستافنجر” .

و بسبب بعض الخلافات بين الإنجليز و الفرنسيين تم تأجيل موعد زرع الألغام ثلاثة أيام و كان ذلك التأجيل كارثيًا على الإثنين حيث أمر “هتلر” ببدء الغزو الألماني للنرويج ليكون في 9 من أبريل لذلك عندما أنشغلت الحكومة النرويجية في 8 من أبريل بالإحتجاج على زرع الألغام البريطانية كانت القوات الألمانية في طريقها الى الغزو حيث أحتلت طلائع القوات الألمانية الموانئ النرويجية الرئيسية و في الوقت نفسه أستولت كتيبة مظلات و التى كانت أول كتيبة تستخدم في تلك الحرب على مطاري “أوسلو” و “ستافنجر” و بدء النرويجيين فى المقاومة الا أنه تم التغلب عليهم بسهولة .

و بجانب “النرويج” أحتل الألمان “الدانمارك” في نفس اليوم أيضا و أرسلوا مجموعات من الجنود تم تغطية تحركهم بالطائرات إلى ميناء “كوبنهاجن” حيث كان ذلك الإحتلال ضروريًا لسلامة الإتصالات مع القوات الموجودة بالنرويج و على الجانب الأخر بدأت قوات الحلفاء هى الاخرى بالإنزال في النرويج لتحدث مواجهات بينهم و بين الألمان أنتهت بإنسحاب البريطانيين من بعض المدن النرويجية مثل “نامسوس” و “أوندالسنيس” و صمد الألمان فى “نارفيك” رغم مواجتهم لقوات بريطانية و فرنسية تبلغ خمسة أضعاف أعدادهم حتى 27 من مايو و مع طول المده كان الهجوم الألماني في “فرنسا” قد أتى ثماره بشكل جعل البريطانيين يبدأون فى صرف النظر من ناحية “النرويج” حيث تم إجلاؤهم من “نارفيك” و غادر ملك النرويج “هاكون السابع” و حكومته متوجهاً إلى “بريطانيا” في الوقت الذى قام فيه “هتلر” بتعزيز قواته فى “النرويج” بحوالي 300 ألف جندي و بذلك إستطاع حماية إمدادات “ألمانيا” بخام الحديد من “السويد” بالاضافة الى حصوله على قواعد بحرية و جوية لضرب “بريطانيا” إذا لزم الأمر .

غزو البلدان المنخفضة و فرنسا

كان يُعتقد في ذلك الوقت أن الجيش الفرنسي الذي يبلغ قوامه 800 ألف رجل هو الأقوى في أوروبا و لكن الفرنسيين لم يتخطوا العقلية الدفاعية المورثة منذ الحرب العالمية الأولى و لم يطوروا من أسلوبهم و أعتمدوا بشكل أساسي على “خط ماجينو” للحماية من أى هجوم ألماني و الذى كان سلسلة من التحصينات المتطورة للغاية و المنشأت الدفاعية المتصلة ببعضها عبر خطوط للسكك الحديدية و المجهزة بمرافق للإمداد و الإتصالات تحت الأرض و الممتد من الحدود السويسرية المقابلة لبازل شمالًا الى الحدود البلجيكية جنوب غابات الأردين و كان يتمركز عليه 41 فرقة عسكرية تقوم بحراسته و دعمه في حين كان هناك 39 فرقة فقط مكلفة بمراقبة الامتداد الطويل للحدود الشمالية منه الى القناة الإنجليزية .

خط ماجينو الذى إنهار فى الحرب العالمية الثانية على يد الألمان
خط ماجينو

و خلال خطتهم لغزو “فرنسا” والبلدان المنخفضة ” بلجيكا و هولندا ” أبقى الألمان المجموعة “C” التابعة للجنرال “فيلهلم فون ليب” في مواجهة “خط ماجينو” لردع الفرنسيين و منعهم من نقل قواتهم منه أثناء إطلاقهم المجموعة “B” المكلفة بالهجوم على “هولندا و بلجيكا” و أى قوات قد يرسلها الحلفاء و المجموعة “A ” المكلفة بالتوغل في غابات الأردين و المكونة من 150 ألف جندى و 1500 دبابة و ذلك لضرب أضعف نقطة للحلفاء ببلجيكا .

و كان يتألف فى ذلك الوقت الجيش الهولندي من 10 فرق بلغ مجموعهم أكثر من 400 ألف جندى و كان يبدو أن لديهم فرصة جيدة لمقاومة الغزو الألماني الذى تألف من سبعة فرق فقط بصرف النظر عن القوات المحمولة جواً التي كان سوف يستخدمها و مع ذلك كان لدى الهولنديين جبهة عريضة و عدد قليل جدًا من الدبابات و ليس لديهم خبرة في الحرب الحديثة لذلك كان الأمور ليست بالصعبة أمام الجيش الالمانى الذى بدء هجومه فى 10 مايو بإستيلاء المظليين على الجسور و هبوطهم في المطارات و فى اليوم نفسه أخترقت القوات البرية الألمانية خط “بيل” الذي كان ضعيفًا و في 11 من مايو تراجع المدافعين الهولنديين غربًا و بحلول ظهر يوم 12 مايو كانت القوات الألمانية موجودة في ضواحي مدينة “روتردام” و حققوا إختراقًا لخط “جيلد فالي” و تراجع الهولنديين مجددا إلى خط “حصن هولندا” المكلف بحماية “أوتريخت و أمستردام” و لصعوبة الموقف أضطرت الملكة “فيلهلمينا” و حكومتها مغادرة البلاد متوجهة إلى “إنجلترا” في 13 من مايو و في اليوم التالي أستسلم القائد العام الهولندي الجنرال “هنري جيرارد وينكلمان ” للألمان الذين هددوا بقصف المدن الهولندية إذا أستمرت المقاومة و لكن على الرغم من الإستسلام الا أنه تم قصف مدينة “روتردام ” بواسطة 30 طائرة و ذلك نتيجة خلال خطأ في الإتصالات بين القوات الألمانية .

و فى تلك الأثناء خلال بدء الهجوم الألمانى على “هولندا” أستقال رئيس الوزراء البريطانى ” تشامبرلين ” ليخلفه “وينستون تشرشل” الذي شكل حكومة ائتلافية .

اما بالنسبة للجبهة البلجيكية فقد قامت القوات الجوية الالمانيه بتحطيم الدفاعات البلجيكيه حيث كان يشكل حصن “إبين إميل” و خط “قناة ألبرت” الموقع الدفاعي الأول للبلجيكيين و في يوم 10 من مايو هبطت القوات الألمانية المحمولة جواً بطائرات شراعية على قمة الحصن و على الجسور و فوق قناة ألبرت و في 11 من مايو تم كسر الجبهة البلجيكية و تراجع البلجيكيين بشكل عام إلى خط “أنتويرب نامور أو دايل” حيث كانت الفرق الفرنسية و البريطانية قد وصلت لتوها الى ذلك الخط و نجحوا فى صد الهجوم الألمانى الا أنهم أضطروا الى الإنسحاب فى 15 من مايو نتيجة تدهور الأوضاع فى مناطق أخرى على الجبهة .

و رغم ما حدث فى “هولندا” و “بلجيكا” الا أن فرص نجاح الهجوم الألماني ضد “فرنسا” أعتمدت على تقدمهم عبر غابات الأردين و التي ظن الفرنسيين انها لن تسمح بعبور الدبابات الالمانية لكنهم نجحوا بالفعل في تحريك دباباتهم عبر هذا الحزام الصعب و التوغل فيها برفقة فرق المشاه و يتحركوا بسرعات هائلة و تبدء طلائعهم فى الوصول الى نهر “ميوز” و بحلول مساء يوم 12 من مايو كان الألمان يعبرون الحدود الفرنسية البلجيكية و يطلون على نهر “الميز” حيث كانت دفاعات ذلك القطاع بدائية للغايه و الأقل تحصينًا على طول الجبهة الفرنسية بأكملها و الأسوأ من ذلك أن القوات الفرنسية الموجودة فى ذلك المكان لم يكن لديهم أي مدافع مضادة للدبابات أو الطائرات يمكن بواسطتها إبطاء القوات المدرعة الألمانية أو إسقاط قاذفاتهم ليدفع الفرنسيين الثمن غاليا لإعتقادهم السابق أن إقتحام المدرعات الألمانية عبر غابات “الآردين” أمر غير مرجح.

و في 13 مايو عبرت القوات الألمانيه نهر ” الميز ” عبر قوارب مطاطية و طوافات فى الوقت الذى أنقضت فيه قاذفات القنابل بغارات شديدة على القوات الفرنسية المدافعة عنه و التى لم تتحمل شدة الضربات و مع وصول الدبابات وسّع الجنرال “جوديريان” هجماته و في 15 من مايو تم إختراق الدفاعات الفرنسية تماما و أصبح الطريق مفتوحا الى عمق البلاد حيث أتجه بقواته غربًا تجاه القنال الإنجليزي و تعمقت فيه لما يقرب من 80 كيلومتر و حاول رؤساؤه كبح جماحه حيث شعروا أن مثل هذا التقدم السريع كان محفوفًا بالمخاطر الا أنه على أرض الواقع كان ذلك مساهما فى إنهيار الفرنسيين خاصة مع عبور المزيد من الدبابات الألمانية نهر الميز .

و فى “باريس” أخبر قائد الجيش الفرنسى “جاميلين” رئيس الوزراء “رينود” بأنه ليس لديه إحتياطيات في هذا القطاع الذى يقوم الألمان بإختراقه و أن “باريس” قد تقع في غضون يومين و على الرغم من أن “رينود” أجّل قراره الفوري بنقل الحكومة إلى مدينة “تورز” الا انه قام بإستدعاء الجنرال “ماكسيم ويجان” من “سوريا” ليحل محل “جاميلين” كقائد أعلى للقوات المسلحة لكن “ويجان ” لم يصل حتى 19 مايو .

الإنسحاب من دونكيرك

بالنسبة للحلفاء تم قطع جميع الإتصالات بين القوات الشمالية و الجنوبية بواسطة القوات الألمانية المتقدمة غربا بقيادة ” جوديريان ” و القادمة من غابات الآردين حيث تم تطويق جيوش الحلفاء في الشمال , و في 19 من مايو كان القائد البريطاني “فيكونت جورت ” يفكر في سحب القوات عن طريق البحر و في 21 مايو و لتلبية أوامر “لندن” بعمل أكثر إيجابية شن هجومًا بقواته على أجزاء من القوات الألمانية المطوقة له و رغم أن تلك الهجمات أزعجت القيادة الألمانية العليا إلا أن هذه الضربات المضادة كانت تفتقر إلى القوات المدرعة اللازمة للنجاح لذلك تقدمت القوات الألمانية ليزداد الحصار على قوات الحلفاء بالقرب من “دونكيرك” الى أن أمر “هتلر” في 24 من مايو بوقف تقدمهم .

كان “دونكيرك ” هو الميناء الوحيد المتبقي و المتاح لسحب القوات البريطانية من أوروبا حيث قرر مجلس الوزراء البريطاني أخيرًا إنقاذ ما يمكن إنقاذه و تم تكليف الأميرالية البريطانية بالتصرف حيال الأمر و التى بدأت فى تجميع كل أنواع المراكب الصغيرة التي يمكن الوصول إليها للمساعدة في نقل القوات و أصبحوا فى سباق مع الزمن لسحب القوات البريطانية من الساحل قبل أن يتمكن الألمان من إحتلال ” دونكيرك ” بالكامل و بدأت عمليات الإخلاء في 26 مايو ثم تزايدت الضغوط في اليوم التالي بعد أن أستسلمت القوات البلجيكية و طالبت الحصول على هدنة و أدى القصف التي قامت به القوات الجوية الالمانية للمكان إلى خروج الميناء من الخدمة لإستكمال عملية الاجلاء لذلك كان لا بد من نقل العديد من الرجال الذين يتجمعون على إمتداد 16 كيلومتر من الشواطئ إلى البحر بواسطة زوارق صغيرة يديرها إلى حد كبير بحارة هواة رغم أن حاجز الأمواج المتضرر في الميناء لا يزال يوفر مخرجًا عمليًا للأغلبية.

اجلاء القوات البريطانيه و الفرنسيه من ميناء دونكيرك خلال الحرب العالمية الثانية
اجلاء القوات البريطانيه و الفرنسيه من ميناء دونكيرك خلال الحرب العالمية الثانية

و بحلول 4 من يونيو و عندما أنتهت عملية الإخلاء تم إنقاذ 198 ألف جندى بريطاني و 140 ألف جندى فرنسي و بلجيكي و الذين تخلوا تقريبا عن جميع معداتهم الثقيلة و من بين 41 مدمرة شاركت فى الإخلاء غرقت ستة منهم و تضررت 19 مدمرة أخرى و كان الرجال الذين تم إنقاذهم يمثلون جزءًا كبيرًا من القوات ذات الخبرة القتالية التي تمتلكها “بريطانيا” و كانوا مكسبًا لا يقدر بثمن للحلفاء حيث يرجع الفضل فى نجاح الإخلاء شبه الإعجازي من “دونكيرك ” إلى تغطية المقاتلات التابعة لسلاح الجو الملكي و التى انطلقت من الساحل الإنجليزي لحماية القوات من ناحية و من ناحية أخرى إلى أمر “هتلر” الغريب بإيقاف “جوديريان” عن التقدم حيث يرجع إصدار هذا الأمر لعدة أسباب أهمها “هيرمان جورينج” قائد القوات الجوية الالمانية الذى أكد لهتلر عن طريق الخطأ أن طائراته وحدها يمكنها تدمير قوات الحلفاء المحاصرة على شواطئ “دونكيرك” لذلك ليس هناك أى داعى لتقدم قوات أرضية كما كان يبدو أن “هتلر” نفسه كان يعتقد أن “بريطانيا ” قد تقبل شروط السلام بمرونة أكبر إذا لم تكن جيوشها مقيدة بالإستسلام المهين و مرت ثلاثة أيام قبل أن يتمكن “فالتر فون براوتشيتش” القائد العام للجيش الألماني من إقناع “هتلر” بسحب أوامره و السماح للقوات الألمانية المدرعة بالتقدم نحو “دونكيرك” حيث واجهوا مقاومة أكبر من قبل البريطانيين الذين كان لديهم الوقت لتقوية دفاعاتهم و على الفور أوقف “هتلر” القوات الألمانية المدرعة مرة أخرى و أمرهم بدلاً من ذلك بالتحرك جنوبًا و الإستعداد للهجوم على خط “السوم-أيسن” .

و من ناحية أخرى أنهت قوات الجنرال الألمانى “كوشلر” الحملة في شمال “فرنسا” و أخذ الألمان أكثر من مليون أسير خلال فترة لم تتجاوز ثلاثة أسابيع و مع ذلك تم إنقاذ حوالي 220 ألف جندي من قوات الحلفاء من قبل السفن البريطانية عبر الموانئ الشمالية الغربية لفرنسا (شيربورج و سان مالو و بريست و سان نازير) .

و رغم عمليات الاجلاء الا أنه بقيت بعض من بقايا الجيوش الفرنسية حيث خسروا فى المعارك 30 فرقة الا أن قيادة الجيش كانت لا تزال قادرة على حشد 49 فرقة أخرى بإستثناء 17 فرقة للاحتفاظ بخط ماجينو و فى المقابل كان لدى الألمان 130 فرقة مشاة بالإضافة إلى 10 فرق أخرى من الدبابات و الذين بدأوا بعد إعادة توزيع تمركزاتهم هجومًا جديدًا في 5 من يونيو و قاوم الفرنسيون بشدة لمدة يومين و لكن في 7 من يونيو بدأت القوات الالمانية فى إختراق الدفاعات الفرنسية و عزل جميع القوات التي لا تزال تحتفظ بخط ماجينو .

دخول إيطاليا الحرب و الهدنة الفرنسيه

كانت “إيطاليا” غير مستعدة للحرب عندما هاجم “هتلر” “بولندا” و لكن إذا كان الزعيم الإيطالي “بينيتو موسوليني ” سيحصد أي مزايا إيجابية فى الشراكة مع “هتلر” فكان أمر طبيعى أن يتخلى عن حياده و يتحالف مع الألمان فى الحرب العالمية الثانية خاصة بعد الإنهيار الواضح لفرنسا و في 10 من يونيو عام 1940 أعلنت إيطاليا الحرب ضد “فرنسا” و “بريطانيا” و رغم وجود 30 فرقة متاحة على حدود جبال الألب الا أن الإيطاليين قاموا بتأخير هجومهم الفعلي على جنوب شرق “فرنسا” حتى 20 يونيو لكنه لم يكن له أثرا كبيرا نظرا الى أنه تمت تسوية القضية في “فرنسا” فعليًا بفضل إنتصار “ألمانيا” .

في تلك الأثناء كان رئيس الوزراء الفرنسى “رينود” قد غادر “باريس” متوجهاً إلى “كانجي” التى تقع بالقرب من “تورز” و أخبره قائد القوات الفرنسية ” ويجاند ” مع وزرائه في 12 من يونيو أن معركة “فرنسا ” قد أنتهت بالخسارة و أن وقف الحرب أصبح ضرورة بعد تبعثر القوات الفرنسية و كان هناك القليل من الشك فى تقديره و أنقسمت الحكومة ما بين دعاة للإستسلام و أولئك الذين أرادوا مواصلة الحرب من شمال إفريقيا الفرنسية و الذين كان من بينهم ” رينود ” الا أنهم لم يصلوا الى قرار محدد بشأن تلك النقطة و كان القرار الوحيد الذي يمكن إتخاذه فى الوقت الحالى هو الإنتقال من “تورز” إلى “بوردو” .

و دخل الألمان “باريس” في 14 من يونيو عام 1940 و بعد يومين كانوا في وادي الرون و في هذه الأثناء كان “ويجاند” لا يزال يضغط من أجل هدنة مدعوما من جميع القادة الفرنسيين و أستقال من منصبه في 16 من يونيو و بناءً عليه تم تشكيل حكومة جديدة من قبل المارشال “فيليب بيتان” البطل المعروف في معركة “فردان” خلال الحرب العالمية الأولى و في ليلة 16 من يونيو تم إرسال طلب الهدنة الفرنسي إلى “هتلر” و أثناء إستمرار مناقشة الشروط أستمر التقدم الألماني الى أن وافقوا في 22 من يونيو عام 1940 و تم توقيع الهدنة الفرنسية الألمانية الجديدة التى دخلت حيز التنفيذ في وقت مبكر من يوم 25 يونيو.

و شكل إنهيار “فرنسا” في يونيو عام 1940 مشكلة بحرية كبيره بالنسبة للبريطانيين لأن البحرية الفرنسية القوية كانت لا تزال موجودة من الناحية الإستراتيجية و كان من الضرورى ألا تقع هذه السفن الفرنسية في أيدي الألمان لأنها كانت ستميل الكفة البحرية لصالحهم و بسبب عدم ثقتهم في الوعود الفرنسية بأن سفنهم الحربية سوف تستخدم فقط لمراقبة السواحل و كسح الألغام قرر البريطانيين التعامل مع الأمر لذلك و في 3 من يوليو عام 1940 أستولوا على جميع السفن الفرنسية في الموانئ الخاضعة للسيطرة البريطانية بعد أن واجهوا مقاومة شكلية فقط و لكن عندما ظهرت السفن البريطانية قبالة ميناء “مرسى الكبير ” بالقرب من “وهران” على الساحل الجزائري و طالبت سفن القوة البحرية الفرنسية الإنضمام إلى الحلفاء أو الإستسلام و رفض الفرنسيين الإذعان الى تلك الأوامر و أنتهى الأمر بمعركة بحرية تم فيها إتلاف و تدمير عددا من سفنهم و بعدها قطعت حكومة “بيتان” العلاقات الدبلوماسية مع البريطانيين و خلال الأيام الثمانية التالية أُلغي دستور الجمهورية الفرنسية الثالثة و أُنشئت دولة فرنسية جديدة تحت السلطة العليا لبيتان نفسه بينما كانت المستعمرات الفرنسية القليلة كانت قد أنضمت إلى حركة فرنسا الحرة بقيادة الجنرال “ديجول” الا أنها كانت غير مهمة من الناحية الإستراتيجية.

الهجوم على ميناء مرسى الكبير فى الجزائر
الهجوم على ميناء مرسى الكبير فى الجزائر

معركة بريطانيا

بعد إحتلال “فرنسا” أصبح لدى ” أدولف هتلر” الآن إمكانية توجيه قواته إلى العدو الوحيد المتبقي لألمانيا و هى “بريطانيا ” التي كانت محمية من الجيش الألماني بمياه القناة الإنجليزية و في 16 من يوليو عام 1940 أصدر “هتلر” توجيها يأمر بإعداد خطة لغزو “بريطانيا” و تنفيذها إذا لزم الأمر الا أنه كان هناك عقبة كبيرة أمامهم تمنع ذلك تتعلق فى إمتلاك البريطانيين لقوات بحرية ضخمه لذلك كان التفكير منصبا فى محاولة الألمان من بسط سيطرتهم على الجو في منطقة القتال و تحقيقا لتلك الغاية أصدر قائد القوات الجويه ” جورينج ” في 2 من أغسطس بوضع خطة للهجوم الجوى على “بريطانيا” و سميت “يوم النسر” و فيها من المفترض أن يقوم الطيران الألمانى بتوجيه ضربات لتدمير القوة الجوية البريطانية و بالتالي فتح الطريق أمام القوات البحرية الالمانية لتنفيذ خطة الغزو التى سميت عملية “أسد البحر” و بدأت الغارات الألمانية الا أنها وجدت مقاومة جوية شديدة من البريطانيين و بالتالى أصبحت خطة غزو “بريطانيا” غير مجدية .

و للتحضير لتلك المعركة الجويه وفرت ألمانيا ما يقارب من 2500 قاذفة و مقاتله و كانوا يتمركزون على هيئة قوس حول إنجلترا يبدء من “النرويج” شمالا حتى شبه جزيرة “شيربورج” في الساحل الشمالي لفرنسا و بدأت تلك المعارك فى يونيو و يوليو عام 1940 و بلغت ذروتها فى أغسطس و سبتمبر و بعد ذلك لم يكن لدى القوات الجوية الالمانية رؤية واضحه للهدف من تلك الهجمات ففى بعض الأحيان حاولت فرض حصار على “بريطانيا” من خلال تدمير سفن الشحن و الموانئ البريطانية و أحيانا أخرى حاولت تدمير القوات البريطانية عبر القتال و قصف منشأتها الأرضية و أحيانًا كانت تسعى لتحقيق نتائج إستراتيجية مباشرة من خلال الهجمات على “لندن” و غيرها من المراكز المكتظة بالسكان ذات الأهمية الصناعية أو السياسية.

أما على الجانب الأخر فقد أعد البريطانيين أنفسهم لذلك النوع من المعارك و التى كانوا يتوقعونها حيث أهتموا بتشغيل نظام الإنذار المبكر بالرادار وهو النظام الأكثر تقدمًا في العالم الذى كان يقدم إشعارًات و توجيهات للبريطانيين عن أين و متى عليهم توجيه قواتهم المقاتلة لصد الغارات الألمانية كما قاتل البريطانيين فى تلك المعركة و لديهم ميزة تتمثل في معداتهم المتفوقة مقابل القاذفات الألمانية التى كانت تفتقر القدرة على حمل القنابل لتوجيه ضربات مدمرة بشكل مباشر و مستمر كما أثبتت أنها عرضة بسهولة لنيران الطائرات البريطانية خلال الغارات الصباحية علاوة على قيام الرادارات البريطانية بإكتشافهم مبكرا و إضاعة عنصر المفاجأة عليهم .

و بدأت الهجمات الجوية الألمانية على الموانئ و المطارات على طول القناة الإنجليزية في يونيو و يوليو 1940 و عندما أعاد الألمان نشر قواتهم تدريجيًا تحركت الغارات اللألمانية الى داخل العمق البريطاني و في أغسطس بدأت ذروة المعركة عندما شن الألمان غارات بما يقرب من 1500 طائرة في اليوم الواحد و وجهوها ضد المطارات الحربية البريطانية و محطات الرادار في أيام 8 و 11 و 12 و 13 و خسر الألمان فيها 145 طائرة مقابل خسارة البريطانيين لـ 88 و بحلول أواخر أغسطس زادت خسائر الألمان لتصل الى أكثر من 600 طائرة أما سلاح الجو الملكي البريطانى فكانت 260 فقط و رغم خسائرهم تلك التى تعد بالقليلة مقارنة بالألمان الا أن “بريطانيا” كانت تخسر الطيارين ذوى الخبرة و التى كانت البلاد فى أمس الحاجة إليهم و في بداية سبتمبر رد البريطانيين بشن غارة غير متوقعة على “برلين” و التي أغضبت “هتلر” لدرجة أنه أمر القوات الجوية الألمانية بتحويل هجماتها من المنشآت العسكرية إلى “لندن” و مدن أخرى و استمرت الغارات بلا هوادة لعدة أشهر و بحلول 15 سبتمبر حقق البريطانيين إنجازا كبيرا من خلال تدميرهم 185 طائرة ألمانية و هو اليوم الذى أثبتوا فيه أن القوات الجوية الألمانية لا تستطيع تحقيق الهيمنة الجوية على “بريطانيا” بسبب أن المقاتلين البريطانيين كانوا ببساطة يسقطون الطائرات الألمانية بشكل أسرع مما يمكن أن تنتجه الصناعة الألمانية و هكذا تم الإنتصار في معركة “بريطانيا” و تأجيل غزوها إلى أجل غير مسمى من قبل “هتلر” و رغم خسارة البريطانيين أكثر من 900 طيار لكنهم أسقطوا حوالي 1700 طائرة ألمانية.

و خلال الشتاء التالي واصلت القوات الجوية الألمانية هجومها بالقنابل حيث نفذت هجمات بغارات ليلية على المدن البريطانية الكبرى و بحلول فبراير عام 1941 أنخفض الهجوم و لكن في مارس و أبريل كان هناك إنتعاشة فى الغارات مرة أخرى و نُفذ ما يقرب من 10000 طلعة جوية مع شن هجمات عنيفة على “لندن” و بعد ذلك تلاشت العمليات الجوية الإستراتيجية الألمانية فوق “إنجلترا” .

أوروبا الوسطى و البلقان 1940-1941

تسببت المقاومة المستمرة للبريطانيين خلال الحرب العالمية الثانية في تغيير “هتلر” لخططه مرة أخرى حيث كان من المقرر في الأصل أن يبدأ الحملة ضد “الإتحاد السوفيتي” عام 1943 بحيث يكون قد أستطاع السيطرة على بقية القارة الأوروبية و توصل إلى نوع من التسوية مع “بريطانيا ” و لكن في يوليو عام 1940 و عندما رأى أن “بريطانيا” كانت لا تزال تقاوم و أن “الولايات المتحدة” تتزايد معاداتها لألمانيا قرر أن غزو الجزء الأوروبي من “الاتحاد السوفيتي” يجب أن يتم في مايو عام 1941 و ذلك لإثبات قدرة “ألمانيا” على إستمرار محاربتها لـ “بريطانيا” و ردع “الولايات المتحدة” عن أى محاولة للتدخل في أوروبا لأن القضاء على “الاتحاد السوفيتي” سيعزز الموقف الياباني في الشرق الأقصى و المحيط الهادئ .

و أثناء التحضير لغزو “الإتحاد السوفيتي” خلال الحرب العالمية الثانية كان “هتلر” قلقًا للغاية من كيفية بسط النفوذ الألماني عبر “سلوفاكيا” و “المجر” و “رومانيا” حيث كان حريصًا على ضمان وقوفهم معه خلال ذلك الغزو و محاولة استمالة القوات التابعة لهم للإنضمام الى تحالف معه و أبلغ “هتلر” وزير الخارجية الإيطالي بنيته إرسال مهمة عسكرية إلى “رومانيا” و أزعج ذلك الأمر ” موسولينى ” لأن طموحاته فى غزو البلقان كان يتم تقييدها بإستمرار من قبل “هتلر” لا سيما فيما يتعلق بيوغوسلافيا و في 28 من أكتوبر عام 1940 و بعد أن أعطى “هتلر” تلميحات قليلة فقط عن مشروعه ذلك أطلق “موسوليني” سبع فرق إيطالية أى ما يقارب 155 ألف رجل في حرب منفصلة خاصة به ضد “اليونان” .

و توقعا منه بطلب “موسوليني” للمساعدة الألمانية في حربه تلك قام “هتلر” في نوفمبر عام 1940 بسحب “المجر” و “رومانيا” و “سلوفاكيا” على التوالي إلى قوات المحور كما حصل على موافقة “رومانيا” على حشد القوات الألمانية في جنوبها لشن هجوم على “اليونان” عبر “بلغاريا” و وافقت “المجر” على عبور تلك القوات عبر أراضيها كما وافق الوصي اليوغوسلافي الأمير “بول” و وزرائه على انضمام “يوغوسلافيا” إلى المحور .

و في هذه الأثناء كانت القوات الألمانية قد عبرت نهر الدانوب من “رومانيا” إلى “بلغاريا” في 2 من مارس عام 1941 و بناءً على ذلك و وفقًا للإتفاقية اليونانية البريطانية الموقعة في 21 فبراير أنزلت قوة استكشافية بريطانية قوامها 58 ألف رجل قادمة من “مصر” الى “اليونان” ثم في 27 من مارس عام 1941 و بعد يومين من توقيع الحكومة اليوغوسلافية في “فيينا” على إنضمامهم إلى ميثاق المحور نفذت مجموعة من ضباط بالجيش اليوغوسلافي بقيادة الجنرال “دوشان سيموفيتش” إنقلابًا في “بلجراد” و أطاحوا بالوصاية لصالح الملك “بيتر الثاني” البالغ من العمر 17 عامًا ليعكس سياسة الحكومة السابقة بعدم الإعتراف بالتوقيع الذى حدث لصالح المحور .

و في نفس الوقت تقريبًا و مع إنقلاب “بلجراد” وقعت معركة “كيب ماتابان” الحاسمة بين الأسطول البريطاني و الإيطالي في البحر الأبيض المتوسط ​​شمال غرب جزيرة “كريت” حيث كان بين البحريتين مناوشات سابقة في تلك المنطقه ​​منذ يونيو 1940 و في مارس 1941 شرعت بعض من القطع البحرية الإيطالية مشتملة على العديد من الطرادات و المدمرات في تهديد القوافل البريطانية المتجهة إلى “اليونان” و تم إرسال القوات البريطانية أيضا الى هناك لإعتراضها حيث ألتقت القوتان في صباح يوم 28 من مارس قبالة “كيب ماتابان” و تدور معركة شرسة بين الطرفين إنتهت بخسائر فادحة للإيطاليين و بعدها لم تعد البحرية الإيطالية تقوم بالمغامرات البحرية مرة أخرى في شرق البحر الأبيض المتوسط خلال الحرب العالمية الثانية .

و بالعودة الى الألمان فقد تم تأجيل هجومهم على “اليونان” و الذى كان مقررا في 1 أبريل عام 1941 بسبب انقلاب “بلجراد” و تدمير “يوغوسلافيا” حيث بدأت في تجميع حلفاء لها لغزو “يوغوسلافيا و اليونان” و وافقت “إيطاليا” على التعاون في الهجوم و وافقت “المجر و بلغاريا” على إرسال قوات لإحتلال الأراضي التي يطمعان فيها بمجرد قيام الألمان بتدمير الدولة اليوغوسلافية.

و في 6 من أبريل عام 1941 غزا الألمان كلاً من “يوغوسلافيا و اليونان” و الذى تم تنفيذه بأسلوب “الحرب الخاطفة ” الألمانى المعتاد بينما ضربت غارات جوية مكثفة العاصمة “بلجراد” و بعد سقوطها تم تطويق بقايا الجيش اليوغوسلافي الذى استسلم في 17 أبريل أما فى “اليونان” فقد أستسلم الجيش اليوناني في 22 أبريل و بعد يومين أستولى الألمان على ممر “تيرموبيلاي” الذي دافعت عنه بضراوة القوات البريطانية و دخلوا “أثينا” في 27 أبريل و سيطروا على جميع جزر بحر إيجة اليونانية باستثناء جزيرة “كريت” و التى اصبحت تحت سيطرتهم هى الأخرى بحلول 11 مايو أما الجزر الأيونية فأصبحت تحت الإحتلال الإيطالي و تم إجلاء ما تبقى من القوات البريطانية البالغ قوامها 50 ألف رجل في “اليونان” على عجل و بصعوبة كبيرة بعد ترك كل دباباتهم و معداتهم الثقيلة الأخرى وراءهم.

و عقب سقوط “يوغوسلافيا و اليونان” ذهبت حكوماتهم الملكية إلى المنفى بعد إنهيار جيوشهم و تم حل “يوغوسلافيا” تمامًا حيث تم توسيع “كرواتيا ” التي تم إعلان إستقلالها في 10 من أبريل عام 1941 لتشكل كرواتيا العظمى و دولة البوسنة و تم ضم معظم “دالماتيا” إلى “إيطاليا” و أعيد “الجبل الأسود” إلى حالة الإستقلال تحت النفوذ الإيطالى و تم تقسيم “مقدونيا” اليوغوسلافية بين “بلغاريا و ألبانيا ” و تقسيم “سلوفينيا” بين “إيطاليا و ألمانيا” و ذهب مثلث “بارانيا وباتشكا” إلى “المجر” و تم وضع “صربيا” تحت الإدارة العسكرية الألمانية .

الجبهات الأخرى 1940 – 1941

مصر وبرقة ، 1940 – صيف 1941

يعتبر المسار المعاصر للأحداث في البلقان الذى ذكرناه سابقا قد أضاع الإنتصار الأول الذي حققته القوات البرية البريطانية في الحرب العالمية الثانية و التي حدثت في شمال إفريقيا عندما أعلنت “إيطاليا” الحرب ضد “بريطانيا ” في يونيو عام 1940 حيث كان لديها ما يقرب من 300 ألف رجل تحت قيادة المارشال “رودولفو جراتسياني” في برقة (ليبيا الحالية) لمواجهة 36 ألف جندي الذين كانوا موجودين فى “مصر” تحت قيادة القائد العام البريطاني في الشرق الأوسط الجنرال “أرشيبالد ويفيل” و هى قوات كانت موجودة لحماية قناة السويس حيث كان يفصل بين هاتين القوتين المتصارعتين الصحراء الغربية و كان يتمركز البريطانيين فى “مرسى مطروح” و هى مدينة على بعد 190 كيلومتر شرق حدود برقة أما الإيطاليين فقد كانوا محتلين مدينة “سيدي براني” على بعد 275 كيلومتر غرب “مرسى مطروح” في سبتمبر 1940 و خلال ذلك الوقت تلقى “ويفيل” بعض من التعزيزات .

و بدأت المعارك عندما قرر “ويفيل” الهجوم أولاً في شمال إفريقيا يوم 7 من ديسمبر عام 1940 حيث تقدم نحو 30 ألف جندى بقيادة اللواء “ريتشارد نوجينت أوكونور” غربًا من مرسى مطروح ضد 80 ألف جندى إيطالي و رغم ذلك الفارق العددى الا أن الإيطاليين كانوا لا يمتلكون فى ” سيدى برانى ” سوى 120 دبابة فقط مقابل 275 دبابة بريطانية لذلك أقتحمت قوات “أوكونور” ثلاثة من المعسكرات الإيطالية و يتراجع الإيطاليين على طول الساحل الغربي و في 10 من ديسمبر تم إجتياح معظم المواقع القريبة من “سيدي براني” و بعدها بيوم تقدمت المزيد من الدبابات البريطانية التى واجهت أعدادا كبيرة من القوات الايطالية المنسحبة و في غضون ثلاثة أيام احتجز البريطانيين ما يقرب من 40 ألف أسير .

و خلال إنسحاب القوات الايطالية إلى “برقة” تمركزت بعض منها في منطقة “البردية” و التي حاصرتها دبابات “أوكونور” بسرعة و في 3 من يناير عام 1941 بدأ الهجوم البريطاني على “البرديه” و بعد ثلاثة أيام أستسلمت حاميتها بأكملها و كان بها 45 ألف جندى ثم تعرضت المنطقة التالية غربا و هى ” طبرق ” للهجوم في 23 من يناير و تم الإستيلاء عليها هى الأخرى و أسر من فيها و الذي بلغ عددهم 30 ألف أسير أخر .

و لإستكمال غزوهم الكامل لبرقة لم يتبقى للبريطانيين سوى الإستيلاء على ميناء “بنغازي” و في 3 من فبراير عام 1941 علم “أوكونور” أن الإيطاليين كانوا على وشك التخلي عن “بنغازي” و التراجع غربًا على الطريق الساحلي المؤدي إلى “العقيلة” لذلك أمر بجرأة الفرقة السابعة المدرعة بعبور المناطق النائية الصحراوية و إعتراض التراجع الإيطالي , و في 5 من فبراير و بعد تقدم بريطانى بلغ 275 كيلومتر خلال 33 ساعة كان البريطانيين يمنعون خط الإنسحاب الإيطالي و في صباح يوم 6 من فبراير بدأت معركة شرسة و رغم أن الإيطاليين كان لديهم عددا كبيرا من الدبابات الا أنه بحلول صباح اليوم التالي تم تدمير 60 دبابة إيطالية و التخلي عن 40 دبابة أخرى و أستسلم باقي جيش “جراتسياني” .

و بعد أن احتل البريطانيين “بنغازي” في 6 من فبراير كان بإمكانهم المضي قدمًا دون عائق الى “طرابلس” و لكن الفرصة قد ضاعت بعد أن قبلت الحكومة اليونانية عرض “تشرشل” بإرسال القوات البريطانية إلى “اليونان” من “مصر” مما يعني إنخفاضًا خطيرًا في أعداد القوة البريطانية في شمال إفريقيا حيث كان لتخفيض تلك الأعداد عواقب وخيمة فى تلك الجبهة خلال الحرب العالمية الثانية لأنه في يوم 6 من فبراير عين “هتلر” الجنرال الشاب “إروين روميل” لقيادة فرقتين ميكانيكيتين ألمانيين كان من المقرر إرسالهما في أقرب وقت ممكن لمساعدة الإيطاليين و عند وصوله إلى “طرابلس” قرر “روميل ” شن هجوم بالقوى التي كان يملكها في مواجهة القوة البريطانية المستنزفة و كان هجوما سريعا و بارعا و كلل بالنجاح و أستطاع من خلاله الإستيلاء على “أجيلة” بسهولة في 24 من مارس ثم مرسى بريقة في 31 مارس ثم أستأنف تقدمه في يوم 2 من أبريل و رغم أوامره بالتوقف في مكانه لمدة شهرين و معه 50 دبابة مدعومة بفرقتين إيطاليتين جديدتين قام البريطانيين بإخلاء “بنغازي” في اليوم التالي و بدأوا في التراجع السريع إلى “مصر” و فقدوا أعدادًا كبيرة من دباباتهم في الطريق و بحلول 11 أبريل تمت إستعادة كل “برقة” بإستثناء “طبرق” التي كانت تحميها بشكل رئيسي الفرقة التاسعة الأسترالية و كانت محاصرة من قبل قوات ” روميل ” و رغم فشل البريطانيين فى إخلاء القوات بها مرتين الا أن “روميل” فى كل الاحوال أضطر الى إيقاف تقدمه نتيجة إفراطه فى الإمدادات التى قدمت له .

شرق أفريقيا

و رغم نجاح “بريطانيا” فى جبهة شمال أفريقيا الا أنه تم التضحية به لصالح إنشاء جبهة فى البلقان ضد “ألمانيا” و هو الأمر الذى أزعج ” أرشيبالد ويفير ” لفقدانه “برقة” من أجل “اليونان” و هى بلا فائدة على الإطلاق لذلك فقد أطيح به من منصبه في صيف عام 1941 بعد أن كان انتصاره هو بداية تدمير المستعمرات الإيطالية الموجودة فى شرق إفريقيا و بالتالي القضاء على فكرة وجود أي تهديد لقناة السويس من الجنوب .

و في أغسطس عام 1940 شنت القوات الإيطالية هجومًا واسع النطاق و أجتاحت أرض الصومال البريطانية و مع ذلك كان “ويفيل” مطمئنًا بالفعل إلى تعاون الإمبراطور الإثيوبي السابق “هيلا سيلاسي” في إثارة الإثيوبيين بثورة وطنية ضد الإيطاليين و تم تعزيز قواته في “السودان” من قبل فرقتين هنديتين و عبر “هيلا سيلاسي” برفقة الرائد البريطاني ” أوردى وينجيت ” مع كتيبتين من المنفيين الإثيوبيين الحدود السودانية مباشرة إلى “إثيوبيا” و من ناحية أخرى غزا الجنرال “ويليام بلات” و الفرق الهندية “إريتريا” في 19 من يناير عام 1941 و في نفس الوقت تقريبًا تقدمت القوات البريطانية من “كينيا” بقيادة الجنرال “آلان كننجهام” إلى أرض “الصومال” الإيطالية.

و وصلت القوات البريطانية التى كانت تحت قيادة ” ويليام بلات” الى منطقة “كيرين” فى 5 فبراير حيث كانت تقيم واحدة من أفضل القوات الإيطالية بقيادة الجنرال “نيكولانجيلو كارنيميو” و تقيم دفاعًا محكما الا أنها سقطت في 26 مارس و أصبح الطريق إلى “إثيوبيا” سهلًا نسبيًا و في غضون ذلك كانت قوات ” ألان كننجهام ” تتقدم هى الاخرى شمالاً إلى “إثيوبيا” و في 6 من أبريل دخلوا الى العاصمة الإثيوبية “أديس أبابا” أخيرًا و أصبحت تلك المستعمرة الايطالية فى قبضة البريطانيين.

سوريا و العراق 1940-1941

في عام 1940 كان للأمير “عبد الإله” الوصي على عرش العراق حكومة منقسمة في داخلها بشأن الحرب حيث كان هو و وزير خارجيته “نوري السعيد” مؤيدين لبريطانيا و لكن رئيس وزرائه “رشيد علي الجيلاني” كان لديه ميول مؤيدة لألمانيا و بعد استقالته من منصبه في يناير عام 1941 أستولى “رشيد علي الجيلانى ” على السلطة في “بغداد” بمساعدة بعض من ضباط الجيش و أعلن خلع الوصي على العرش , و من ناحيتها مارست القوات البريطانية حقها ظاهريًا بموجب المعاهدة الأنجلو-عراقية التى وقعت عام 1930 لنقل القوات عبر الأراضي العراقية و أنزلت قواتها في “البصرة” في 19 من أبريل و رفضت المطالب العراقية بإرسال هذه القوات إلى “فلسطين” و نتيجة لذلك الرفض تمركزت القوات العراقية حول القاعدة الجوية البريطانية في الحبانية غربي “بغداد” و في الثاني من مايو و لخشية القائد البريطاني أن يهاجمه العراقيين أولا قرر المبادرة بالهجوم ليحقق عليهم الإنتصار خاصة بعد وصول تعزيزات لقواته من “فلسطين” , و في 30 من مايو لجأ “رشيد علي” وأصدقاؤه إلى “إيران” و أعيد “عبد الإله” وصيًا على العرش و “نوري السعيد ” أصبح رئيسا للوزراء وبقي الوجود العسكري البريطاني لدعمهم.

و خلال تلك الاحداث تقرر إرسال الإمدادات العسكرية الألمانية إلى “رشيد علي” الا أنها كانت متأخرة و بعد فوات الأوان حيث كان مقرر وصولها إلى “العراق” عبر “سوريا” التى كان مفوضها السامي الجنرال “دنتز ” تابعا لحكومة “فيشي” الفرنسية و لمنع وقوع “سوريا و لبنان” بالكامل تحت سيطرة المحور قرر البريطانيين التدخل هناك و تم إرسال القوات الفرنسية الحرة بقيادة الجنرال “جورج كاترو” بدعم بريطاني و أسترالي و هندي إلى كلا البلدين من “فلسطين” في 8 من يونيو عام 1941 و بعد أسبوع غزت القوات البريطانية “سوريا” من “العراق” و قاومت قوات “دنتز” مقاومة شديدة و بشكل غير متوقع لا سيما ضد الفرنسيين الأحرار لكنها اضطرت في النهاية إلى الإستسلام و توقيع هدنة في “عكا” في 14 من يوليو و تصبح السيطرة الإستراتيجية فى تلك المنطقة من قبل البريطانيين.

بداية الإقراض والتأجير

في 10 من يونيو عام 1940 و عندما انضمت “إيطاليا” كطرف فى الحرب العالمية الثانية بجانب “ألمانيا” و أصبح سقوط “فرنسا” وشيكًا أعلن الرئيس الأمريكي “فرانكلين روزفلت” أن “الولايات المتحدة “ستمد أيديها الى القوى الغربية و بعد سقوط “فرنسا” أتبع سياسة مساعدة البريطانيين في كفاحهم ضد الألمان حيث رتب نقل فائض العتاد الحربى الأمريكي إلى البريطانيين و ذلك بموجب إتفاقيات مختلفة بما في ذلك منحهم 50 مدمرة أمريكية قديمة مقابل القواعد الأطلسية التي تسيطر عليها “بريطانيا” كما سهل صناعة الذخيرة البريطانية في “الولايات المتحدة” التى قرر البريطانيين الإعتماد عليها دون تحفظ و بغض النظر عن قدرتهم على الدفع و بحلول ديسمبر عام 1940 كانوا قد وضعوا بالفعل طلبات شراء لأغراض عسكرية كانت أكبر بكثير مما يمكنهم دفع ثمنه .

نتيجة لذلك اقترح “تشرشل” في ديسمبر عام 1940 مفهوم الإعارة و التأجير لـ “روزفلت” و فيه تقدم “الولايات المتحدة” المواد الحربية و الغذائية و الملابس للديمقراطيات الغربية و خاصة لبريطانيا و وافق “روزفلت” و الكونجرس على مشروع قانون لتحقيق ذلك الغرض في أوائل عام 1941 و لم يخول قانون الإعارة الرئيس بنقل المواد و الخدمات و المعلومات الدفاعية إلى أي حكومة أجنبية يعتبر دفاعها حيويًا لدفاع “الولايات المتحدة” فحسب لكنه ترك لتقديره أيضا ما يجب أن يطلبه في المقابل و منح لـ “روزفلت” مطلق الحرية في متابعة سياسته الخاصة بالمساعدة المادية للقوى الغربية و خصص الكونجرس أموالاً سخية بلغت حوالي 13 مليار دولار و بحلول نوفمبر عام 1941 بدأت دول أخرى إلى جانب “بريطانيا” في تلقي مساعدات الإقراض بما في ذلك “الصين” و “الإتحاد السوفيتي”” بعد وقوع أراضيهم تحت الغزو الألمانى حيث كان “روزفلت” مصممًا بوضوح على مساعدة “الاتحاد السوفيتي” منذ البدايه لكن شكوك الرأي العام الأمريكي في الشيوعية أخرت إعلانه بأن ذلك البلد مؤهل للإعارة حتى نوفمبر 1941.

المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط 1940-1941

عند اندلاع الحرب العالمية الثانية كانت الإهتمامات الأساسية للبحرية البريطانية هي الدفاع عن “بريطانيا” من الغزو و الاحتفاظ بالسيطرة على طرق التجارة في المحيطات من أجل حماية مرور الإمدادات الأساسية من المواد الغذائية و المواد الخام لبريطانيا و قطع الطرق التجارية لقوى المحور و هى استراتيجية أثبتت نجاحها خلال الحرب العالمية الأولى حيث كان لدى “بريطانيا” قوات كافية من البوارج و حاملات الطائرات و الطرادات و السفن الأخرى لإنجاز هذه المهام.

فى المقابل كان دور البحرية الألمانية هو حماية سواحل “ألمانيا” و الدفاع عن إتصالاتها البحرية و مهاجمة اتصالات الحلفاء و دعم العمليات البرية و الجوية و هى أهداف كانت متواضعة و ليست متوافقة مع مكانة “ألمانيا” كقوة برية مهيمنة في قارة أوروبا لذلك كان لابد من تعويض ذلك الفارق خلال الحرب بإستخدام السلاح البحري الرئيسي لألمانيا و هو الغواصات التي هاجمت بها سفن الحلفاء كما فعلت في الحرب العالمية الأولى حيث زادت قدرة الألمان تلك المرة بعد سيطرتها على موانئ “بيسكاي” عقب سقوط “فرنسا” في يونيو عام 1940 و قامت بتزويدها بقواعد يمكن من خلالها غزو المحيط الأطلسي باستخدام الغواصات دون الحاجة إلى المرور عبر القناة الانجليزيه أو حول شمال الجزر البريطانية و حققت بالفعل نجاحات كبيرة من خلال الهجمات الإنفرادية التي شنتها تلك الغواصات ليلا الا أنها تضائلت لاحقا نظرا لإمتلاك السفن السطحية البريطانية جهاز ASDIC للكشف عن الغواصات و بحلول ربيع عام 1941 و بتوجيه من الأدميرال “كارل دونيتز” كان قادة الغواصات يغيرون تكتيكهم من العمليات الفردية إلى تكتيكات الذئاب و هى هجمات بمجموعات من الغواصات التى تتجمع عبر الراديو عند مشاهدة أحدهم لأى من أهداف الحلفاء .

و بجانب الغواصات الألمانية أصبح الأسطول الألماني السطحي أكثر نشاطًا ضد التجارة البحرية للحلفاء حيث كانت تغير على القوافل الغير مصحوبة بسفن حربية و حققت نجاحًات كبيرًة فى الفترة من أكتوبر عام 1940 و مايو 1941 كما تم إطلاق سفينة حربية حديثة و هى “بسمارك” و طراد جديد ” برينز يوجين ” و الذين تم تحديد موقعهم بواسطة الإستطلاع البريطاني في بحر الشمال بالقرب من “بيرجن” و تتبعهم من نقطة شمال غرب “أيسلندا” من قبل طرادين بريطانيين و قد أشتبكت السفينتان الألمانيتان في 24 مايو مع الطراد البريطانى “هود” و السفينة الحربية “أمير ويلز” و أدت المعركة الى هروب ” برينز يوجين ” و إعطاب “بسمارك” عن العمل لذلك قرر قائدها الأدميرال “جونتر لوتجينز” أن يذهب الى الساحل الفرنسي لصيانتها و بعدها شوهدت مرة أخرى على بعد 1060 كيلومتر غرب “بريست” و غرقت فى 27 من مايو بعد قصفها من قبل السفن الحربية البريطانية “الملك جورج الخامس” و “رودني” و “دورسيتشاير” .

و أنتهى عام 1941 ببعض الإنتصارات البحرية للمحور فى البحر الأبيض المتوسط حيث نسفت الغواصات الألمانية السفن الحربية البريطانية ” أرك رويال ” فى 13 من نوفمبر و بعد مرور 12 يوما تم تدمير السفينة ” بارهام” و دخل رجال الضفادع البشرية الإيطاليين إلى ميناء الإسكندرية في 19 من ديسمبر و تمكنوا من إعطاب البوارج الحربية “الملكة إليزابيث” و “فاليانت” ؛ كما غرقت طرادات بريطانية أخرى في مياه البحر الأبيض المتوسط خلال شهر ديسمبر.

الاستراتيجية الألمانية 1939-1942

أعتمدت الاستراتجية الالمانية خلال الحرب العالمية الثانية على رؤى بعيدة المدى وضعها نظام الزعيم ” أدولف هتلر ” من خلال برنامجه الذى وضعه عند وصوله الى السلطة و الذى تمحور حول توطيد هيمنة “ألمانيا” على أوروبا الوسطى ثم رفعها إلى مكانة القوى العظمى عبر مرورها بمرحلتين الأولى هى بناء إمبراطورية تحتضن كل أوروبا بما في ذلك الجزء الأوروبي من “الاتحاد السوفيتي” و الثانية هى وصول “ألمانيا” إلى مرتبة متساوية مع الإمبراطورية البريطانية و “اليابان” و “الولايات المتحدة” و هى القوى العالمية الوحيدة التي بقيت بعد القضاء على “فرنسا” و ” الإتحاد السوفيتى ” من خلال الاستيلاء على المستعمرات في أفريقيا و بناء أسطول قوي بقواعد منتشرة على المحيط الأطلسي حيث توقع “هتلر” لاحقا صراعًا حاسمًا بين “ألمانيا” و “الولايات المتحدة” و كان يأمل خلاله أن تكون “بريطانيا العظمى ” حليفًا لألمانيا .

و بجانب ذلك كان من المفترض أن يسبق ذلك غزو الجزء الأوروبي من “الإتحاد السوفيتي” و الذي تم تأريخه في تقويم هتلر تقريبًا فى الفترة ما بين 1943 و 1945 و يسبق ذلك الغزو حملات محلية قصيرة في أماكن أخرى من أوروبا لتوفير درع إستراتيجي و تأمين مؤخرة “ألمانيا” من أجل قيادة حملة كبيرة للغزو في الشرق و التي ارتبطت أيضًا بإبادة اليهود حيث كانت أهم تلك الحملات هى الموجهة ضد “فرنسا” و كان مطلوبا أن يكون الصراع داخل قارة أوروبا و تجنب أي حرب عالمية لأنه و بعد سيطرة الرايخ الألماني على القارة الأوروبية بأكملها سيكون لديها القاعدة الاقتصادية و المدى الإقليمي اللذين كانا شرطًا أساسيًا للنجاح فى دخول أى حرب كبرى ضد القوى العالمية فى ما وراء المحيطات .

و كان “هتلر” يفكر دائمًا في الإطاحة بالنظام السوفيتي و على الرغم من أنه وقع على ميثاق عدم الاعتداء الألماني السوفيتي عام 1939 كمسألة نفعية فى بداية الحرب العالمية الثانية إلا أن معاداة البلشفية ظلت أكثر قناعاته العاطفية عمقا و قد أثيرت مشاعره من جديد بسبب الإحتلال السوفيتي لدول البلطيق في يونيو عام 1940 وما تبع ذلك من قرب القوات السوفيتية من حقول النفط الرومانية التي تعتمد عليها “ألمانيا” و أصبح “هتلر” متشككًا بشدة في نوايا الزعيم السوفيتي “جوزيف ستالين” و بدأ يشعر أنه لا يستطيع الانتظار لإستكمال إخضاع أوروبا الغربية قبل التعامل مع السوفييت لذلك فقد قرر هو و جنرالاته أن يكون غزو “الاتحاد السوفيتي” في منتصف مايو عام 1941 و لكن الضرورة غير المتوقعة لغزو “يوغوسلافيا” و “اليونان” في أبريل من ذلك العام أجبرتهم على تأجيل الحملة السوفيتية إلى أواخر يونيو حيث مكنته سرعة إنتصاراته في البلقان من الإلتزام بهذا الجدول الزمني المعدل حيث كان “هتلر” و القيادة العليا للجيش الألماني مقتنعين بأن الجيش الأحمر يمكن هزيمته خلال فترة لا تتجاوز شهرين أو ثلاثة أشهر و بحلول نهاية أكتوبر كان الألمان قد احتلوا الجزء الأوروبي بأكمله من “روسيا” و “أوكرانيا” غربًا تحت مسمى “العملية بربروسا”.

غزو الاتحاد السوفيتي 1941

بالنسبة للحملة ضد “الإتحاد السوفيتي” خصص الألمان ما يقرب من 150 فرقة تضم ما مجموعه حوالي 3 ملايين جندى و من بين هؤلاء 19 فرقة بانزر و في المجموع كانت قوة العملية “بربروسا” تضم حوالي 3000 دبابة و 7000 قطعة مدفعية و 2500 طائرة بشكل كان يمثل أكبر و أقوى قوة غزو ليس فى الحرب العالمية الثانية فحسب و لكن في تاريخ البشرية .

و على الجانب الأخر كان لدى “الاتحاد السوفيتي” ثلاثة أضعاف عدد الدبابات و الطائرات التى كانت لدى الألمان و لكن طائراتهم كانت قديمة أما الدبابات السوفيتية فكانت مكافئة للألمانية و كان العائق الأكبر أمام “هتلر” لتحقيق إنتصار ساحق هو أن مخابراته قللت من تقدير إحتياطيات القوات التي يمكن لستالين أن يجلبها من أعماق “الاتحاد السوفيتي” و هو أمر ثبت أنه معاكس تماما للواقع حيث أعتمد السوفييت على أكثر من 200 فرقة جديدة بحلول منتصف أغسطس ليصبح المجموع 360 فرقة و كانت النتيجة أنه على الرغم من أن الألمان نجحوا في تحطيم الجيوش السوفيتية الأساسية نتيجة إعتمادهم على تسليح متقدم الا أنهم وجدوا طريقهم مسدودًا بفعل القوات الجديدة التى تمت تعبئتها حيث كانوا يعتقدون أنه في غضون ثلاثة إلى ستة أشهر من غزوهم سينهار النظام السوفيتي بسبب نقص الدعم المحلي .

و كان من الواضح أن الهجوم الألماني على “الاتحاد السوفيتي” له تأثير فوري مفيد للغاية على وضع “بريطانيا” حيث بدا ان الهجوم عليها أصبح أمرا ميئوسا منه عند الألمان و رغم ذلك قررت الحكومة البريطانية المضى قدما فى مواصلة النضال بعد سقوط “فرنسا” و رفض عروض السلام التي قدمها “هتلر” بشكل قد يؤدى الى إنتحار بطيئ للبريطانيين ما لم تأت النجدة من “الولايات المتحدة” أو “الإتحاد السوفييتي” و التى أتت بعد توجه ” هتلر ” الى الشرق و هو أمرا ساهم فى تخفيف الضغط الى حد ما عليهم .

و في 22 من يونيو عام 1941 شنت ثلاث مجموعات من الجيش لألماني و تحت إشراف من نفس القادة العسكريين الذين قاموا بغزو “فرنسا” عام 1940 حيث هجمت مجموعة من شرق بروسيا عبر دول البلطيق بقيادة ” ليب ” متجهة الى “لينينجراد” و تقدمت مجموعة أخرى بقيادة “روندستيدت” برفقة مجموعة مدرعة بقيادة “كليست” من جنوب “بولندا” إلى “أوكرانيا” أما في الوسط فقد تم توجيه الضربة الرئيسية من قبل مجموعة القائد “بوك” برفقة مجموعة مدرعة بقيادة “جوديريان” وأخرى تحت قيادة “هوث” متجهة نحو سمولينسك و موسكو.

العملية بارباروسا و غزو الاتحاد السوفيتي خلال الحرب العالمية الثانية
هجوم الألمان على الأراضى السوفيتية

فاجأ الغزو الذى كان على طول جبهة يبلغ طولها 2900 كيلومتر القيادة السوفيتية تمامًا حيث كان الجيش الأحمر فى البداية غير مستعدا للدفاع حيث تقدمت دبابات “جوديريان” لمسافة 80 كيلومتر وراء الحدود في اليوم الأول من الغزو و لم تستطع قوات مشاة “بوك” المرافقة لهم فى المتابعة بالسرعة الكافية لإكمال تطويق القوات السوفيتية في المنطقة , و على الرغم من أسر 300 ألف جندى سوفيتى تمكن جزء كبير من القوات السوفيتية من الفرار إلى الشرق حيث كان بعضها محاصرا الا أنهم قاتلوا بعناد و ضراوة بعكس الفرنسيين حيث عطلت مقاومتهم التقدم الالمانى لفترة و بحلول منتصف شهر يوليو كانت سلسلة من العواصف المطيرة تقوم بتحويل الطرق الروسية الرملية إلى طين مسدود بشكل يجعل مركبات النقل الألمانية ذات العجلات المتحركة خلف الدبابات تحقق تقدمًا بطيئًا للغاية كما بدأت سياسة الأرض المحروقة التي تبناها السوفييت المنسحبين في إعاقة الألمان حيث أحرقت القوات السوفيتية المحاصيل و دمرت الجسور و أخلت المصانع في مواجهة التقدم الألماني و تم تفكيك بعضها مثل مصنع الصلب و الذخيرة بالكامل الموجود في الأجزاء الغربية من “الاتحاد السوفيتي” و شحنه بالسكك الحديدية إلى الشرق حيث أعيدت إلى الإنتاج مرة أخرى كما قام السوفييت أيضًا بتدمير معظم عربات السكك الحديدية و بالتالي حرمان الألمان من إستخدام نظام السكك الحديدية السوفيتي نظرًا لأن مسار السكة الحديدية السوفيتية كانت بمقياس مختلف عن المسار الألماني و بالتالي كان القطارات الألمانية غير مجدية عليه.

و رغم تلك العقبات الا أنه و بحلول منتصف يوليو تقدم الألمان أكثر من 640 كيلومتر داخل العمق السوفيتى و كانوا على بعد 320 كيلومتر فقط من العاصمة “موسكو” و كان لا يزال لديهم متسع من الوقت لتحقيق مكاسب حاسمة قبل بداية الشتاء لكنهم فقدوا الفرصة بسبب الجدال طوال شهر أغسطس بين “هتلر” و قياداته العسكرية حول طبيعة التوجهات التالية حيث أقترح قيادات الجيش الألمانى أن تكون “موسكو” هدف رئيسي بينما أراد “هتلر” توجيه الجهد الرئيسي نحو “أوكرانيا” و ” القوقاز” مع تقدم طفيف ضد “لينينجراد” .

في غضون ذلك و في “أوكرانيا” قام “روندستيدت” و “كلايست” بهجوم على أهم الدفاعات السوفيتية و التى تم كسرها جنوب “كييف” بنهاية يوليو و في خلال الأسبوعين التاليين تقدم الألمان إلى مصبات نهري “باج” و “دينيبر ” في البحر الأسود ليتقاربوا مع الهجوم الروماني المتزامن ثم صدرت الأوامر الى “كلايست” بالتحرك شمالاً من “أوكرانيا” و “جوديريان” جنوباً من “سمولينسك” لاقامة كماشة حول القوات السوفيتية خلف “كييف” و التى بحلول نهاية سبتمبر أسفرت عن أسر 520 ألف جندى سوفيتى حيث كانت تلك الحصارات العملاقة تنبع من أخطاء للقادة السوفييت الذين كانوا غير أكفاء بالاضافة الى خطأ من “ستالين” و الذى بصفته قائدا عاما تجاوز نصيحة جنرالاته بعناد و أمر جيوشه بالوقوف و القتال بدلاً من السماح لهم بالتراجع شرقاً و إعادة تجميع صفوفهم إستعداداً لهجوم مضاد و كان الشتاء يقترب لذلك أوقف “هتلر” تقدم “ليب” في ضواحي “لينينجراد” و أمر “روندستيدت” و “كلايست” بالضغط تجاه نهر الدون و القوقاز أما قوات ” بوك ” فكان عليها إستئناف التقدم نحو “موسكو” .

و بدأ تقدم “بوك” المتجدد على “موسكو” في 2 من أكتوبر عام 1941 و بدت آفاقه مشرقة عندما قامت جيوش “بوك” بتطويق كبير حول منطقة “فيازما” و أسر 600 ألف جندي سوفيتي إضافي و أصبح الطريق نظريا شبه ممهد للألمان نحو ” موسكو ” الا أن ذلك التقدم لم يكتمل حيث كانت القوات الألمانية متعبة و أصبحت البلاد مستنقعًا حيث ساء الطقس و ظهرت القوات السوفيتية الجديدة في الطريق و هي تتقدم ببطء إلى الأمام لذلك أراد بعض الجنرالات الألمان وقف الهجوم و إتخاذ الإستعدادات لموسم الشتاء لكن “بوك” أراد المضي قدمًا معتقدًا أن السوفييت على وشك الإنهيار و بما أن ذلك كان يتوافق أيضًا مع رغبة “هتلر” فإنه لم يعترض حيث كان إغراء سقوط “موسكو” و الذي أصبح قريبًا جدًا من أعينهم أكبر من أن يقاومه أي من كبار القادة و في 2 من ديسمبر بدأت بعض الفصائل الألمانية فى التوغل بضواحي “موسكو” لكن التقدم ككل توقف في الغابات التي تغطي العاصمة بسبب آثار الشتاء الروسي حيث كانت درجات الحرارة تسجل تحت الصفر و كان يعتبر الأشد منذ عدة عقود حيث تسببت موجة شتوية باردة فى حالات كثيرة من الإصابة بقضمة الصقيع التى قضت على العديد من القوات الألمانية التي كانت ترتدي ملابس سيئة و لم يتم توفير ملابس شتوية لها بينما شلت الثلوج وسائل النقل و الدبابات و المدفعية و حتى الطائرات الألمانية و على النقيض من ذلك كان السوفييت يرتدون ملابس جيدة و يميلون إلى القتال بشكل أكثر فعالية في الشتاء أكثر من الألمان و بحلول هذا الوقت أرتفعت الخسائر الألمانية إلى مستويات لم يسمع بها أحد في الحملات ضد “فرنسا” و البلقان حيث تكبد الألمان 730 ألف قتيل بحلول شهر نوفمبر .

و فى الجنوب وصلت قوات ” كلايست ” الى “روستوف أون دون” التى تعد بوابة القوقاز في 22 من نوفمبر لكن حملته أستنفذت وقود الدبابات و قام الجنرال ” روندستيدت ” بمسح المكان حيث قال أنه من الصعب الدفاع عنه و أراد إخلاءه و لكن تم رفض ذلك الطلب من قبل “هتلر” و نتيجة لذلك أستعاد الهجوم السوفيتي المضاد منطقة “روستوف” في 28 نوفمبر و تم إعفاء “روندستيدت ” من قيادته و مع ذلك تمكن الألمان من إنشاء جبهة على نهر “ميوز” كما أوصى “روندستيدت” و مع تباطؤ الحملة الألمانية ضد “موسكو” أطلق القائد السوفيتي على جبهة “موسكو” الجنرال “جورجي كونستانتينوفيتش جوكوف” في 6 من ديسمبر أول هجوم مضاد كبير ضد الجبهة اليمنى من قوات “بوك” حيث تم إستخدام جنود القوات السيبيرية الذين كانوا مقاتلين فعالين للغاية في الطقس البارد و تبع ذلك هجوم على الجبهة اليسرى حيث أستمر ذلك الأمر طوال شتاء 1941-1942 أسفرت عن تراجع الألمان المنهكين و إلتفاف القوات السوفيتية حول أجنحتهم و بدأ ينتاب الألمان أفكار مروعة عن سابقة إنسحاب “نابليون بونابرت” من “موسكو” و هو الامر الذى دفع “هتلر” لرفض أي تراجع بشكل عرّض قواته إلى معاناة مروعة في مواقعهم المتقدمة أمام “موسكو” لأنهم لم يكن لديهم الملابس و لا المعدات اللازمة لحملة الشتاء الروسية .

و استمر الهجوم المضاد الشتوي للجيش الأحمر لأكثر من ثلاثة أشهر بعد إطلاقه في ديسمبر و بحلول مارس عام 1942 كانت القوات السوفيتية قد تقدمت أكثر من 240 كيلومتر في بعض القطاعات لكن الألمان حافظوا على سيطرتهم على المعاقل الرئيسية لجبهاتهم الشتوية مثل بلدات “شلوسيلبورج ونوفجورود و رزيف و فيازما و بريانسك و أوريول و كورسك و خاركوف و تاجانروج” و أصبح من الواضح أن فيتو “هتلر” على أي انسحاب واسع النطاق قد نجح في إستعادة ثقة القوات الألمانية و ربما إنقاذها من الإنهيار على نطاق واسع و مع ذلك فقد دفعوا ثمناً باهظاً بشكل غير مباشر لهذا الدفاع الصارم حيث أستنزفت القوات الجوية الألمانية تماما نتيجة محاولاتها الحفاظ على الإمدادات مستمرة الى الحاميات فى المدن المعزولة عن طريق الجو في ظل ظروف الشتاء حيث كان للإجهاد الهائل لتلك الحملة على الجيوش خلال البرد القارص الذي لم يكونوا مستعدين له آثار خطيرة حيث تم تقليص العديد من الفرق الألمانية إلى ثلث قوتها الأصلية و لم يتم بناؤها بالكامل مرة أخرى.

و خلال الغزو الألمانى للإتحاد السوفيتى خلال الحرب العالمية الثانية أنتجت الأشهر الثلاثة الأولى من ذلك الصراع تقاربًا حذرًا بين “الاتحاد السوفيتي” و “بريطانيا” و “الولايات المتحدة” و تعهدت الاتفاقية الأنجلو-سوفيتية الموقعة في 12 من يوليو عام 1941 بمساعدة بعضها البعض و الإمتناع عن صنع أي سلام منفصل مع “ألمانيا” و في 25 من أغسطس عام 1941 غزت القوات البريطانية و السوفيتية “إيران” بشكل مشترك لإحباط إنشاء قاعدة ألمانية هناك و في أواخر سبتمبر و في مؤتمر عُقد في “موسكو” صاغ ممثلو “الاتحاد السوفيتي” و “بريطانيا ” و ” الولايات المتحدة ” الكميات الشهرية للإمدادات بما في ذلك الطائرات و الدبابات و المواد الخام التي يجب أن تحاول “بريطانيا ” و “الولايات المتحدة” تقديمها إلى “الاتحاد السوفيتي” .

و لم يمنع الوضع الحرج على الجبهة الشرقية “هتلر” من إعلان أن “ألمانيا” في حالة حرب مع “الولايات المتحدة” في 11 من ديسمبر عام 1941 بعد الهجوم الياباني على المواقع الأمريكية و البريطانية و الهولندية في المحيط الهادئ و الشرق الأقصى خاصة و أن هذا التوسع في الأعمال العدائية لم يلزم القوات البرية الألمانية على الفور بأي مسرح حربى جديد و لكن في الوقت نفسه كان له ميزة تخويل البحرية الألمانية بتكثيف الحرب في البحار.

الحرب العالمية الثانية في المحيط الهادئ 1938-1941

الحرب العالمية الثانية في الصين 1937-1941

في الفترة من عام 1931 الى 1932 و قبل بداية الحرب العالمية الثانية رسميا غزا اليابانيين منشوريا “شمال شرق الصين” و بعد التغلب على المقاومة الصينية الضعيفة هناك أنشأوا دولة “مانشوكو” العميلة التي تسيطر عليها “اليابان” و في السنوات التالية كان يحكم ” الصين ” حكومة قومية مؤقته برئاسة “شيانج كاي تشيك” و بدلا من مواجهة الضغوط العسكرية و الدبلوماسية اليابانية شنت حربًا داخلية ضد الشيوعيين الصينيين بقيادة “ماو تسي تونج” الذي كان مقره في مقاطعة “شنسي” شمال وسط الصين و في غضون ذلك بدأ اليابانيين بحشد عسكري كبير شمال الصين و هو الامر الذى أجبر الصينيين على تشكيل مقاومة موحدة من قبل القوميين و الشيوعيين .

و فى 7 من يوليو عام 1937 بدأت الأعمال العدائية العلنية بين “اليابان” و “الصين” بعد حادثة جسر “ماركو بولو” عندما تم تبادل إطلاق النار بين القوات الصينية و اليابانية في ضواحي “بكين” و اندلاع قتال مفتوح بين الطرفين و في أواخر يوليو استولى اليابانيين على منطقة “بكين-تينتسين” التى كانت بداية الأعمال العدائية واسعة النطاق بين البلدين حيث هبط اليابانيين بالقرب من مدينة “شنغهاي” عند مصب نهر اليانجتسي و نجحوا فى الاستيلاء عليها في نوفمبر تلاها العاصمة الصينية “نانكينج” في ديسمبر من نفس العام الامر الذى اجبر “شيانج كاي شيك” على نقل حكومته إلى “هان كو” و هى مدينة فى احد جبال “ووهان” التي تقع على بعد 435 ميلاً غرب “شنغهاي” كما توغل اليابانيين جنوبًا و غربًا من منطقة “بكين” إلى مقاطعتي “هوبيه و شانسي” و في عام 1938 شنوا عدة حملات عسكرية طموحة دفعتهم إلى التعمق فى وسط “الصين” و تساقطت المدن تباعا و احتلت مدينة “ووهان” و أُجبر القوميون مرة أخرى على نقل حكومتهم إلى “تشونجكينج” في مقاطعة “سيشوان” على بعد حوالي 500 ميل إلى الغرب من مدينة “ووهان” كما احتل اليابانيين العديد من المدن الساحلية الأخرى في جنوب “الصين” عام 1938.

كانت المقاومة الصينية القومية لهذه التطورات اليابانية غير فعالة و يرجع ذلك أساسًا إلى أن القيادة القومية كانت لا تزال مهتمة باحتفاظ قواتها باحتياطي لصراع مستقبلي مع الشيوعيين أكثر من اهتمامها بصد اليابانيين و على النقيض من ذلك بدأ الشيوعيين من قاعدتهم في شمال وسط “الصين” بحرب عصابات متزايدة الفعالية ضد القوات اليابانية في “منشوريا” و شمال “الصين” و احتاج اليابانيين إلى أعداد كبيرة من القوات لضمان استمرار سيطرتهم على الأراضي الصينية الهائلة و تعدادها السكانى الضخم حيث تمركزت 38 فرقه مشاه من أصل 51 فرقة كانت تشكل الجيش الياباني عام 1941 و التى ضمت 750 ألف جندى يابانى فى “الصين” فقط .

السياسة اليابانية 1939-1941

عندما اندلعت الحرب العالمية الثانية في أوروبا في سبتمبر عام 1939 كان اليابانيين و رغم خوضهم سلسلة من المعارك و انتصارهم فيها لم يستطيعوا انهاء حربهم في “الصين” بسبب أن الاستراتيجيين اليابانيين لم يضعوا خططا محددة للتعامل مع حروب العصابات التى يقوم بها الصينيين بالاضافة الى أنه غالبًا ما تجاهل القادة اليابانيين الميدانيين أوامر قيادتهم العليا في المقر الإمبراطوري و احتلوا المزيد من الأراضي الصينية بشكل اكبر مما أُمروا بأخذها و هكذا كان نصف الجيش الياباني لا يزال مقيدًا في “الصين” و عندما أدى التزام “بريطانيا ” و “فرنسا” بالحرب ضد “ألمانيا” لفتح جبهات أوسع في جنوب شرق آسيا و المحيط الهادئ عمل ذلك على تقييد المشاريع العسكرية اليابانية في “الصين” نفسها من الآن فصاعدًا.

و نتيجة الانتصارات الألمانية على “هولندا” و “فرنسا” فى بدايات الحرب العالمية الثانية عام 1940 تشجع رئيس الوزراء الياباني الأمير “كونوي” على النظر جنوبًا إلى مستعمرات تلك القوى المهزومة و أيضًا إلى المواقع البريطانية و الأمريكية في الشرق الأقصى مثل أرخبيل جزر الهند الشرقية الهولندية “إندونيسيا ” جنبًا إلى جنب مع الهند الصينية الفرنسية و الملايو التي تسيطر عليها “بريطانيا” و الذين يمتلكون مواد خام مثل القصدير و المطاط والنفط و هى ضرورية للاقتصاد الصناعي الياباني لذلك فإذا تمكنت “اليابان” من الاستيلاء على هذه المناطق و دمجها فى امبراطوريتها فيمكن أن يجعلها مكتفية ذاتيًا و بالتالي تصبح القوة المهيمنة في المحيط الهادئ و نظرًا لأن “بريطانيا ” كانت تواجه بمفردها قوى المحور في أوروبا كان على الاستراتيجيين اليابانيين أن يحسبوا في المقام الأول مدى معارضة “الولايات المتحدة” لخططهم نحو التوسع الإقليمي و ذلك لأنه عندما دخلت القوات اليابانية شمال الهند الصينية في سبتمبر عام 1940 بموجب اتفاق تم ابرامه في أغسطس مع حكومة فيشي الفرنسية أصدرت “الولايات المتحدة” احتجاجًا على ذلك و هو عكس ما قامت به “ألمانيا و إيطاليا” التى أعترفت بالسلطة اليابانية على ذلك الأقليم و باليابان كقوة رائدة في الشرق الأقصى و ذلك نتيجة إبرام اتفاق ثلاثي بينهم في 27 من سبتمبر عام 1940 حيث كان ممثلا لليابان وزير خارجيتها “ماتسوكا يوسوكي” و الذى تعهد بمساعدة قوات المحور في حالة وقوع هجوم عليهم من قبل قوة لم تشارك بالفعل في الحرب بالاضافة الى ابرام “اليابان” اتفاقية حياد مع “الاتحاد السوفيتي” في 13 أبريل عام 1941.

و في 2 من يوليو عام 1941 قرر المؤتمر الإمبراطوري تقدم اليابان جنوبا حتى رغم وجود خطر اندلاع حرب مع “بريطانيا” و “الولايات المتحدة” و تم اتباع هذه السياسة حتى عندما تم إعفاء “ماتسوكا” من منصبه بعد مرور أسبوعين في 26 من يوليو وفقًا لاتفاقية جديدة مع حكومة “فيشي” الفرنسيه و بدأت القوات اليابانية باحتلال القواعد الفرنسيه في جنوب الهند الصينية الا أن هذه المرة كان رد فعل “الولايات المتحدة” قويًا حيث لم تقم فقط بتجميد الأصول اليابانية الخاضعة لسيطرة “الولايات المتحدة” و لكن أيضًا بفرض حظر على إمدادات النفط لليابان الامر الذى كان له تداعيات مرعبه دفعت القيادة البحرية اليابانية التي كانت أكثر اعتدالا من باقى أفرع الجيش الى تغيير قناعتها و الميل للاراء المتطرفة داخل الجيش خاصة عندما لم تسفر المفاوضات مع الهولنديين الإندونيسيين عن إمدادات بديلة من النفط و هو الامر الذى دفع المؤتمر الإمبراطوري في 6 من سبتمبر و بناءً على إصرار من القيادة العليا على أنه يجب شن حرب ضد “الولايات المتحدة” و “بريطانيا ” ما لم يتم التوصل إلى تفاهم مع الامريكيين في غضون أسابيع قليلة.

و واصل الجنرال “توجو هيديكي” الذي خلف “كونوي” كرئيس للوزراء في منتصف أكتوبر عام 1941 المحادثات اليائسة بالفعل و مع ذلك استمرت “الولايات المتحدة” في تقديم مطالب لا يمكن لليابان التنازل عنها و هى التخلي عن الاتفاقية الثلاثية التي كانت ستجعل “اليابان” معزولة دبلوماسيًا و انسحاب القوات اليابانية من “الصين” و من جنوب شرق آسيا و هو بمثابة تراجع مذل لهم , و فى 26 من نوفمبر عام 1941 أرسل وزير الخارجية الأمريكي “كورديل هال” مذكرة مفاجئة إلى اليابانيين تطالبهم صراحةً بإخلاء الصين و الهند الصينية و عدم الاعتراف بأي نظام صيني آخر غير نظام “تشيانج كاي شيك ” و هو الامر الذى رأه اليابانيين انه لا جدوى من مواصلة المحادثات .

و نظرًا لأن السلام مع “الولايات المتحدة” أصبح مستحيلًا فقد شرعت “اليابان” في تنفيذ خططها للحرب و التي من شأنها أن تشن هجومها ليس فقط ضد “الولايات المتحدة” و لكن أيضًا ضد “بريطانيا ” حيث استندت الاستراتيجية العسكرية اليابانية المتطورة إلى الجغرافيا المميزة للمحيط الهادئ و على الضعف النسبي و عدم الاستعداد للوجود العسكري للحلفاء في ذلك المحيط نظرا لأن النصف الغربي من المحيط الهادئ يتخلله العديد من الجزر الكبيرة و الصغيرة بينما النصف الشرقي باستثناء جزر “هاواي” تعتبر خالية تقريبًا من اليابسة و بالتالي من القواعد الصالحة للاستخدام.

كان عدد القوات العسكرية البريطانية و الفرنسية و الأمريكية و الهولندية في منطقة المحيط الهادئ بأكملها غرب “هاواي” تضم 350 ألف جندى تقريبا معظمهم يفتقرون إلى الخبرة القتالية لأنهم من جنسيات مختلفة و كانت القوة الجوية للحلفاء في المحيط الهادئ ضعيفة و تتألف في الغالب من طائرات قديمة لذلك فإذا كان بإمكان اليابانيين بجيوشهم الكبيرة و المجهزة تجهيزًا جيدًا و التي تم تقويتها في معارك “الصين” من شن هجمات منسقة و سريعًه من قواعدهم الحالية في بعض جزر المحيط الهادئ الواقعة تحت الانتداب الياباني في “تايوان” و من “اليابان” نفسها فإنهم يمكن أن يجتاحوا قوات الحلفاء و يبدأون فى السيطرة على غرب المحيط الهادئ بأكمله و كذلك فى جنوب شرق آسيا ثم تطوير موارد تلك المناطق لمصلحتهم الصناعية العسكرية و إذا نجحوا فى حملاتهم فسيكون بامكانهم إنشاء محيط دفاعي محصن بقوة تمتد من “بورما” في الغرب إلى الحافة الجنوبية لجزر الهند الشرقية الهولندية ” اندونيسيا ” و شمال غينيا الجديدة في الجنوب و اعتقد اليابانيين أن أي هجمات مضادة أمريكية و بريطانية ضدهم فى هذا المحيط يمكن صدها و بعدها ستسعى تلك الدول في النهاية إلى سلام تفاوضي يسمح لليابان بالاحتفاظ بإمبراطوريتها المكتسبة حديثًا.

و حتى نهاية عام 1940 افترض الاستراتيجيين اليابانيين أن أي حرب جديدة كانت ستشن ضد عدو واحد و عندما أصبح واضحًا عام 1941 أنه يجب مهاجمة البريطانيين و الهولنديين و كذلك الأمريكيين فقد تم وضع خطة حرب جديدة و جريئة من قبل القائد العام للأسطول المشترك الأدميرال “ياماموتو إيسوروكو” و التى حددت هدفين معًا يتم تنفيذهم بكامل قواته البحريه التي كانت تتألف من 10 بوارج و ست حاملات طائرات عادية و أربع ناقلات مساعدة و 18 طرادات ثقيلة و 20 طرادات خفيفة و 112 مدمرة و 65 غواصة و 2274 طائرة مقاتلة حيث كان الهدف الأول شن هجومًا مفاجئًا من المقرر إجراؤه في 7 ديسمبر (8 ديسمبر بتوقيت اليابان) على الأسطول الأمريكي الرئيسي في المحيط الهادئ بقاعدته في “بيرل هاربر” في جزر هاواي اما الهدف الثانى فهو دعم الجيش في “العملية الجنوبية” للاستيلاء على منطقة جنوب شرق أسيا و تأمينها دفاعيا .

هجوم بيرل هاربور والتوسع الياباني حتى يوليو 1942

وفقًا لخطة “ياماموتو” أبحرت القوة الضاربة لحاملات الطائرات بقيادة الأدميرال “ناجومو تشويتشي” شرقًا دون أن يكتشفها أي استطلاع أمريكي حتى وصلت إلى نقطة 275 ميلًا شمال هاواي و من هناك و فى يوم الأحد 7 من ديسمبر عام 1941 تم إطلاق ما يقارب 360 طائرة هجومية منوعه على موجتين في الصباح الباكر متجهة الى القاعدة البحرية الأمريكية العملاقة في “بيرل هاربور” حيث فوجئ الأمريكيين بذلك الهجوم و أصيبت جميع البوارج الثمانية الموجودة في الميناء ( تم اصلاح 6 منهم لاحقا و اعادتهم الى الخدمه ) و تضررت ثلاث طرادات و ثلاث مدمرات و كاسحة ألغام و سفن أخرى كما تم تدمير أكثر من 180 طائرة و إلحاق أضرار بأخرى حيث كان معظمهم متوقفين فى المطارات و قتل أكثر من 2330 جندي و جرح أكثر من 1140 و كانت الخسائر اليابانية صغيرة نسبيًا و رغم كل ذلك الا أن الهجوم الياباني فشل في أحد الجوانب الحاسمة حيث نجت حاملات الطائرات الثلاث التابعة لأسطول المحيط الهادئ الامريكى التى كانت لحسن حظ الامريكيين متواجدة في البحر وقت الهجوم كما نجت المنشآت الساحلية و مرافق تخزين النفط في “بيرل هاربر” من التلف و أدى ذلك الهجوم ايضا إلى توحيد الرأي العام الأمريكي و إزالة أي دعم متبقي للحياد الأمريكي في الحرب العالمية الثانية و في 8 من ديسمبر أعلن الكونجرس الأمريكي الحرب على “اليابان” بصوت معارض واحد فقط .

الهجوم على ميناء بيرل هاربر

و على جانب أخر و فى نفس يوم الهجوم ضربت القاذفات اليابانية المتمركزة في “فورموزا” مطاري كلارك و إيبا في “الفلبين” و دمرت أكثر من 50 في المائة من طائرات الجيش الأمريكي في الشرق الأقصى و بعد يومين ازدادت خسائرهم بعد غارات متواصلة أخرى في “الفلبين” و مع ذلك و لحسن حظ الامريكيين أيضا فإن جزءًا من الأسطول الآسيوي الأمريكي قد تحرك بالفعل جنوبًا في نوفمبر و تم سحب السفن الرئيسية و الطائرات القاذفة التي كانت معرضة للتدمير لعدم وجود حماية لها إلى قواعد آمنة في “جاوة” و “أستراليا” .

و فى يوم 10 من ديسمبر بدأت القوات اليابانية بالانزال في جزيرة “لوزون” الفلبينيه و في 22 من ديسمبر وقع انزال كبير جنوب “مانيلا” و التى سقطت ” دون مقاومة في 2 من يناير عام 1942 فى نفس الوقت التى كانت القوات الأمريكية و الفلبينية بقيادة الجنرال “دوجلاس ماك آرثر” جاهزة للاحتفاظ بشبه جزيرة “باتان” و جزيرة كوريجيدور حيث تم إيقاف الهجوم الياباني على “باتان” و أُمر “ماك آرثر” بالسفر إلى “أستراليا” في 11 مارس تاركًا الدفاع عنها للجنرال “جوناثان إم وينرايت” الذى استسلم هو و رجاله في 9 من أبريل و سقطت جزيرة كوريجيدور في ليلة 5-6 مايو .

اما بالنسبة للبريطانيين فقد كانت القاذفات اليابانية قد دمرت بالفعل القوة الجوية البريطانية في “هونج كونج” في 8 من ديسمبر عام 1941 و استسلم المدافعون البريطانيون و الكنديون للهجوم البري من شبه جزيرة كولون في 25 ديسمبر و احتل اليابانيين أيضًا العاصمة التايلانديه “بانكوك” في 9 من ديسمبر و “فيكتوريا بوينت” في أقصى جنوب “بورما” في 16 ديسمبر كما بدأت عمليات الإنزال اليابانية في الملايو فى 8 من ديسمبر فصاعدًا مصحوبة بضربات جوية على القوات الأسترالية و الهندية الصغيرة الموزعة فى تلك المناطق و أغرقت الطائرات اليابانية في 10 من ديسمبر البارجة البريطانية “أمير ويلز” و الطراد “ريبالس ” الذى كان يبحر من “سنغافورة” لقطع الاتصالات اليابانية.

و على المحيط الشرقي لمنطقة الحرب قصف اليابانيون جزيرة ويك في 8 من ديسمبر و حاولوا الاستيلاء عليها في 11 ديسمبر و نزلت قواتهم على اراضيها في 23 من ديسمبر و أستسلمت الحامية الموجودة بها كما سقطت “جوام ” بالفعل في 10 من ديسمبر و هاجم اليابانيين بنجاح “رابول” التى تمثل القاعدة الاستراتيجية في بريطانيا الجديدة (الآن جزء من بابوا غينيا الجديدة ) في 23 من يناير عام 1942.

و نتيجة لذلك أصبحت القيادة الأمريكية و البريطانية و الهولندية و الأسترالية الموحدة ABDACOM تحت قيادة ” وافيل “و التى كانت هى المسؤولة عن الاحتفاظ بالملايو و سومطرة و جاوة و الطرق إلى أستراليا فى الوقت الذى بدء اليابانيين تقدمهم في جزر الهند الشرقية الهولندية ( اندونيسيا ) الغنية بالنفط و احتلال مناطق أخرى مثل كوتشينج و خليج بروناي و كذلك جزيرة تاراكان و غيرهم و باتت لهم سيطرة كبيرة فى تلك المنطقة.

سقوط سنغافورة

في يوم 8 و 9 من فبراير هبطت ثلاث فرق يابانية في جزيرة “سنغافورة” و في 15 من فبراير أجبروا الحامية البريطانية و الأسترالية و الهندية التي يبلغ قوامها 90 ألف جندي هناك و التى كانت تحت قيادة الجنرال “بيرسيفال” على الاستسلام حيث كانت “سنغافورة” هي القاعدة البريطانية الرئيسية في المحيط الهادئ وكان يُنظر إليها على أنها غير قابلة للكسر بسبب دفاعاتها البحرية القوية الا أن اليابانيين أستطاعوا الاستيلاء عليها بسهولة نسبيا من خلال التقدم في شبه جزيرة “الملايو” ثم مهاجمة الجانب البرى للقاعدة و الذي ترك بدون دفاعات كافيه علاوة على ذلك و في 13 من فبراير هبط مظليون يابانيون في “باليمبانج” في “سومطرة” والتي سقطت هى الاخرى نتيجة هجوم برمائي بعد ثلاثة أيام.

و في 25 من فبراير عام 1942 تم حل القيادة الأمريكية و البريطانية و الهولندية و الأسترالية الموحدة و لم يتبقى لليابانيين سوى جزيرة ” جاوة ” فقط لإكمال خطة الغزو اليابانيه حيث حاول الحلفاء الدفاع عنها بشكل يائس و اعتراض أسطول الغزو الياباني في معركة “بحر جاوة” التي استمرت سبع ساعات في 27 من فبراير حيث فقدت خمس سفن حربية تابعة للحلفاء و تضررت مدمرة يابانية واحدة و هبط اليابانيين في ثلاث نقاط على الجزيرة في 28 من فبراير وسرعان ما وسعوا رؤوس جسورهم , و في 9 من مارس استسلم 20 ألف جندي من قوات الحلفاء الموجودين بها و استولى اليابانيين على جزر “أندامان” في 23 من مارس و بدأوا سلسلة من الهجمات على السفن البريطانية و لذلك وضع رؤساء الأركان المشتركة الأمريكية و البريطانية منطقة المحيط الهادئ تحت التوجيه الاستراتيجي لهيئة الأركان المشتركة الأمريكية و أصبح “ماك آرثر” القائد الأعلى لمنطقة جنوب غرب المحيط الهادئ و التي كانت تتألف من جزر الهند الشرقية الهولندية ( اندونيسيا ) و الفلبين و أستراليا و أرخبيل بسمارك و سولومون و أصبح الأدميرال “تشيستر نيميتز” قائدًا عامًا لمناطق المحيط الهادئ و التي كانت تضم تقريبًا كل منطقة لا تخضع لسيطرة “ماك آرثر” و الذى كانت مهمته الحفاظ على خط الاتصالات بين الولايات المتحدة و أستراليا و احتواء اليابانيين داخل المحيط الهادئ و دعم الدفاع عن أمريكا الشمالية و الاستعداد لهجمات برمائية مضادة كبرى.

و بالاستيلاء على ” جاوة ” تم تنفيذ خطط الحرب الأولية لليابان و لكن على الرغم من انتصاراتهم العسكرية لم يروا أي مؤشر على أن الحلفاء كانوا مستعدين لسلام تفاوضي بل على العكس من ذلك بدا واضحًا أن ضربة الحلفاء المضادة كانت في طور التجهيز حيث قصف الأسطول الأمريكي في المحيط الهادئ “جزر مارشال” في 1 من فبراير عام 1942 و جزيرة ويك في 23 من فبراير وجزيرة ماركوس في 1 من مارس و كانت هذه التحركات جنبًا إلى جنب مع قصف “رابول” في 23 من فبراير و إنشاء القواعد في “أستراليا” و فتح خط اتصالات عبر جنوب المحيط الهادئ و هو ما دفع اليابانيين الى التوسع من أجل قطع خطوط اتصالات الحلفاء تلك لذلك فقد قاموا بالتخطيط لاحتلال “كاليدونيا الجديدة” و جزر “فيجي” و “ساموا” و أيضًا الاستيلاء على شرق “غينيا الجديدة” حيث منها كانوا سيهددون “أستراليا” من قاعدة جوية سيتم إنشاؤها في “بورت مورسبي” كما خططوا أيضًا للاستيلاء على جزيرة “ميدواي” في شمال المحيط الهادئ و إنشاء قواعد جوية في “الأليوتيان” و في إطار تنفيذ تلك الخطة التوسعية الجديدة احتلت القوات اليابانية بعضا من الجزر القريبة من تلك المناطق .

و في 18 من أبريل عام 1942 و من أجل رفع الروح المعنوية لقوات الحلفاء قامت 16 قاذفة أمريكية بالاغارة على العاصمة اليابانية “طوكيو” رغم أنها لم تسبّب أضرارًا حقيقية تذكر باستثناء هيبة الحكومة اليابانية كما قامت أجهزة الاستخبارات الأمريكية بمعرفة المخططات اليابانيه للاستيلاء على منطقتى “بورت موريسبي” و “تولاجي” و اللتان اذا سقطا لكان من الممكن أن تهيمن الطائرات اليابانية على بحر الكورال بالكامل حيث تأهبت القوات الامريكية للدفاع عنهم و تدخلت الطائرات الأمريكية في 3 من مايو عام 1942 لاعتراض اى عملية انزال يابانية علي “تولاجي” كما تحدت الوحدات البحرية الأمريكية السفن اليابانية التى كانت متجهة في طريقها من “رابول” إلى “بورت مورسبي” في 5 و 6 مايو و تلا ذلك معركة “بحر الكورال” التي استمرت أربعة أيام و فقد اليابانيين عددًا كبيرًا من الطائرات في المعركة مما أدى إلى التخلي عن مشروعهم ضد ” بورت مورسبي ” .

و على الرغم من النتائج المحبطة لليابانيين فى معركة “بحر الكورال” الا أنهم استمروا في خطتهم للاستيلاء على جزيرة “ميدواي” سعياً لخوض مواجهة بحرية مع السفن المتبقية من أسطول المحيط الهادئ الأمريكي لذلك حشد اليابانيين أربع حاملات طائرات ثقيلة وثلاث حاملات طائرات خفيفة و حاملتي طائرات مائية و 11 سفينة حربية و 15 طرادا و 44 مدمرة و 15 غواصه و سفن صغيرة متنوعة و كان لدى أسطول المحيط الهادئ الأمريكي ثلاث حاملات ثقيلة و ثماني طرادات و 18 مدمرة و 19 غواصة و حوالي 115 طائرة للدعم و مع ذلك كان لدى الأمريكيين ميزة لا تضاهى تتمثل في معرفة نوايا اليابانيين مقدمًا و ذلك بفضل قيام أجهزة المخابرات الأمريكية بكسر كود البحرية اليابانية و فك تشفير عمليات الإرسال اللاسلكي الرئيسيه لذلك و قبل معركة “ميدواي” تعرضت السفن اليابانية المتجهة اليها الى الهجوم بينما كانت لا تزال على بعد 500 ميل من هدفها من قبل القاذفات الأمريكية في 3 من يونيو و في المعركة التي أعقبت ذلك أغرقت موجات من قاذفات القنابل الأمريكية جميع الناقلات الأربع الثقيلة اليابانية و طراد ثقيل و بدأ اليابانيين في التراجع في ليلة 4-5 يونيو و على الرغم من أن حاملة الطائرات الأمريكية “يوركتاون” أغرقت بطوربيد في 6 من يونيو الا انه تم إنقاذ “ميدواي” من الغزو حيث كانت تلك المعركة هي نقطة التحول في الحرب العالمية الثانية بالمحيط الهادئ بعد ان فقدت اليابان خطها الدفاعى الأول و معظم الطيارين الأفضل تدريبًا في أسطولها البحري و أصبح من الآن فصاعدًا القوة البحرية لليابانيين و الحلفاء متساوية تقريبًا بعد أن فقدت “اليابان” المبادرة الإستراتيجية و ألغت خططها لغزو “كاليدونيا الجديدة و فيجي و ساموا” .

الجبهة الصينية و بورما 1941-1942

كان لدخول “اليابان” في الحرب العالمية الثانية ضد الحلفاء الغربيين تداعياته في “الصين” حيث أعلنت حكومة “شيانج كاي تشيك” الحرب رسميًا في 9 من ديسمبر عام 1941 ليس فقط ضد “اليابان” وحدها و لكن أيضًا ضد “ألمانيا و إيطاليا” و تم نقل ثلاثة جيوش صينية إلى الحدود البورمية حيث كان طريق “بورما” هو الطريق البري الوحيد الذي يمكن من خلاله للحلفاء الغربيين إرسال الإمدادات إلى الحكومة الوطنية الصينية و في 3 من يناير عام 1942 تم الاعتراف بشيانج كقائد أعلى لقوات الحلفاء في مسرح الحرب في “الصين” و أرسل إليه الجنرال الأمريكي “جوزيف ستيلويل” ليكون رئيس أركانه لكن في الأسابيع الثمانية الأولى بعد احداث “بيرل هاربور” كان الإنجاز الرئيسي للصينيين هو صدهم النهائي لحملة يابانية طويلة الأمد في سكك حديد “كانتون هان كو ” في 15 من يناير.

بعد ذلك كان “شيانج و ستيلويل” منشغلين إلى حد كبير بالجهود المبذولة لوقف تقدم “اليابان” في “بورما” و بحلول منتصف مارس عام 1942 عبر جيشان صينيان تحت قيادة “ستيلويل” الحدود البورمية و لكن قبل نهاية الشهر تم القضاء على القوة الصينية التي تدافع عن ” تونجو ” في وسط “بورما” على يد اليابانيين الأكثر تجهيزا و كان أداء الوحدات البريطانية و الهندية في “بورما” أفضل بالكاد حيث تم دفعهم إلى التراجع بفعل التفوق العددي للعدو في الجو و على الأرض و في 29 من أبريل استولى اليابانيين على “لاشيو ” التى تعد المحطة الجنوبية لطريق “بورما” و بالتالي قطعوا خط الإمداد إلى “الصين” و استمروا فى الضغط على الحلفاء لتتراجع القوات البريطانية و الهندية في الشهر التالي عبر “كاليوا” إلى “إمفال” “عبر الحدود الهندية” بينما انسحب معظم الصينيين عبر نهر سالوين إلى “الصين” و بحلول نهاية عام 1942 كانت “بورما” كلها في أيدي اليابانيين و كانت “الصين” معزولة فعليًا و “الهند” معرضة لخطر الغزو الياباني عبر “بورما” .

التطورات من خريف عام 1941 إلى ربيع عام 1942

استراتيجية الحلفاء والخلافات 1940-1942

في العام الذي أعقب انهيار “فرنسا” في يونيو 1940 كان الاستراتيجيين البريطانيين الذين اعتمدوا قدر استطاعتهم على الإمدادات القادمة من “الولايات المتحدة ” التى كانت لا تزال محايدة مهتمين أولاً بالدفاع عن الوطن و ثانيًا بأمن المواقع البريطانية الموجودة في الشرق الأوسط و ثالثًا مع تطور حرب استنزاف ضد دول المحور كانوا في انتظار حشد لقوات كافية لغزو القارة الأوروبية اما بالنسبة للولايات المتحدة فقد بنى مستشارو الرئيس “فرانكلين روزفلت” خططهم الاستراتيجية اعتبارًا من نوفمبر 1940 على مبدأ “أوروبا أولاً” و هذا يعني أنه إذا انخرطت “الولايات المتحدة” في الحرب العالمية الثانية في وقت واحد ضد “ألمانيا و إيطاليا و اليابان” فيجب إجراء عمليات دفاعية فقط في المحيط الهادئ لحماية مثلث “ألاسكا و هاواي و بنما ” على الأقل أثناء شن هجوم في أوروبا.

و نتيجة دخول “اليابان” فى الحرب العالمية الثانية أدى ذلك إلى إنهاء العداء غير القتالي للولايات المتحدة و فى مؤتمر ” أركاديا ” الذي استمر لمدة ثلاثة أسابيع و افتتحه “فرانكلين روزفلت” و “وينستون تشرشل” و مستشاروهم في واشنطن العاصمة في 22 من ديسمبر عام 1941 طمأن الامريكيين البريطانيين بأن استراتيجية “أوروبا أولاً” لا تزال قائمه و نتج عنه تدشين خطتين الأولى أطلق عليها الاسم الرمزي “المطرقة” للإشارة إلى حشد القوة الهجومية في “بريطانيا ” في حالة ما إذا تقرر غزو “فرنسا” اما الخطة الثانيه فتحمل الاسم الرمزي “سوبر جيمناست” و المعنية بإنزال بريطاني خلف القوات الألمانية في “ليبيا” بالتزامن مع انزال أمريكي بالقرب من “الدار البيضاء” على الساحل الأطلسي للمغرب علاوة على ذلك أنشأ المؤتمر آلية رؤساء الأركان المشتركين حيث كان من المقرر ربط لجنة رؤساء الأركان البريطانية بشكل مستمر عبر مندوبين في واشنطن العاصمة بمنظمة هيئة الأركان المشتركة الأمريكية المنشأة حديثًا للتنسيق فيما بينهم كما تم التوقيع على إعلان الأمم المتحدة في “واشنطن” العاصمة كبيان جماعي لأهداف حرب الحلفاء تكملة لميثاق الأطلسي.

و فى غضون ذلك أصبح “تشرشل” حريصًا على القيام بشيء ما لمساعدة السوفييت المحاصرين الذين كانوا يطالبون “الولايات المتحدة و بريطانيا ” بغزو أوروبا لإزالة بعض الضغط الألماني عن الجبهة الشرقية و لم يكن “روزفلت” أقل وعيًا من “تشرشل” بحقيقة أن “الاتحاد السوفييتي” كان يتحمل إلى حد بعيد العبء الأكبر للحرب ضد “ألمانيا” و قد دفعه هذا الاعتبار إلى الاستماع إلى منظمة هيئة الأركان المشتركة لتغيير الخطة بعد بعض من التردد حيث أرسل صديقه المقرب “هاري هوبكنز” و رئيس أركان جيشه الجنرال “جورج سي مارشال” إلى “لندن” في أبريل عام 1942 لاقتراح إلغاء خطة ” سوبر جيمناست ” لصالح خطة اخرى سميت باسم ” بوليرو ” المعنية بتركيز القوات “بريطانيا” من أجل الانزال في أوروبا في الخريف ثم غزو فرنسا و وافق البريطانيون لكن سرعان ما بدأوا يشكون في إمكانية شن غزو برمائي لفرنسا على اعتبار انه من المبكر حدوث ذلك .

و تجددت محاولات إبرام اتفاق سياسي أنجلو-سوفيتي و تم توقيع تحالف بينهم لمدة 20 عامًا في 26 من مايو عام 1942 و على الرغم من أن “تشرشل” نبه وزير الخارجية السوفيتي “فياتشيسلاف ميخائيلوفيتش مولوتوف” من عدم توقع ظهور جبهة ثانية مبكرة في أوروبا بدا “مولوتوف” سعيدًا بما قيل له عن الخطط التى سوف يقوم بها الحلفاء الغربيين , و بعد زيارة لروزفلت مرة أخرى في الجزء الأخير من يونيو عام 1942 ضغط “تشرشل” من أجل عملية مشتركة منقحة و موسعة في شمال إفريقيا قبل نهاية العام بدلاً من غزو “فرنسا ” لكن هيئة الأركان المشتركة الأمريكية رفضت الاقتراح و بعد مزيد من الجدل والخلاف و في يوليو استسلمت هيئة الأركان المشتركة للولايات المتحدة أخيرًا للعناد البريطاني لصالح خطة غزو شمال أفريقيا التى سميت بإسم ” الشعله ” على ان تبدأ في الخريف التالي.

و في 17 من يوليو عام 1942 كان على “تشرشل” إخطار “جوزيف ستالين” بأنه يجب تعليق قوافل إمدادات الحلفاء إلى شمال “روسيا” بسبب نشاط الغواصات الألمانية على الطريق البحري في القطب الشمالي و بالتالي كان من المحرج إبلاغ “ستالين” بأنه لن تكون هناك جبهة ثانية في أوروبا قبل عام 1943 و في منتصف أغسطس 1942 و عندما ذهب “تشرشل” إلى “موسكو” لمناقشة ذلك الامر غضب “ستالين” الا انه كان لا يوجد امامه مفر سوى الاذعان لخطة ” الشعله ” .

ليبيا ومصر خريف 1941 – صيف 1942

في الصحراء الغربية شن الجيش البريطاني الثامن بقيادة “كانينجهام” هجومًا كبيرًا ضد جبهة “روميل” في 18 من نوفمبر عام 1941 ثم أخذ الجنرال “نيل ميثوين ريتشي” القيادة مكان “كننجهام” في 25 من نوفمبر و كان لا يزال هناك المزيد من الدبابات التي يتم إحضارها حيث أدى الضغط المستمر لمدة أسبوعين إلى إجبار “روميل” على إخلاء “برقة” والتراجع إلى “أجدابيا” و مع ذلك كان “روميل” لا يزال قويا فبعد صده لهجوم بريطاني في 26 من ديسمبر أعد لهجوم مضاد و عندما كان البريطانيون لا يزالون يتخيلون أن قواته مشلولة بشكل ميؤوس منه هاجم في 21 من يناير عام 1942 و بسلسلة من الضربات المتواليه دفعت الجيش الثامن البريطانى إلى التراجع لخط غزالة – بئر حكيم غرب “طبرق” .

و في ليلة 26-27 مايو حاول “روميل” الالتفاف حول الجناح الجنوبي لقوات “ريتشي” بثلاث فرق ألمانيه واثنتين من الفرق الإيطالية تاركًا أربعة فرق إيطالية فقط لمواجهة خط غزالة و على الرغم من أن “روميل” تسبب في البداية ببعض من الأضرار التي لحقت بالدبابات البريطانية إلا أنه فشل في اختراق الساحل خلف غزالة و في يوم واحد خسر ثلث قوة دباباته و بعد محاولة أخرى فاشلة قرر في 29 من مايو اتخاذ موقف دفاعي.

بدا الموقف الألماني الدفاعى الجديد و الذى عرف باسم ” المرجل ” مكشوفًا بشكل خطير و طوال الأيام الأولى من شهر يونيو هاجمها البريطانيون باستمرار من الجو و الأرض متخيلًا أن درع “روميل” قد سقط و مع ذلك استمرت الدبابات البريطانية في شن هجمات مباشرة في مجموعات صغيرة ضد “المرجل” و تعرضت للهزيمة بخسائر فادحة و في الوقت نفسه قام “روميل” بتأمين مؤخرته و خط إمداده من خلال التغلب على العديد من المواقع البريطانية المعزولة في الجنوب و بينما كان لدى البريطانيين 700 دبابة مع 200 أخرى في الاحتياط فى مايو 1942 فمع حلول 10 من يونيو انخفضت قوتهم المدرعة من خلال تكتيكاتهم المهدرة ضد “المرجل” إلى 170 و تم استنفاد معظم الاحتياطي ثم فجأة و في 11 من يونيو ضرب “روميل” شرقًا للاستيلاء على معظم الدروع البريطانية المتبقية و بحلول الظلام في 13 من يونيو كان لدى البريطانيين 70 دبابة بالكاد و كان روميل يمتلك 150 دبابة لا تزال صالحًة للعمل .

نتيجة لذلك لم يكن امام البريطانيين مفرا سوى التراجع السريع في 14 من يونيو عن خط الغزالة باتجاه الحدود المصرية و مع ذلك فإن حامية قوامها 33 ألف رجل مع كمية هائلة من الذخائر قد تُركت في “طبرق” و شعرت “بريطانيا ” ان انتصار ” روميل ” الذي تحقق في 21 من يونيو عام 1942 يعد كارثة وطنية في المرتبة الثانية بعد خسارة “سنغافورة” حيث كانت 80% من وسائل النقل التي طارد بها روميل بقايا الجيش الثامن باتجاه الشرق تتكون من مركبات بريطانية تم الاستيلاء عليها.

و عند في هذه المرحلة أعفى القائد ” ريتشي” من قيادته و صدرت الاوامر بانسحاب بريطاني عام إلى منطقة “العلمين” و بحلول 30 من يونيو كانت الدبابات الألمانية تضغط على المواقع البريطانية بين “العلمين و منخفض القطارة ” على بعد حوالي 60 ميلاً غرب “الإسكندرية” بعد تقدم أكثر من 350 ميلاً من منطقة غزالة و كان بإمكان ” أدولف هتلر” و “بينيتو موسوليني” توقع أن يصبح “روميل” سيد “مصر” في غضون أيام و تنتهى الحرب العالمية الثانية على تلك الجبهه بانتصار قوى المحور .

و لكن كانت معركة “العلمين” الأولى التي تلت ذلك و استمرت طوال يوليو 1942 بمثابة نهاية للآمال الألمانية في تحقيق نصر سريع حيث استنفذت قوات “روميل” بعد أن وصلت إلى هذا الحد بسرعة كبيرة و فشلت هجماتهم الأولى في كسر الدفاع البريطانى كما تعرضوا لضربة مضادة مقلقة بعد ان أعطى ” روميل ” فترة راحة لرجاله و التى منحت وقتًا للبريطانيين فى إحضار التعزيزات و بحلول نهاية شهر يوليو عرف “روميل” أنه هو الذي كان الآن في موقف دفاعي حيث بدأت الهجمات البريطانية المضادة الا أنها لم تدفعه إلى التراجع و في أوائل أغسطس عندما وصل “تشرشل” إلى “القاهرة” لمراجعة الوضع أصر القائد العسكرى البريطانى “أوشينليك” على تأجيل استئناف الهجوم حتى سبتمبر و ذلك لتتمكن قواته الجديدة من التأقلم و التدريب بشكل صحيح على حرب الصحراء و لكن نفد صبر “تشرشل” من هذا التأخير و أقال “أوشينليك” من القيادة العامة في الشرق الأوسط و أعطى المنصب للجنرال السير “هارولد ألكسندر” في حين تم نقل قيادة الجيش الثامن في نهاية المطاف إلى الجنرال “برنارد لو مونتجمري” و التى من المفارقات أن “مونتجمري” أجل استئناف الهجوم لفترة أطول مما كان يرغب فيه “أوشينليك”.

و بينما رفع البريطانيين خلال شهر أغسطس قوتهم المدرعه إلى حوالي 700 دبابة تلقى “روميل” تعزيزات ضئيلة في شكل مشاة و مع ذلك كان لديه حوالي 200 دبابة ألمانية مسلحة بالبنادق و أيضًا 240 دبابة إيطالية من طراز قديم و مع هذا التسلح و في ليلة 30-31 أغسطس عام 1942 شن هجومًا جديدًا حيث كان ينوي الاستيلاء بشكل مفاجئ على حقول الألغام في القطاع الجنوبي من الجبهة البريطانية ثم التوجه شرقًا لمسافة 30 ميلاً قبل التوجه شمالًا الى منطقة إمداد الجيش الثامن على الساحل الا انه تفاجئ أن حقول الألغام عميقة بشكل غير متوقع و احتدمت المعارك بين الطرفين الا انه نتيجة نقص الوقود لدى الجانب الألماني و تعزيز الدفاعات البريطانيه جنبًا إلى جنب مع تكثيف القصف البريطاني ادى ذلك الى فشل الهجوم و قرر “روميل” في 2 من سبتمبر الانسحاب التدريجي.

هجوم الألمان الصيفي على جنوب روسيا عام 1942

تبلورت الخطة الألمانية لشن هجوم صيفي كبير آخر على “روسيا” في الأشهر الأولى من عام 1942 و قد تأثر قرار “هتلر” بخبرائه الاقتصاديين الذين أخبروه خطأً بأن “ألمانيا” لا يمكنها مواصلة الحرب ما لم تحصل على إمدادات النفط من “القوقاز” و كان “هتلر” أكثر استجابة لمثل هذه الحجج لأنها تزامنت مع اعتقاده بأن هجومًا ألمانيًا آخر من شأنه أن يستنزف القوة البشرية للاتحاد السوفيتي بحيث لا يتمكن السوفييت من مواصلة الحرب و شاركه في تفكيره جنرالاته الذين شعروا بكثرة الخسائر الفادحه التى تكبدها السوفييت في قتال عام 1941 و ربيع عام 1942 و بحلول هذا الوقت كان ما لا يقل عن 400 ألف جندي سوفيتي قد قتل أو جرح أو أُسر بينما بلغ عدد الضحايا الألمان 150 ألف فقط.

و في أوائل صيف عام 1942 و قبل أن يكون الألمان مستعدين لهجومهم الرئيسي بدأ الجيش الأحمر في “مايو” حملة ضد الخطوط الالمانية فى “خاركوف” حيث كان هذا الجهد السابق لأوانه قد خدم في الواقع أغراض الألمان ليس لأنه استنزف الاحتياطيات السوفيتية فحسب بل أثار أيضًا الألمان لتوجيه ضربة مضادة فورية عليهم حيث اقتحم الألمان المنطقة و وصلوا إلى نهر “دونيتس” و أسروا 240 ألف سوفيتي في الحصار الذي أعقب ذلك و في مايو أيضًا طرد الألمان المدافعين السوفييت عن شبه جزيرة “كيرتش” من شبه جزيرة “القرم” و في 3 من يونيو بدأ الألمان هجومًا على “سيفاستوبول” و الذي استمر لمدة شهر.

كان عبور الألمان لنهر “دونيتس” في 10 من يونيو عام 1942 بمثابة مقدمة لهجومهم الصيفي الذي انطلق أخيرًا في 28 من يونيو حيث تمكنت القوات الالمانية من التقدم و قرر “هتلر” تقسيم قواته حتى يتمكنوا من غزو بقية “القوقاز” و الاستيلاء على مدينة “ستالينجراد” الصناعية المهمة على نهر “الفولجا” على بعد 220 ميلاً شمال شرق “روستوف” حيث كان لهذا القرار عواقب وخيمة على الألمان لأنهم كانوا يفتقرون إلى الموارد اللازمة لأخذ هذين الهدفين بنجاح و أصبح من الواضح ان هجوم “هتلر” الجديد قد أخفق في تحقيق أهدافه و كان كبش الفداء هذه المرة الجنرال “هالدر” الذي حل محله “كورت زيتزلر” كرئيس للأركان العامة للجيش .

النجاحات الأولى الحاسمة للحلفاء

جزر سليمان و بابوا و مدغشقر والألوتيان و بورما يوليو 1942 – مايو 1943

في 2 من يوليو عام 1942 أمرت هيئة الأركان المشتركة الأمريكية بشن هجمات محدودة على ثلاث مراحل لاستعادة منطقة بريطانيا الجديدة – أيرلندا الجديدة – جزر سليمان – شرق غينيا الجديدة حيث تكون المرحلة الاولى هى الاستيلاء على “تولاجي” و جزر “سانتا كروز” مع المواقع المجاورة لهم و المرحلة الثانيه احتلال وسط و شمال جزر سليمان و الساحل الشمالي الشرقي لغينيا الجديدة اما المرحلة الثالثه فهى الاستيلاء على “رابول” و نقاط أخرى في “أرخبيل بسمارك”.

و في 6 من يوليو نزلت القوات اليابانية في إحدى جزر سليمان الجنوبية و بدأت في بناء قاعدة جوية بها فسارعت القيادة العليا للحلفاء و خوفًا من المزيد من التقدم الياباني بالتوجه إلى المنطقة لطرد العدو و الحصول على قاعدة متقدمة لهم حيث اندفعت فرقة مشاة البحرية الأولى الأمريكية إلى الشاطئ في 7 من أغسطس و قامت بتأمين مطار تلك الجزيرة و ميناء “تولاجى” و بعدها اندلعت مواجهات شرسه بين الطرفين امتدت على مدار الشهور التاليه تكبد فيها الطرفان خسائر فادحة فى الأرواح و المعدات حيث انتهت المعارك فى تلك المنطقه فى اواخر اكتوبر بطرد اليابانيين و احباط اى محاولة لتعزيز قواتهم فى ذلك المكان من اجل الهجوم مرة أخرى .

و بعد أكتوبر اكتملت تعزيزات الحلفاء و أدت محاولة يابانية جديدة للهجوم إلى حدوث معركة “جوادال كانال” البحرية التي حدثت في 13-15 من نوفمبر و كلفت اليابان بارجتين حربيتين و ثلاث مدمرات و طراد واحد و غواصتين و 11 وسيلة نقل و تمكن 4000 جندي ياباني فقط من أصل 12500 من الوصول إلى الأرض دون معدات اما الحلفاء فقد خسروا طرادا و سبع مدمرات و تضررت سفينة حربية و طراد واحد , و في 30 من نوفمبر تعرضت ثماني مدمرات يابانية للهزيمة في معركة “تاسافارونجا” في محاولة منهم لإنزال المزيد من القوات و تكبد الحلفاء غرق طراد واحد و تضرر ثلاث مدمرات.

و بحلول 5 من يناير عام 1943 بلغ مجموع قوات الحلفاء في “جوادال كانال” 44 ألف جندى مقابل 22.5 ألف ياباني لذلك فقد قرر اليابانيين إخلاء الموقع بعد أن بلغت خسائر اليابانيين فى تلك المعارك أكثر من ألف شخص مقابل خسائر للحلفاء بلغت 1600 قتيل و 4250 جريحًا و في 21 من فبراير بدأت مشاة البحرية الأمريكية باحتلال “جزر راسل” لدعم التقدم في “رابول”.

و نتيجة انتصارات الحلفاء فى منطقة ” جوادال كانال ” و “بابوا غينيا” فقد انهى ذلك السيطرة و القيادة اليابانية جنوبًا و أصبحت الاتصالات مع “أستراليا” و “نيوزيلندا” آمنة تماما حيث وصلت خسائر “اليابان” اجمالا فى تلك المعارك ما يقرب من 12 ألف قتيل بينما خسائر الحلفاء 3300 قتيل و 5500 جريح و لعبت القوات الجوية للحلفاء دورًا مهمًا بشكل خاص حيث قامت باعتراض خطوط الإمداد اليابانية و حماية نقل إمدادات الحلفاء .

أما “اليابان” فبعد أن خسرت ” جوادال كانال ” أصبحت كل معاركها خلال الحرب العالمية الثانية من الآن فصاعدا دفاعيه لتعزيز مواقعها حيث اتفقت القيادة العليا للجيش و البحرية اليابانية على سياسة تقوية الدفاع عن النقاط الاستراتيجية و الهجوم المضاد حيثما أمكن ذلك مع إعطاء الأولوية للدفاع عن المواقع اليابانية المتبقية في “غينيا الجديدة” و التركيز بشكل ثانوي على “جزر سليمان” و لكن في الأسابيع الثلاثة التالية حسّن الحلفاء مواقعهم في “غينيا الجديدة” و اقتصر التدخل الياباني على الهجمات الجوية علاوة على ذلك و قبل نهاية أبريل عانت البحرية اليابانية من كارثة حين تم إرسال مهندس العمليات الحربية اليابانى “ياماموتو” في أواخر مارس لقيادة القوات لكنه قُتل في كمين جوي أمريكي خلال تحركه الى “بوجانفيل” .

و بالتزامن مع المعارك السابقه هاجمت القوات البريطانية في صيف عام 1942 “مدغشقر” التي تسيطر عليها قوات “فيشي” و اجتاح هجوم متجدد لهم في سبتمبر عام 1942 الجزيرة و توقفت الأعمال العدائية في 5 من نوفمبر و تولت الإدارة الفرنسية الحرة لمدغشقر السلطة في 8 من يناير عام 1943 في غضون ذلك و فى شمال المحيط الهادئ قررت “الولايات المتحدة” طرد اليابانيين من “الأليوتيين” بعد أن نزلوا بقواتهم على منطقة “أداك” في أغسطس عام 1942 و بدأوا هجمات جوية ضد “كيسكا و أتو” من “أداك” في الشهر التالي و من “أمشيتكا” أيضًا في يناير التالي حيث منع الحصار البحرى الذى قام به الحلفاء اليابانيين من تعزيز حامياتهم و أخيرًا غزت القوات الأمريكية “كيسكا و آتو” في 11 من مايو عام 1943 لقتل معظم المدافعين عن الجزيرة البالغ عددهم 2300 جندى و يقوم اليابانيين بإجلاء “كيسكا” و بدء الحلفاء فى التمركز في “الأليوتيين” و التى ساهمت من ذلك الحين فصاعدًا بقصفهم لجزر الكوريل.

بورما خريف 1942 و صيف 1943

على الجبهة البورمية وجد الحلفاء أنهم لا يستطيعون فعل الكثير لطرد اليابانيين من تلك الدولة حيث كان لديهم بعض من المحاولات الصغيرة و الفاشله حيث عبرت مجموعة اختراق بعيدة المدى من القوات الصينيه و التي تعتمد على الإمدادات من الجو نهر ” شيندوين ” في فبراير عام 1943 و نجحت بالبداية في قطع الاتصالات اليابانية على خط السكة الحديدية بين “ماندلاى و مايتكينا” لكن سرعان ما وجدوا أنفسهم في منطقة غير مواتية و في خطر محاصرتهم لذلك عادوا إلى “الهند” .

ومع ذلك في مايو عام 1943 أعاد الحلفاء تنظيم قيادتهم لجنوب شرق آسيا حيث تم تعيين اللورد “لويس مونتباتن” القائد الأعلى لقيادة جنوب شرق آسيا (SEAC) و عُين “ستيلويل” نائبًا له و تشكل الجيش الرابع عشر المكون من القوات البريطانية و الهندية المتجهة إلى “بورما” بقيادة الفريق “ويليام سليم ” .

معركة العلمين و تراجع روميل 1942 – 1943

بينما كان “تشرشل” لا يزال مستاءً في “لندن” من تأخر جنرالاته في استئناف الهجوم في “مصر ” انتظر “مونتجومري” سبعة أسابيع بعد تأكد الحلفاء من نجاحه حيث اختار أخيرًا أن يبدأ هجومه في ليلة 23-24 أكتوبر عام 1942 عندما يكون هناك ضوء للقمر يساعد فى اظهار الألغام الألمانية حيث كان لدى الجيش الثامن البريطانى مع حلول منتصف اكتوبر 230 ألف رجل و 1230 دبابة مسلحة بينما كان عدد القوات الألمانية-الإيطالية 80 ألف رجل فقط مع 210 دبابة و في الدعم الجوي تمتع البريطانيين بتفوق 1500 طائرة إلى 350 علاوة على ذلك فإن هجمات الحلفاء الجوية و البحرية على خطوط إمداد قوات المحور عبر البحر الأبيض المتوسط منعت جيش “روميل” من تلقي الإمدادات الكافية من الوقود و الذخيرة و المواد الغذائية و كان “روميل” نفسه مريضًا و يتعافى في “النمسا” .

و فى تمام الساعة 10 مساء يوم 23 من أكتوبر شن البريطانيين هجومهم فى “العلمين” لكنهم وجدوا صعوبة في تنظيف حقول الألغام الألمانية و التى كانت أكثر مما توقعوا و بعد يومين كانت بعض من تلك الدبابات تنتشر على بعد ستة أميال من الجبهة الأصلية و عندما وصل “روميل” الى الجبهة بعد أن أمره ” هتلر ” بالعودة الى “أفريقيا” مساء 25 أكتوبر كان قد تم تدمير نصف الدروع الألمانية المتاحة بالفعل و مع ذلك توقف زخم الهجوم البريطاني في اليوم التالي عندما تسببت المدافع الألمانية المضادة للدبابات في خسائر فادحة بالمدرعات و في ليلة 28 أكتوبر بدء “مونتجمري” فى تحويل هجومه شمالًا الا أن ذلك الهجوم تم اجهاضه و كانت خسائر البريطانيين فى الاسبوع الأول من الهجوم فى الدبابات أربعة أضعاف الألمان لكن كان لا يزال لديهم 800 دبابة متاحة مقابل 90 دبابة ألمانيه.

و عندما أعاد “مونتجمري” خط الهجوم البريطاني إلى اتجاهه الأصلي بوقت مبكر في 2 من نوفمبر عام 1942 لم يعد “روميل” قويًا بما يكفي لمقاومته حيث أمر بالتراجع و لكن بعد ظهر يوم 3 من نوفمبر رفض “هتلر” الانسحاب و أصر على أن يتم الاحتفاظ بموقف “العلمين” حيث كانت الفترة التى وصلت الى 36 ساعه ما بين رفض “هتلر” و وصول الاوامر الى “روميل” فرصة لاستئناف انسحابه لمسافة كبيرة للهروب من المحاولات البريطانية المتعاقبة لاعتراضه على الطريق الساحلي و بعد أسبوعين من استئناف انسحابه من “العلمين” كان رومل على بعد 700 ميل إلى الغرب و عندما أخذ البريطانيون وقتهم لشن هجماتهم تراجع إلى الوراء أكثر على مراحل حتى داخل حدود “تونس” و بحلول ذلك الوقت كانت مواقع المحور في “تونس” تتعرض للهجوم من الغرب من خلال عملية الشعله .

ستالينجراد و الانسحاب الألمانى صيف 1942 – فبراير 1943

بعد أن تم توجيه الجيش المدرع الرابع الألماني إلى الجنوب لمساعدة هجوم الجنرال “كلايست” على مدينة “روستوف” في أواخر يوليو عام 1942 تم إعادة تحريكه بعد أسبوعين نحو “ستالينجراد” و هى مدينة صناعية كبيرة تنتج الأسلحة و الجرارات تمتد على مسافة 30 ميلاً على طول ضفاف نهر “الفولجا” و بحلول نهاية أغسطس كان تقدم الجيش الرابع باتجاه الشمال الشرقي ضد المدينة متقاربًا مع تقدم الجيش السادس باتجاه الشرق بقيادة الجنرال “فريدريش بولوس” مع 330 ألف من أفضل قوات الجيش الألماني و مع ذلك قام الجيش الأحمر بشن مقاومة شرسه و لم يستسلم إلا ببطء شديد و بتكلفة عالية و مع اقتراب الجيش السادس من “ستالينجراد” في 23 من أغسطس اخترقت طلائع للقوات الألمانيه الضواحي الشمالية للمدينة و أسقطت قواتها الجويه القنابل الحارقة التي دمرت معظم المساكن الخشبية بها و فى المقابل تم دفع الجيش السوفيتي إلى “ستالينجراد” تحت قيادة الجنرال “فاسيلي تشيكوف” ليدور بين الطرفين معارك شرسه و بحلول منتصف سبتمبر دفع الألمان القوات السوفيتية إلى الخلف و التى لم تستطع التواجد فى المدينة مجددا الا فى شريطًا بطول تسعة أميال فقط على طول نهر الفولجا و بعرض ميلين أو ثلاث لذلك فقد كان على السوفييت أن يمدوا قواتهم الموجودة على ذلك الشريط من خلال المراكب و القوارب عبر نهر الفولجا من الضفة الأخرى و أصبحت “ستالينجراد” مسرحًا لبعض أعنف المعارك و أكثرها تركيزًا في الحرب العالمية الثانية حيث دار القتال فى الشوارع و المباني من قبل العديد من الوحدات الصغيرة و كثيراً ما تم تغييرها مرارًا وتكرارًا و تحولت المباني المتبقية في المدينة إلى أنقاض بسبب القتال المتواصل حتى جاءت اللحظة الأكثر أهمية في 14 أكتوبر عندما كان الضغط يزداد على المدافعين السوفييت الموجودين بالقرب من نهر الفولجا لدرجة أن معابر الإمداد القليلة المتبقية للنهر تعرضت لنيران الرشاشات الألمانية و مع ذلك كان الألمان يزدادون إحباطًا بسبب الخسائر الفادحة و الإرهاق و قرب دخول الشتاء.

و في 19-20 من نوفمبر عام 1942 بدء هجوم سوفيتى مضاد خطط له الجنرالات “جوكوف” و ” فاسيلفسكى ” و ” فورونوف ” عن طريق اجراء كماشة على منطقة التواجد الألمانى في نقاط محددة من أجل عزل 250 ألف جندى من الجيوش الألمانية السادسة و الرابعة في المدينة حيث توغلت تلك الهجمات بسرعة في عمق الأجنحة و بحلول 23 من نوفمبر اكتمل تطويق الجيشين الألمانيين في “ستالينجراد” و حثت القيادة الألمانية العليا “هتلر” على السماح للجنرال “باولوس ” و قواته بالخروج من الحصار و الانضمام إلى القوات الألمانية الرئيسية غرب المدينة لكن “هتلر” لم يفكر في الانسحاب من نهر “الفولجا” و أمر “باولوس” بالوقوف و القتال و مع حلول فصل الشتاء و تضاؤل ​​المواد الغذائية و الإمدادات الطبية أصبحت قوات ” باولوس ” فى أضعف حالاتها و في منتصف ديسمبر سمح “هتلر” لأحد القادة الألمان الأكثر موهبة المشير “إريك فون مانشتاين” بتشكيل فيلق عسكري خاص لإنقاذ قوات “باولوس” من خلال القتال في طريقه شرقًا و فى نفس الوقت رفض السماح لباولوس بالقتال غربًا في نفس الوقت و هو الأمر الذى جعل انقاذ قوات ” باولوس ” صعبا لأن القوات الألمانية الرئيسية تفتقر إلى الاحتياطيات اللازمة لاختراق الحصار السوفيتي بمفردها لذلك حث “هتلر” القوات الألمانية المحاصرة على القتال حتى الموت و لكن في 31 يناير عام 1943 استسلم ” باولوس ” و معه 24 جنرالا و 91 ألف جندى هم كل ما تبقى من الجيشين السادس و الرابع .

لحظة استسلام الجنرال باولوس

و الى جانب كونها أكبر معركة في الحرب العالمية الثانية فقد أثبتت “ستالينجراد” أنها نقطة تحول في الصراع العسكري بين “ألمانيا و الاتحاد السوفيتي” حيث استهلكت المعركة الاحتياطيات الألمانية و دمرت جيشين كاملين و أذلت آلة الحرب الألمانية المرموقة كما أنها تميزت بالمهارة و الاحتراف لمجموعة من الجنرالات السوفييت الشباب الذين ظهروا كقادة أكفاء و كان من بينهم “جوكوف”.

و في تلك الأثناء بأوائل يناير عام 1943 اعترف “هتلر” بأن تطويق الألمان في “ستالينجراد” سيؤدي إلى كارثة أسوأ ما لم يخرج قواته من “القوقاز” لذلك أُمر الجنرال “كلايست” بالتراجع بينما كان جناحه الشمالي البالغ 600 ميل لا يزال محميًا من قبل المقاومة اليائسة لباولوس المحاصر حيث كانت قوات “كلايست” تشق طريقها عبر نهر الدون في روستوف عندما استسلم “باولوس” في النهاية و الذى لو كان استسلم قبل ثلاثة أسابيع لكان هروب “كلايست” مستحيلاً و رغم ذلك الا انه كان هناك تهديدات لخط تراجعه الا انه فى النهايه عاد “القوقاز” إلى قبضة السوفييت مجددا .

غزو شمال غرب أفريقيا نوفمبر – ديسمبر 1942

عندما قرر الاستراتيجيين الأمريكيين و البريطانيين تنفيذ خطة ” الشعله ” المتعلقة بإنزال الحلفاء على الساحل الغربي لشمال إفريقيا في أواخر يوليو عام 1942 لم يتبقى سوى تسوية بعض من التفاصيل الخاصة بالخطة و التى كان الغرض منها وضع قوات “روميل” بين القوات الأمريكية في الغرب و القوات البريطانية في الشرق و بعد مناقشة مستفيضة تم الاتفاق أخيرًا على أن عمليات الإنزال تكون تحت القيادة العليا للجنرال “دوايت أيزنهاور” على أن تتم في 8 من نوفمبر من ثلاثة أماكن بالقرب من “الدار البيضاء” على الساحل الأطلسي للمغرب و على الشواطئ بالقرب من “وهران” فى الجزائر على ساحل البحر الأبيض المتوسط و ستشمل عمليات الإنزال البرمائي ما مجموعه 110 ألف جندي معظمهم من الأمريكيين.

و كان التنسيق مع الفرنسيين الذين سيتم الإنزال على أراضيهم الاستعمارية مسألة حساسة حيث كانت كل شمال إفريقيا الفرنسية لا تزال موالية لحكومة فيشي بقيادة المارشال “بيتان ” و التي كانت “الولايات المتحدة” على عكس “بريطانيا العظمى” لا تزال تحافظ معها رسميًا على العلاقات الدبلوماسية و كان القائد العام الفرنسي في “الجزائر” الجنرال “ألفونس جوان” و نظيره في “المغرب” الجنرال “شارل أوغست نوجيس” خاضعين للقائد الأعلى التابع لحكومة “فيشي” و حاول الدبلوماسيين و الجنرالات الأمريكيين كسب تعاون هؤلاء الضباط مع الحلفاء في عمليات الإنزال لأنه كان من الضروري محاولة تجنب اى مقاومة مسلحة لعمليات الإنزال على تلك الشواطئ.

و بدأت عمليات الإنزال الأمريكية البريطانية في “الجزائر” العاصمة في 8 من نوفمبر و قوبلت بمقاومة فرنسية ضعيفه اما القوات التى تم انزالها بشكل متزامن بالقرب من “وهران” فقد لاقت مقاومة أشد و في 9 من نوفمبر حدث هجوم مضاد فرنسي على رأس جسر “أرزيو” حول “الدار البيضاء” الا انه تم إنجاز عمليات الإنزال الأمريكية و تطورت المقاومة الفرنسيه عندما حاول الامريكيين توسيع رؤوس جسورهم و في 10 من نوفمبر تم إلغاء القتال و في اليوم التالي أبرمت السلطات الفرنسية في “المغرب” هدنة مع الأمريكيين فى الوقت الذى كان الهبوط في “الجزائر” العاصمة معقدًا بسبب حقيقة أن الوضع مشوشًا مع بعض القوات الفرنسية الموالية لبيتان بينما دعم آخرون “ديجول” و الجنرال الفرنسي المناهض لفيشي الذي كان الحلفاء يرعونه في شمال إفريقيا “هنري جيرو” .

و في 11 من نوفمبر عام 1942 و كرد فعل على إنزال الحلفاء اجتاحت القوات الألمانية و الإيطالية جنوب “فرنسا” و هى المنطقة الحضرية التي كانت تخضع لسلطة “بيتان” المباشرة حيث ساعد هذا الحدث في حث القادة الفرنسيين الموجودين في “الجزائر” على الموافقة على مقترحات “دارلان” لاتفاقية عمل مع الحلفاء بما في ذلك الاعتراف بجيرو كقائد عسكري أعلى للقوات الفرنسية و تم إبرام الاتفاقية في 13 من نوفمبر و سرعان ما تمت المصادقة عليها من قبل “أيزنهاور” اضافة الى غرب إفريقيا الفرنسية مثل “السنغال” مع ميناء “داكار” و أحبط الألمان خطط هروب الأسطول الفرنسي الرئيسي من “فرنسا” إلى شمال إفريقيا و في 27 من نوفمبر أغرقت الطواقم الفرنسية سفنها لتجنب الاستيلاء عليها اما في 24 من ديسمبر عام 1942 ، اغتيل “دارلان” و يأخذ “جيرو” مكانه لبعض الوقت كمفوض فرنسي سامى في شمال إفريقيا.

تونس نوفمبر 1942 – مايو 1943

بدأت قوات المحور في الوصول إلى “تونس” في وقت مبكر من 9 نوفمبر عام 1942 و تم تعزيزها في الأسبوعين التاليين حتى وصل عددها إلى حوالي 20 ألف جندي مقاتل و عندما بدأ الجنرال البريطاني “كينيث أندرسون” المكلف بقيادة غزو “تونس” من الغرب بجيش الحلفاء الأول هجومه في 25 من نوفمبر كان الدفاع قوياً بشكل غير متوقع و بحلول الخامس من ديسمبر تم إيقاف تقدم الجيش الأول على بعد اثني عشر ميلاً من “تونس” العاصمة و من “بنزرت” حيث مكنت وصول التعزيزات الألمانية الإضافية العقيد “يورجن فون أرنيم” و الذي تولى القيادة العامة لدفاع المحور في “تونس” في 9 ديسمبر من توسيع رأسي الجسور في تونس حتى تم دمجهما في رأس جسر واحد و فازت “ألمانيا و إيطاليا” بسباق “تونس” لكنهما استسلما لإغراء الاحتفاظ بتلك الجائزة بغض النظر عن الحاجة الأكبر للحفاظ على قواتهما تلك للدفاع عن أوروبا.

و بعد أن عاد “روميل” من “ليبيا” إلى خط “مارث” في منتصف يناير 1943 بعد تراجعه من “العلمين” أصبح هناك جيشان ألمانيان “أرنيم” و “روميل” يرتكزان لصد هجوم جيش “أندرسون” من الغرب و ضد هجوم جيش “مونتجمري” الثامن من الجنوب الشرقي حيث رأى “روميل” أنه يجب توجيه ضربة مضادة أولاً ضد الحلفاء في الغرب , و عليه في 14 من فبراير شنت قوات المحور هجوماً كبيراً على القوات الأمريكية دمرت فيه 100 دبابة أمريكية و دفعت الأمريكيين إلى الوراء لمسافة 50 ميلاً و لكن في ممر القصرين أبدى الحلفاء مقاومة أكثر شراسه .

و عندما حصل “روميل” في 19 من فبراير على السلطة لمواصلة هجومه أُمر بالتقدم و بعد التغلب على المقاومة الأمريكية العنيدة في ممر القصرين في 20 من فبراير دخل الألمان “تالا” في اليوم التالي ليتم طردهم بعد ساعات قليلة و يبدأ “روميل” الانسحاب التدريجي في 22 من فبراير و نتيجة هجوم ” روميل ” المضاد على الجيش الأول أصبح فعالية قواته ضعيفه لمواجهة الجيش الثامن بقيادة ” مونتجمرى ” الذى ضاعف من امكانيات قواته لذلك فقد تم ايقاف هجوم “روميل” و تخلى عن قيادته .

و استأنف جيش الحلفاء الأول هجومه في 17 من مارس بهدف قطع خط انسحاب القوات الألمانيه و في ليلة 20-21 مارس شن الجيش البريطاني الثامن هجومًا أماميًا على “خط مارث” مصحوبًا بحركة التفاف في مؤخرة الألمان و بعد بضعة أيام عندما رأى “مونتجمري” فشل الهجوم الأمامي حول هجومه إلى الجناح و نتيجة تهديدهم بالتطويق قرر الألمان التخلي عن “خط مارث” الذي احتله الجيش الثامن في 28 من مارس لكن الدفاعات الألمانية في منطقة ” الحامة ” صمدت لفترة كافية لتمكين باقى القوات الألمانيه من التراجع دون خسارة كبيرة حيث أقيم خط دفاعى جديد في “وادي العكارات” و مع ذلك تم اختراقه من قبل الجيش الثامن في 6 من أبريل و في غضون ذلك كان الأمريكيين يتقدمون أيضًا على مؤخرة قوات المحور من “قفصة” و بحلول صباح اليوم التالي كانت القوات الألمانيه تتراجع بسرعة باتجاه الشمال على طول الساحل باتجاه “تونس” و بحلول 11 من أبريل كانت قد انضمت إلى قوات “أرنيم” للدفاع عن محيط يبلغ طوله 100 ميل يمتد حول “تونس” و “بنزرت” .

و بفضل سرعة انسحاب القوات الألمانيه من وادي العكاريت أتيحت للقيادة الألمانية العليا فرصة لسحب قواتها من “تونس” إلى “صقلية” لكنها اختارت بدلاً من ذلك الدفاع عن “تونس” التى لا يمكن الدفاع عنها و قاوم المدافعون بالفعل الهجمات المتقاربة التي أطلقها الجيشان الثامن و الأول في الفترة من 20 أبريل إلى 23 أبريل و لكن في 6 من مايو تم شن هجوم مكثف من قبل مدفعية الحلفاء و الطائرات و المشاة و الدبابات على الجبهة المؤدية إلى تونس و في 7 من مايو سقطت المدينة في أيدي القوات المدرعة البريطانية بينما استولى الأمريكيون و الفرنسيون في وقت واحد تقريبًا على “بنزرت” و في الوقت نفسه تم قطع خط انسحاب الألمان إلى شبه جزيرة “كاب بون” و تبع ذلك انهيار عام للمقاومة الألمانية حيث أخذ الحلفاء أكثر من 250 ألف أسير منهم 125 ألف جندي ألماني مع الجنرال “أرنيم” نفسه و تم تطهير شمال إفريقيا من قوات المحور وأصبحت الآن في أيدي الحلفاء بالكامل و هو الأمر الذى ضمّن سلامة سفن الحلفاء و الحركات البحرية في جميع أنحاء البحر الأبيض المتوسط كما ستكون شمال إفريقيا بمثابة قاعدة لعمليات الحلفاء المستقبلية فى الحرب العالمية الثانية ضد “إيطاليا” نفسها.

المحيط الأطلسي و البحر الأبيض المتوسط و بحر الشمال 1942-1945

كان عام 1942 هو المفضل للغواصات الألمانية حيث سمح دخول “الولايات المتحدة” للحرب بتقدمهم الى الساحل الأمريكي فى شمال الأطلسي و حتى منتصف العام و بعد أن أدخل الحلفاء نظام القوافل فى منطقة البحر الكاريبي ادى ذلك الى تقييد حركة الغواصات لامكانية الذهاب بعيدًا الى اماكن مثل “البرازيل” و غرب إفريقيا و هو ما دعى الى تطوير تلك الغواصات من اجل الذهاب الى اماكن متطرفه حيث نجحت الغواصات فى ذلك العام من اغراق اكثر من 630 ألف طن من الشحن شهريا و نظرًا لأن قوتهم التشغيلية ارتفعت في نفس الفترة من 91 غواصه إلى 212 فقد بدا من الممكن أنهم قد يسجلون هدفهم المنشود وهو اغراق 800 ألف طن شحن شهريا .

و فى شهر مارس عام 1943 كان بمثابة ذروة نشاط الغواصات الألمانيه خلال الحرب العالمية الثانية بعد أن ارتفعت قوتها إلى 240 غواصه و نجحت فى اغراق 628 ألف طن من الشحن شهريا و في أعظم معركة لها في الحرب العالمية الثانية هاجمت 20 غواصة منهم قافلتين اندمجوا في واحدة و نجحوا فى اغراق 21 سفينة من أصل 77 مع خسارة واحدة لهم فقط حيث تبع ذلك محاولات من الحلفاء للرد عليها عن طريق تطويرات من خلال اعادة تقييم مجموعات الدعم حيث أصبحت حاملات الطائرات متاحة بشكل تدريجي للمرافقين و بدأت القوافل تكون فى حماية طائرات ” ليبيراتور ” بعيدة المدى و تم تجهيز السفن بمجموعة رادار ذات أطوال موجية قصيرة للغاية و التي كانت غير قابلة للكشف من الغواصات مع شن هجوم منتظم ضدها على طرق مرورها من الجو و الذى واجهه تطوير المانى اخر فى الغواصات ففي أواخر عام 1944 تم تجهيزها بأنبوب التنفس بالغطس الذي زودهم بالأكسجين اللازم لإعادة شحن بطارياتهم تحت الماء و بالتالي أصبح لا يمكن كشفها للرادارات و في نفس الوقت تقريبًا بدأ تشغيل نموذج جديد من الغواصات ذات سرعة و تحمل أكبر تحت الماء الا ان تلك التحسينات أتت بعد فوات الأوان لأن موارد الحلفاء السطحية و الجوية لحماية القوافل كانت هائلة بالفعل.

محاولة تدمير غواصة المانيه فى الاعماق خلال معارك المحيط الأطلنطى

الحروب الجويه 1942-1943

في أوائل عام 1942 بدأت قيادة قاذفات سلاح الجو الملكي البريطاني بقيادة السير “آرثر هاريس ” في تكثيف الهجوم الجوي الاستراتيجي المتزايد للحلفاء ضد “ألمانيا” و كانت هذه الهجمات تستهدف المصانع و مستودعات السكك الحديدية و أحواض بناء السفن و الجسور و السدود و ضد المدن و البلدات نفسها بغرض تدمير الصناعات الحربية الألمانية و حرمان سكانها المدنيين من مساكنهم و بالتالي استنزاف إرادتهم لمواصلة الحرب.

و في مارس عام 1942 تم شن غارة قصف مدمرة بشكل استثنائي على منطقة “لوبيك” كما تم شن هجمات مكثفة على “إيسن” و هو موقع منشآت الذخائر و مدن أخرى في منطقة الرور و في ليلة 30-31 مايو تم إرسال أكثر من 1000 قاذفة قنابل ضد “كولونيا” و التى الحقت أضرارًا جسيمة بثلث المنطقة الحضرية في تلك المدينة ومع ذلك أصبحت مثل هذه العمليات مكلفة للغاية لقيادة القاذفات بسبب الدفاع الذي قدمته القوة الجوية المقاتلة الألمانية و توقفت الغارات على المدن لمدة شهرين ركزت خلالها القاذفات على قواعد الغواصات في “خليج بسكاي” ثم استؤنف الهجوم الجوي ضد ألمانيا مرة اخرى في مارس عام 1943 و في الأشهر الاثني عشر التالية .

و بجانب القاذفات البريطانيه شاركت القوات الجوية الأمريكية الثامنة المتمركزة في “بريطانيا ” أيضًا في الهجوم الإستراتيجي ضد “ألمانيا” اعتبارًا من يناير عام 1943 حيث هاجمت قاذفاتها أهدافًا صناعية في وضح النهار ومع ذلك فقد أثبتوا أنهم معرضون بشدة لهجمات المقاتلات الألمانية كلما تجاوزوا نطاق مرافقتهم من المقاتلات .

أوروبا المحتلة من ألمانيا

أدت أيديولوجية “هتلر” العنصرية خلال الحرب العالمية الثانية و مفهومه الوحشي لسياسة القوة إلى السعي وراء أهداف معينة في تلك البلدان الأوروبية التي غزاها الألمان في الفترة من 1939 إلى 1942 حيث قصد أن تلك المناطق الغربية و الشمالية من أوروبا التى تركت تحت ادارات مدنيه مثل “هولندا” و “النرويج” ستصبح في وقت لاحق جزءًا من الرايخ الألماني اما البلدان التي تركتها “ألمانيا” تحت الإدارة العسكرية مثل “فرنسا” و “صربيا” فسيتم تضمينها في نهاية المطاف في كتلة أوروبية تهيمن عليها “ألمانيا” و من ناحية أخرى كانت دول مثل “بولندا” و “الاتحاد السوفيتي” تعد مناطق استعمارية للاستيطان الألماني و الاستغلال الاقتصادي و بغض النظر عن تلك الفروق ما بين دولة و اخرى فقد كان لدى قوات الأمن الخاصة و هي فيلق النخبة في الحزب النازي سلطات استثنائية في جميع أنحاء أوروبا التي يهيمن عليها الألمان و بمرور الوقت أصبحت تؤدي المزيد من الوظائف التنفيذية حتى في تلك البلدان الخاضعة للإدارة العسكرية , كما قام ” هتلر ” بتفويض “فريتز ساوكيل ” رئيس مفوضيه العمالي من أجل العمل على تسريع التسجيل الإجباري للعمال الأجانب للعمل في صناعة الأسلحة الألمانية و المنتشرين فى كل أوروبا التي يهيمن عليها الألمان و الذى استطاع في النهاية تحويل 7.5 مليون شخص إلى عمال قسريين أو عمال بالسخرة كما أمر بايجاد حل نهائي للمسألة اليهودية الذي يعني الإبادة الجسدية للشعب اليهودي في جميع أنحاء أوروبا أينما كان الحكم الألماني ساريًا أو حيث كان التأثير الألماني حاسمًا .

كان الحل الألمانى الحاسم للمسألة اليهوديه هى تركيز يهود “بولندا” في أحياء سكنية مكتظة بالتزامن مع استعدادات “ألمانيا” للحملة العسكرية ضد “الاتحاد السوفيتي” حيث كان “هتلر” يعتقد أن إبادة الشيوعيين تستلزم ليس فقط إبادة الطبقة الحاكمة السوفييتية و لكن أيضًا ما كان يعتقد أنه أساسها البيولوجي أى ملايين اليهود في غرب “روسيا و أوكرانيا” لذلك فمع بداية غزو “الاتحاد السوفيتي” في عام 1941 بدأت فرق قتل متنقلة خاصة بإطلاق النار بشكل منهجي على السكان اليهود في الأراضي السوفيتية المحتلة في الجزء الخلفي من الجيوش الألمانية المتقدمة و في غضون بضعة أشهر حتى نهاية عام 1941 كانوا قد قتلوا حوالي 140 ألف شخص و في هذه الأثناء تم وضع خطط أخرى في عام 1941 لإبادة يهود أوروبا الوسطى و الغربية و في مؤتمر “وانسي” الذى جمع القيادات النازيه و قوات الأمن الخاصة في يناير 1942 تم الاتفاق على ترحيل اليهود و إرسالهم إلى معسكرات في شرق “بولندا” حيث سيُقتلون بشكل جماعي أو يُجبرون على العمل كعمال رقيق حتى يموتوا و في الفترة من مايو عام 1942 إلى سبتمبر عام 1944 قُتل أكثر من 4.2 مليون يهودي في معسكرات الموت مثل “أوشفيتز” و “تريبلينكا” و “بلزيك” و “شومنو” و “مايدانيك” و “سوبيبور”.

و بينما كان قدر اليهود فى امبراطوريه “هتلر” هى الإبادة الجسدية فقد اعتبر السلاف و خاصة البولنديين و الروس على أنهم أقل من البشر الذين كانوا يستخدمون كمجموعة من العمالة الرخيصة اى تحولهم إلى العبودية و أصبحت “بولندا ” ساحة تدريب لهذا الغرض و عند الغزو الألماني لبولندا عام 1939 أمر “هتلر” قوات الأمن الخاصة بقتل نسبة كبيرة من المثقفين البولنديين و بدأ عهد الإرهاب ضد الطبقات الحاكمة البولندية ذات العقلية القومية و بحلول نهاية الحرب العالمية الثانية قتل ما مجموعه 3 ملايين بولندي بالإضافة إلى 3 ملايين اخرين من اليهود البولنديين كما أراد “هتلر” أن تخضع الكتلة الكاملة من السلاف في الأجزاء المحتلة من “الاتحاد السوفيتي” للهيمنة الألمانية و يجب استغلالها اقتصاديًا دون عائق أو تعاطف حيث كانت “أوكرانيا” هي المنطقة الرئيسية المعرضة للاستغلال الاقتصادي و أصبحت أيضًا المصدر الرئيسي لعمال السخرة و عندما دخلت الجيوش الألمانية “أوكرانيا” لأول مرة في يوليو عام 1941 رحب العديد من الأوكرانيين بالألمان كمحررين لهم من الإرهاب و التجويع الستاليني لكن سرعان ما تحولت هذه النوايا الحسنة إلى استياء حين استولى الألمان على كميات كبيرة من الحبوب من المزارع و رحلوا قسراً عدة ملايين من الأوكرانيين للعمل في “ألمانيا” و شاركوا في أعمال انتقامية شديدة الوحشية ضد المدنيين بسبب أعمال المقاومة أو التخريب.

و تمت ممارسة سياسات الاحتلال اللاإنسانية تلك إلى حد كبير أو أقل في جميع البلدان التي احتلها الألمان و كانت النتيجة هو قيام حركات مقاومة مسلحة و سرية بها و كانت فعالة بشكل خاص في “الاتحاد السوفيتي” لأنها عملت خلف الجبهات التي كانت الجيوش الألمانية لا تزال تخوض معاركها مع الجيش الأحمر و هكذا كان بإمكان الحزبيين السوفييت كما أطلق عليهم تلقي الأسلحة و المعدات و التوجيهات سراً من القوات السوفيتية الموجودة في الجبهة نفسها كما قام أعضاء حركات المقاومة في الدول الأخرى بمضايقة و تعطيل الأنشطة العسكرية و الاقتصادية الألمانية من خلال تفجير مستودعات الذخيرة و مرافق الاتصالات و النقل و تخريب المصانع و نصب الكمائن للوحدات الألمانية الصغيرة و جمع المعلومات الاستخبارية العسكرية لاستخدامها من قبل جيوش الحلفاء و بحلول عام 1944 نمت التنظيمات المقاومة في “الاتحاد السوفيتي” و “بولندا” و “يوغوسلافيا” و “فرنسا” و “اليونان” بشكل كبير و في أوروبا الشرقية و “يوغوسلافيا” استطاعت تلك المقاومة السيطرة على مساحات شاسعة من الأراضي في مناطق يصعب الوصول إليها مثل الغابات و سلاسل الجبال و المستنقعات.

و عبثا حاولت سلطات الاحتلال الألماني القضاء على المقاومة الا انها في أغلب الأحيان لم تؤد إلا إلى تأجيج النيران بسبب استخدام الألمان لفكرة الانتقام العشوائي ضد المدنيين و بحلول عام 1944 كسب الألمان الكراهية الساحقة لمعظم الناس في الدول الأوروبية المحتلة خاصة دول أوروبا الشرقيه و البلقان الذى كان التعامل الالمانى فيها أشد قسوة عن أوروبا الغربية و في “الاتحاد السوفيتي” و “بولندا” و “يوغوسلافيا” و “اليونان” بدأت المقاومة بأسلوب حروب العصابات و شن أعمال انتقامية ضد النازيين في عام 1941 و ارتفعت إلى ذروتها في 1943-1944 حيث أدى غضب النازيين إلى شن حرب إبادة على الشعوب السلافية.

مؤتمر الدار البيضاء و ترايدنت يناير- مايو 1943

لتقرير ما يجب القيام به بعد الانتصار في شمال إفريقيا التقى “فرانكلين روزفلت و وينستون تشرشل” مع مستشاريهما بالدار البيضاء في منتصف يناير عام 1943 و بعد جدال طويل تم الاتفاق في النهاية على أن تكون “صقلية” هي منطقة المحور التالية التي سيتم أخذها فى اوروبا و بالنسبة للحرب ضد “اليابان” فقد تقرر القيام بعمليتين هجوميتين عن طريق تحرك “ماك آرثر” نحو القاعدة اليابانية في “رابول” بجزيرة “بريطانيا الجديدة” مع تحركات متقاربة في “بورما” من قبل البريطانيين من البر الرئيسي للهند و الأمريكيين من البحر اما سياسيًا فقد أعلن “روزفلت” من خلال المؤتمر و بشكل علنى الاستسلام غير المشروط لألمانيا و إيطاليا و اليابان و بعد أربعة أشهر فقط من مؤتمر الدار البيضاء أصبح من الضروري إقامة مؤتمر انجلو-امريكى جديد في منتصف مايو عام 1943 حيث التقى ” فرانكلين روزفلت و وينستون تشرشل” و مستشاريهما في “واشنطن” العاصمة من أجل المؤتمر الذي أطلق عليه اسم “ترايدنت” حيث تم تأكيد المشروع الصقلي بشكل فعال و تحديد تاريخ غزوها فى 1 من مايو عام 1944 بشكل نهائي من وجهة نظر “الولايات المتحدة ” لكن السؤال عما إذا كان ينبغي أن يتبع غزو “صقلية” الدخول الى كافة الاراضى الايطاليه كما اقترح البريطانيون الا انه كان سؤال لم يحسم الاجابة عليه .

الجبهة الشرقية فبراير- سبتمبر 1943

على الجبهة الشرقيه قامت القوات الألمانيه بهجوم مضاد في فبراير عام 1943 على القوات السوفيتية و بحلول منتصف مارس استعاد الألمان “خاركوف” و بلجورود و أعادوا تأسيس جبهة على “نهر دونيتس” كما أذن “أدولف هتلر” للقوات الألمانية بالتراجع في مارس من مواقعها المتقدمة التي تواجه “موسكو” إلى خط أكثر استقامة أمام “سمولينسك” و “أوريل” و أخيرًا كان هناك انتفاخ سوفيتي كبير أو بارز حول “كورسك” بين “أوريل” و “بلجورود” و الذي امتد لنحو 150 ميلًا من الشمال إلى الجنوب و برز على بعد 100 ميل في الخطوط الألمانية حيث دفع ذلك الانتفاخ ” هتلر ” الى الامر بشن شن هجوم جديد و طموح للغاية على ذلك الانتفاخ و ركز “هتلر” كل جهوده على هذا الهجوم دون اعتبار لخطر أن الهجوم غير الناجح سيتركه بدون احتياطيات للحفاظ على أي دفاع لاحق عن جبهته الطويلة.

و على النقيض من ذلك تحسن وضع الجيش الأحمر كثيرًا منذ عام 1942 من حيث النوعية و الكمية و زاد تدفق المعدات الجديدة بشكل كبير كما زاد عدد الفرق الجديدة و أصبح تفوقها العددي على الألمان الآن بحوالي 4 إلى 1 كما تحسنت خبرة قيادتها و أصبح الجنرالات و القادة الصغار على حد سواء أكثر مهارة تكتيكيا حيث كان من الممكن بالفعل تمييز ذلك في صيف عام 1943 عندما انتظر السوفييت قيام الألمان بشن هجومهم بعد تمركزهم في وضع جيد لاستغلال فقدان الألمان لتوازنهم خلال الإندفاع.

و بدأ الهجوم الألماني ضد انتفاخ “كورسك” في 5 من يوليو عام 1943 و ألقى فيه “هتلر” 20 فرقة مشاة و 17 فرقة مدرعة بإجمالي حوالي 3000 دبابة لكن طوابير الدبابات الألمانية كانت متورطة في حقول من الألغام العميقة التي زرعها السوفييت و تقدم الألمان فقط من 10 إلى 30 ميلاً و رغم ذلك لم يتم أسر الكثير من الجنود السوفييت حيث كان الجيش السوفيتى قد قام بسحب قواته الرئيسية من المنطقة البارزة قبل بدء الهجوم الألماني و بعد أسبوع من الجهد تم تدمير الكثير من المدرعات الالمانيه من خلال المدفعية المضادة للدبابات و في 12 من يوليو و عندما بدأ الألمان في الانسحاب شن السوفييت هجومًا مضادًا على المواقع الألمانية في المنطقة البارزة و حقق نجاحًا كبيرًا و حدثت معركة “كورسك” التي كانت أكبر معركة دبابات ليس فى الحرب العالمية الثانية فحسب و لكن في التاريخ و واصل السوفييت التقدم بثبات و استولوا على “بيلجورود” ثم “خاركوف” و في سبتمبر تسارعت وتيرة التقدم السوفيتي و بحلول نهاية الشهر عاد الألمان في “أوكرانيا” إلى نهر دنيبر.

جنوب غرب و جنوب المحيط الهادئ يونيو-أكتوبر 1943

في مارس عام 1943 صدر خلال مؤتمر عسكري جدولًا جديدًا للعمليات في المحيط الهادئ عقد في “واشنطن” العاصمة يدعو إلى تطوير بعض الهجمات المضادة ضد اليابانيين حيث كان الحد من تهديد القاعدة البحرية اليابانية الكبيرة في “رابول” هدفًا أساسيًا لماك آرثر عن طريق التطويق إن لم يكن الاستيلاء على ذلك المعقل .

و خلال الفترة ما بين 22 الى 30 يونيو عام 1943 غزا فوجان أمريكيان جزر “وودلارك و كيريوينا” (شمال شرق طرف بابوا) حيث يمكن للطائرات أن تمتد ليس فقط فوق بحر المرجان ” الكوريل ” و لكن أيضًا على الطرق المؤدية إلى “رابول” و “جزر سليمان” و في الوقت نفسه تقدمت الوحدات الأمريكية و الأسترالية من منطقة “بونا” على طول ساحل غينيا الجديدة نحو “لاي وسالاماوا” و في ليلة 29-30 يونيو قامت القوات الأمريكية بتأمين خليج “ناسو” كقاعدة لمزيد من التقدم ضد نفس المواقع و مع ذلك فإن عمليات الإنزال الأمريكية على “نيو جورجيا” وعلى “ريندوفا” في “جزر سليمان” التي حدثت أيضًا في ليلة 29-30 يونيو دفعت اليابانيين إلى رد فعل قوي حيث فقد الحلفاء فى الفترة ما بين 5 يوليو و 16 يوليو خلال معركتي خليج كولا وكولومبانجارا طرادًا و مدمرتين و أصيبت ثلاث طرادات أخرى بالشلل اما اليابانيين فعلى الرغم من أنهم فقدوا طرادًا و مدمرتين الا انهم تمكنوا من إنزال تعزيزات كبيرة (من بريطانيا الجديدة) الا انها لم تكن فعاله نتيجة التعزيزات المضادة الكبيرة التي أمنت مجموعة جزر “نيو جورجيا” للحلفاء الذين بدأوا في 15 من أغسطس توسيع نطاق عمليتهم إلى جزيرة “فيلا لافيلا “.

في هذه الأثناء هاجمت الطائرات الأمريكية في 17-18 أغسطس القواعد اليابانية في “ويواك” (على ساحل غينيا الجديدة ) و دمرت أكثر من 200 طائرة هناك و في 4 سبتمبر هبطت فرقة أسترالية بالقرب من لاي و في اليوم التالي هبطت قوات المظلات الأمريكية و انضمت إليهم فرقة أسترالية محمولة جواً و سقط “سالاماوا” في يد الحلفاء في 12 سبتمبر و لاي في 16 سبتمبر و فينشهافن في شبه جزيرة هون خلف لاي في 2 أكتوبر .

هبوط الحلفاء في أوروبا وهزيمة قوى المحور فى الحرب العالمية الثانية

تطورات الحرب العالمية الثانية من خريف 1943 إلى صيف 1944

صقلية وسقوط موسوليني يوليو – أغسطس 1943

كان أكبر عيب إستراتيجي لهتلر خلال الحرب العالمية الثانيه يكمن في الامتداد الهائل للغزوات الألمانية من الساحل الغربي لفرنسا إلى الساحل الشرقي لليونان لذلك فقد كان من الصعب عليه تحديد المكان الذي سيضرب فيه الحلفاء ضربتهم بعد ذلك و فى المقابل كانت تكمن الميزة الإستراتيجية الأكبر للحلفاء في الاختيار الواسع للأهداف البديلة و في قوى الإلهاء التي يتمتعون بها من خلال قوتهم البحرية الفائقة بينما كان “هتلر” يضطر دائمًا إلى الحذر من غزو عبر القنوات من شواطئ إنجلترا و كان لديه سبب للخوف أيضا من أن الجيوش الأنجلو أمريكية في شمال إفريقيا قد تهبط في أي مكان على جبهته الجنوبية بين “إسبانيا و اليونان” .

و بعد أن فشل في إنقاذ قواته في “تونس” كان لدى المحور 10 فرق إيطالية فقط من مختلف الأنواع و وحدتان من الدبابات الألمانية المتمركزة في جزيرة “صقلية” في منتصف صيف عام 1943 و في غضون ذلك كان الحلفاء يستعدون لإنزال حوالي 478 ألف رجل في الجزيرة منهم 150 ألف في الأيام الثلاثة الأولى من الغزو حيث كان من المقرر أن ينزل الجيش الثامن البريطاني التابع لـ “مونتجمري ” و الجيش الأمريكي السابع بقيادة “باتون” على امتدادين من الشاطئ بطول 40 ميلاً وعلى بعد 20 ميلاً من بعضهما البعض حيث سيكون البريطانيين في جنوب شرق الجزيرة والأمريكيين في الجنوب و كان التفوق الجوي للحلفاء في مسرح البحر الأبيض المتوسط كبيرًا جدًا بحلول ذلك الوقت حيث كانوا يمتلكون أكثر من 4000 طائرة مقابل 1500 طائرة ألمانية و إيطالية لدرجة أن قاذفات المحور قد سحبت من “صقلية” في يونيو إلى قواعد في شمال وسط “إيطاليا”.

و في 10 من يوليو نزلت قوات الحلفاء البحرية على “صقلية” و انهارت الدفاعات الساحلية التي كان يديرها إلى حد كبير الصقليون غير الراغبين في تحويل وطنهم إلى ساحة معركة من أجل الألمان و بعد الكوارث المتتالية التي عانى منها المحور في “إفريقيا” كان العديد من القادة الإيطاليين حريصين بشدة على تحقيق السلام مع الحلفاء حيث دفعهم غزو “صقلية ” الذي مثل تهديدًا مباشرًا للبر الرئيسي الإيطالي إلى اتخاذ إجراءات في ليلة 24-25 يوليو عام 1943 عندما كشف “بينيتو موسوليني” للمجلس الفاشي الكبير أن الألمان كانوا يفكرون في إخلاء النصف الجنوبي من إيطاليا و صوت غالبية المجلس لصالح قرار ضده و استقال من صلاحياته و في من 25 يوليو أمر الملك “فيكتور عمانويل الثالث” بإلقاء القبض على “موسوليني” و عهد إلى المارشال “بيترو بادوليو” بتشكيل حكومة جديدة و التى دخلت في مفاوضات سرية مع الحلفاء على الرغم من وجود قوات ألمانية كبيرة في “إيطاليا” .

و بعد أيام قليلة من سقوط “موسوليني” قرر المشير “ألبرت كيسيلرينج” القائد العام الألماني في “إيطاليا” أنه يجب إخلاء قوات المحور في “صقلية” حيث تم سحب 40 ألف ألماني و 60 ألف جندي إيطالي بأمان عبر مضيق ميسينا إلى البر الرئيسي معظمهم في الأسبوع المنتهي في 16 من أغسطس عام 1943 و هو اليوم السابق لدخول الحلفاء إلى “ميسينا” و انتهت معركة غزو “صقليه” بتكبد الحلفاء حوالي 22800 ضحية بينما خسرت قوى المحور حوالي 165 ألف ضحية منهم 30 ألفا من الألمان .

مؤتمر الرباعي (كيبيك 1)

أدى نجاح عملية “صقلية” و سقوط “موسوليني” إلى قيام القيادة العسكرية و السياسية الأمريكية إلى دعم حملة غزو “إيطاليا” علاوة على ذلك قدم الفريق “فريدريك مورجان ” و الذي تم تعيينه بعد مؤتمر “الدار البيضاء” رئيسًا لأركان القائد الأعلى للحلفاء (COSSAC) خطة مفصلة و واقعية للغزو الذي طال انتظاره لفرنسا من “بريطانيا” و الذى احتوى على حسابات دقيقه لموارد الحلفاء التي كانت مطلوبة لهذا الغرض و مقدار ما يمكن توفيره للعمليات في البحر الأبيض المتوسط و المحيط الهادئ.

و استلزم ذلك التحول الجديد فى الفكر الاستراتيجي الى انعقاد مؤتمر جديد فى “كيبيك” منتصف أغسطس عام 1943 و كان اسمه الرمزي “الرباعي” و بعد نقاش حاد تركت مسألة توقيت العمليه “Overlord” المخصصة لغزو “فرنسا” مفتوحة في النهاية و لكن تم الاتفاق على أن قوة الهجوم يجب أن تتجاوز التقدير الأصلي بنسبة 25٪ و أن الهبوط عبر القنوات يجب أن يكون مدعومًا بالهبوط. في جنوب “فرنسا” و أن يتولى ضابط أمريكي قيادة تلك العمليه كما تقرر تنظيم مسرح حرب جديد في جنوب شرق آسيا تحت قيادة بريطانية.

غزو الحلفاء لإيطاليا 1943

من “صقلية” كان لدى الحلفاء مجموعة واسعة من الاتجاهات للهجوم التالي حيث كانت “كالابريا” “إصبع القدم” لإيطاليا أقرب وجهة ممكنة و أكثرها وضوحًا كما كان “الكعب” أيضًا جذابًا للغاية حيث عبر الفيلقان العسكريان التابعان للجيش الثامن لمونتجمري مضيق “ميسينا” و هبطا على “إصبع” إيطاليا في 3 من سبتمبر عام 1943 و على الرغم من أن المقاومة الأولية كانت لا تذكر عمليًا إلا أنهم حققوا تقدمًا بطيئًا للغاية حيث منعت التضاريس الموجودة فى المكان انتشار القوات بشكل كبير و لكن في يوم الانزال وافقت الحكومة الإيطالية أخيرًا على شروط الحلفاء السرية للاستسلام و كان من المفهوم أن يتم التعامل مع “إيطاليا” برفق يتناسب بشكل مباشر مع الجزء الذي ستتخذه في أقرب وقت ممكن في الحرب ضد “ألمانيا” حيث تم الإعلان عن الاستسلام في 8 من سبتمبر.

و بدأ الإنزال على حافة “إيطاليا” في “ساليرنو” جنوب “نابولي” مباشرة في 9 من سبتمبر من قبل الجيش الخامس الأمريكي البريطاني المختلط تحت قيادة الجنرال الأمريكي “مارك كلارك” و تم نقل 700 سفينة و قام 55 ألف رجل بالهجوم الأولي تبعه 115 ألف جندى أخرين حيث واجههم في البداية فرقة الدبابات رقم 16 الألمانية لكن “كيسيلرينج” و على الرغم من أنه كان لديه ثمانية فرق ضعيفة فقط للدفاع عن جنوب و وسط “إيطاليا” الا أنه كان لديه وقت كافى للتخطيط منذ سقوط “موسوليني” و اصبح نجاح هبوط “ساليرنو” محفوفًا بالمخاطر لمدة ستة أيام و لم يدخل الجيش الخامس “نابولي” إلا في الأول من أكتوبر.

و على النقيض من ذلك فإن الانزال المحدود على كعب “إيطاليا” و الذي تم في 2 من سبتمبر فاجأ الألمان و الذي دفعهم إلى التراجع عن مواقعهم للدفاع عن “نابولي” ضد الجيش الخامس و عندما أعلنت الحكومة الإيطالية بموجب اتفاق “بادوليو – أيزنهاور” في 29 من سبتمبر الحرب ضد “ألمانيا” في 13 من أكتوبر عام 1943 كان “كيسيلرينج” يتلقى بالفعل تعزيزات و يعزز السيطرة الألمانية على وسط و شمال “إيطاليا” و تم صد الجيش الخامس مؤقتًا على نهر ” فولترنو ” على بعد 20 ميلًا فقط شمال “نابولي ” و بشكل دائم على نهر ” جاريجليانو ” في حين أن الجيش الثامن بعد أن شق طريقه من “كالابريا” فوق ساحل البحر الأدرياتيكي كان أيضًا محتجزًا على نهر ” سانجرو ” و مر الخريف و منتصف الشتاء دون أن يترك الحلفاء أي انطباع ملحوظ على خط “جوستاف” الألماني الذي امتد لمسافة 100 ميل من مصب “جاريليانو” مرورا بكاسينو و فوق جبال الأبينيني إلى مصب نهر سانجرو.

الحلفاء الغربيون و ستالين : القاهرة و طهران 1943

كانت العلاقات بين الحلفاء الغربيين و “الاتحاد السوفيتي” لا تزال حساسة فإلى جانب عدم قدرتهم على تلبية المطالب السوفيتية لقوافل الإمدادات والقيام بغزو مبكر لفرنسا كان الأمريكيين و البريطانيين محرجين من التناقض بين أهداف الحرب السياسية الخاصة بهم و أهداف ” جوزيف ستالين” .

كان الاختلاف الأطول حول “بولندا” فبينما كان البولنديين لا يزالون يقاتلون إلى جانب الحلفاء و يعترفون بسلطة الحكومة البولندية للجنرال “فاديسلاف سيكورسكي” الموجود في المنفى كان “ستالين” يحاول إقناع الحلفاء باحتفاظ “الاتحاد السوفيتي” بعد الحرب بجميع الأراضي المأخوذة من “بولندا” بموجب الاتفاقيات الألمانية السوفيتية عام 1939.

و في 16 من يناير عام 1943 أعلنت الحكومة السوفيتية أن البولنديين من المناطق الحدودية المتنازع عليها يُعاملون كمواطنين سوفيتيين و يتم تجنيدهم في الجيش الأحمر و في 25 من أبريل قطعت الحكومة السوفيتية العلاقات مع البولنديين في “لندن” وبدأت “موسكو” بعد ذلك في بناء حكومتها العميلة لبولندا ما بعد الحرب العالمية الثانية .

و إلى جانب الخلاف حول “بولندا” كان الحلفاء الغربيون و “الاتحاد السوفيتي” أيضًا على تباين فيما يتعلق بمصير ما بعد الحرب للدول الأوروبية الأخرى التي لا تزال تحت السيطرة الألمانية لكن الأمريكيين و البريطانيين كانوا مهتمين حقًا بالحفاظ على المجهود الحربي السوفيتي ضد “ألمانيا” .

و فى 22-27 من نوفمبر عام 1943 التقى “تشرشل و روزفلت و تشيانج كاي شيك” في “القاهرة” بمؤتمر ” سكستانت ” بناءً على إصرار “روزفلت” لمناقشة خطط عملية بريطانية أمريكية صينية مشتركة في شمال “بورما” و لم يصدر من مؤتمر ” سكستانت ” سوى القليل باستثناء إعلان “القاهرة” الذي نُشر في 1 ديسمبر و هو بيان آخر لأهداف الحرب العالمية الثانية و نص على أن تتخلى “اليابان” عن جميع جزر المحيط الهادئ التي تم الحصول عليها منذ عام 1914 و أن ترد “منشوريا” و “فورموزا” و “بيسكادوريس” إلى “الصين” و بالإضافة إلى ذلك تم النص على أن “كوريا” ستصبح مستقلة في الوقت المناسب.

و من “القاهرة” ذهب “روزفلت و تشرشل” إلى “طهران” للقاء “ستالين” في مؤتمر يوريكا في 28 نوفمبر – 1 ديسمبر حيث فيه جدد “ستالين” الوعد السوفيتي بالتدخل العسكري ضد “اليابان ” لكنه أراد في المقام الأول تأكيدًا بأن غزو “فرنسا” سيكون في عام 1944 و طمأنه “روزفلت” بهذا الأمر و أعلن أن الجيش الأحمر سيهاجم الجبهة الشرقية في وقت واحد اما على المستوى السياسي فقد طالب “ستالين” بساحل البلطيق في شرق بروسيا من أجل “الاتحاد السوفيتي” و كذلك الأراضي التي تم ضمها في 1939-1940 و رافق البيان الرئيسي للمؤتمر إعلان مشترك يضمن استعادة “إيران” بعد الحرب و فى طريق العودة إلى “القاهرة” أمضى “روزفلت و تشرشل ” ستة أيام أخرى فى الفترة من 2-7 ديسمبر في محادثات فريق العمل و اتفقوا أخيرًا على أن عملية غزو فرنسا ستكون بقيادة ” أيزنهاور ” .

الإستراتيجية الألمانية منذ عام 1943

منذ أواخر عام 1942 كانت الإستراتيجية الألمانية التي حددها “هتلر” تهدف فقط إلى حماية المنطقة التي لا تزال تحت السيطرة الألمانية و هى معظم أوروبا و جزء من شمال إفريقيا ضد اى هجوم سوفيتي مستقبلي على الجبهة الشرقية و ضد الهجمات الأنجلو – أمريكية على الجبهتين الجنوبية و الغربية حيث كانت آمال الألمان في أن الحلفاء سوف يختلفون خاصة و ان التحالف “غير الطبيعي” بينهم للرأسمالية الغربية و الشيوعية السوفيتية سوف ينفجر قبل تحقيقهم النصر الا انه قد خاب أملهم لذلك و وفقًا لما قاله “هتلر” اما ان نكون قوة عالمية أو لا نكون على الإطلاق و عليه فقد أعطى أوامر غير مرنة تم فيها إجبار جيوش كاملة على الوقوف في مواقع ميؤوس منها من الناحية التكتيكية و مُنعوا من الاستسلام تحت أي ظرف من الظروف حيث أدى النجاح الأولي لهذه الإستراتيجية في منع هزيمة “ألمانيا” خلال الهجوم السوفيتي المضاد بالشتاء في عامى 1941-1942 الا انها اصبحت غير قابلة للتطبيق في الظروف العسكرية المختلفة جدًا على الجبهة الشرقية بحلول عام 1943 لانه فى ذلك الوقت كان الألمان يفتقرون ببساطة إلى أعداد كافية من القوات للدفاع عن جبهة طويلة للغاية ضد عدد أكبر بكثير من القوات السوفيتية فمع حلول ديسمبر عام 1943 واجه حوالي 5.5 مليون جندي سوفيتي القوات الألمانية البالغ عددها 3 ملايين جندى.

و خلاف التطورات الميدانية لاستراتيجية ” هتلر ” فى إبقاء جيوشه ثابتة على الارض ادى ذلك الى وجود خلافات كبيرة بينه و بين جنرالاته الذين فقدوا مناصبهم بسبب ذلك و تم إجراء تغييرات متكررة في قيادات الجيوش مما أدى خلال الفترة من عام 1943 لـ 1944 إلى إزاحة معظم القادة الموهوبين الذين ارتبطوا بنجاحات ألمانيا السابقة .

و منذ أواخر عام 1943 فصاعدًا كانت استراتيجية “هتلر” و التي لا تزال غير قابلة للتفسير من وجهة نظر سياسية لمعظم المؤرخين الغربيين تتمثل في تعزيز القوات الألمانية في أوروبا الغربية على حساب القوات الموجودة على الجبهة الشرقية في ضوء خطر الجيوش الأنجلو امريكيه الذين بدأوا الاستعدادات لغزو أوروبا الغربية و الذي بدا وشيكًا بحلول أوائل عام 1944 و بدا واضحًا أن خسارة جزء من غزواته الشرقية كانت أقل خطورة لهتلر الذى استمر في الإصرار على أولوية الحرب في الغرب بعد بدء غزو الحلفاء لشمال “فرنسا” في يونيو 1944 و بينما بذلت جيوشه جهودًا مضنية لاحتواء رأس جسر الحلفاء في “نورماندي” خلال الشهرين التاليين وافق هتلر على سحب مجموعة الجيوش الألمانية على الجبهة الشرقية من قبل الهجوم الصيفي السوفيتي فى يونيو عام 1944 و الذي جلب الجيش الأحمر في غضون أسابيع قليلة إلى نهر “فيستولا” وحدود بروسيا الشرقية و على الجانب الاخر انهارت الجبهة الغربيه في غضون أسابيع قليلة حيث تقدم الحلفاء إلى الحدود الغربية لألمانيا و بعد ذلك و مع استمرار التمسك بمبدأه التوجيهي جمع “هتلر” على الجبهة الغربية كل ما تبقى من قواته هناك و حاول طرد البريطانيين و الأمريكيين فيما أصبح يعرف باسم معركة الانتفاخ و حققت هذه الحملة بعض النجاحات و لكنها تعني أن آخر وحدات “ألمانيا” الجديرة بالقتال قد تم استخدامها على الجبهة الغربية بينما استأنف الجيش الأحمر الذي يفوق عدد القوات الألمانية المتبقية في الشرق حملته على الحدود الشرقية لألمانيا و وصل نهر “أودر” بحلول نهاية يناير عام 1945.

الجبهة الشرقية 1943 أبريل 1944

بحلول نهاية الأسبوع الأول من أكتوبر عام 1943 كان الجيش الأحمر قد أنشأ عدة جسور على الضفة اليمنى لنهر “دنيبر” و قام الجنرال “إيفان ستيبانوفيتش كونييف” بالتحرك فجأة إلى الأمام و ذلك لعزل القوات الألمانية الموجودة فى المنعطف الكبير لنهر “دنيبر” و بحلول أوائل نوفمبر وصل الجيش الأحمر إلى مصب نهر الدنيبر أيضًا و تم عزل الألمان في شبه جزيرة القرم و سقطت “كييف” أيضًا في 6 من نوفمبر و بعد ذلك تقدمت القوات غربًا عبر الحدود البولندية في 4 من يناير عام 1944 لتلتقى مع يمين قوات “كونيف” بحيث تم تطويق 10 فرق ألمانية بالقرب من “كورسون” على خط دنيبر جنوب “كييف” .

و مع التقدم السوفيتى حدثت ضربة المانية مضادة من منطقة ” لوو ” في جنوب “بولندا” ضد جناح “جوكوف” و التى ساهمت فى انسحاب بعض من القوات الألمانية حيث تخلوا عن شبه جزيرة القرم و عن “سيفاستوبول” و تم القبض علي بعض من قواتهم من خلال كماشة سوفيتية اما في الطرف الشمالي من الجبهة الشرقية فقد تبع الهجوم السوفيتي في يناير عام 1944 انسحاب ألماني منظم من أطراف منطقة “لينينجراد” المحاصرة منذ فترة طويلة حيث كان الانسحاب مفيدًا للألمان لكنه ضحوا بعلاقاتهم مع الفنلنديين الذين لم يجدوا أنفسهم فى افضل حال عما كانوا عليه خلال حربهم مع السوفييت في عامى 1939-1940 و سعت “فنلندا” في فبراير عام 1944 إلى هدنة مع “الاتحاد السوفيتي” الا انها لم تفلح بسبب وضع السوفييت شروطا غير مقبوله .

حرب المحيط الهادئ أكتوبر 1943 – أغسطس 1944

بالنظر إلى أنه قد يكون من الضروري بالنسبة للحلفاء غزو “اليابان” بشكل صحيح فقد وضعوا خططًا جديدة خلال الحرب العالمية الثانية في منتصف عام 1943 و تقرر أن الهجوم الرئيسي يجب أن يكون من الجنوب و من الجنوب الشرقي عبر “الفلبين” و من خلال “ميكرونيزيا” و ليس من “الأليوتيين” في شمال المحيط الهادئ أو من البر الرئيسي الآسيوي و من أجل الاقتراب من “الفلبين” كان من الضروري من ناحية إكمال تطويق “رابول ” و بالتالي إبطال التهديد من المواقع اليابانية في “جزر سليمان” و “أرخبيل بسمارك” و من ناحية أخرى تقليص سيطرة “اليابان” على غرب “غينيا الجديدة” و مع ذلك تم التركيز بشكل كبير على التقدم فى وسط المحيط الهادئ عبر “ميكرونيزيا” .

تطويق رابول

تحرك الحلفاء لعزل الحامية اليابانية الكبيرة في “رابول” عن طريق البر و الجو حيث بدأ تطويقها برا خلال شهري أكتوبر و نوفمبر عام 1943 باستيلاء القوات النيوزيلندية على جزر موجودة في جزر سليمان و رافقه في الأول من نوفمبر إنزال أمريكي في خليج الإمبراطورة أوجوستا غرب بوجانفيل حيث صدت التعزيزات الأمريكية في وقت لاحق الهجمات المضادة اليابانية في ديسمبر عندما أغرقت مدمرتين و في مارس عام 1944 قتلت ما يقرب من 6000 رجل و هم من تبقوا من الحامية اليابانية في بوجانفيل و الذين لم يعودوا قادرين على القتال و رغم ذلك لم يستسلموا .

و استمرارًا للاقتراب من “رابول” هبطت القوات الأمريكية في 15 من ديسمبر في “أراوي” على الساحل الجنوبي الغربي لبريطانيا الجديدة و بالتالي صرف انتباه اليابانيين عن “كيب جلوستر” على الساحل الشمالي الغربي حيث تم إنزال كبير في 26 من ديسمبر و بحلول 16 من يناير عام 1944 تم الاستيلاء على مهبط الطائرات في “كيب جلوستر” و أقيمت خطوط الدفاع و فى 20 من مارس اكتملت سيطرة الحلفاء على عزل “رابول” عمليًا حتى يتمكنوا من الآن فصاعدًا من اهمال 100 ألف ياباني تم عزلهم هناك .

غرب غينيا الجديدة

قبل أن يتمكنوا من الاتجاه شمالًا نحو “الفلبين” كان على الحلفاء إخضاع “غينيا الجديدة الغربية” التي تسيطر عليها “اليابان” حيث استولت القوات الأمريكية على “صيدور” في شبه جزيرة هون في 2 من يناير عام 1944 و أنشأت قاعدة جوية هناك و استولى الأستراليون على “سيو” شرق صيدور في 16 من يناير ثم نزلت التعزيزات في “مينديري” غرب صيدور في 5 من مارس .

و قام الحلفاء في 22 أبريل 1944 بانزالين متزامنين في “هولنديا” بعد أن دمروا بالفعل 300 طائرة يابانية في الأسابيع الماضية و استولوا علي المطارات هناك في غضون أربعة أيام و في الأشهر التالية تم تحويل ” هولنديا ” إلى قاعدة رئيسية و مركز قيادة لمنطقة جنوب غرب المحيط الهادئ و استولى الحلفاء أيضًا على “أيتابي” على الساحل الشرقي و اتخذوها مركزا لصد الهجمات المضادة من قبل أكثر من 200 ألف ياباني في “ويواك” خلال شهري يوليو و أغسطس .

وسط المحيط الهادئ

على الرغم من أن هيئة الأركان الأمريكية المشتركة لم تتصور أي هجوم كبير باتجاه الغرب عبر المحيط الهادئ باتجاه “فورموزا” حتى منتصف عام 1944 إلا أنهم قرروا مع ذلك شن هجوم محدود في وسط المحيط الهادئ في عام 1943 على أمل تسريع وتيرة الحرب و ابتعاد اليابانيين عن مناطق أخرى و وفقًا لذلك غزت قوات “نيميتز” وسط المحيط الهادئ في 23 من نوفمبر عام 1943 و سقطت “ماكين” بسهولة لكن الدفاعات اليابانية المحصنة جيدًا في “تاراوا” كلفت مشاة البحرية الأمريكية 1000 قتيل و 2300 جريح و بلغ إجمالي الخسائر اليابانية في “جيلبرت” حوالي 8500 رجل.

و بعد أن أُجبر اليابانيين على التنازل عن “جيلبرت” قرروا الدفاع عن “جزر مارشال” و من أجل استيعاب قوات الحلفاء و إجهاد خطوط الإمداد الموسعة لليابانيين أخضع “نيميتز” منطقة “كواجالين أتول” لقصف تمهيدي شديد لدرجة أن المشاة الأمريكية استطاعت أن تهبط عليها في 31 من يناير عام 1944 و انتقلت القوات الأمريكية إلى “إنيويتاك” في 17 فبراير و لدعم عمليات الإنزال في “جزر مارشال” بدأ الأسطول الأمريكي في 17 من فبراير عام 1944 سلسلة من الهجمات ليلا و نهارا ضد القاعدة اليابانية في “تروك” في جزر كارولين حيث دمروا حوالي 300 طائرة و 200 ألف طن من السفن التجارية .

كان الهدف التالي للحلفاء و الذي تطلب من أجله أكثر من 500 سفينة و 125 ألف جندي الاستيلاء على “جزر ماريانا” الواقعة على بعد 1000 ميل من “إنيويتاك” و 3500 ميل من “بيرل هاربور” ولمواجهة هذا التهديد وضع اليابانيين على عجل خطة دفاع جديدة اطلق عليها اسم “العملية أ” بالاعتماد على طائراتهم الأرضية المتبقية البالغ عددها 1055 في جزر ماريانا و كارولين و في غرب غينيا الجديدة و في 31 مارس قُتل راعي الخطة الأدميرال “كوجا مينيتشي” (خليفة ياماموتو) و موظفيه في كارثة جوية و في 15 من يونيو عندما ذهب فرقتان من مشاة البحرية الأمريكية إلى الشاطئ في “جزيرة سايبان” في “ماريانا” شن المدافعين اليابانيين البالغ عددهم 30 ألفًا مقاومة شرسة لدرجة أنه كانت هناك حاجة إلى فرقة عسكرية لتعزيز قوات المارينز و باستخدام نفس التكتيكات الدفاعية كما هو الحال في الجزر الصغيرة الأخرى قام اليابانيين بتحصين أنفسهم في الكهوف و المخابئ تحت الأرض التي وفرت الحماية من المدفعية الأمريكية و القصف البحري و على الرغم من ذلك تم ضغط المدافعين اليابانيين تدريجياً في جيوب أصغر و أصغر و قد أنهوا هم أنفسهم معظم المقاومة المنظمة بهجوم مضاد انتحاري في 7 من يوليو و هو الأكبر من نوعه خلال الحرب العالمية الثانية .

و كانت خسارة “سايبان” بمثابة كارثة بالنسبة لليابان لدرجة أنه عندما تم الإعلان عن الخبر في “طوكيو” استقال رئيس الوزراء “توجو هيديكي” و حكومته بالكامل و بالنسبة للواقعيين في القيادة العليا اليابانية فإن خسارة “جزر ماريانا” تعني الخسارة النهائية للحرب لكن لم يجرؤ أحد على قول ذلك و خلفت حكومة “توجو” حكومة الجنرال “كويسو كونياكي” و التي تعهدت بمواصلة القتال بقوة متجددة.

و وصف المتحمسون بأن غزو “سايبان” يعتبر نقطة تحول للحرب في “المحيط الهادئ” لأنه مكّن “الولايات المتحدة” من إنشاء قواعد جوية هناك للقاذفات الكبيرة من طراز B-29 و التي تم تطويرها لغرض محدد هو قصف اليابان حيث أقلعت أول رحلة من B-29 من “سايبان” في 24 من نوفمبر عام 1944 وقصفت “طوكيو ” و هي أول غارة قصف على العاصمة اليابانية منذ عام 1942.

و بينما كان اليابانيين لا يزالون يقاومون “سايبان” كان الأسطول الياباني المشترك بقيادة الأدميرال “أوزاوا جيسابورو” يقترب من المراسي الفلبينية و الشرقية الهندية وفقًا لـ “العملية أ” لتحدي الأسطول الأمريكي الخامس تحت قيادة الأدميرال “ريموند سبروانس” و كان من الواضح أن “أوزاوا” يمتلك تسع حاملات طائرات فقط مقابل 15 حاملة للولايات المتحدة و قد سميت المواجهة التي وقعت غرب ماريانا و المعروفة باسم معركة “بحر الفلبين” بأكبر معركة حاملات للطائرات فى التاريخ حيث بدأت في 19 من يونيو عندما أرسل “أوزاوا” 430 طائرة في أربع موجات ضد سفن “سبروانس” و كانت النتيجة كارثية لليابانيين حيث أسقط الطيارين الأمريكيين أكثر من 300 طائرة و أغرقوا حاملتين و مع تراجع الأسطول الياباني شمالًا باتجاه “أوكيناوا” فقدت حاملة طائرات أخرى و ما يقرب من 100 طائرة اما الولايات المتحده فقد فقدت حوالي 130 طائرة و كل ذلك بسبب التدريب المتسرع و غير المكتمل للطيارين اليابانيين و عدم كفاية طلاء الدروع لطائراتهم و التى تعد من العوامل الحاسمة في المعارك الجوية العديدة لهذه المعركة التي كانت في نهاية المطاف ذات أهمية استراتيجية أكثر من سقوط “سايبان” حيث تمكنت قوات “نيميتز” بعد ذلك من احتلال جزر رئيسية أخرى في “جزر ماريانا” مثل “جوام” في 21 يوليو و “تينيان” في 24 يوليو و كلفت معارك “ماريانا” اليابانيين 46 ألف قتيل أو أسير بينما قتل من الأمريكيين 4750 فقط .

حدود بورما والصين نوفمبر 1943 – صيف 1944

خلال عامى 1943-1944 بدء كل من اليابانيين و الحلفاء بشن هجمات في جنوب شرق آسيا فعلى الجانب الياباني خطط الفريق “كوابي ماساكازو” لتقدم ياباني كبير عبر نهر “تشيندوين” على الجبهة الوسطى من أجل احتلال “سهل إمفال” و إقامة خط دفاعي قوي في شرق ولاية “أسام” و على الجانب الأخر خطط الحلفاء لعدد من التوجهات إلى “بورما” حيث كان على قوات ” ستيويل ” بما في ذلك ثلاث فرق صينيه أن تتقدم ضد “موجونج” و “مايتكينا” بينما كان الجيش الرابع عشر يطلق الفيلق الخامس عشر باتجاه الجنوب الشرقي في “أراكان” و الفيلق الرابع شرقًا إلى “تشيندوين” نظرًا لأن اليابانيين اعتادوا أن يتفوقوا على القوات البريطانية المتقدمة من خلال تطويقهم لذلك فقد قام الحلفاء بصياغة تكتيكًا جديدًا لضمان أن وحداته ستتصدى للهجوم في الحملة القادمة و حتى لو كان ينبغي عزلهم كان عليهم أن يعرفوا حيث يمكنهم يذلك الاعتماد على كل من الإمدادات من الجو و استخدامها لتحويل الموقف ضد المهاجمين اليابانيين.

اما على على الجناح الجنوبي للجبهة البورمية كانت “عملية أراكان” التابعة للفيلق الخامس عشر والتي بدأت في نوفمبر عام 1943 قد حققت معظم أهدافها بنهاية يناير عام 1944 عندما حاصر الهجوم المضاد الياباني قوات هنديه بطريقتهم المتبعه الا انهم فوجئوا بتكتيكات الحلفاء الجديدة و يجدوا أنفسهم هم المحاصرين بين القوات الهنديه و قوات الدعم .

و على الجبهة الشمالية البورمية كانت قوات “ستيلويل” تقترب بالفعل من “موجونج” و التى تم الاستيلاء عليها فى 26 من يونيو اما “ميتكيينا” فقد تم الاستيلاء عليها من قبل فرق “ستيويل ” الصينية في 3 من أغسطس و أصبح كل من الشمال الغربي و معظم شمال بورما في أيدي الحلفاء.

و في “الصين” بدأ هجوم ياباني على “تشانج شا ” في 27 من مايو ليس فقط للسيطرة على امتداد إضافي للمحور الشمالي الجنوبي لخط سكة حديد بكين-هان-كو و لكن أيضًا على العديد من المطارات التى كان الأمريكيين يقصفون اليابانيين منها في “الصين” و أيضا فى “اليابان” .

الجبهة الإيطالية عام 1944

كان تقدم الحلفاء شمالًا عبر شبه الجزيرة الإيطالية إلى روما لا يزال يعوقه خط “جوستاف” و الذي كان يتوقف عند “مونتي كاسينو” و لتجاوز هذا الخط أنزل الحلفاء حوالي 50 ألف جندي مع 5000 مركبة في “أنزيو” على بعد 33 ميلاً فقط جنوب “روما” و في 22 من يناير عام 1944 فاجأ الانزال الألمان حيث تم مواجهته فى البدايه بمقاومة ضعيفه و أمضت القوات الالمانية في ” أنزيو ” الكثير من الوقت في تعزيز مواقعها .

و في محاولة أخيرة ضد خط “جوستاف” قررت قيادة الحلفاء نقل معظم الجيش الثامن بقيادة اللواء السير “أوليفر ليس” من الجناح الأدرياتيكي لشبه الجزيرة الايطالية إلى الغرب حيث كان من المفترض أن يقوي ذلك ضغط الجيش الخامس حول “مونتي كاسينو” و على الطرق المؤدية إلى وادي ليري (منبع نهر جاريجليانو) و نجح بالفعل الهجوم المشترك الذي بدأ في ليلة 11-12 مايو عام 1944 في اختراق الدفاعات الألمانية في عدد من النقاط بين كاسينو و الساحل و بفضل هذا الانتصار تمكن الأمريكيين من التقدم ناحية الساحل بينما دخل البريطانيين الوادي و تطويق “مونتي كاسينو ” التي سقطت في يد الفيلق البولندي من الجيش الثامن في 18 من مايو و بعد خمسة أيام ضربت قوات الحلفاء في “أنزيو” ضد القوات الألمانيه التى تقلصت قوتهم من أجل تعزيز خط جوستاف و بحلول 26 مايو كانت قد حدثت انفراجة عندما اخترق الفيلق الكندي الثامن بالجيش الدفاعات الألمانية الأخيرة في وادي ليري و بدأ خط “جوستاف” بأكمله في الانهيار.

و مع تركيز كل القوة المتاحة على الجناح الأيسر ضغطت قوات الحلفاء من الجنوب لإحداث تقاطع مع القوات المندفعة شمالًا من “أنزيو” و لم يستطع الألمان في تلال الألب الصمود أمام ذلك الهجوم الهائل و في 5 من يونيو عام 1944 دخل الحلفاء “روما” حيث كانت قيمة دعائية كبيرة باعتبارها عاصمة “موسوليني” السابقة و التى قابلها واقع إستراتيجي غير متوقع حيث تراجعت قوات “كيسيلرينج” بشكل تدريجي إلى خط نهر أرنو بفلورنسا على بعد 160 ميلاً شمال “روما ” و التى لم تسقط في أيدي الحلفاء حتى 13 أغسطس و بحلول ذلك الوقت كان الألمان قد أعدوا سلسلة أخرى من الدفاعات .

تطورات الحرب العالمية الثانية من صيف 1944 إلى خريف 1945

غزوات الحلفاء لأوروبا الغربية ، يونيو – نوفمبر 1944

كانت القيادة العليا للجيش الألماني تتوقع منذ فترة طويلة غزو الحلفاء لشمال “فرنسا” و لكن لم يكن لديها أي وسيلة لمعرفة المكان الذي ستحدث فيه على وجه التحديد فبينما اعتقد “روندستيدت” القائد الأعلى للقوات المسلحة في الغرب أن عمليات الإنزال ستتم بين “كاليه” و “دييب” و هو أضيق عرض للقناة بين “إنجلترا وفرنسا” أشار “هتلر” الى انه من المحتمل انها تكون فى الامتدادات المركزية و الغربية لساحل “نورماندي” كموقع للهجوم و هو ما كان رأى “روميل ” أيضا الذي كان مسؤولاً عن القوات على ساحل القنال الفرنسي حيث قام بتحسين تحصينات تلك الامتدادات و اختلف ” روميل ” و ” روندستيدت ” حول الطريقة التي يجب أن يتم بها مواجهة الغزو فبينما أوصى ” روندستيدت ” بشن هجوم مضاد كبير على الغزاة بعد هبوطهم ابدى ” روميل ” خشيته من أن تفوق الحلفاء الجوي قد يكون قاتلاً مع حشد القوات الألمانية لمثل هذا الهجوم المضاد و دعا بدلاً من ذلك إلى اتخاذ إجراء فوري على الشواطئ ضد أي محاولة للهبوط و رغم امتلاك الألمان 59 فرقة موزعة على أوروبا الغربية من البلدان المنخفضة إلى سواحل الأطلسي و البحر الأبيض المتوسط ​​في “فرنسا” الا أن ما يقرب من نصف هذا العدد كان ثابتًا اما الباقي فأشتمل على 10 فرق مدرعة أو آلية.

من ناحية الحلفاء تم تأجيل “عملية أوفرلورد” التي طال الجدل حولها لشمال فرنسا الى 6 من يونيو عام 1944 و هو اليوم الأكثر احتفالًا بالحرب العالمية الثانية عندما تم إنزال 156 ألف رجل على شواطئ “نورماندي” بين مصب “أورني” و النهاية الجنوبية الشرقية لشبه جزيرة “كوتنتين” منهم 83 ألف جندي بريطاني و من كندا على الشواطئ الشرقية و 73 ألف أمريكي في الغرب و تحت قيادة “أيزنهاور” العليا و قيادة “مونتجمري” المباشرة حيث تألفت القوات الغازية في البداية من الجيش الكندي الأول و الجيش البريطاني الثاني و الفرقة البريطانية الأولى و السادسة المحمولة جواً و الجيش الأمريكي الأول والفرقة 82 و 101 المحمولة جواً .

الانزال على شواطئ نورماندى

و بحلول الساعة 9:00 صباحًا في D-Day تم اختراق الدفاعات الساحلية بشكل عام و لكن منطقة ” كاين ” التي كان من المقرر أن تقع في D-Day كانت مفصلية لتقدم الحلفاء حيث صمدت حتى 9 من يوليو و على الرغم من أن القتال العنيف في “كاين” اجتذب معظم الاحتياطيات الألمانية إلا أن القوات الأمريكية في أقصى الغرب فى قطاع “الجبهة” واجهت أيضًا مقاومة شديدة للغايه .

و لم يكن بإمكان الحلفاء تحقيق مثل هذا التقدم السريع في شمال “فرنسا” إذا لم تكن قواتهم الجوية قادرة على التدخل بشكل حاسم في ضرب حركة الاحتياطيات الألمانية حيث دمرت طائرات الحلفاء معظم الجسور فوق نهر السين إلى الشرق و فوق نهر اللوار في الجنوب و بالتالي كان على الاحتياطيات الألمانية أن تقوم برحلات التفافية طويلة من أجل الوصول إلى منطقة معركة “نورماندي” كما أنها تعرضت للمضايقات المستمرة في المسيرة من قبل الحلفاء من خلال قصفهم لدرجة أنهم عانوا من تأخيرات لا نهاية لها ولم يصلوا إلا في مراوغات و حتى في الأماكن التي كان من الممكن فيها وصول الاحتياطيات فإن حركتهم كانت تعوقها في بعض الأحيان التردد و الخلاف من جانب الألمان و على الرغم من أن “هتلر” قد تنبأ عن حق بمنطقة إنزال الحلفاء الا أنه اعتقد خطأً بعد انزال “نورماندى” أنه كان من المقرر ان يكون هناك غزو ثانٍ و أكبر شرق نهر السين و بالتالي كان مترددًا في السماح بنقل الاحتياطيات غربًا فوق هذا النهر كما منع القوات الألمانية المشاركة بالفعل في “نورماندي” من التراجع في الوقت المناسب للقيام بانسحاب منظم إلى دفاعات جديدة.

و فى هذه الأثناء كان “روندستيدت” بطيئًا في الحصول على تصريح من ” هتلر ” لتحريك فيلق الدبابات SS من موقعه شمال “باريس” إلى الجبهة و أيضا “روميل” على الرغم من استخدامه الفوري للقوات الموجودة الا أنه كان غائبًا عن مقره في يوم D-Day عندما بدا أن التنبؤ بالطقس القاسي يجعل الغزو عبر القنوات أمرًا غير محتمل كما دعا نداء “روندستيدت ” العاجل للحصول على إذن من ” هتلر ” بالانسحاب في 3 يوليو إلى تعيين ” جانثر فون كلوج ” كقائد أعلى في الغرب بدلاً منه و أصيب “روميل” بجروح بالغة في 17 من يوليو عندما تحطمت سيارته تحت هجوم طائرات الحلفاء.

بالاضافة الى ذلك كان هناك شيء آخر فإلى جانب تقدم الحلفاء الذى أدى الى إحباط معنويات القادة الألمان تم التخطيط لمؤامرة ضد “هتلر” خوفًا من المسار الكارثي للأحداث حيث شكّلت بعض الشخصيات المدنية و الضباط العسكريين المحافظين و المناهضين للنازية معارضة سرية مع “كارل فريدريش جورديلر” و الجنرال “لودفيج بيك” و هو رئيس سابق لهيئة الأركان العامة للجيش حيث اكتسبت هذه المعارضة الدعم الذي لا غنى عنه من القيادات العسكرية النشطة مثل الجنرال “فريدريش أولبريشت” رئيس مكتب الجيش العام و العديد من القادة الحاليين بما في ذلك “روميل” و “كلوج” الذين أصبحوا متورطين بدرجات مختلفة حيث كان أكثر أعضاء المجموعة ديناميكية هو الكولونيل ” كلاوس فون شتاوفنبرج” الذي كان رئيسًا لأركان رئيس الاحتياط في الجيش اعتبارًا من 1 يوليو 1944 و كان بإمكانه الوصول إلى “هتلر” حيث قرروا قتله و استخدام احتياطي الجيش للقيام بانقلاب في “برلين” حيث يجب إنشاء نظام جديد بقيادة “بيك و جورديلر” لذلك و في 20 من يوليو ترك “شتاوفنبرج” قنبلة مخبأة في حقيبة في الغرفة التي كان بها “هتلر” يتشاور في مقره في شرق بروسيا و انفجرت القنبلة لكن “هتلر” نجا و أجهض الانقلاب في “برلين” و كان رد الفعل النازي همجيًا فإلى جانب 200 متآمر متورط على الفور تم إعدام 5000 شخص كانوا أكثر ارتباطًا بالمؤامرة أو كانوا غير مرتبطين بها تمامًا و انتحر “كلوج” في 17 أغسطس و “روميل” في 14 أكتوبر و تغلغل الخوف و شلت القيادة الألمانية العليا في الأسابيع التي تلت ذلك.

و في 31 من يوليو عام 1944 اخترق الأمريكيين المدعومين حديثًا بإنزال الجيش الأمريكي الثالث بقيادة “باتون” الدفاعات الألمانية في “أفرانش” التى تعد البوابة من “نورماندي” إلى “بريتاني” و في 7 من أغسطس فشل هجوم مضاد يائس شنته أربعة فرق من الدبابات الألمانيه في سد الثغرة و تدفقت الدبابات الأمريكية عبرها كما أدت المناورة الأمريكية الواسعة باتجاه الشرق بعد الاختراق إلى انهيار عام للموقف الألماني في شمال “فرنسا” .

في غضون ذلك تم إنزال المزيد من قوات الحلفاء في “نورماندي” في 1 أغسطس و تم تشكيل مجموعتين من الجيش المجموعة 21 التي تضم الجيشين البريطاني و الكندي تحت قيادة “مونتجمري” و الثاني عشر للأمريكيين تحت قيادة ” عمر برادلي ” بحيث يمكن الآن إطلاق حملة منسقة باتجاه الشرق و في 19 من أغسطس عبرت فرقة أمريكية بنجاح نهر السين و في 17 من أغسطس استولى الأمريكيين على نهر لوار و تصاعدت المقاومة الفرنسية السرية في “باريس” ضد الألمان في 19 أغسطس .

خلال ذلك كان لدى القوات الألمانية متسع من الوقت للانسحاب إلى نهر السين و تشكيل خط دفاعي قوي هناك لولا أوامر “هتلر” العنيدة بعدم الانسحاب حيث كانت حماقته هي التي مكنت الحلفاء من تحرير “فرنسا” بهذه السرعة و الاستيلاء على الجزء الأكبر من القوات المدرعة الألمانية و العديد من فرق المشاة في معركة “نورماندي ” بعد أن ظلوا هناك بموجب أوامر “عدم الانسحاب” الصادرة عن “هتلر” حتى انهاروا و تمت محاصرة جزء كبير منهم و تم أسر أكثر من 200 ألف جندي ألماني في “فرنسا” و دمرت 1200 دبابة ألمانية في القتال و عندما اقترب الحلفاء من الحدود الألمانية في بداية سبتمبر بعد حملة كاسحة من “نورماندي” لم تكن هناك مقاومة منظمة لمنعهم من القيادة إلى قلب “ألمانيا”.

و في هذه الأثناء انطلقت عملية “دراجون” المعروفة سابقًا باسم “السندان” في 15 من أغسطس عام 1944 عندما هبط الجيش السابع للولايات المتحدة و الجيش الفرنسي الأول على الريفييرا الفرنسية حيث لم يكن هناك سوى أربع فرق ألمانية لمعارضتهما بينما قاد الأمريكيين سياراتهم أولاً إلى جبال الألب للاستيلاء على “جرونوبل” و استولى الفرنسيين على “مرسيليا” في 23 من أغسطس ثم تقدموا شرقًا عبر “فرنسا” فوق وادي الرون لينضم إليهم الأمريكيين شمال “ليون” في أوائل سبتمبر ثم تحرك كلا الجيشين بسرعة باتجاه الشمال الشرقي إلى “الألزاس” .

و بعد عبور الحلفاء لنهر السين نشأ بعض الخلاف بين قادتهم ففي حين أراد “مونتجمري” التركيز على الشمال الشرقي عبر “بلجيكا” في وادي الرور و هى منطقة حيوية للجهود الحربية الألمانية جادله الجنرالات الأمريكيين لمواصلة التقدم شرقًا عبر “فرنسا” من خلال جبهة عريضه وفقًا لما قبل خطة الغزو و قرر “أيزنهاور” عن طريق التسوية في 23 من أغسطس أن حملة “مونتجمري” إلى “بلجيكا” يجب أن يكون لها الأولويه حتى يتم الاستيلاء على “أنتويرب” نتيجة لذلك بدأ الجيش الثاني لمونتجمري تقدمه في 29 من أغسطس و دخل “بروكسل” في 3 من سبتمبر و استولى على “أنتويرب” و واصل بعد ثلاثة أيام شق طريقه عبر قناة ” ألبرت ” و في غضون ذلك كان الجيش الأمريكي الأول الذي يدعم “مونتجمري” على اليمين قد استولى على “نامور” في نفس يوم الاستيلاء على “أنتويرب” و كان يقترب من “آخن” بعيدًا إلى الجنوب و كان الجيش الأمريكي الثالث يندفع إلى الأمام للاستيلاء على “فردان” في 31 أغسطس و عبور “نهر موسيل” بالقرب من “ميتز” في 5 سبتمبر مع إمكانية واضحة لتحقيق اختراق في منطقة “سارلاند” ذات الأهمية الاقتصادية في “ألمانيا” لذلك لم يعد بإمكان “أيزنهاور” تكريس الكثير من الإمدادات لمونتجومري على حساب “باتون” و ومع ذلك حاول “مونتجمري” الدفع لعبور “نهر الراين” في “أرنهيم” حيث تم إسقاط الفرقة البريطانية الأولى المحمولة جواً هناك لتمهيد الطريق للجيش الثاني لكن الألمان كانوا قادرين على عزل المظليين حيث وقع الكثير منهم فى الأسر و بحلول هذا الوقت كان الدفاع الألماني يتشدد بسرعة مع اقتراب الحلفاء من الحدود الألمانية حيث أمضى الجيش الأمريكي الأول شهرًا في سحق دفاعات “آخن ” التي سقطت أخيرًا في 20 أكتوبر و تم الاستيلاء عليها من قبل الحلفاء الغربيين .

بعد ذلك توقف تقدم الحلفاء المذهل لمسافة 350 ميلاً في غضون أسابيع قليلة و في أوائل سبتمبر كان لدى القوات الأمريكية و البريطانية تفوق مشترك على الألمان يتراوح بين 20 إلى 1 في الدبابات و 25 إلى 1 في الطائرات و رغم ذلك الا انه كان هناك تباطء منهم بسبب أن أياً من كبار مخططيها لم يتوقع مثل هذا الانهيار الكامل للألمان و لذلك لم يكونوا مستعدين عقليًا أو ماديًا لاستغلال ذلك من خلال هجوم سريع على “ألمانيا” نفسها و هكذا حصل الألمان على الوقت لبناء قواتهم الدفاعية في الغرب مما كان له عواقب وخيمة على كل من أوروبا المحتلة والوضع السياسي في القارة بعد الحرب.

الجبهة الشرقية يونيو – ديسمبر 1944

بعد هجوم ناجح للجيش الأحمر ضد الفنلنديين على برزخ “كاريليان” بلغ ذروته في الاستيلاء على “فيبوري” في 20 من يونيو عام 1944 بدأوا مرة أخرى هجوما كبيرا على الجبهة الألمانية في “بيلاروسيا” و استولى الجناح الأيمن للمهاجمين على معقل مدينة “فيتيبسك” ثم تحرك باتجاه الجنوب عبر الطريق السريع من “أورشا” إلى “مينسك ” و اخترق جناحهم الأيسر بقيادة الجنرال “كونستانتين كونستانتينوفيتش روكوسوفسكي” شمال “بريبيت مارشز” ثم تقدم إلى الأمام لمسافة 150 ميلاً و قطع الطريق السريع إلى الغرب بين “مينسك” و “وارسو” و سقطت “مينسك” نفسها في أيدي الجيش الأحمر في 3 من يوليو و في 31 من يوليو اخترقت القوات السوفيتيه ضواحي “وارسو” و ثارت الحركة السرية البولندية بها على الألمان و سيطرت لفترة وجيزة على المدينة لكن ثلاث فرق مدرعة من قوات الأمن الخاصة الالمانيه وصلت لقمع التمرد في “وارسو” حيث استطاعوا سحقه فى النهايه فى الوقت الذى كان فيه الجيش الأحمر السوفيتي متوقفا عند نهر “فيستولا” لمدة ستة أشهر لاراحة الجنود من التقدم و الانتظار لوصول الامدادت .

و في 20 من أغسطس انطلقت قوات سوفيتيه ضد الألمان في “بيسارابيا” و وصلت حكومة جديدة إلى السلطة في “رومانيا” في 23 من أغسطس و التى لم تكتفي بتعليق الأعمال العدائية ضد “الاتحاد السوفيتي” فحسب بل أعلنت أيضًا الحرب ضد “ألمانيا” في 25 من أغسطس الامر الذى سهل تقدم القوات السوفيتية عبر “بلغاريا” حيث لم يواجهوا أي مقاومة غربًا حتى وادي الدانوب و فوق الحدود اليوغوسلافية حيث كان الألمان يحاولون الاحتفاظ بمراكز الاتصال المهددة لفترة كافية لسحب قواتهم من “اليونان” ومن جنوب “يوغوسلافيا” و التى سقطت عاصمتها “بلجراد” أمام عمل منسق من قبل الجيش الأحمر و قوات “تيتو” الحزبية في 20 أكتوبر عام 1944 و وصلت القوات السوفيتية إلى ضواحي “بودابست” بالمجر في 4 من نوفمبر و مع ذلك تم الدفاع عنها بشراسه و بحلول نهاية العام كانت محاصرة و لكنها كانت لا تزال صامدة.

أما فى في الطرف الشمالي من الجبهة الشرقية استسلمت “فنلندا” في وقت مبكر من شهر سبتمبر وشهدت الأسابيع التالية سلسلة من الضربات من قبل الجيش الأحمر ضد القوات الألمانية المتبقية في “إستونيا و لاتفيا وليتوانيا” و بحلول منتصف أكتوبر حوصرت فلول تلك القوات في “كورلاند” لكن المحاولة السوفيتية اللاحقة لاختراق “ليتوانيا” إلى شرق بروسيا تم صدها.

الحروب الجويه 1944

بدأ الهجوم الجوي الاستراتيجي للحلفاء ضد “ألمانيا” في تحقيق أقصى قدر من الفعالية في الأشهر الأولى من عام 1944 حيث تم زيادة أعداد القوات الجوية الأمريكية المعنية و تحسين كفائتها القتاليه و بحلول نهاية عام 1943 تمكنت قيادة القاذفة الثامنة وحدها من شن هجمات من 700 طائرة و في أوائل عام 1944 أصبحت الهجمات المنتظمة بألف قاذفة ممكنة و الأهم من ذلك هو وصول المقاتلات بعيدة المدى إلى أوروبا و التي كان على رأسها “موستانج P-51” القادرة على العمل في أقصى مدى للقاذفات كما أمكن للمقاتلات الأمريكية أن تتفوق على القوات الجوية الألمانيه في الجو فوق “ألمانيا ” و التى تضائلت قوتها إلى لا شيء تقريبًا حيث انخفض إنتاج الألمان من الطائرات المقاتلة و توفي معظم الطيارين المدربين المتبقين في القتالات الجويه .

كما أطلقت قيادة قاذفات القنابل التابعة لسلاح الجو الملكي البريطاني ما يقرب من 10000 طلعة جوية في مارس عام 1944 و أسقطت حوالي 27500 طن من القنابل حيث تركز 70 في المائة من تلك الطلعات على “ألمانيا” و لكن في الأشهر التالية تم تحويل هجومها إلى حد كبير لدعم عمليات إنزال الحلفاء في “فرنسا” و مع ذلك فقد انضمت بشكل مفيد إلى الهجوم الأمريكي ضد إنتاج النفط الألماني و استمرت في لعب دورها في معركة المحيط الأطلسي و تولت أيضًا مهمة قصف منصات إطلاق الصواريخ الألمانية “V” و بحلول أوائل عام 1945 أدى قصف الحلفاء المكثف على الجسور و الطرق و مرافق السكك الحديدية و القاطرات و أعمدة الإمداد إلى شل نظام النقل الألماني .

كانت الصواريخ “V” و القنابل المتطايرة و الصواريخ بعيدة المدى هي الأسلحة الجديدة التي كان “هتلر” يعتمد عليها لتحجيم “بريطانيا العظمى” و دفعها إلى الاستعداد للسلام حيث كان إيمانه بهم دافعًا رئيسيًا لإصراره على الاحتفاظ بالمواقع في أقصى شمال “فرنسا” و التي كان من المقرر أن تستهدف “لندن” منها حيث تم إطلاق صواريخ V-1 لأول مرة في 13 من يونيو عام 1944 معظمها من مواقع في ” باس دو كاليه ” و تم إطلاق صواريخ V-2 بعد بضعة أشهر في 8 من سبتمبر من مواقع في “هولندا” بعد احتلال الحلفاء لـ ” باس دو كاليه ” في طريقهم إلى “بلجيكا” و استمر هجوم V-2 حتى مارس عام 1945.

الصاروخ الألمانى V2

سياسة واستراتيجية الحلفاء خلال الحرب العالمية الثانية : الأوكتاجون (كيبيك الثانية) و موسكو 1944

جعل تقدم الجيوش السوفيتية نحو وسط و جنوب شرق أوروبا من الأمور الأكثر إلحاحًا بالنسبة للحلفاء الغربيين فى أن يتصالحوا مع “ستالين” بشأن مصير البلدان المحررة في أوروبا الشرقية حيث أقترحت” لندن” بالفعل على “موسكو” في مايو 1944 أن تكون “رومانيا” و “بلغاريا” مناطق للعمليات العسكرية السوفيتية و “يوغوسلافيا” و “اليونان ” اللتان كانتا حكوماتهم الملكية في المنفى تحت الحماية البريطانية و كان “روزفلت” قد وافق على هذا الاقتراح في يونيو .

و أرسل “الاتحاد السوفيتي” في فبراير عام 1944 مهمة عسكرية إلى أنصار الزعيم اليوغسلافى ” جوزيف تيتو ” إلى جانب ذلك تم تشكيل حكومة محتملة لليونان في مارس من قبل ” جبهة التحرير الوطنية ” و هي حركة شيوعية تمتلك منظمة عسكرية “جيش التحرير الشعبي الوطني” و الذى واجه “الجيش الوطني الديمقراطي اليوناني” الموالي للحكومة المدعومة من “بريطانيا” في المنفى علاوة على ذلك ظلت القضية البولندية دون حل و في يوليو أنشأ السوفييت في “لوبلان” لجنة للتحرير الوطني مستقلة عن بولنديين لندن و في “رومانيا” و على الرغم من تغيير الحكومة في أغسطس شرع السوفييت في حل الجيش الروماني و في أوائل سبتمبر أعلنوا الحرب على “بلغاريا” و غزوا ذلك البلد ورعوا ثورة شيوعية هناك.

و مع هذه الخلفية التقى “تشرشل” و “روزفلت” مرة أخرى في مؤتمرهما الثاني في “كيبيك” و الذي يحمل الاسم الرمزي “أوكتاجون” و استمر من 11 إلى 16 سبتمبر و كان القرار الأكثر أهمية الذي تم اتخاذه في المؤتمر هو أن “روزفلت و تشرشل” وافقوا معًا على مخطط اللجنة الاستشارية الأوروبية لتقسيم “ألمانيا” المهزومة إلى مناطق احتلال أمريكية و بريطانية و سوفيتية ” الجنوب الغربي و الشمال الغربي و الشرق على التوالي” و أيضًا الخطة المتطرفة التي وضعها وزير الخزانة الأمريكي “هنري مورجنثاو جونيور ” من أجل تحويل “ألمانيا” إلى بلد زراعي و رعوي بالدرجة الأولى من دون صناعات حربية و مع ذلك تم إبطال خطة “مورجنثاو” لاحقًا.

و عُقد المؤتمر التالي للحلفاء في “موسكو” في الفترة من 9 إلى 20 من أكتوبر عام 1944 بين “تشرشل و ستالين ” و حضر أيضًا السفير الأمريكي معظم محادثاتهم حيث استمر الخلاف حول “بولندا” و مع ذلك وافق “ستالين” بسهولة على اقتراح “تشرشل” المؤقت لمناطق النفوذ في جنوب شرق أوروبا و أنه يجب أن يكون “الاتحاد السوفيتي” هو الغالب في “رومانيا و بلغاريا” و القوى الغربية في “اليونان” أما التأثيرات الغربية و السوفيتية فعليها موازنة بعضها البعض بالتساوي في “يوغوسلافيا و المجر ” كما تم الاتفاق أيضًا على توقيت الهجمات الغربية و السوفيتية التالية ضد “ألمانيا” و تم التوصل إلى اتفاق حول حجم المشاركة السوفيتية في نهاية المطاف في الحرب ضد “اليابان” .

الفلبين سبتمبر 1944

في 27-28 من يوليو عام 1944 وافق “روزفلت” على حجة “ماك آرثر” بأن الهدف التالي في مسرح الحرب العالمية الثانية في “المحيط الهادئ” يجب أن يكون أرخبيل “الفلبين” الذي كان قريبًا نسبيًا من “غينيا الجديدة” التي تم احتلالها بالفعل و تم اتخاذ الخطوات الأولية نحو “الفلبين” في وقت واحد تقريبًا بمنتصف سبتمبر عام 1944 حيث استولت قوات “ماك آرثر” من “غينيا الجديدة” على “موروتاي” و هي جزيرة في أقصى شمال شرق جزر الملوك على الطريق المباشر إلى “مينداناو” أقصى جنوب الفلبين أما أسطول “نيميتز” فقد هبط بقواته في جزر “بالاو” من الشرق .

و بحلول منتصف سبتمبر اكتشف الأمريكيين أن القوات اليابانية كانت ضعيفة بشكل غير متوقع ليس فقط في “مينداناو” و لكن أيضًا في “ليتي” الجزيرة الأصغر شمال مضيق “سوريجاو” و لهذا قرروا تجاوز “مينداناو” وبدء غزوهم للفلبين في 17-18 من أكتوبر عام 1944 حيث استولت القوات الأمريكية على جزر بحرية في خليج ليتي و في 20 من أكتوبر هبطت أربع فرق على الساحل الشرقي لجزيرة ليتى حيث كان التهديد لليتى هو الإشارة لليابانيين بتنفيذ خطتهم التي صيغت مؤخرًا تحت اسم “عملية النصر” حيث كان من المقرر مواجهة محاولات الحلفاء التالية للغزو من خلال الهجمات الجوية المنسقة و على الرغم من أنه في حالة “ليتي” كانت القوات الجوية اليابانيه تمتلك 212 طائرة فقط الا أنه كان من المأمول أن يؤدي إرسال أربع حاملات تحت قيادة نائب الأدميرال “أوزاوا” مع 106 طائرة اضافيه جنوبًا من المياه اليابانية إلى جذب حاملات الطائرات الأمريكية بعيدًا عن ” خليج ليتى ” وأن تكتيكات الانتحار او ” الكاميكاز ” للطيارين اليابانيين ستنقذ الموقف و في الوقت نفسه كانت قوة بحرية يابانية من “سنغافورة” تبحر إلى خليج “بروناي” وهناك قسمت نفسها إلى مجموعتين ستلتقيان على خليج “ليتي” من الشمال و من الجنوب الغربي حيث ستدخل المجموعة الأقوى بقيادة نائب الأدميرال “كوريتا تاكيو” المحيط الهادئ عبر مضيق “سان برناردينو” بين جزيرتي “سمر” و “لوزون” في “الفلبين” اما المجموعة الأخرى فتحت قيادة نائب الأدميرال “نيشيمورا تيجي” و التى ستمر عبر مضيق “سوريجاو” .

و فقد أسطول “كوريتا” خمس سفن حربية و 12 طرادا و 15 مدمرة و اثنتين من طراداته الثقيلة في هجوم من غواصة الأمريكية في 23 من أكتوبر عندما كانت قبالة “بالاوان” كما فقدت واحدة من أقوى البوارج اليابانية “موساشي ” و التى غرقت بهجوم جوي في اليوم التالي و مع ذلك في 25 من أكتوبر شق “كوريتا” طريقه دون معارضة عبر مضيق “سان برناردينو” حيث قام قائد الأسطول الأمريكي الثالث الأدميرال “هالسي “بتحويل قوته الرئيسية بعيدًا إلى الشمال و تعرضت ثلاث مجموعات من حاملاته المرافقة الأمريكية و التي التقى بها “كوريتا” في طريقه نحو “خليج ليتى ” لأضرار جسيمة و في غضون ذلك تم اكتشاف أسطول “نيشيمورا” و هو في طريقه إلى مضيق “سوريجاو” وعند دخوله إلى خليج “ليتي” في الساعات الأولى من يوم 25 أكتوبر تم القضاء عليه عمليًا من قبل “الولايات المتحدة” اما أسطول “كوريتا” الذى وصل الى ” خليج ليتى ” هو الأخر فقد واجه معركة حربية كبيرة و رغم إلحاق أضرار جسيمة بالأمريكيين الا أن اليابانيين قد تكبدوا خسائر فادحه حيث ساهم انتصار الامريكيين بتلك المعركة الى تمهيد الطريق لاحتلال “الولايات المتحدة” للفلبين.

و رغم الهزيمة فى ” خليج ليتى ” الا أنها لم تمنع اليابانيين من إنزال التعزيزات على الساحل الغربي للجزيرة و قاموا بمقاومة شرسه لدرجة أنه لم يكن بمقدور الأمريكيين المطالبة بالسيطرة على كل “ليتي” قبل 25 ديسمبر حيث كلف الدفاع عنها اليابانيين حوالي 75 ألف مقاتل ما بين قتيل او أسير .

و بعد وقوع الجزيرة فى قبضة الامريكيين شرعوا أولاً و في 15 من ديسمبر في غزو “ميندورو” أكبر الجزر الواقعة جنوب “لوزون” مباشرة حيث جعلت هجمات الكاميكازي المضادة هذا الغزو أكثر تكلفة و كان من المقرر استمرارهم بعد أن فاجأ الأمريكيين اليابانيين بانزال في 9 من يناير عام 1945 في خليج “لينجاين” على الساحل الغربي لجزيرة “لوزون” نفسها التى تعد أهم جزيرة في “الفلبين” حيث قام القائد الياباني الجنرال “ياماشيتا تومويوكي” و نتيجة عدم وجود اى أمل في وصول تعزيزات بتقييد قوات العدو لأطول فترة ممكنة من خلال دفاع ثابت في ثلاثة قطاعات خلف “مانيلا”.

كما دافع اليابانيين بشدة عن “مانيلا” نفسها و مع ذلك كان أحد الفيالق الأمريكيه يقترب من “لينجاين” فوق السهول الوسطى و تم إنزال الفيلق الثاني في “خليج سوبيك” في الطرف الشمالي من شبه جزيرة “باتان” في 29 من يناير عام 1945 كما قامت القوات الامريكية بانزال برمائي في “ناسوجبو” جنوب خليج “مانيلا” في 31 من يناير و في 3 من مارس سقطت العاصمه “مانيلا” أخيرًا في أيدي الأمريكيين.

الهجوم الألماني في الغرب شتاء 1944-1945

كان “هتلر” لا يزال يأمل في دفع الحلفاء للتراجع و لا يزال ملتزمًا بمبدأه في التركيز على الحرب في الغرب و في أواخر عام 1944 جمع على الجبهة الغربية كل القوى البشرية التي أصبحت متاحة لديه نتيجة “التعبئة العامه” الثانية له و ذلك بتجنيد جميع الرجال الأصحاء الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و 60 عامًا.

و في منتصف نوفمبر شنت جميع جيوش الحلفاء الستة على الجبهة الغربية هجومًا عامًا و لكن على الرغم من أن الجيش الأول الفرنسي و السابع الامريكى قد وصلوا إلى نهر الراين في الألزاس الا أنه لم تكن هناك سوى مكاسب صغيرة في القطاعات الأخرى من الجبهة حيث تم تعزيز الدفاع الألماني بشكل مستمر من خلال الاحتياطيات التي تم نقلها على عجل و بقوات تم ضمها حديثًا إلى جانب القوات التي تمكنت من العودة من “فرنسا” حيث كان التعزيز الألماني على طول الجبهة الآن يتقدم بشكل أسرع من الحلفاء على الرغم من انخفاض الموارد المادية لألمانيا و في منتصف ديسمبر عام 1944 صدم الألمان جيوش الحلفاء بشن هجوم مضاد كبير و ذلك بعد أن جمع الألمان 24 فرقة للهجوم تحت القيادة العامة لـ ” روندستيدت ” حيث كان من المقرر ان يكون هذا الهجوم عبر بلد التلال فى ” الأردين ” ضد أضعف قطاع في الجبهة التي يقودها الأمريكيين بين مونسشو “جنوب غرب آخن” و ايشترناش “شمال غرب ترير” كما كان من المأمول أن يتم قطع امدادات القوات البريطانية و الكندية في الطرف الشمالي من الجبهة وسحقهم بينما يتم صد القوات الأمريكية في الجنوب .

و تم إعداد الهجوم بمهارة و سرية و إطلاقه في 16 من ديسمبر عام 1944 في وقت كان فيه الضباب و المطر من شأنه أن يقلل من فعالية الرد الجوي حيث كان الهجوم الرئيسى مكون من ثماني فرق مدرعة ألمانية على طول جبهة طولها 75 ميلًا و وصل جيش بانزر الخامس الذي حقق اختراقًا أعمق إلى نقاط تقع ضمن مسافة 20 ميلًا من معابر نهر الميز و مع ذلك فإن القوات الامريكيه صمدت بقوة و إن كانت محاصرة في “باستون” و في اختناقات أخرى بآردين و تبع ذلك ما يُعرف باسم “معركة الانتفاخ” و بحلول 24 من ديسمبر تعمقت القوات الألمانيه بعد أن توغلت حوالي 65 ميلاً في خطوط الحلفاء على طول جبهة طولها 20 ميلاً و لكن بحلول ذلك الوقت بدأ الحلفاء في الرد و في 26 من ديسمبر أصبح الطقس جيدا و بدأت ما يصل إلى 5000 طائرة من طائرات الحلفاء في قصف القوات الألمانية و مهاجمتها و خلال الفترة من 8 إلى 16 يناير عام 1945 أُجبر المهاجمون الألمان على الانسحاب على الرغم من أن هجومهم الفاشل تسبب في الكثير من الضرر و خلل فى خطط الحلفاء .

تقدم السوفيت إلى أودر يناير – فبراير 1945

في نهاية عام 1944 كان الألمان لا يزالون يسيطرون على النصف الغربي من “بولندا” و كانت جبهتهم لا تزال على بعد 200 ميل شرقًا مما كانت عليه في بداية الحرب العالمية الثانية عام 1939 و كان الألمان قد أوقفوا الهجوم الصيفي للسوفييت و أسسوا خط ثابت على طول نهري ” ناريو ” و ” فيتسولا ” جنوبًا إلى “الكاربات” و في أكتوبر صدوا محاولة الجيش الأحمر اقتحام شرق بروسيا و في تلك الأثناء كان اليسار السوفيتي من شرق البلقان يتقدم تدريجياً عبر “المجر و يوغوسلافيا” و هذا أدى بشكل كبير إلى الانتقاص من قدرة الألمان على الحفاظ على جبهاتهم الشرقية و الغربية الرئيسية و كانت القيادة السوفيتية العليا جاهزة الآن لاستغلال نقاط الضعف الأساسية للوضع الألماني بعد أن أصبح التدفق المتصاعد للشاحنات التي زودتها بها “الولايات المتحدة” مكنتها من تجهيز نسبة أكبر بكثير من ألوية المشاة الخاصة بهم و بالتالي و مع زيادة إنتاج الدبابات الخاصة بهم تضاعفت أعداد القوات المدرعة و المتحركة الكافية لتحقيق اختراق ناجح .

و قبل نهاية ديسمبر تلقى “جوديريان” تقارير تنذر بالسوء حيث تم تعيينه في هذه الفترة المتأخرة للغاية من الحرب رئيسًا لهيئة الأركان العامة الألمانية حيث ذكرت مخابرات الجيش الألماني أنه تم تحديد 225 فرقة مشاة سوفيتية و 22 فيلق مدرع على الجبهة بين بحر البلطيق و الكاربات و تم تجميعهم للهجوم و عندما قدم “جوديريان” تقريرًا عن هذه الاستعدادات الهجومية السوفيتية الضخمة الى ” هتلر ” رفض تصديق ذلك و صرخ قائلاً: “إنها أكبر خدعة منذ جنكيز خان! من المسؤول عن إنتاج كل هذه القمامة؟ “

و يفهم من هذا أنه إذا كان “هتلر” مستعدًا لوقف هجوم “آردين” المضاد في الغرب فقد كان من الممكن نقل القوات إلى الجبهة الشرقية لكنه رفض أن يفعل ذلك و في الوقت نفسه رفض طلب “جوديريان” المتجدد بإخلاء 30 فرقة ألمانية معزولة الآن في “كورلاند” (على ساحل بحر البلطيق في ليتوانيا) عن طريق البحر و إعادتهم لتعزيز المداخل إلى “ألمانيا” و نتيجة لذلك تم ترك “جوديريان ” مع احتياطي متنقل من 12 فرقة مدرعة فقط لدعم 50 فرقة مشاة ضعيفة ممتدة على طول 700 ميل من الجبهة الرئيسية.

و بدأ الهجوم السوفيتي في 12 من يناير عام 1945 عندما انطلقت جيوش “كونييف” ضد الجبهة الألمانية في جنوب “بولندا” و اخترقت الدفاع الألماني و أصبحت تشكل تهديدًا بالقطاع المركزي و اندفعت جيوش “جوكوف” في وسط الجبهة للأمام من رؤوس الجسور بالقرب من “وارسو” و في نفس اليوم 14 من يناير انضمت جيوش “روكوسوفسكي” أيضًا إلى الهجوم حيث قصفت من نهر “نارو” شمال “وارسو” واخترقت الدفاعات التي تغطي شرق بروسيا و كان الاختراق في الجبهة الألمانية الآن بعرض 200 ميل.

و في 17 يناير عام 1945 استولى “جوكوف” على “وارسو” بعد أن حاصرها و في 19 من يناير اقتحمت رؤوس حرباته المدرعة “وودج” و في نفس اليوم وصلت رؤوس حربة “كونييف” إلى حدود سيليزيا لألمانيا ما قبل الحرب و هكذا في نهاية الأسبوع الأول تم تنفيذ الهجوم على عمق 100 ميل و كان عرضه 400 ميل و هو أكبر من أن يتم ملؤه بمثل هذه التعزيزات الضئيلة التي تم توفيرها مؤخرًا.

و جعلت تلك الأزمة ” هتلر ” يتخلى عن أي فكرة لمواصلة هجومه في الغرب و لكن على الرغم من نصيحة “جوديريان” قام بتحويل جيش بانزر السادس ليس إلى “بولندا” ولكن إلى “المجر” في محاولة للتخفيف من حدة الضغط على “بودابست” و هكذا يمكن أن يؤخر تقدم السوفييت عبر “بولندا” لمدة أسبوعين آخرين و مع وصول قوات ” كونييف ” الى حدود سيليزيا قطعوا الموارد المعدنية المهمة عن “ألمانيا” و حقق “جوكوف” تقدمًا كاسحًا في المركز من خلال القيادة إلى الأمام من “وارسو” في الوقت نفسه تقدم “روكوسوفسكي” إلى خليج “دانزيج” مما أدى إلى قطع 25 فرقة ألمانية في شرق بروسيا و للدفاع عن الفجوة المتسعة في وسط الجبهة أنشأ “هتلر” مجموعة عسكرية جديدة و وضع “هاينريش هيملر” في قيادتها بطاقم من ضباط قوات الأمن الخاصة المفضلين حيث ساعد ذلك في تمهيد الطريق أمام “جوكوف” الذي كانت قواته الآلية بحلول 31 من يناير عام 1945 في الجزء السفلي من “أودر” و على بعد 40 ميلاً فقط من “برلين” حيث أدى ذلك الى أن يقرر “هتلر” أنه يجب إرسال معظم قواته الجديده لتعزيز “أودر” و هكذا تم تسهيل الطريق لعبور نهر الراين من قبل الجيوش الأمريكية و البريطانية و في 13 من فبراير عام 1945 استولى السوفييت على “بودابست” و كان الدفاع عنها قد أدى إلى خسارة الألمان لسيليزيا.

مؤتمر يالطا

عقد “روزفلت” مؤتمره الأخير مع “ستالين و تشرشل” في “يالطا” بشبه جزيرة القرم في الفترة من 4 إلى 11 فبراير عام 1945 حيث ركز المؤتمر بشكل أساسي على معالجة المشكلة البولندية حيث تخلى قادة الحلفاء الغربيون عن دعمهم للحكومة البولندية في “لندن ” و وافقوا على أن لجنة “لوبلين ” المعترف بها بالفعل كحكومة مؤقتة لبولندا من قبل السوفيت يجب أن تكون نواة حكومة مؤقتة للوحدة الوطنية انتظارا لإجراء انتخابات حرة كما اتفقوا أيضًا على أنه يجب تعويض “بولندا” عن الأراضي الشرقية التي استولى عليها “الاتحاد السوفيتي” في عام 1939 و رفضوا الموافقة على خط أودر-نيز كحدود بين “بولندا و ألمانيا” معتبرين أنه سيضع الكثير من الألمان تحت الحكم البولندي أما بالنسبة لبقية أوروبا المحررة لم يحصل قادة الحلفاء الغربيين من “ستالين” على شيء سوى إعلان ينص على دعم “العناصر الديمقراطية” و “الانتخابات الحرة” لإنتاج “حكومات تستجيب لإرادة الشعب”.

و أكد المؤتمر بالنسبة لألمانيا مشروع تقسيمها إلى مناطق احتلال على أن يتم تقليص المنطقة الأمريكية لتوفير منطقة رابعة يحتلها الفرنسيون و كان “روزفلت و تشرشل” قد تخلوا بالفعل عن خطة “مورجنثاو” لمعاملة ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية و لم يعثر فى مؤتمر “يالطا” على صيغة شاملة لتحل محله و تعهد القادة الثلاثة ببساطة بتزويد الألمان المهزومين بضروريات البقاء للقضاء أو السيطرة على كل الصناعات الألمانية التي يمكن أن تستخدم في التسلح و محاكمة مجرمي الحرب الرئيسيين و تشكيل لجنة في “موسكو” بغرض تحديد التعويض الذي يجب أن تدفعه “ألمانيا”.

الزعيم السوفيتى جوزيف ستالين مع الرئيس الأمريكى فرانكلين روزفلت و رئيس الوزراء البريطانى وينستون تشرشل خلال مؤتمر يالطا

الانهيار الألماني ربيع عام 1945

قبل أن تكون قواتهم البرية جاهزة للهجوم الأخير على “ألمانيا” ايذانا بحسم الحرب العالمية الثانية كثف الحلفاء الغربيون قصفهم الجوي حيث بلغ هذا الهجوم ذروته في سلسلة من خمس هجمات على “دريسدن ” شنها سلاح الجو الملكي البريطاني بـ 800 طائرة في ليلة 13-14 فبراير 1945 و استمرت الغارات من قبل سلاح الجو الأمريكي الثامن بـ 400 طائرة في وضح النهار في 14 فبراير مع 200 طائرة في 15 فبراير و 400 أخرين في 2 مارس و أخيراً مع 572 في 17 أبريل حيث كان الدافع وراء هذه الغارات هو تعزيز التقدم السوفيتي من خلال تدمير مركز اتصالات مهم للدفاع الألماني عن الجبهة الشرقية لكن واقعيا لم تحقق الغارات شيئًا لمساعدة الجيش الأحمر عسكريًا و لكن و للاسف نجحت في محو الجزء الأكبر من واحدة من أجمل مدن أوروبا وقتل ما يصل إلى 25 ألف شخص.

و كانت القوة الرئيسية للقوات البرية التي يتم تكوينها في غضون ذلك لعبور نهر الراين تم تخصيصها لجيوش “مونتجمري” في القطاع الشمالي من الجبهة و في غضون ذلك سعى بعض الجنرالات الأمريكيين إلى إظهار قدرات قواتهم الأقل إمدادًا حيث وصل جيش “باتون” الثالث إلى نهر الراين في “كوبلنز” بوقت مبكر من شهر مارس و في اتجاه مجرى النهر استولى الجيش الأول للجنرال “كورتني هودجز” على الجسر فوق نهر الراين في “ريماجين” جنوب “بون” وعبر النهر بالفعل بينما وصل الجيش التاسع للجنرال “ويليام سيمبسون” إلى نهر الراين بالقرب من “دوسلدورف” و صدرت أوامر للجيوش الثلاثة بتحديد الوقت حتى يصبح هجوم “مونتجومري” الكبير جاهزًا حيث قاموا بتطهير الضفة الغربية للنهر و في نهاية المطاف و في ليلة 22-23 مارس عبر الجيش الثالث نهر الراين في “أوبنهايم” بين “ماينز” و “مانهايم ” دون مقاومة تقريبًا.

و أخيرًا في ليلة 23-24 مارس تم شن هجوم “مونتجومري” من قبل 25 فرقة عبر امتداد بطول 30 ميلًا من نهر الراين بالقرب من “فيزل” بعد قصف هائل بأكثر من 3000 مدفع و موجات من هجمات القاذفات و كانت المقاومة طفيفة بشكل عام لكن “مونتجمري” لن يوافق على تقدم آخر حتى يتم دمج رؤوس الجسور الخاصة به في عمق 20 ميلاً .

أما “جوديريان” فقد حاول تحويل القوات الألمانية شرقاً لصد الجيش الأحمر لكن “هتلر” على الرغم من قلقه على “برلين” كان لا يزال يرغب في إلزام الجيوش 11 و 12 التي تشكلت من احتياطياته الأخيرة بدفع الحلفاء الغربيين فوق نهر الراين و في 28 من مارس استبدل “جوديريان” بالجنرال “هانز كريبس” كرئيس لأركان القوات المسلحة.

كانت الرغبة المهيمنة لدى الألمان الآن سواء من القوات أو المدنيين هي رؤية الجيوش البريطانية و الأمريكية تندفع شرقًا بأسرع ما يمكن للوصول إلى “برلين” و احتلال أكبر قدر ممكن من البلاد قبل أن يتغلب السوفييت على خط “أودر” كما كان هناك قلة منهم كانوا يميلون لمساعدة “هتلر” في هدف عرقلتهم من خلال تدمير كل شئ فى طريقهم و في 19 من مارس عشية عبور الراين أصدر “هتلر” أمرًا أعلن فيه أن معارك الحرب العالمية الثانية يجب أن تتم دون مراعاة لسكاننا و صدرت تعليمات لمفوضيه الإقليميين بتدمير جميع المنشآت الصناعية و جميع أعمال الكهرباء الرئيسية و محطات المياه و أعمال الغاز جنبًا إلى جنب مع جميع متاجر المواد الغذائية و الملابس من أجل خلق صحراء في مسار الحلفاء و عندما احتج وزير الإنتاج الحربي “ألبرت شبير” على هذا الأمر الصارم رد “هتلر” قائلاً: “إذا خسرت الحرب ستهلك الأمة الألمانية أيضًا لذلك ليست هناك حاجة للنظر في ما يحتاجه الناس من أجل استمرار الوجود ” و شعر “شبير” بالذهول من هذه القسوة و قد اهتز ولائه لهتلر لذلك فقد ذهب وراء ظهر “هتلر” إلى الجيش و قادة الصناعة و أقنعهم دون صعوبة كبيرة بالتهرب من تنفيذ مرسوم “هتلر” حيث واجه الأمريكيين و البريطانيين و هم يقودون سياراتهم شرقاً من نهر الراين مقاومة قليلة و وصلوا إلى نهر “إلبه” على بعد 60 ميلاً من “برلين” في 11 من أبريل و هناك توقفوا.

على الجبهة الشرقية قام “جوكوف” بتوسيع رأس جسره عبر الأودر في أوائل مارس و في أقصى اليسار وصل السوفييت إلى “فيينا” في 6 من أبريل و على اليمين استولوا على “كونيجسبيرج” في 9 أبريل ثم في 16 أبريل استأنف “جوكوف” هجومه بالاشتراك مع “كونييف ” و في غضون أسبوع كانوا يقودون سياراتهم إلى ضواحي “برلين” التى اختار “هتلر” البقاء فيها معتمدا على بعض من المعجزة لتحقيق الخلاص مثل نبأ وفاة “روزفلت” في 12من أبريل و هو نفس اليوم الذى توقف فيه الأمريكيين على نهر “إلبه” حيث كان منعزلاً و مصابًا باليأس و تزوج من عشيقته “إيفا براون” في ليلة 28-29 أبريل و في 30 أبريل انتحر معها في أنقاض المستشارية حيث كانت القوات السوفيتية المتقدمة على بعد مسافة أقل من نصف ميل من مخبأه و تم حرق جثثهم على عجل في الحديقة و كانت إستراتيجية خليفة “هتلر”و هو “دونيتز” استسلام و إنقاذ أكبر عدد ممكن من المدنيين الفارين غربًا و قواته الألمانية من أيدي السوفييت و خلال فترة الاستسلام تم نقل 1.8 مليون جندي ألماني و هو ما يمثل 55 بالمائة من جيش الشرق إلى مناطق السيطرة التى فيها البريطانيين والأمريكيين.

و تم التوقيع على استسلام القوات الألمانية في شمال غرب أوروبا في مقر “مونتجمري” في “لونبورج هيث” في 4 من مايو و وثيقة أخرى تغطي جميع القوات الألمانية تم توقيعها بمزيد من المراسم في مقر “أيزنهاور” في “ريمس ” بحضور وفود سوفيتية و أمريكية و بريطانية و فرنسية في منتصف ليل الثامن من مايو عام 1945 حيث انتهت الحرب العالمية الثانية في أوروبا رسميًا.

بوتسدام

عُقد آخر مؤتمر بين الحلفاء في الحرب العالمية الثانية في ضاحية “بوتسدام ” خارج “برلين” المدمرة في الفترة من 17 يوليو إلى 2 أغسطس عام 1945 و حضره زعماء الاتحاد السوفيتى و الولايات المتحدة و بريطانيا “ستالين” و وزير خارجيته “مولوتوف” و الرئيس “هاري ترومان” (خليفة روزفلت) و وزير خارجيته “جيمس بيرنز” و “تشرشل” و “أنتوني إيدن ” و تم استبدال الأخيرين بـ “كليمنت أتلي” و “إرنست بيفين” بعد تغيير “بريطانيا” للحكومة بعد الانتخابات العامة.

فى خلال ذلك المؤتمر تمت مناقشة العمليات ضد “اليابان ” و الكشف عن الاختبار الناجح للقنبلة الذرية في “الولايات المتحدة” لستالين و انتظار دخول السوفيت إلى الحرب ضد “اليابان” حيث صدر إعلان في 26 من يوليو يدعوها إلى الاستسلام دون قيد أو شرط و كذلك محاكمة مجرمي الحرب و مع الوعد بأن الشعب الياباني لن يتم استعباده أو تدمير أمته .

و خلال المؤتمر تم قضاء الوقت في مناقشة التسوية السلمية و إجراءاتها حيث حث “ستالين” الزعيمين ” ترومان و أتلي ” على الموافقة مؤقتًا على مطالب “الاتحاد السوفيتي” بضرورة أخذ ثلث الأسطول البحري و التجاري الألماني كما أن لها الحق في الحصول على تعويضات من مناطقها التى احتلت فى الشرق علاوة على ذلك ينبغي أن تحصل على نسبة مئوية من التعويضات من المناطق المحتلة من الغرب و كان هناك خلاف عميق في المؤتمر حول مناطق البلقان التي احتلها الجيش الأحمر حيث لم يُسمح لممثلي القوى الغربية بالتحدث كثيرًا عنهم و احتج رجال الدولة الغربيين على الترتيبات المنفردة للسوفييت و لكن بحكم الضرورة قبلوها.

الزعيم السوفيتى جوزيف ستالين و الرئيس الامريكى هارى ترومان و رئيس الوزراء البريطانى كليمنت أتلى خلال مؤتمر بوتسدام

نهاية الحرب اليابانية ( فبراير – سبتمبر 1945)

بينما كانت الحملة من أجل “الفلبين” لا تزال جارية كانت القوات الأمريكية تتخذ خطوات كبيرة في التقدم المباشر نحو هدفها النهائي و هو الوطن الياباني نفسه حيث كان القصف الجوي بالطبع امرا مسلم به للغزو المتوقع لليابان و الذي كان من المفترض أن يبدأ كما كان متصورًا بهبوط في “كيوشو” أقصى جنوب الجزر اليابانية الرئيسية .

ايو جيما وقصف طوكيو

مع وجود القوات الأمريكية الراسخة في جزر “ماريانا” خلال الحرب العالمية الثانية استمر القصف المستمر بعيد المدى لليابان بواسطة طائرات B-29 تحت قيادة الجنرال “كيرتس ليماي” طوال الأشهر الأخيرة من عام 1944 و حتى عام 1945 لكنها كانت لا تزال على بعد 1500 ميل من “سايبان” إلى “طوكيو ” و هى رحلة طويلة حتى للطائرات B-29 لذلك ركز المخططين الاستراتيجيين انتباههم على جزيرة “إيو جيما” البركانية الصغيرة في “جزر بونين” و التي تقع في منتصف الطريق تقريبًا بين “جزر ماريانا” و “اليابان” فإذا كان من الممكن القضاء على ” أيو جيما ” كقاعدة يابانية فمن الممكن أن تكون الجزيرة ثمينة للغاية كقاعدة للطائرات المقاتلة الأمريكية .

كان اليابانيون مصممين على الاحتفاظ بـ ” أيو جيما ” كما فعلوا في جزر المحيط الهادئ الأخرى لذلك فقد أنشأوا دفاعات تحت الأرض مما حقق أفضل استخدام ممكن للكهوف الطبيعية و التضاريس الصخرية الوعرة و كان عدد المدافعين اليابانيين في الجزيرة التى كانت تحت قيادة الفريق “كوريباياشي تاداميشي” أكثر من 20 ألف جندى .

و تعرضت الجزيرة قبل الإنزال الفعلي لقصف مكثف بالمدافع البحرية و الصواريخ و الضربات الجوية باستخدام قنابل النابالم لكن النتائج كانت أقل بكثير من التوقعات حيث كان اليابانيين يتمتعون بحماية جيدة بحيث لا يمكن لأي قدر من القصف القضاء عليهم و هبطت قوات مشاة البحرية الأمريكية على ” أيوا جيما ” في 19 من فبراير عام 1945 و واجهت مقاومة عنيدة و في الوقت نفسه أدت الهجمات المضادة للكاميكازي من الجو إلى إغراق حاملة الطائرات الخفيفة “بسمارك سي” و إلحاق أضرار بسفن أخرى و على الرغم من وضع العلم الأمريكي على جبل “سوريباتشي” في 23 من فبراير إلا أن الجزيرة لم يتم تأمينها أخيرًا حتى 16 مارس و كانت “آيو جيما” قد أودت بحياة 6000 من مشاة البحرية بالإضافة إلى أرواح جميع المدافعين اليابانيين تقريبًا لكن في الأشهر الخمسة التالية تمكنت أكثر من 2000 قاذفة من طراز B-29 من الهبوط عليها.

في غضون ذلك تم العثور على تكتيك جديد لقصف “اليابان” من القواعد في “ماريانا” فبدلاً من الضربات على ارتفاعات عالية في وضح النهار و التي فشلت في إحداث الكثير من الضرر للمراكز الصناعية التي تعرضت للهجوم تمت تجربة الضربات على مستوى منخفض في الليل باستخدام قنابل النابالم الحارقة بنجاح مذهل حيث كانت الغارة الأولى في ليلة 9-10 مارس عام 1945 ضد “طوكيو” و دمرت حوالي 25 بالمائة من مباني المدينة و قتل أكثر من 80 ألف شخص و شرد مليون و أشارت هذه النتيجة إلى أن “اليابان” قد تُهزم دون غزو واسع من قبل القوات البرية و تبع ذلك غارات قصف مماثلة على مدن رئيسية مثل “ناجويا و أوساكا و كوبي و يوكوهاما و توياما” حيث تم قصف اليابان حرفياً للخروج من الحرب.

أوكيناوا

كانت “أوكيناوا” أكبر جزر “ريوكيو” الممتدة إلى الشمال الشرقي من “تايوان” تعتبر آخر نقطة انطلاق يتم اتخاذها نحو “كيوشو ” التي كانت على بعد 350 ميلاً فقط منها لذلك فقد تعرضت لسلسلة من الغارات الجوية منذ أكتوبر 1944 و بلغت ذروتها في مارس عام 1945 بهجوم دمر مئات الطائرات اليابانية و لكن كان لا يزال هناك ما لا يقل عن 75 ألف جندي ياباني في الجزيرة بقيادة الفريق “أوشيجيما ميتسورو” و كان غزو “أوكيناوا” في الواقع هو أكبر عملية برمائية شنها الأمريكيين في حرب المحيط الهادئ منذ بداية معارك الحرب العالمية الثانية .

و تحت القيادة العامة لنيميتز مع الأدميرال “ريموند سبروانس” المسؤول عن عمليات الإنزال الفعلية و بقيادة الفريق “سيمون بوليفار باكنر الابن” قائد القوات البرية بدأت العملية باحتلال جزر “كيراما” على بعد 15 ميلاً غرب “أوكيناوا” في 26 من مارس عام 1945 و بعد خمسة أيام تم الهبوط في “كيس جيما “حيث يمكن إطلاق نيران المدفعية على “أوكيناوا” نفسها و في الأول من أبريل هبط حوالي 60 ألف جندي أمريكي على الامتداد المركزي للساحل الغربي لأوكيناوا واستولوا على مطارين قريبين و تقدموا لقطع الخصر الضيق للجزيرة و استقالت حكومة “كويسو” في “طوكيو” في 5 من أبريل و رفض “الاتحاد السوفيتي” في نفس اليوم تجديد معاهدة عدم الاعتداء مع “اليابان” .

و كان أول هجوم مضاد كبير على “أوكيناوا” من قبل اليابانيين و الذي بدأ في 6 من أبريل لم يقتصر على 355 غارة جوية للكاميكازي و لكن أيضًا بالسفينة “ياماتو” أعظم سفينة حربية في العالم و التى تزن 72000 طن مع 9 مدافع و التي تم إرسالها في مهمة انتحارية مع وقود يكفي فقط لرحلة خارجية واحدة و بدون غطاء جوي كافٍ حيث كان اليابانيين يأملون في أن يتمكن “ياماتو” من إنهاء أسطول الحلفاء بعد إضعافه بسبب هجمات الكاميكازي و لكن تعرضت “ياماتو” مرارًا و تكرارًا للقنابل و الطوربيدات و غرقت في 7 من أبريل.

و واجهت القوات البرية الأمريكية التي غزت “أوكيناوا” مقاومة قليلة على الشواطئ لأن “أوشيجيما” قرر أن تكون مقاومته الرئيسية في الداخل بعيدًا عن مدى بنادق العدو البحرية و كانت المقاومة في النصف الجنوبي من الجزيرة أشد قسوة حيث استمرت حتى 21 يونيو و قتل “أوشيجيما” نفسه في اليوم التالي و انتهت حملة “أوكيناوا” رسميًا في 2 من يوليو و بالنسبة للقوات الأمريكية كانت هذه أطول حملة دموية في المحيط الهادئ طوال الحرب العالمية الثانية منذ “جوادالكانال” عام 1942 حيث تكلف الامريكيين خسائر بلغت 12 ألف قتيل و 36 ألف جريح مع غرق 34 سفينة و تدمير 368 و تجاوزت الخسائر اليابانية 100 ألف قتيل.

و فى 3 من أبريل عام 1945 بعد يومين من أول هبوط على “أوكيناوا” أعيد تنظيم القيادة الأمريكية في المحيط الهادئ و أصبح “ماك آرثر” من الآن فصاعدًا قائدًا لجميع وحدات الجيش و أيضًا في السيطرة التشغيلية لقوات المارينز الأمريكية لغزو اليابان و تم وضع “نيميتز” في قيادة جميع الوحدات البحرية.

هيروشيما وناجازاكي

طوال شهر يوليو من عام 1945 تم قصف البر الرئيسي الياباني من “هونشو” شمالًا إلى ساحل “هوكايدو” كما لو كان الغزو على وشك الانطلاق و لكن في الواقع كان هناك شيء أخر أكثر شرا لليابانيين كما قال الأمريكيين لستالين في ” بوتسدام” .

ففى عام 1939 و مع بداية اندلاع الحرب العالمية الثانية علم الفيزيائيين في “الولايات المتحدة” عن تجارب تجرى في “ألمانيا” تُظهر إمكانية الانشطار النووي و فهموا أن الطاقة الكامنة من الممكن أن تنطلق من سلاح متفجر ذي قوة غير مسبوقة و في 2 من أغسطس عام 1939 حذر “ألبرت أينشتاين” الرئيس “روزفلت” من خطر قيام “ألمانيا” النازية في تطوير قنبلة ذرية و في النهاية تم إنشاء مكتب “الولايات المتحدة” للبحث العلمي و التطوير في يونيو 1941 و أعطي مسؤولية مشتركة مع وزارة الحرب في “مشروع مانهاتن” لتطوير قنبلة ذرية و بعد أربع سنوات من جهود البحث و التطوير المكثفة و المتنامية تم إطلاق اول تفجير ذري في 16 من يوليو عام 1945 في منطقة صحراوية بالقرب من “ألاموجوردو ” فى ولاية “نيو مكسيكو” مما أدى إلى توليد قوة تفجيرية تعادل أكثر من 15 ألف طن من مادة تي إن تي و هكذا ولدت القنبلة الذرية و قدر “ترومان” الرئيس الأمريكي الجديد أن هذا السلاح الوحشي قد يستخدم لهزيمة “اليابان” بطريقة أقل تكلفة فى أرواح جنود “الولايات المتحدة” الذين سيقومون بغزو تقليدي للوطن الياباني و حسم رد “اليابان” غير المرضي على إعلان “بوتسدام” للحلفاء الأمر و في 6 من أغسطس عام 1945 تم إسقاط قنبلة ذرية محمولة من قاذفة B-29 منطلقة من جزيرة “تينيان” في “ماريانا” على مدينة “هيروشيما” في الطرف الجنوبي من “هونشو” و دمرت الحرارة و الانفجار كل شيء في المنطقة المجاورة مباشرة للانفجار و تسببت في حرائق أحرقت ما يقرب من 4.4 ميل مربع بالكامل و قتلت على الفور حوالي 70 ألف شخص ووصل عددهم الى 100 ألف بحلول نهاية العام و أسفرت القنبلة الثانية التي أُسقطت على “ناجازاكي” في 9 من أغسطس عن مقتل ما بين 35 ألف الى 40 ألف شخص و إصابة عدد مماثل .

الانفجارين الذريين على مدينتى هيروشيما و ناجازاكى
استسلام اليابانيين

لم يتم فهم أخبار تدمير “هيروشيما” إلا ببطء في “طوكيو” و لم يقدر العديد من أعضاء الحكومة اليابانية قوة سلاح الحلفاء الجديد الذى لم يكن له مثيل طوال الحرب العالمية الثانية إلا بعد هجوم “ناجازاكي” , و في 8 أغسطس أعلن “الاتحاد السوفيتي” الحرب ضد “اليابان” حيث أدت تلك التطورات إلى قلب الموازين داخل الحكومة لصالح مجموعة كانت منذ الربيع تدعو إلى سلام تفاوضي و في يوم 10 من أغسطس أصدرت الحكومة اليابانية بيانًا وافقت فيه على قبول شروط الاستسلام الواردة في إعلان “بوتسدام” على أساس أن موقف الإمبراطور كحاكم ذي سيادة لن يكون متحيزًا في ردهم و وافق الحلفاء على طلب “اليابان” بالحفاظ على وضع الإمبراطور السيادي مع مراعاة توجيهات قائدهم الأعلى فقط و قبلت “اليابان” هذا الشرط في 14 من أغسطس و حث الإمبراطور “هيروهيتو” شعبه على قبول قرار الاستسلام لأنها كانت حبة مريرة يجب ابتلاعها و بُذلت كل الجهود لإقناع اليابانيين بقبول الهزيمة التي اعتبروا أنها لا يمكن تصورها حتى أمراء البيت الإمبراطوري الياباني تم إرسالهم لإيصال رسالة الإمبراطور شخصيًا إلى قوات الجيش الياباني البعيدة في “الصين” و “كوريا” على أمل التخفيف من حدة الصدمة و مع ذلك حاولت مجموعة من المتشددين اغتيال رئيس الوزراء الجديد الأدميرال “سوزوكي كانتارو” و لكن بحلول الثاني من سبتمبر عندما جرت مراسم الاستسلام الرسمية تم تمهيد الطريق الى ذلك .

و عين الرئيس ” ترومان ” ” ماك آرثر” كقائد أعلى لقوات الحلفاء لقبول الاستسلام الرسمي لليابان و الذي تم الاحتفال به على متن السفينة الرئيسية الأمريكية “ميسوري” في خليج “طوكيو” و وقع وزير الخارجية الياباني “شيجميتسو مامورو” على الوثيقة أولاً نيابة عن الإمبراطور و حكومته و تبعه الجنرال “أوميزو يوشيجيرو” نيابة عن المقر العام الإمبراطوري و تم التوقيع على الوثيقة بعد ذلك من قبل “ماك آرثر” و “نيميتز” و ممثلي قوى الحلفاء الأخرى و اختتمت “اليابان” مراسم استسلام منفصلة مع “الصين” في “نانكينج” في 9 من سبتمبر عام 1945 و مع هذا الاستسلام الرسمي الأخير انتهت الحرب العالمية الثانية.

تكلفة الحرب العالمية الثانية

قتلى أو جرحى أو أسرى أو مفقودون

الإحصائيات الخاصة بضحايا الحرب العالمية الثانية تعتبر دقيقة فقط بالنسبة للولايات المتحدة و الكومنولث البريطاني حيث يمكن الاستشهاد بالأرقام الرسمية التي تظهر قتلى أو جرحى أو أسرى أو مفقودين للقوات المسلحة بأي درجة أما بالنسبة لمعظم الدول الأخرى لا توجد سوى تقديرات متفاوتة الموثوقية حيث انهارت المحاسبة الإحصائية في كل من دول الحلفاء و دول المحور عندما تم استسلام أو تفريق جيوش كاملة اضافة الى حدوث تغييرات في الحدود الدولية و التحولات الجماعية في السكان و التى أدت إلى تعقيد جهود ما بعد الحرب للوصول إلى أرقام دقيقة حتى بالنسبة لمجموع القتلى من جميع الأسباب.

و ربما تجاوزت الوفيات المدنية خلال الحرب العالمية الثانية التى نتجت من المعارك البرية و القصف الجوي و الإعدامات السياسية و العرقية و الأمراض و المجاعات الناجمة عن الحرب و غرق السفن عن خسائر قتلى العسكريين خلال المعارك بل إن تحديد وفيات المدنيين هذه تعد أكثر صعوبة و لا توجد أرقام موثوقة للخسائر في “الاتحاد السوفيتي” و “الصين ” و هما البلدان اللذان كان عدد الضحايا فيهما أكبر بلا شك لهذا السبب و بشكل أساسي تختلف تقديرات إجمالي القتلى في الحرب العالمية الثانية في أي مكان من 35 مليون إلى 60 مليون و هو فرق إحصائي ليس بالأمر الهين و قلة فقط هم الذين غامروا بحساب العدد الإجمالي للأشخاص الذين أصيبوا أو أصيبوا بإعاقات دائمة و ومع ذلك و رغم أن العديد من الأرقام غير دقيقة الا أن أهميتها واضحة لايضاح انه حدثت أكبر خسائر بشرية في أوروبا الشرقية حيث فقدت “بولندا” ربما ما يقارب من 20 في المائة من سكانها و “يوغوسلافيا” و “الاتحاد السوفيتي” حوالي 10 في المائة كما كانت الخسائر الألمانية التي حدثت النسبة الأكبر منها على الجبهة الشرقية .

التكلفة البشرية والمادية خلال الحرب العالمية الثانية

لا يمكن أن يكون هناك قياس إحصائي حقيقي للتكلفة البشرية و المادية التى حدثت فى الحرب العالمية الثانية و لكن قدرت التكلفة المالية للحكومات المعنية بأكثر من تريليون دولار لكن هذا الرقم لا يمكن أن يمثل أى شئ مقابل البؤس الإنساني و الحرمان و المعاناة و تشريد الشعوب و الحياة الاقتصادية أو التدمير المادي الهائل للممتلكات التي انطوت عليها الحرب.

أوروبا

استنزف النازيون في أوروبا المحتلة خلال الحرب العالمية الثانية موارد الأراضي التي احتلوها لإطعام آلة الحرب الألمانية و أُجبرت الصناعة و الزراعة في “فرنسا” و “بلجيكا” و “هولندا” و “الدنمارك” و “النرويج” على الإنتاج لتلبية الاحتياجات الألمانية مما أدى إلى حرمان شعوبهم اما “إيطاليا” فرغم أنها في البداية كانت حليفة لألمانيا فلم يكن حالها أفضل حيث تم استغلال موارد الأراضي المحتلة في أوروبا الشرقية بشكل أكثر قسوة و استنزاف الملايين من الرجال و النساء القادرين على العمل لأداء أعمال السخرة في المصانع و المزارع الألمانية و تم فرض نظام الاستغلال الاقتصادي الألماني بأساليب قاسية و وحشية و كانت حروب العصابات التي تدار ضدهم ذات أثار مدمرة فى مقابل أعمال انتقامية ألمانية كانت أكثر تدميراً لا سيما في “بولندا” و “يوغوسلافيا” و الأجزاء المحتلة من “الاتحاد السوفيتي”.

أما ” بريطانيا ” التي أفلتت من ويلات الاحتلال فقد عانت بشدة من الغارات الجوية الألمانية في 1940-1941 و لاحقًا من القنابل و صواريخ V و على الجانب الآخر تم تدمير المدن الألمانية من قبل قاذفات الحلفاء و في الغزو النهائي لألمانيا من كل من الشرق و الغرب كان هناك الكثير من الدمار الانتقامي و النهب.

كان تدمير المبانى هائلاً خلال الحرب العالمية الثانية و تجاوز بكثير دمار الحرب العالمية الأولى و التى كانت محصورة إلى حد كبير في مناطق القتال و قدرت “فرنسا” التكلفة الإجمالية للخسائر بمبلغ يعادل ثلاثة أضعاف إجمالي الدخل القومي الفرنسي السنوي و عانت “بلجيكا و هولندا” من أضرار بنسب مماثلة تقريبًا لمواردها و في “بريطانيا العظمى” تم تدمير أو إتلاف حوالي 30 بالمائة من المنازل و في “فرنسا و بلجيكا و هولندا” حوالي 20 بالمائة و عانت الزراعة في جميع البلدان المحتلة بشكل كبير من تدمير المنشآت و حيوانات المزارع و نقص الآلات و الأسمدة و استنزاف القوى العاملة و تعطلت أنظمة النقل الداخلي تمامًا بسبب تدمير أو مصادرة عربات السكك الحديدية و القاطرات و الصنادل و قصف الجسور و مراكز السكك الحديدية الرئيسية و بحلول عام 1945 كانت اقتصادات الدول القارية لأوروبا الغربية في حالة شلل تام تقريبًا.

و كان الدمار في أوروبا الشرقية الذى نتج من دمار الحرب العالمية الثانية أسوأ حيث أبلغت “بولندا” عن تدمير 30 في المائة من مبانيها فضلاً عن 60 في المائة من مدارسها و مؤسساتها العلمية و مرافق إدارتها العامة و من 30 إلى 35 في المائة من ممتلكاتها الزراعية و 32 في المائة من مناجمها و قوتها الكهربائية و صناعاتها و أبلغت “يوغوسلافيا” عن تدمير 20.7 في المائة من مساكنها و في الجزء الغربي من “الاتحاد السوفيتي” كان الدمار أكثر من “ألمانيا” نفسها و أصبح الملايين في جميع أنحاء أوروبا بلا مأوى و كان هناك ما يقدر بنحو 21 مليون لاجئ أكثر من نصفهم من “المشردين” الذين تم ترحيلهم من أوطانهم لأداء أعمال السخرة اما الملايين الآخرين الذين بقوا في المنزل كانوا منهكين جسديًا بسبب خمس سنوات من الإجهاد و المعاناة و نقص التغذية و غُمر اللاجئون طرقات أوروبا طوال عام 1945 و حتى عام 1946 حيث عاد أكثر من خمسة ملايين أسير حرب سوفيتي و عمال قسريين شرقًا إلى وطنهم و فر أكثر من ثمانية ملايين ألماني أو تم إجلاؤهم غربًا من الأجزاء التي احتلها “الاتحاد السوفيتي” من “ألمانيا” و عاد أيضًا ملايين الأشخاص الآخرين من كل الجنسيات الأوروبية تقريبًا إلى بلدانهم أو هاجروا إلى منازل جديدة في أراضي أخرى.

الشرق الاقصى

ألحقت الحرب العالمية الثانية بالكثير من الدمار للصين التى كانت بالاساس تعانى من العلل الاقتصادية المتمثلة في الاكتظاظ السكاني و التخلف و نصف قرن من الحروب و الانقسامات السياسية و الاضطرابات حيث كانت الأراضي التي احتلتها القوات اليابانية تعادل تقريبًا تلك التي احتلها المحور في أوروبا كلها اما المنطقة التي لم يحتلها اليابانيين فكانت تقريبًا معزولة عن العالم الخارجي بعد الغزو الياباني لبورما في أوائل عام 1942 و كان اقتصادها يترنح باستمرار و على حافة الانهيار في كلتا المنطقتين و تكررت المجاعات و الأوبئة و الاضطرابات المدنية و غمرت المياه الكثير من الأراضي الزراعية و فر ملايين اللاجئين من منازلهم عدة مرات و دمرت المدن و البلدات و القرى بفعل القصف الجوي و الجيوش المسيرة و تعطلت تمامًا معظم الخدمات و المرافق من المستشفيات و المؤسسات الصحية في “الصين”.

اما “الهند” فكانت المجاعة متكررة و كان الاقتصاد الهندي متوترًا بشدة لدعم العبء الذي وضعته سلطات الحلفاء العسكرية عليه و عانت “الفلبين” من ثلاث سنوات من الاحتلال و الاستغلال الياباني و من الدمار الذي أحدثه الأمريكيين في استعادة الجزر خلال الفترة ما بين 1944-1945 و دمر اليابانيين المنسحبين المرفأ في “مانيلا” و دمر القصف أجزاء كثيرة من المدينة و في “اليابان” تم تدمير 40 في المائة من المناطق المبنية في 66 مدينة يابانية و فقد ما يقرب من 30 في المائة من إجمالي سكان المدن في “اليابان” منازلهم و العديد من ممتلكاتهم و تعرضت “هيروشيما” و “ناجازاكي” للضررالدائم و الناجم عن الانفجار الذري والإشعاع.

شارك الموضوع

عمرو عادل

فى الحياة الواقعيه مهندس ميكانيكا قوى اما فى الحياه الافتراضيه فباحث و كاتب و مدير الموقع دا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *