في بدايات القرن الحادي و العشرين كانت دبي تشهد تحولًا إقتصاديًا كبيرًا و ظهرت الحاجة إلي مشروع معماري فريد يعزز مكانة الإمارة عالميًا و يضعها في مصاف المدن الرائدة لذلك بدأت فكرة برج خليفة كمبادرة طموحة من شركة إعمار العقارية التي أرادت إنشاء معلم هندسي يعكس طموحات دبي المتزايدة و من ناحية أخري يخدم الأغراض السكنية و التجارية و السياحية و من أجل تحقيق ذلك تم تكليف المهندس المعماري الشهير أدريان سميث بتصميم البرج الذي كان مخطط له أن يكون أطول من أي مبني موجود في العالم و علي مدار أشهر تمت دراسة العديد من التصاميم و الهياكل الأولية إلي أن تم الإتفاق علي الشكل النهائي للبرج الذي يتألف من هيكل ثلاثي الأطراف مستوحى من زهرة الزنبق الصحراوية .

تمثل تصميم برج خليفة في الجمع بين الجمال الهندسي و الوظائف العملية حيث إستُوحي من زهرة الزنبق الصحراوية و هي نبات محلي يُعرف بقدرته علي التكيف مع البيئة القاسية و يتكون المبني من ثلاثة أجزاء رئيسية تلتقي عند المركز مما يمنحه هيكلًا قويًا و مستقرًا ضد الرياح و العواصف الرملية و لتجنب التأثير السلبي للرياح علي إستقرار البرج تم تصميمه بشكل ديناميكي حيث تتقلص الأطراف تدريجيًا كلما زاد الارتفاع إلي جانب إستخدام مواد بناء متطورة مثل الخرسانة المسلحة و الفولاذ عالي القوة لضمان ثباته كما روعي في التصميم تحقيق الكفاءة في إستهلاك الطاقة لذلك تم دمج أنظمة تبريد مبتكرة و تقنيات عزل حراري متقدمة و لم يتوقف الإبداع عند هذا الحد بل شمل أيضًا إستخدام زجاج خاص يعكس أشعة الشمس و يحافظ علي درجات الحرارة الداخلية.

و منذ إفتتاحه عام 2010 أصبح برج خليفة مركزًا عالميًا للجذب السياحي و الإقتصادي حيث يضم أكثر من 200 وحدة سكنية فاخرة و مكاتب تجارية علي أحدث طراز و فندق أرماني المصمم من قبل ” جورجيو أرماني ” الذي يقدم تجربة إقامة فريدة من نوعها بالإضافة إلي ذلك يوفر البرج منصات مراقبة بانورامية في الطابقين 124 و 148 مما يمكن الزوار من الإستمتاع بمشاهدة مدينة دبي بالكامل و من بين معالمه البارزة أيضا مطعم ” أتموسفير ” الذي يقع في الطابق 122 و يعد أحد أعلي المطاعم في العالم و يوفر تجربة طعام لا تُنسي مع إطلالة خلابة كما أن البرج ليس مكانًا للمعيشة و العمل فحسب بل أيضًا مركزًا للفعاليات الثقافية و الفنية حيث تُقام فيه عروض ضوئية و إحتفالات رأس السنة التي تجذب ملايين المشاهدين من جميع أنحاء العالم.

و منذ إكتماله حقق برج خليفة عددًا كبيرًا من الأرقام القياسية حيث يبلغ إرتفاعه الإجمالي 828 مترًا و هو ما يجعله أطول مبني في العالم حتى اللحظة كما يحتوي المبني علي 163 طابقًا متفوقًا علي جميع الأبراج السابقة في عدد الطوابق و يضم أعلي منصة مراقبة و أعلي مسبح في العالم و أعلى مسجد إضافة إلي أنه خلال بناءه إستهلك أكثر من 330,000 متر مكعب من الخرسانة و 39,000 طن من الفولاذ و لعل من أحد أهم أرقامه المدهشة الأخرى هو أن البرج يمكن رؤيته من مسافة تصل إلي 95 كيلومترًا في الأيام الصافية و هو ما يجسد مدى التفوق الهندسي و التكنولوجي الذي تم تحقيقه في هذا المشروع.
و خلال بناءه واجه برج خليفة تحديات هندسية و بيئية غير مسبوقة خاصةً بالنظر إلي الإرتفاع الكبير و البيئة الصحراوية القاسية و ربما كان أحد التحديات الرئيسية هو تأثير الرياح علي المبني حيث يمكن للرياح القوية أن تسبب إهتزازات تؤثر علي راحة السكان و لتجنب ذلك أجري فريق المهندسين إختبارات نفق الرياح علي أكثر من 40 نموذجًا للبرج لتحديد التصميم الأمثل حيث تم تطوير نظام هيكلي يعرف بإسم “النواة الخرسانية” الذي يوفر إستقرارًا إضافيًا لبنيانه كما أن الأساسات صُممت لتكون عميقة بشكل إستثنائي حيث تم إستخدام أكثر من 192 خازوقًا بعمق يزيد عن 50 مترًا تحت سطح الأرض كما واجه البرج تحدٍ آخر يتعلق بدرجات الحرارة المرتفعة صيفا في إمارة دبي مما تطلب تطوير نظام تبريد مركزي يوفر المياه المبردة للمبني بالإضافة إلي تصميم نظام ري خاص يستخدم المياه المعاد تدويرها لري الحدائق المحيطة .

و بجانب كونه إنجازًا هندسيًا يُعتبر برج خليفة تحفة فنية تحمل معاني رمزية عميقة فتصميمه الرشيق و العمودي يعكس الطموح اللامحدود و الرغبة في الوصول إلي أعلي القمم حيث استخدمت عناصر مستوحاة من الثقافة الإسلامية مثل الأنماط الهندسية و الزخارف التقليدية و هو ما يمنحه بُعدًا ثقافيًا جوار كونه معلمًا حضريًا كما أن الإضاءة الليلية للبرج تضيف إلي جماليته حيث يتم إستخدام مئات الآلاف من الأضواء و الليزر لإنشاء عروض مذهلة و هذه الجمالية ليست فقط لجذب الأنظار بل لتكون مصدر إلهام لكل من يشاهد البرج ليُدرك أن الأحلام الكبيرة يمكن تحقيقها بالتصميم و العمل الجاد .

و حاليا يمثل برج خليفة رمزًا للرؤية المستقبلية و التقدم الهندسي بعد أن أصبح مصدر إلهام للمعماريين و المهندسين حول العالم و ذلك لوضعه معايير جديدة للبناء و التصميم كما يُنظر إلي البرج كجزء من إستراتيجية دبي لتصبح مدينة عالمية مستدامة و متنوعة إقتصاديًا إضافة إلي أن نجاحه فتح الأبواب لمشاريع مستقبلية أكثر طموحًا في الإمارات و خارجها و بفضل التكنولوجيا المتقدمة و التصميم الإبداعي يستمر برج خليفة في جذب ملايين الزوار كل عام و يظل شاهدًا حيًا علي قدرة الإنسان علي تحدي المستحيل و تحقيق إنجازات تبقى خالدة في ذاكرة التاريخ .