جان دارك هي فتاة ريفية بسيطة و سرعان ما أصبحت أيقونة للشجاعة و الإيمان في وجه أعتي التحديات و تعد واحدة من أكثر الشخصيات إلهامًا في التاريخ الفرنسي و العالمي حيث وُلدت في قرية صغيرة في فرنسا خلال فترة مضطربة من التاريخ الأوروبي كانت فيه تخوض بلادها حربًا طويلة و مريرة مع إنجلترا عُرفت بإسم حرب المئة عام و حين أصبحت في سن الـ 18 قادت جيشًا فرنسيًا لتحقيق نصر ساحق في معركة أورليانز و هو ما أعاد الأمل مجددا للأمة الفرنسية و لكن رغم نضالها إلا أن نهايتها لم تكن سعيدة عقب وقوعها في الأسر و معاقبتها حرقا بتهمة الهرطقة و بعد أكثر من 500 عام من وفاتها تم إعتبارها قديسة في الكنيسة الرومانية الكاثوليكية و أصبح إرثها الخالد مستمر في إلهام الأجيال المتعاقبة و رمزًا للبطولة و التضحية التي لا تُظهر فقط قوة الإرادة البشرية بل تطرح أيضًا أسئلة عميقة حول مفاهيم الإيمان و السياسة و العدالة .

حياة جان دارك المبكرة
ولدت ” جان دارك ” الملقبة بـ”فتاة أورليانز” عام 1412 بقرية دومرمي في ” فرنسا ” و كانت إبنة لمزارعين فقيرين و هم ” جاك دارك ” و زوجته ” إيزابيل ” و خلال طفولتها تعلمت من والدتها التقوى و التدين و المهارات المنزلية و أصبحت ماهرة في أعمال الخياطة و الإعتناء بالحيوانات .
و خلال طفولة ” جان دارك ” كانت الدولة الفرنسية تخوض حربًا طويلة مع ” إنجلترا ” عُرفت بحرب المئة عام و التي بدأت بسبب نزاع علي من سيكون وريث العرش الفرنسي و في عام 1415 غزا الملك ” هنري الخامس ” ملك ” إنجلترا ” شمال ” فرنسا ” بعد إلحاق هزيمة ساحقة بالقوات الفرنسية و منحت معاهدة تروي عام 1420 العرش الفرنسي لـ ” هنري الخامس ” كوصي عليه بدلًا من الملك ” تشارلز السادس المجنون ” حيث كان من المقرر أن يرث ” هنري ” العرش بعد وفاة ” تشارلز ” و مع ذلك في عام 1422 توفي كل من ” هنري ” و ” تشارلز ” في غضون أشهر قليلة تاركين إبن ” هنري ” الرضيع ملكًا علي كلا المملكتين و شعر المؤيدين الفرنسيين لإبن الملك ” تشارلز ” أنه توجد فرصة لإعادة التاج مجددا إلي ملك فرنسي .

و خلال تلك الفترة تقريبًا و بحسب سيرتها بدأت ” جان دارك ” برؤى تشجعها علي عيش حياة تقية و مع مرور الوقت أصبحت هذه الرؤى أكثر وضوحًا حيث ظهر لها القديس ” ميخائيل ” و القديسة ” كاترين ” اللذان عينوها كمخلصة لفرنسا و حثاها علي مقابلة ” تشارلز ” الإبن الذي كان قد تولى لقب “دوفين” أي وريث العرش من أجل طلب الإذن منه لطرد الإنجليز و تتويجه كملك شرعي .
نضال جان دارك
بدأ نضال ” جان دارك ” في مايو عام 1428 بعد أن أمرتها رؤيتها بالتوجه إلي ” فوكولور ” و الإتصال بـ ” روبرت دي بودريكور ” قائد الحامية الذي كان أحد الداعمين لـ ” تشارلز ” و في البداية رفض ” بودريكور ” طلبها و لكن بعد أن رأي أنها تكتسب تأييد القرويين وافق عام 1429 و أعطاها حصانًا و حراسة من عدة جنود و خلال ذلك قصت ” جان دارك ” شعرها و إرتدت ملابس رجالية لرحلتها التي إستمرت 11 يومًا عبر أراضي العدو إلي ” شينون ” حيث كان بلاط الملك ” تشارلز ” و في البداية لم يكن وريث العرش متأكدًا من كيفية التعامل مع تلك الفتاة الفلاحة التي طلبت مقابلته و تعرب عن إستعدادها لإنقاذ ” فرنسا ” و مع ذلك أقنعته عندما تعرفت عليه بشكل صحيح و هو يرتدي ملابس تنكرية بين حشد من أعضاء بلاطه و رغم إجراء الطرفين لمحادثة خاصة إلا أنه ظل مترددًا و أمر بفحصها من قبل رجال دين بارزين الذين أبلغوه أنهم لم يجدوا أي شيء غير لائق بها بل فقط التقوى و العفة و التواضع .

و أخيرًا حصلت ” جان دارك ” التي كانت تبلغ من العمر حينها 17 عاما علي الضوء الأخضر من الملك ” تشارلز ” الذي أعطاها درعًا و حصانًا و سمح لها بمرافقة الجيش إلي أورليانز حيث إصطدمت قواتها مع القوات الإنجليزية و في سلسلة من المعارك بين 4 مايو و 7 مايو عام 1429 نجح الفرنسيين في الإستيلاء علي التحصينات الإنجليزية و رغم إصابة ” جان دارك ” إلا أنها عادت لاحقًا إلي الجبهة لتشجيع الهجوم النهائي و بحلول منتصف يونيو هزم الفرنسيين الإنجليز و قضوا علي أسطورة عدم قابليتهم للهزيمة .
و علي الرغم من أن ” تشارلز ” بدا و كأنه قبل بمهمة ” جان دارك ” إلا أنه لم يظهر ثقة كاملة في حكمها أو نصائحها لذلك بعد النصر في أورليانز واصلت ” جان ” تشجيعه علي التوجه إلي ريمس لتتويجه كملك و ذهب ” تشارلز ” و موكبه إلي ريمس و توج تحت إسم ” تشارلز السابع ” في 18 يوليو عام 1429 و كانت ” جان دارك ” بجانبه و تحتل مكانة بارزة في المراسم .
الأسر و المحاكمة
مع حلول ربيع عام 1430 توجهت ” جان دارك ” إلي كومبيين بعد توجيهات من الملك ” تشارلز السابع ” لمواجهة هجوم برجندي و خلال المعركة أُلقيت من علي حصانها و أسرها البرجنديين و قاموا بإحتجازها لعدة أشهر ثم تفاوضوا مع الإنجليز الذين رأوا فيها جائزة دعائية قيمة و قام البرجنديين بمبادلتها مقابل 10,000 فرنك و في تلك الأثناء كان ” تشارلز السابع ” غير متأكد عما يجب فعله تجاهها حيث لم يكن مقتنعًا تمامًا بإلهام جان الإلهي لذلك قرر الإبتعاد عنها و لم يحاول إطلاق سراحها و علي الرغم من أن أفعالها كانت ضد جيش الإحتلال الإنجليزي إلا أنه تم تسليمها إلي مسؤولي الكنيسة الذين أصرّوا علي محاكمتها بتهمة الهرطقة و وُجهت لها 70 تهمة بما في ذلك السحر و إرتداء ملابس الرجال .

و كانت محاكمة ” جان دارك ” في البداية علنية لكنها أصبحت سرية عندما تفوقت بالحجة علي خصومها و خلال الفترة ما بين 21 فبراير و 24 مارس عام 1431 تم إستجوابها ما يقرب من عشر مرات من قبل المحكمة و أثناء ذلك حافظت علي تواضعها و إصرارها علي براءتها و بدلًا من إحتجازها في سجن كنيسة مع راهبات كحراس لها تم وضعها في سجن عسكري تعرضت فيه ” جان دارك ” لتهديدات بالإغتصاب و التعذيب و علي الرغم من عدم وجود سجلات تؤكد حدوث ذلك إلا أنه قيل أنها قامت بحماية نفسها بربط ملابسها العسكرية بإحكام بالحبال و هو ما إستغلته المحكمة ضدها متهمة إياها بارتداء ملابس الرجال.
وفاتها
في 29 مايو 1431 أصدرت المحكمة حكمها بأن ” جان دارك ” مذنبة بتهمة الهرطقة و في صباح 30 مايو تم نقلها إلي ساحة السوق في روان و أُحرقت أمام حشد يقدر بـ 10,000 شخص و كانت تبلغ من العمر حينها 19 عامًا فقط و تقول إحدى الأساطير أن قلبها بقي سليمًا بعد الحريق و تم جمع رمادها و نثره في نهر السين .

و عقب وفاة ” جان دارك ” إستمرت حرب المئة عام لمدة 22 عامًا أخرى و إحتفظ ” تشارلز السابع ” أخيرًا بعرشه و أمر بإجراء تحقيق أعلن في عام 1456 أن ” جان دارك ” بريئة رسميًا من جميع التهم و أُعلنت شهيدة و تم تقديسها كقديسة في 16 مايو عام 1920 و هي الآن ينظر إليها كشفيعة فرنسا .
مقتطفات من حياة جان دارك
- في العصر الحديث قام بعض الأطباء و العلماء بتشخيص حالة ” جان دارك ” بإضطرابات تتراوح ما بين الصرع و الفصام .
- أثناء توليها منصب قائدة الجيش الفرنسي لم تشارك ” جان دارك ” في أي قتال فعلي .
- كانت ” جان دارك ” مشهورة بطباعها المتقلبة .
- خلال الفترة ما بين عام 1434 إلي عام 1440 قام إخوتها بتزوير هوية شقيقتهم مدعين أنها نجت من الإعدام .