قصة حقيقية حدثت خلال الحرب العالمية الثانية و التى لو تم تجسيدها سينمائيا لاعتبرها البعض مبالغة من مخرج الفيلم باعتبارها أمرا غير قابل للتصديق لأن الكثيرين سوف يتسألون كيف لشخص ان يخرج من قاذفة قنابل تشتعل النيران بأحد جناحيها و هى على ارتفاع شاهق يبلغ عدة كيلومترات و تطير بسرعة خرافيه و يقوم باطفاء تلك النيران و انقاذ كل من على متنها ثم يعود الى داخلها مرة اخرى و هو العمل الذى قام به الرقيب طيار “جيمس وارد” فى بطولة نادرة أستحق عليها التكريم بصليب فيكتوريا فى نيوزلاندا و هى أعلى جائزة مرموقة التي تمنح للمقاتلين بالقوات البريطانية و الكومنولث نظير بطولاتهم فى مواجهة العدو بالاضافة الى فوزه بقلوب أصدقائه و عائلاتهم جنبًا إلى جنب مع الملايين في موطنه .

بدأت القصة بـ “جيمس ألين وارد” الذى ولد فى “نيوزلاندا” عام 1919 و التحق بكلية “وانجانوي” التقنية ثم تدرب كمدرس في كلية “ويلنجتون” للتعليم ثم عمل بمهنة التدريس و مع اندلاع الحرب العالمية الثانيه التحق بالقوات الجوية الملكية النيوزيلندية عام 1940 و تدرب للعمل كطيار على متن قاذفة قنابل من طراز ” فيكرز ويلنجتون ” ثم ينتقل الى ساحات القتال فى اوروبا و يستقر فى وحدته باسكتلندا .

و فى يوم 7 من يوليو عام 1941 ذهب مع أفراد طاقمه للمشاركة فى احدى الغارات على منشاة عسكرية بمدينة ” مونستر ” فى ألمانيا و بعد انتهائهم منها و بدء عودتهم الى القاعدة و اثناء تحليقهم فوق سواحل ” زويدر زى ” الهولنديه و على ارتفاع أربعة كيلومترات تعرضت قاذفتهم للهجوم بشكل مباغت من قبل طائرة حربية ألمانية و في غضون ثوانٍ أصابت بعض من الشظايا باطن جناح الطائرة السفلى فى الوقت الذى بدأ جندى الحماية الموجود فى مؤخرة القاذفة فى رصد الطائرة المهاجمة و بدء التعامل معها بمدفعه الرشاش عبر اطلاق وابل من النيران عليها الى أن تمكن من ابعادها و رغم نجاحهم فى التخلص منها الا ان اصابات القاذفه لم تكن بالسهله حيث تسبب ذلك الهجوم في أضرار جسيمة بمجموعة من التروس المسئولة عن هبوط القاذفه بالاضافة الى احد جناحيها و الذى بدأ الوقود فى التسرب منه و بدا انه سوف يشتعل فى اى لحظة سرعان ما أدى التدفق السريع للبنزين من المحرك إلى اشتعال النيران الصغيرة فيه بشكل هدد بتدمير الجناح بأكمله و عبثا حاول الطاقم اطفائها بالقاء القهوة من قواريرهم و أقمشة مبللة لاحتواء الحريق و لكن دون جدوى و بعد رؤية و تقييم مدى الضرر من قبل الطيار أمر طاقمه بارتداء مظلاتهم و الاستعداد للقفز من القاذفه نظرا لعدم وجود اى حلول للسيطرة على الحريق و مع وجود جناح واحد فقط و نظام هيدروليكي كامل في حالة حرجة كان من المستحيل على القاذفة الهبوط بأمان فى أى مكان .

و رغم حالة اليأس التى انتابت الطيار و الطاقم الا انه كان لدى مساعد الطيار “جيمس وارد” خططا أخرى حيث توجه الى احدى الفتحات المجاورة للجناح و قرر الخروج بنفسه منها على ذلك الارتفاع و سرعة حركة الطائرة لإخماد الحريق حيث قام بعمل مجموعة من الثقوب على جدران القاذفة و جناحها لتثبيت يديه و قدمه عليها خلال تحركه ثم قام بربط حبلًا عاديًا بخصره و توجه من خلال الفتحة إلى الجناح عن طريق الزحف باستمرار و مقاومة الرياح العاتيه الموجودة فى الهواء و القادمة من محركات الطائرة فى مشهد اعجازى نظرا لانه حال وجود اى خطأ و لو بسيط فانه يعنى موتا محققا لـ “وارد” و رغم كل تلك الصعاب الا انه نجح اخيرا فى الوصول الى النيران و اخمادها عبر قطع مبللة من القماش و اصبحت الطائرة أمنة ليعود زحفا مرة أخرى الى داخلها و يقرر الطيار على الفور التوجه الى الساحل الانجليزى و تهبط القاذفه اضطرارياً بنيوماركت فى المملكة المتحدة بعد انقاذ كامل طاقمها .

و نتيجة لتلك الشجاعة الفريدة استدعى رئيس الوزراء البريطانى انذاك “وينستون تشرشل” الرقيب “وارد ” إلى مقر رئاسة الوزراء فى ” 10 داونينج ستريت ” لتكريمه و الذى كان خجولا للغاية عند لقاءه و لم يتمكن من الإجابة على أسئلة رئيس الوزراء و الذى نظر إلى البطل المتردد ببعض من التفهم التعاطف قائلا له ” بكل تأكيد انت تشعر بالحرج الشديد في وجودي” ليجيبه “وارد” “نعم يا سيدي ” ليرد عليه تشرشل : “إذن يمكنك أن تتخيل الحرج الذي أشعر به انا الان و انت موجود معى “.

أقرأ أيضا : فرانسيسك هونيوك .. المواطن الالمانى الذى كان سببا فى اندلاع الحرب العالمية الثانيه

و حين سأل “وارد ” عن تلك اللحظة البطوليه قال بأنه لم يخشى الموت لأن ما كان يشغل تفكيره هو انهاء تلك المهمه الواجب قيامه بها و رغم بطولته الا انه عاد مرة اخرى الى ساحات القتال ليشارك فيها مجددا الى ان قُتل باحدى المعارك في 15 من سبتمبر عام 1941 عندما أصيبت قاذفته و التى كان قائدها تلك المرة فوق مدينة “هامبورج” و تشتعل فيها النيران و تسقط متحطمة و لم ينجو من طاقمها سوى اثنان فقط من أفراد الطاقم الخمسة و تم دفنه في مقبرة الكومنولث الحربية في هامبورج و يتم تكريمه و منحه وسام ” صليب فيكتوريا ” عام 1942 و الذى تسلمه شقيقه من الحاكم العام لنيوزلاندا و يصبح ” جيمس وارد ” واحدا من أهم ابطال الحرب العالمية الثانيه .

شارك الموضوع

عمرو عادل

فى الحياة الواقعيه مهندس ميكانيكا قوى اما فى الحياه الافتراضيه فباحث و كاتب و مدير الموقع دا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *