في زوايا حي اللبان العتيق بمدينة الإسكندرية حيث تختلط روائح البحر بنسمات التاريخ وُلدت قصة كانت بطلتها إمرأتين عاشتا أوائل القرن العشرين خلال فترة كانت مصر تعيش فيها حالة من الإضطراب الإقتصادي و السياسي نتيجة وطأة الحكم البريطاني و تبعات الحرب العالمية الأولي و التي خلفت ظروف مجتمعية قاسية دفعت ريا و سكينة و هو إسمهما إلي إرتكاب سلسلة جرائم قتل مروعة هزت المجتمع المصري بأكمله و أصبحوا من خلالهم أسطورتان تحتلان مكان بارز في تاريخ عالم الجريمة و أيقونات للشر في الثقافة الشعبية المصرية .
ريا و سكينة شقيقتان مصريتان وُلدتا في ظروف إقتصادية قاسية في نهايات القرن التاسع عشر و كانت بدايات حياتهما مليئة بالتحديات حيث توفي والدهما و هما في سن صغيرة مما دفع أسرتهما للنزوح من قرية الكلح بمحافظة أسوان إلي بني سويف و منها إلي كفر الزيات و هناك عملتا في جمع القطن مع والدتهما و أخيهم الأكبر “أبو العلا” لكن هذه الحياة البسيطة لم تكن كافية لتأمين متطلباتهم لذلك في عام 1913 إنتقلت الأسرة إلي الإسكندرية وتحديدًا إلي حي اللبان و هو حي مزدحم يعج بالفقراء و الباحثين عن حياة أفضل حيث بدأتا العمل في مهن متواضعة لكن الظروف القاسية دفعتهم إلي الإنخراط في الأنشطة غير المشروعة مثل بيع المخدرات و الخمور و إدارة بيوت الدعارة السرية.
و مع إندلاع الحرب العالمية الأولي إزدادت الأمور صعوبة علي المجتمع المصري بعد زيادة إنتشار البطالة مما دفع العديد من العائلات بما في ذلك ريا و سكينة إلي البحث عن وسائل للبقاء بأي ثمن و مع إزدياد الحاجة للمال بدأت الشقيقتان بالتخطيط للإنتقال إلي جرائم أكثر ربحًا و خطورة حيث قاموا بتشكيل عصابة ضمت أزواجهما ” حسب الله سعيد ” و ” محمد عبد العال ” و رجلين آخرين و هم ” عرابي حسان ” و ” عبد الرازق يوسف ” و كانت خطتهم بسيطة و فعّالة من خلال إستدراج النساء إلي منزلهم و تقديم المشروبات الكحولية لهن حتى يفقدن وعيهن ثم قتلهن و سرقة حليهم الذهبية و كان لكل فرد من العصابة دور محدد في الجرائم حيث كان الرجال يشلون حركة الضحية بينما ريا و سكينة تتوليان كتم أنفاسها بإستخدام منديل مبلل بالماء و بعد الوفاة يتم دفن الضحية في أرضية المنزل لتختفي تمامًا عن الأنظار .
و إستهدفت عصابة ريا و سكينة النساء بشكل رئيسي خاصة اللواتي كنّ يترددن علي الحي لأغراض إجتماعية أو مهنية و أغلب الضحايا كنّ من الطبقات الفقيرة أو ممن عملن سابقًا في مجال الدعارة و كان الهدف الأساسي هو سرقة مصوغاتهم الذهبية التي تُباع لاحقًا لأحد الصاغة بأسعار زهيدة و مع كثرة حوادث إختفاء النساء بدأت الشرطة في تلقي الكثير من البلاغات و كان أول خطوة جدية في القضية بلاغًا من سيدة تُدعى ” زينب حسن ” عن إختفاء إبنتها ” نظلة أبو الليل ” و في البداية لم تُشك الشرطة في النساء كجناة محتملين حيث كان يُعتقد أن الرجال هم فقط من يرتكبون مثل هذه الجرائم إلي أن جائت نقطة التحول حين أكتشفت جثتان مدفونتان في أحد المنازل التي كانت تستأجرها ” سكينة ” ثم توالت الإكتشافات بعد ذلك حين عُثر علي عدة جثث مدفونة في منازل أخري كانت قد إستأجرتها العصابة التي ألقي القبض عليهم جميعا و كان العنصر الحاسم في إدانتهم هو شهادة “بديعة” إبنة “ريا ” التي قدمت إعترافات تفصيلية عن الجرائم التي شاهدتها بنفسها .
إقرأ أيضا : ليوناردا تشيانشيولي .. السفاحة الإيطالية التي حولت ضحاياها إلي صابون و بسكويت
و في عام 1921 قُدمت ريا و سكينة و أفراد عصابتهما إلي المحاكمة بتهمة القتل العمد و كانت المحاكمة حدثًا إستثنائيًا في تاريخ القضاء المصري بعد أن تم الحكم بالإعدام علي ريا و سكينة مع باقي أفراد عصابتهم و يكون بذلك هي المرة الأولي التي يتم فيها إعدام نساء بتهمة القتل و في ديسمبر عام 1921 نُفذ حكم الإعدام بحقهم و يسدل الستار علي أشهر قضية أثارت الرأي العام حينها و التي أصبحت رمزًا للجريمة المنظمة في التاريخ المصري الحديث و ألهمت صناع الفن علي إنتاج العديد من الأعمال السينمائية و الدرامية و المسرحية التي تناولت حياة تلك المرأتين .