تُعد شجرة دم التنين أو كما تُعرف علميًا بإسم Dracaena cinnabari التي تنمو بشكلٍ حصري تقريبًا بأرخبيل سقطرى في البحر العربي التابع لليمن واحدة من أكثر الأشجار غرابةً و إثارةً للدهشة في العالم نظرا لتميزها بشكلها الفريد الذي يشبه المظلة بالإضافة إلي إفرازها لسوائل حمراء قرمزية تشبه كثيرًا الدماء و هذا هو السبب الذي أكسبها إسمها الشهير و جعلها دائما محط أنظار الكثير من علماء النبات و الرحالة علي مر العصور كما ينظر إليها بإعتبارها رمزا وطنيا لليمن و جزء لا يتجزأ من التراث الطبيعي و الثقافي لهذه المنطقة .

و تُظهر شجرة دم التنين تكيفًا مذهلاً مع البيئة القاسية التي تنمو فيها نظرا لأنها تعيش في مناطق جبلية قاحلة حيث تكون التربة فقيرة و المياه شحيحة كما أن شكلها المميز الذي يحتوي علي تاج كثيف و مقلوب يساعد علي تقليل تبخر المياه و يوفر الظل اللازم للتربة أسفلها مما يعزز بقاء الشتلات الصغيرة إضافة إلي ذلك تُظهر الشجرة نموًا ثانويًا غير معتاد في النباتات أحادية الفلقة بشكل يجعلها أكثر شبهاً بالأشجار ثنائية الفلقة و هذه الخصائص الفريدة جعلت منها موضوعًا للعديد من الدراسات العلمية التي تسعى لفهم كيفية تكيفها مع هذه البيئة الصعبة .

و من الناحية البيولوجية تُنتج شجرة دم التنين أزهارًا بيضاء أو خضراء صغيرة ذات رائحة عطرية مميزة تظهر عادةً في شهر مارس و تتحول ثمارها من اللون الأخضر إلي الأسود ثم إلي البرتقالي عند نضوجها تمامًا و تحتوي هذه الثمار علي بذور يتم نثرها بواسطة الطيور و الحيوانات الأخرى و هو ما يساعد علي إنتشارها و تكاثرها في مناطق جديدة و مع ذلك فإن عملية التكاثر الطبيعية لهذه الشجرة تواجه تحديات كبيرة بسبب التغيرات المناخية و الأنشطة البشرية التي تؤثر علي بيئتها .

و لا تقتصر أهمية شجرة دم التنين علي قيمتها البيئية فحسب بل تمتد إلي إستخداماتها الطبية و الثقافية حيث يُستخرج من الشجرة راتنج أحمر قرمزي يُعرف بإسم “دم التنين” و الذي كان يُعتبر في العصور القديمة من المواد الثمينة حيث إستخدمه اليونانيين و الرومان و العرب لعلاج الجروح و خفض الحمي و مكافحة أمراض الجهاز الهضمي و حتى اليوم لا يزال هذا الراتنج يُستخدم في الطب التقليدي بالإضافة إلي استخداماته المتعددة في الصباغة و صناعة الورنيش و يعد جزءًا من الممارسات السحرية و الكيميائية بسبب إعتقاد البعض بأنه دم تنين حقيقي .
و علي الرغم من جمال و أهمية شجرة دم التنين إلا أنها تواجه العديد من التهديدات التي تهدد بقاءها نتيجة التطور الصناعي و السياحي المتزايد في أرخبيل سقطري الذي يعمل علي تدمير الموائل الطبيعية للشجرة كما أن الرعي الجائر و قطع الأشجار للحصول علي الأخشاب و الراتنج الأحمر يسهمان في تقليص أعدادها بالإضافة إلي أن التغيرات المناخية بما في ذلك الجفاف المتزايد يهدد بقائها حيث تشير الدراسات إلي أن موائل شجرة دم التنين قد تنخفض بنسبة تصل إلي 45٪ بحلول عام 2080 حال إستمرت هذه الظروف .

أقرأ أيضا : تعرف علي شجرة المانشنيل أكثر الأشجار السامة علي وجه الأرض
و لحماية شجرة دم التنين تم إتخاذ العديد من الإجراءات للحفاظ عليها حيث تم إدراج جميع أنواع نباتات Dracaena في الملحق الثاني لإتفاقية CITES مما يحد من التجارة الدولية بها و إنشاء محميات طبيعية مثل محمية “روكب دي فيرمهين” التي تُعتبر موطنًا لأكبر تجمع لشجرة دم التنين كما تشمل جهود الحماية أيضًا مراقبة عملية التجديد الطبيعي للشجرة و حماية الشتلات من الرعي الجائر و إشراك المجتمعات المحلية في زراعة تلك الشتلات و رعايتها بالإضافة إلي أنه تم تنفيذ مشاريع بالتعاون مع منظمات دولية لري الشتلات الصغيرة و حمايتها من الماشية و هو ما يعطي أملًا في إستمرار وجود هذه الشجرة للأجيال القادمة .