عندما تحولت أوروبا بأكملها إلي ساحة معركة ضخمة خلال الحرب العالمية الثانية كانت بريطانيا هي الوحيدة التي ظلت ملاذاً آمناً من النازيين و بينما كان الحلفاء في بداية الحرب يائسين من أن يكون لديهم آذان و أعين علي الأرض في المناطق المحتلة قامت وزارة الحرب التابعة لرئيس الوزراء أنذاك وينستون تشرشل بعمل هائل في تجنيد و تدريب جواسيس و قوات كوماندوز من جنسيات مختلفة و إعادتهم إلي دولهم المسيطر عليها من قبل الألمان من أجل القيام بالعديد من العمليات التخريبية ضد النازيين و من بين هؤلاء الأشخاص برز إسم البولندية كريستينا سكاربيك التي قامت بالعديد من العمليات الجريئة التي أثارت إعجاب البريطانيين لدرجة إعتبارها الجاسوسة المفضلة لدي تشرشل شخصيا .

ولدت ” ماريا كريستينا جانينا سكاربيك ” في عائلة من النبلاء البولنديين بالعاصمة ” وارسو ” عام 1908 و كان والدها الكاثوليكي قد تسبب بفضيحة في الأوساط الأرستقراطية بالبلاد عندما تزوج من وريثة ثري يهودي و علي الرغم من أن إبنتهما ” كريستينا سكاربيك ” قد نشأت في البداية وفقًا للتقاليد النبيلة و تعلمت خلالها كيفية ركوب الخيل و الرماية و التزلج إلا أن ثروات العائلة إتخذت منعطفًا نحو الأسوأ خلال فترة الكساد العظيم الذي إجتاح العالم و إضطروا في النهاية إلي إتباع أسلوب حياة أكثر تواضعًا و الإنتقال إلي شقة بسيطة في المدينة .

و رغم تبدل الأوضاع المعيشية إلا أن ” كريستينا سكاربيك ” وجدت أنها لا تستطيع التخلي بسهولة عن حياتها السابقة المليئة بالجرأة و التمرد و الإستقلالية لذلك كانت ترتاد الحانات و النوادي الليلية بمفردها في عشرينيات القرن الماضي و شاركت في واحدة من أولي مسابقات الجمال في ” بولندا ” و حين غزا النازيين وطنها كانت في خارج البلاد مع زوجها الثاني و لكن بدلاً من إنتظار إنتهاء الحرب بأمان في الخارج عرضت خدماتها بشكل فوري علي المخابرات البريطانية التي أدركت بسرعة مدى قيمتها و ما يمكن أن تكون عليه لاحقا لذلك أعطتها إسم مستعار و هو “كريستينا جرانفيل” و بعد وقت قصير جدًا من التدريبات المكثفة بدأت الجاسوسة الجديدة بعودة جريئة إلي ” بولندا ” .

و خلال عملها كجاسوسة كانت نقطة قوة ” كريستينا سكاربيك ” هي التعامل مع المواقف الصعبة بالجرأة التي تعلمتها من شبابها المستقل لذلك كانت تقترب علنًا من العدو و تتعامل معهم بتلقائية لتبديد أي شكوك حولها فعلي سبيل المثال في إحدي المرات أوقفتها دورية حدود ألمانية و كانت تحمل في ذلك الوقت خريطة للمنطقة و كان مجرد إكتشافها بحوزتها كافيا لكشف عملها التجسسي إلا أنها قامت بلفها في مرح داخل حجاب و قامت بإستقبال الجنود كما لو كانت واحدة من السكان المحليين الذين يتجولون بجوارها و في مرة أخرى أوقفتها دورية ألمانية علي الحدود الإيطالية و إستجابت لطلبهم برفع يديها فوق رأسها لتكشف عن قنابل يدوية كانت تخفيها تحت ذراعيها و هددتهم بتفجيرها حال التعرض لها لذلك فر الجنود من أمامها .
و نتيجة المأثر و المغامرات الإبداعية التي كانت تقوم بها ” كريستينا سكاربيك ” أصبحت محبوبة لدي مجتمع الإستخبارات البريطانية و يقال إنها كانت الجاسوسة المفضلة لرئيس الوزراء البريطاني ” وينستون تشرشل ” و لحسن حظها بعد إنتهاء الحرب خرجت سالمة و ذات سمعة ممتازة في مجتمع الإستخبارات البريطاني و بسبب السرية التي أحاطت بالجهود الحربية في البلاد كانت مغامراتها العديدة مجهولة للجمهور لعقود طويلة من الزمن و من المثير للدهشة أن المرأة التي أُطلق عليها لقب “جاسوسة تشرشل المفضلة” تم التخلى عنها تمامًا بمجرد إنتهاء الحرب و بحلول الخمسينيات كانت ” كريستينا سكاربيك ” الأرستقراطية السابقة و الجاسوسة الجرئية تعمل كمضيفة علي متن سفينة سياحية بعد فترة قضتها كنادلة في ” لندن ” و كانت لا تزال تتمتع بسحرها و جرأتها التي أخرجتها من عدد لا يحصى من المشاكل خلال الحرب .

أقرأ أيضا : فيرجينيا هول .. الجاسوسة ذات القدم الواحدة التي أذلت النازيين
و خلال عمل ” كريستينا سكاربيك ” علي متن السفينة السياحية إنخرطت في علاقة حب مع زميلها في الطاقم ” دينيس مولدوني ” الذي إنبهر بجمالها البولندي و لكن لسوء حظها لم تدرك مدي هوس حبيبها الجديد بها و عدم قدرته علي التعامل مع تصرفاتها الغريبة لذلك و في لحظة إنفعال معها فقد عقله تمامًا و قام بطعنها في قلبها بفندق شيلبورن في ” لندن ” بشكل أودي بحياتها علي الفور لتنتهي بذلك قصة جاسوسة قدمت الكثير للحلفاء خلال الحرب العالمية الثانية و كانت يوما واحدة من أهم العملاء لدي المخابرات البريطانية و الجاسوسة المفضلة لدي ” وينستون تشرشل ” .