لينا ميدينا

ربما قد يكون مشهد مألوفا أن تجد طفل برفقة والدته و لكن ان تجد طفلين و عند سؤالك عن مكان تواجد والدتهم فيكون الجواب أن إحداهم هى أم الأخر فهذا هو الأمر الغير مألوف أو القابل للتصديق الا أنه واقعى و حدث بالفعل فى أواخر الثلاثينيات عندما أصبحت طفلة من بيرو تدعى لينا ميدينا هى أصغر أم فى التاريخ بعد إنجاب طفل بصحة جيدة يدعى جيراردو و هى بعمر خمسة أعوام فقط الامر الذى أثار ضجة كبيرة فى وسائل الإعلام و سبب حالة من الصدمة ليس فى مجتمعها المحيط فقط و لكن فى الاوساط العلمية و الطبية لصعوبة حدوث مثل ذلك الأمر و فى هذا العمر المبكر .

ولدت “لينا ميدينا” في 23 من سبتمبر عام 1933 في قرية ” تيكرابو ” و هى إحدى أفقر القرى في “بيرو” و كانت واحدة من بين تسعة أطفال حيث بدأت قصتها في أوائل ربيع عام 1939 حين لاحظ والدي الطفلة أن ابنتهم البالغة من العمر 5 سنوات تعاني من تضخم في البطن و خوفًا من أن يكون ذلك بسبب وجود مرض ما فقد أخذ الوالدين “تيبوريلو و فيكتوريا لوسيا” ابنتهما الصغيرة من منزل العائلة ليتوجهوا الى رؤية طبيب في العاصمة “ليما” و الذى قام بفحصها و يخبر الوالدين بخبر صادم و غير قابل للتصديق بأن ابنتهما كانت حاملاً في شهرها السابع .

كان الأمر أشبه بوقع الصاعقة على الوالدين و فور الإعلان عن حالة ” لينا ميدينا ” أصيب المجتمع الطبى و خاصة أطباء الأطفال بالدهشه و الذين أشاروا الى أنه من الصعوبة أن تحمل طفلة فى ذلك السن و هو أمر لم يتفق معه أخصائيين الغدد الصماء لدى الأطفال لأن فكرة حمل و ولادة طفلة تبلغ من العمر خمسة سنوات رغم صعوبته الشديدة الا انه ليس أمرا مستحيلا حيث جذبت تلك الحالة اهتمامًا دوليًا لم ترغب فيه الطفلة ” لينا ميدينا ” و عائلتها نظرا الى أن حملها في هذه السن المبكرة كان بمثابة صدمة مزعجة لأحبائها و الذين كانوا يتجنبون بشتى الطرق وسائل الإعلام و أى فرصة لإجراء لقاء صحفى أو تلفزيونى رغم عرض الصحف المحلية و الأمريكة على عائلة ” لينا ميدينا ” آلاف الدولارات مقابل الحق في إجراء مقابلة أو تصوير فيلم عنها دون جدوى حتى أنه عرض على الطفلة و عائلتها القدوم الى “الولايات المتحدة” لاجراء مقابلات معهم الا أنهم كانوا يرفضون و نتيجة الاصرار على ذلك الرفض بدء الامر يضايق وسائل الإعلام بشكل دفعهم الى اتهام عائلتها بتلفيق تلك القصه و هى اتهامات لم تكن صحيحه حيث لم تحاول ” لينا ” و لا عائلتها الاستفادة من القصة كما توفر السجلات الطبية فى ذلك الوقت توثيقًا وافرًا لحالتها أثناء الحمل و من المعروف أنه تم التقاط صورتين فقط للطفلة فى ذلك الوقت لم يتم نشر سوى واحدة منهم فقط منخفضة الدقة و الخاصة بالملف الشخصي الطبى الذى كان يحتوى على شهادات عديدة من قبل الأطباء الذين باشروا حالتها بالإضافة إلى صور أشعة سينية محددة بوضوح لبطنها تظهر عظام جنين في طور النمو داخل جسدها كما أكدت تحاليل الدم حملها و قد مرت تلك التقارير على الكثير من الأخصائيين الذين راجعوها و لم يجدوا أى شئ يثير الشكوك .

و فى 14 من مايو عام 1939 أنجبت ” لينا ميدينا ” مولودًا سليمًا و بصحة جيدة و هى في سن 5 سنوات و سبعة أشهر و 21 يومًا و تدخل التاريخ بصفتها أصغر أم في العالم حيث كان يبدو أنها حصلت على رعاية طبية جيدة و كانت الولادة قيصرية لتجنب مواجهة أى صعوبات للطفلة حال ولادتها بشكل طبيعى و أطلق على الطفل اسم ” جيراردو ” و هو على اسم الطبيب الذي فحصها لأول مرة و بعد الانتهاء من الولادة غادرت ” لينا ” المستشفى و عادت برفقة طفلها الى قريتها و بعد مرور عامين حصل ” بول كواسك ” و هو أخصائي تربية أطفال في جامعة “كولومبيا” على إذن لزيارة الاسرة حيث وجد أن الأم ” لينا ميدينا ” هى طفلة تتمتع بذكاء فوق المعتاد و أن طفلها طبيعيًا تمامًا و يقول أنها تعتبره أخًا صغيرًا لها و كذلك يفعل باقي أفراد الأسرة كما قال طبيب التوليد “خوسيه ساندوفال” الذي كتب كتابًا عن حالة الطفله أنها غالبًا ما تفضل اللعب بالدمى بدلاً من طفلها أما بالنسبة لابنها ” جيراردو ” فقد نشأ و هو يعتقد أن أمه كانت أخته الكبرى و اكتشف الحقيقة لاحقا عندما كان في العاشرة من عمره.

الأم لينا ميدينا برفقة إبنها جيراردو

و بحسب الرأى الطبى و العلمى حول تلك الحالة ” فيُعتقد أن ” لينا ميدينا ” كانت تعاني من حالة وراثية نادرة تسمى البلوغ المبكر و التي تتسبب في تحول جسم الطفل إلى جسم شخص بالغ مبكرًا أى قبل سن الثامنة للفتيات و قبل التاسعة بالنسبة للأولاد و غالبًا ما يعاني الأولاد المصابون بهذه الحالة من عمق فى الصوت و تضخم فى الأعضاء التناسلية و ظهور شعر فى الوجه أما الفتيات المصابات بهذه الحالة يكون عادة لديهن الدورة الشهرية الأولى و ينمو ثدييهن في وقت مبكر للغاية و هى حالة يصاب بها واحد من كل 10000 طفل و في كثير من الأحيان لا يمكن تحديد سبب ذلك البلوغ المبكر و مع ذلك فقد وجدت الدراسات الحديثة أن الفتيات الصغيرات اللاتي يتعرضن للاعتداء الجنسي قد يمرون بمرحلة البلوغ أسرع من أقرانهم و فى حالة “لينا ميدينا” فقد أبلغ الدكتور “إدموندو إيسكوميل” إحدى المجلات الطبية أنها مرت بالدورة الأولى عندما كان عمرها ثمانية أشهر فقط و مع ذلك زعمت تقارير أخرى أنها كانت عندما بلغت من العمر ثلاث سنوات , و في كلتا الحالتين كانت بداية مبكرة للغاية و بشكل صادم حيث أظهر الفحص الإضافي للطفلة البالغة من العمر 5 سنوات أنه قد نمى لها بالفعل ثديين و وركين أعرض من المعتاد مع نمو عظمي متقدم و هو أمر لا يحدث بشكل طبيعى سوى عند البلوغ و لكن رغم أن جسدها كان ينمو مبكرًا الا أنه من الواضح أنها كانت لا تزال طفلة صغيرة .

الأم لينا ميدينا بعد ولادتها فى المستشفى

و ربما كان ذلك هو الاجابة عن التساؤل الخاص بكيف لطفلة أن تصير أما من منظور علمى و طبى الا إنها كانت إجابة جزئيه لوجود تساؤل أخر عن هوية والد ذلك الطفل و الذى من الصعب أن يكون صبيًا صغيرًا يمر بنفس تلك الحالة الجينية النادرة التي كانت تعاني منها كما لم تبلغ ” لينا ميدينا ” أطبائها أو السلطات قط عن هوية والده أو أى شيئ عن ظروف الاعتداء الذي حدث معها و أدى إلى حملها و ربما ذلك كان لصغر سنها الذى لم يتيح لها فهم أى شئ أو تمييزه حيث قال الدكتور ” إيسكوميل ” بأنها لا تستطيع إعطاء إجابات دقيقة عندما سئلت عن الأب حيث كان والدها الذي كان يعمل صائغًا محليًا للفضة هو أول مشتبه به و الذى قُبض عليه لفترة وجيزة ثم تم الإفراج عنه و إسقاط التهم الموجهة إليه بالاعتداء على طفلته عندما لم يتم العثور على أدلة أو شهادات شهود لتحميله المسؤولية و من جانبه نفى والدها “تيبوريلو” بشدة تلك التهم المشينة اليه أما في السنوات التي أعقبت الولادة فقد تكهنت بعض وسائل الإعلام بأن ” لينا ” ربما تعرضت للاعتداء خلال فترة مهرجان غير محدد كان يقام بالقرب من قريتها الا أنه لم تكن هناك أى أدلة أيضا تؤكد تلك المزاعم .

أقرأ أيضا : كارل تانزلر الرجل الذى وقع فى حب مريضته ثم عاش مع جثتها بعد وفاتها

و مع مرور السنوات كان ابنها “جيراردو” يتمتع بصحة جيدة طوال معظم حياته الى أن توفى في سن الأربعين عام 1979 بسبب أمراض فى العظام أما بالنسبة الى الام ” لينا ميدينا ” فمن غير الواضح عما إذا كانت لا تزال على قيد الحياة اليوم أم لا نظرا لاستمرار اصرارها على الابتعاد عن وسائل الاعلام الا أنه بعد حملها الصادم عاشت حياة هادئة في “بيرو” و التحقت بالمدرسة فى نفس الوقت تقريبا الذى التحق فيه إبنها أيضا و بعد بلوغها سن الرشد عملت كسكرتيرة للطبيب الذي شهد الولادة و تزوجت لاحقًا في أوائل السبعينيات من رجل يُدعى “راؤول خورادو” بعد أن أنجبت ابنها الثاني عندما كانت في الثلاثينيات من عمرها و اعتبارًا من عام 2002 كانت ” لينا ميدينا ” و “جورادو” لا يزالان متزوجين و يعيشان في حي فقير في “ليما” و اذا كانت ” لينا ميدينا ” أصغر أم فى التاريخ لا تزال تعيش حاليا فهى بعمر يناهز 90 عاما .

شارك الموضوع

عمرو عادل

فى الحياة الواقعيه مهندس ميكانيكا قوى اما فى الحياه الافتراضيه فباحث و كاتب و مدير الموقع دا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *