يعتبر مهرجان الأوبون واحد من أبرز التقاليد اليابانية التي تجمع بين المعتقدات الروحية القديمة و الممارسات البوذية الحديثة و يقام لتكريم أرواح الأسلاف و التفكر في تضحياتهم و شكرهم علي ما قدموه لهم حيث يعتقد اليابانيين أن أرواح الأجداد ترجع لزيارة الأحياء خلال فترة إنعقاده لذلك فهو يحتل مكانة كبيرة في التراث الياباني حيث يرجع تاريخه إلي نحو أكثر من 500 عام و يشهد عادةً عروض رقص تُعرف بإسم بون أودوري و يُعتبر المهرجان فرصة لإلتقاء العائلات و تنظيف قبور الأسلاف مما يعكس قيم التقدير و الإحترام للذين رحلوا و ذلك خلال فعاليات تمتد لمدة ثلاثة أيام لكن مواعيد الإحتفال به تختلف بين مناطق اليابان بسبب التباين في إعتماد التقويم القمري أو الميلادي .


و يعتبر أكثر ما يميز مهرجان الأوبون هو مزجه للمعتقدات اليابانية القديمة و التقاليد البوذية التي إنتشرت في ” اليابان ” مؤخرا فقبل وصول البوذية كان اليابانيين يعتقدون أن أرواح الأسلاف تعود لزيارة الأحياء مرتين في السنة خلال فصلي الربيع و الخريف و مع دخول البوذية تم دمج هذه المعتقدات مع قصة “مها مودجاليانا” الذي كان أحد تلاميذ بوذا و إكتشف أن أمه المتوفاة تعاني في عالم الجوعي و بمساعدة من بوذا تمكن من تخليصها من معاناتها عبر تقديم القرابين للرهبان و من هذه القصة نشأ تقليد الرقص فرحًا بتحرير الأرواح التي تعرف اليوم برقص البون أودوري و تم تسجيل أول إحتفال بمهرجان الأوبون كتقليد بوذي في عهد الإمبراطورة سويكو (592-628 ميلادية) ثم أصبح لاحقًا عطلة رسمية في البلاط الياباني بحلول عام 733 م و مع مرور الوقت تطور ليشمل ممارسات مختلفة تعكس التنوع الثقافي في البلاد .


و كلمة “أوبون” مشتقة من المصطلح الياباني “أورابون” الذي يعود بدوره إلي الكلمة الصينية “يولانبن” و يُعتقد أن هذه الكلمة مرتبطة باللغة السنسكريتية “أولامبانا” التي تعني “التعلق رأسًا علي عقب” في إشارة إلي معاناة الأرواح في العالم السفلي و مع ذلك فإن هذا التفسير يعتبر محل جدل بين الباحثين حيث يُرجح فريق منهم أن الأصل الحقيقي للكلمة يعود إلي الكلمة البالية “أولومبانا” التي تعني “الإنقاذ” أو “المساعدة” و بالنظر إلي ذلك الخلاف في أصوله فمن الطبيعي أن نستنتج الطبيعة المعقدة لتقاليد مهرجان الأوبون التي تجمع بين العناصر الروحية و الثقافية و بغض النظر عن الأصل اللغوي فإن الكلمة تحمل دلالات عميقة تتعلق بمساعدة الأرواح و تخليصها من المعاناة و هو ما يظهر جليًا في طقوس المهرجان .


و تشمل إحتفالات مهرجان الأوبون مجموعة متنوعة من الممارسات التي تختلف من منطقة إلي أخرى في ” اليابان ” من أبرزها رقصة البون أودوري التي تعتبر وسيلة لإستقبال أرواح الأسلاف و الإحتفاء بها و يتم أدائها حول منصة خشبية تُسمى “ياغورا” حيث يقف عليها الموسيقيين و العازفين و تختلف أنماط الرقص و الموسيقى بين المناطق ففي جزيرة هوكايدو يُعرف بإسم “سوران بوشي” بينما في توكوشيما يُشتهر بإسم “أوا أودوري” كما أنه بجانب الرقص يتم إعداد مذابح خاصة في المنازل لتكريم الأسلاف حيث توضع القرابين مثل الزهور و الأطعمة و تُضاء النيران في الليلة الأولي لإستقبال الأرواح و في الليلة الأخيرة تُضاء النيران مرة أخرى لتوديعهم و تُعرف هذه الممارسة بإسم “أوكوريباي” أو “إشعال النار للتوديع” كما تُستخدم الفوانيس الصغيرة التي تطفو علي الأنهار كرمز لعودة الأرواح إلي عالم الأموات .


أقرأ أيضا : يوم الموتي .. إحتفالية مكسيكية سنوية لإستقبال أرواح المتوفين القادمين من العالم
و خلال مهرجان الأوبون يرتدي المشاركين اليوكاتا و هو نوع من الكيمونو الخفيف المصنوع من القطن و الذي يناسب أجواء الصيف الحارة كما تُقام العديد من الإحتفالات المصاحبة للمهرجان مثل الكرنفالات التي تشمل الألعاب و الأطعمة التقليدية حيث يصنع حصان من الخيار و بقرة من الباذنجان و المعروفين بإسم “حصان الروح” أو “حصان البقر” والذان يعملان كوعاء للأسلاف للعودة إلي الوطن ثم المغادرة علي التوالي و من المعروف أن العائلات التي فقدت أحد أفرادها خلال العام الحالي تولي إهتمامًا خاصًا للإستعدادات بمهرجان الأوبون حيث يشعلون نارًا صغيرة في أول مساء من المهرجان لتوجيه الأرواح إلي الوطن و في الماضي كانوا يشعلون خطًا من الأضواء نحو المقبرة للتأكد من أن الأرواح ستجد طريقها .

