أينما وجدت الجريمة وجد رجال الأمن الذين يعملون على مكافحتها إما بتعقب مرتكبيها أو محاولة منع وقوعها قدر الإمكان و لكن فى بعض من الجرائم قد يكون هناك دورا لرجال الطب النفسى لتوضيح بعض من النقاط التى تتعلق بالجريمة و سلوكيات مرتكبيها و التداعيات المصاحبة لها و لعل أبلغ مثال على ذلك هو جريمة سطو و احتجاز لرهائن فى سبعينيات القرن الماضى بالسويد و التى صاحبتها تصرفات غريبه من قبل الخاطفين و المخطوفين معا بشكل دعا الشرطة الى الاستعانة بالأطباء النفسيين لمحاولة تفسيرها و أدت الى ظهور مصطلح فى الطب النفسى اطلق عليه اسم ” متلازمة ستوكهولم ” و هو إسم العاصمة السويدية التى حدثت بها تلك الجريمة و التى تتمحور حول حدوث إستجابة نفسية إيجابية للشخص الواقع فى الأسر نحو خاطفيه و التى قد تصل درجتها فى بعض الأحيان الى التعاون معهم فى إرتكاب تلك الجريمة و فى تلك المقالة سنستعرض قصة ظهور متلازمة ستوكهولم و التداعيات التى رافقتها بعد ذلك.

البدايخ كانت فى ساحة نورمالمستورج الراقية بالعاصمة السويدية “ستوكهولم” فى صباح يوم 23 من أغسطس عام 1973 حين دخل أحد الأشخاص و يدعى ” جان إيريك أولسون ” صاحب السجل الإجرامى الكبير و المطارد من قبل رجال الأمن الى بنك ” سفيرجيس كريديتبانكين ” الذى يعد أحد أشهر البنوك فى البلاد حيث سحب من أسفل سترته المطويه التى كان يحملها بين ذراعيه مدفعا رشاشا و أطلق النار على السقف صارخا بالإنجليزيه ” الحفلة بدأت الأن ” حيث بدا كما لو أنه أراد أن يظنه الناس شخصا أمريكيا و بطبيعة الحال تم إطلاق انذار صامت من داخل البنك الى الشرطة و أستجاب أحد رجالها الا أنه أصيب نتيجة تبادل إطلاق نار مع الخاطف الذى أتخذ أربعة من موظفي البنك كرهائن حيث طالب “أولسون” و هو الهارب من عقوبة السجن ثلاث سنوات بتهمة سرقة مبلغ تجاوز 700 ألف دولار بسيارة لهروبه و مبلغ 3 ملايين كورونا سويديه و بندقيتين و سترات واقيه من الرصاص و خوذات و الإفراج عن “كلارك أولوفسون” الذي كان يقضي عقوبة بالسجن لارتكابه سطوا مسلحا و مشاركته في قتل ضابط شرطة عام 1966 و بعد مرور عدة ساعات من المفاوضات معه استجابت الشرطة لطلبه و سلمته زميله المدان الذى دخل الى البنك مع باقى طلباته و وفرت سيارة من طراز “فورد موستانج” زرقاء اللون بخزان وقود ممتلئ و لكنها رفضت طلبه المغادرة و معه الرهائن لضمان المرور الآمن.

كلارك أولفسون و جان ايريك اولسون

كانت جريمة شهيره فى ذلك الوقت و استحوذت على اهتمام وسائل الإعلام المحلية و الدوليه و عُرضت أحداثها فى بث حى على شاشات التلفزيون في جميع أنحاء السويد و أغرق الجمهور مقرات الشرطة باقتراحات لإنهاء تلك المواجهة التي تراوحت ما بين إجراء حفل موسيقي من الألحان الدينية لفرقة جيش الخلاص لمحاولة تهدئتهم حتى إرسال سرب من النحل الغاضب يلدغ الجناة ليخضعوا الى الشرطة .

كان هذا فى ما يحدث فى الخارج و لكن ماذا عن الداخل حيث كان الرهائن محتجزين داخل قبو ضيق و التى مع مرور ساعات سرعان ما تكونت علاقة طيبة بينهم و بين خاطفيهم عندما قام ” أولسون ” باعطاء الرهينة ” كريستين إنمارك ” سترة من الصوف لتضعها على أكتفاها عندما لمحها و هى ترتجف و أهداها رصاصة من بندقيته كتذكار كما قام بمواساة الرهينة الأخرى “بيرجيتا لوندبلاد” عندما لم تتمكن من الوصول إلى عائلتها عبر الهاتف وقال لها: “حاولى مرة أخرى ؛ لا تستسلمى ” و عندما اشتكت الرهينة “إليزابيث أولدجرين” من رهاب الأماكن المغلقة سمح لها بالسير خارج القبو و هى مربوطة بحبل طوله 9 أمتار حيث قالت لصحيفة “نيويوركر” بعد ذلك الحادث بعام أنه على الرغم من التقييد تتذكر أنه كان لطيفًا جدًا للسماح لها بمغادرة القبو .

كانت تلك الأفعال اللطيفة من قبل الخاطف سببا فى اكتساب ” أولسون ” تعاطف رهائنه حيث يقول الرجل الوحيد من بين الرهائن “سفين سافستروم” بأنه عندما عاملهم معاملة حسنة ظنوا أنه عناية إلهية طارئة بل و وصل الأمر الى حدوث اتصال هاتفى من الرهينه ” كريستين إنمارك ” برئيس الوزراء السويدي “أولوف بالم ” الذي كان منشغلا بالفعل بالانتخابات الوطنية الوشيكة بالبلاد و ناشدته للسماح للخاطفين بأخذها معهم في سيارة الهروب مؤكدة بأنها تثق تمامًا بهم مضيفة بأنها ليست مجبرة على قول ذلك فهم لم يفعلوا شيئا ضارا لها بل على العكس كانوا لطفاء للغاية و أن أكثر شئ تخاف منه هو أن تهاجم الشرطة و تتسبب في موتهم .

كريستين إنمارك و بيرجيتا لوندبلاد و سفين سافستروم و اليزابيث اولد جرين

كانت تلك التصرفات أمرا غريبا و غير مفهوما و الأغرب أنه حتى عندما قام الخاطفين بتهديد الرهائن بالتعرض للأذى الجسدي استمروا على تعاطفهم معهم فبعد أن هدد “أولسون” بإطلاق النار على ساق “سافستروم” من أجل إرسال رسالة الى الشرطة عن مدى جديته أستمر ” ستافستروم ” على ظنه بأن خاطفه لا يزال لطيفا لقوله إنها ساقه فقط هى التى سيطلق النار عليها و ليس شئ أخر حتى أن “إنمارك” حاولت إقناع زميلها بتلقي تلك الرصاصة لأنها ستكون فى الساق فقط .

أقرأ أيضا : ويلهلم فويجت .. المحتال الألمانى الذى أستطاع بخطة عبقريه اختطاف عمدة مدينة و سرقة أموالها

و فى النهايه و لحسن الحظ لم يلحق الخاطفين أي أذى جسدي بالرهائن وفي ليلة 28 أغسطس و بعد مرور أكثر من 130 ساعة قامت الشرطة بضخ الغاز المسيل للدموع في القبو و سرعان ما استسلم الجناة و دعت الشرطة الرهائن للخروج أولا لكن الرهائن الأربعة رفضوا لحماية مختطفيهم حتى النهاية حتى أن ” كريستين إنمارك ” صرخت قائله على جان و كلارك الخروج أولا و نحن ورائهم حتى لا يتم اطلاق الرصاص عليهم و على مدخل البنك احتضن الخاطفين و المخطوفين بعضهم البعض و قبلوا أيديهم و تصافحوا بعدها أتت الشرطة للقبض على المسلحين و صرخت سيدتان منهم : “لا تؤذوهم فهم لم يؤذونا” و بينما كان يتم نقل “إنمارك” بعيدا على نقالة صرخت في “أولوفسون” الذى كان مكبل اليدين “كلارك ، سأراك مرة أخرى.”

لحظة القاء القبض على جان ايريك اولسون

و انتهت عملية الاختطاف بسلام الا أن الارتباط الغير عقلاني بين الخاطفين و الرهائن تسبب في إرباك الجمهور و الشرطة التى ساورتها الشكوك فى احتمالية أن تكون “كريستين إنمارك” قد خططت لعملية السطو مع “أولوفسون” الا أن ذلك لم يحدث حتى أن الرهائن أنفسهم كانوا مرتبكين ففي اليوم التالي لإطلاق سراحها سألت ” إليزابيث أولدجرين” طبيبًا نفسيًا عما اذا كان هناك شيء خطأ بها لأنها لا تكره الخاطفين و هو الأمر الذى دفع الأطباء النفسيين الى دراسة تلك الظاهره و مقارنة ذلك السلوك بحوادث سابقه حيث أوضحوا أن الرهائن ربما شعروا بانهم أصبحوا مدينين عاطفياً لمختطفيهم و ليس للشرطة لأنهم لم يأذوهم و نجوا من الموت بسببهم و بعد مرور أشهر من ذلك الحادث أطلق الأطباء على تلك الظاهرة الغريبة اسم “متلازمة ستوكهولم” التي أصبحت جزءًا من الثقافة الطبية و الشعبيه خاصة بعد استخدام ذلك المصطلح في عام 1974 كأسلوب دفاع عن الصحيفة المخطوفة “باتي هيرست” التي ساعدت خاطفيها الراديكاليين من جيش التحرير السيمبيوني و هى منظمة أمريكية يساريه في سلسلة من عمليات السطو على البنوك حيث كانت تعانى من ” متلازمة ستوكهولم ” هى الأخرى .

أقرأ أيضا : الصبى جونز .. المراهق الذى أستطاع سرقة الملابس الداخلية للملكة فيكتوريا

و بعد عودة “أولوفسون” و “أولسون” إلى السجن قام الرهائن بزياراتهم هناك و بعد عقد جلسات لمحاكمتهم تم الحكم عليهم بالسجن لسنوات طويله الا أن “أولفسون ” ادعى أنه لم يساعد “أولسون” ولكنه حاول فقط إنقاذ الرهائن من خلال الحفاظ على هدوء الموقف لذلك فقد ألغت محكمة الاستئناف إدانته و التقى لاحقًا بالرهينة “كريستين إنمارك” عدة مرات و أصبحت عائلاتهم أصدقاء اما بالنسبة الى “أولسون” فقد حكم عليه بالسجن 10 سنوات الا أنه أطلق سراحه عام 1980 و بمجرد الإفراج عنه تزوج واحدة من النساء اللائي أرسلن له رسائل إعجاب أثناء سجنه وانتقل إلى تايلاند و في عام 2009 ثم عاد مجددا الى السويد ليصدر سيرته الذاتية فى كتاب بعنوان “متلازمة ستوكهولم” و التى لا يزال مصطلحها مستخدما حتى اللحظة فى الطب النفسى بسبب اقدامه على إرتكاب تلك الجريمه .

شارك الموضوع

عمرو عادل

فى الحياة الواقعيه مهندس ميكانيكا قوى اما فى الحياه الافتراضيه فباحث و كاتب و مدير الموقع دا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *