خلال القرن التاسع عشر شهدت العلوم الطبية تطورات غريبة و مثيرة للإهتمام من بينها ظهور ما يُعرف بإسم الحمام الكهربائي و هو علاج طبي يعتمد علي إستخدام الكهرباء عالية الجهد لتوليد شحنة علي جسد المريض و كانت تقنية ذات شهرة كبيرة في ذلك الوقت و أطلق عليها في الولايات المتحدة إسم فرانكلينيزيشن نسبة إلي العالم الشهير بنيامين فرانكلين الذي وضع أسسها في منتصف القرن الثامن عشر و علي الرغم من أن تلك الممارسة بدأت كعلاج شعبي غير معترف بها طبياً إلا أنها أعتمدت كوسيلة علاجية في منتصف القرن التاسع عشر ثم بعد ذلك تراجعت شعبيتها خلال القرن العشرين و أصبحت إحدي الممارسات الطبية المنسية .

و بدء إستخدام الكهرباء في الأنشطة العلاجية منذ منتصف القرن الثامن عشر و لكن كانت تمارس بشكل رئيسي من قبل الدجالين و المشعوذين الذين كانوا يروجون له كعلاج شامل لكل الأمراض ثم حدث تحول نوعي حين بدأ الإهتمام العلمي بها في التزايد بعد أن قام ” جولدينج بيرد ” و هو طبيب في مستشفى ” جاي ” في مدينة لندن بإدخالها في العلوم الطبية خلال ثلاثينيات القرن التاسع عشر حيث قام بإنشاء غرفة خاصة للعلاج بالكهرباء في المستشفى و بدأ في دراسة فعالية هذا العلاج بشكل علمي دقيق علي عكس الممارسات السابقة التي كانت عشوائية و غير مدروسة و خلال أبحاثه حدد حالات معينة يمكن أن يستفيد فيها المرضي من الكهرباء مما ساعد في تحسين سمعة هذا النوع من العلاج .

و كانت عملية الحمام الكهربائي تعتمد علي جهاز كهربائي إحتكاكي لتوليد الكهرباء الساكنة و كان المريض يجلس علي كرسي خشبي معزول عن الأرض بواسطة منصة ذات أرجل زجاجية أو أي مادة عازلة أخري و في بعض الأحيان كان المريض يستلقي بدلاً من الجلوس و بعد ذلك يتم شحن جسم المريض بالكهرباء الساكنة إما عن طريق توصيله مباشرة بأحد أقطاب المولد الكهربائي (عادة القطب الموجب) أو عن طريق الحث الكهروستاتيكي بإستخدام قطب كبير يوضع بالقرب من جسم المريض حيث كان الجهد الكهربائي المستخدم يتراوح ما بين 30 إلي 50 كيلو فولت و كان العلاج عادة يستغرق عدة ساعات و بعد الشحن كان المريض يُغطى بتيار كهربائي يؤدي إلي ظهور تفريغ ضوئي حول جسمه خاصة عند الشعر و الأطراف.

و أستخدم ” جولدينج بيرد ” الحمام الكهربائي لعلاج عدة حالات طبية منها مرض الرقاص و هو إضطراب عصبي يتسبب في حركات لا إرادية كما أستخدمه أيضا لعلاج حالات التسمم بالرصاص التي تؤدي إلي ضعف في عضلات الرسغ و كان ” بيرد ” حريصاً علي توضيح أن هذا العلاج ليس فعالاً في جميع الحالات خاصة تلك التي تتعلق بتلف الدماغ أو الجهاز العصبي مثل الصرع و لكن كان العديد من الأطباء الأخرين يستخدموه في تحسين الدورة الدموية و تخفيف الآلام خاصة في حالات مثل الروماتيزم و آلام العضلات كما كان يُستخدم كمرحلة أولية قبل تطبيق علاجات أخرى و رغم أنه كان علاج غير مؤلم إلا أنه أدي إلي عدد من الأعراض الجانبية مثل إرتفاع درجة حرارة الجسم و التعرق بالإضافة إلي حدوث زيادة في معدل ضربات القلب و التسبب في وقوف الشعر علي أطرافه بسبب الشحنة الكهربائية .
إقرأ أيضا : حزام الصعق الكهربائي المعالج السحرى لكافة الأمراض المعروفة قديما
و بحلول أوائل القرن العشرين بدأ إستخدام الحمام الكهربائي في الإنحسار خاصة مع تطور تقنيات طبية أخرى أكثر فعالية و أقل خطورة و مع ذلك ظلت أجهزة الحمام الكهربائي متاحة للبيع حتى عام 1908 مما يدل علي أن هذه الممارسة استمرت لفترة طويلة قبل أن تختفي تماماً و رغم عدم إستخدامه في عصرنا الحالي إلا أنه لعب دوراً في تاريخ الطب و ساهم في فهم أفضل لكيفية إستخدام الكهرباء في العلاج سعياً لتحسين صحة الإنسان حتى و لو كان بعضها يبدو غريبا أو غير فعال من منظورنا الحديث .