غالبًا ما تمتلئ الحروب بقصص لأبطال غير متوقعين لأنهم دائما ما كانوا في نظر الناس أفراد مستضعفين إلي أن يتفاجئ الجميع بقدرتهم علي صناعة أعمال تسهم بشكل أو بأخر في إنقاذ أعداد ضخمة من الجنود و بالعودة إلي تاريخ الحرب العالمية الأولي تبرز من بينها قصة لبطلة من نوع خاص كان لها الفضل في إنقاذ ما يقرب من 200 رجل من القوات الأمريكية بعد نجاحها في توصيل رسالة إستغاثة منهم رغم كل الصعاب التي واجهتها في طريقها حتي أنها إستكملت رحلتها و هي جريحة بعد إطلاق النيران عليها لذلك كان من الطبيعي تكريمها بأرفع الأوسمة و لكن الغريب في الأمر أن من قام بذلك العمل البطولي ليس مخلوق بشري و لكن حمامة زاجلة إشتهرت بإسم شير أمي .
و منذ قديم الأزل كان الحمام الحربي يتمتع بشعبية كبيرة خلال الحروب و ذلك لقدرتهم علي الطيران عبر مناطق غير مكتشفة نسبيًا بالإضافة إلي صعوبة إستهدافها بالأسلحة المتاحة لذلك إهتمت الجيوش بإستخدامها لأنه عند إرسال رسالة يتم إطلاق الحمام الزاجل فوق مناطق القتال إلي أن يصل إلي حظائره المخصصة علي أرض آمنة و بمجرد هبوطه يتم الإعلام عن وصوله من خلال جرس و الذي من شأنه أن ينبه مراقب الحظيرة لإستخراج الرسالة منهم و إرسالها إلى أي من يهمه الأمر لذلك كانت تستخدم علي نطاق واسع من قبل قوات الحلفاء في الحرب العالمية الأولي و لم يمضي وقت طويل حتى بدأ الألمان بإسقاط كل حمامة كان يروها لأنهم كانوا يعتقدون أنهم ينقلون معلومات مهمة .
و في 13 أكتوبر عام 1918 وجد الرائد الأمريكي ” تشارلز وايت ويتليس ” نفسه في وضع يائس مع قواته بعد أن أُجبروا على الدخول إلي وادي صغير على جانب التل حيث حوصر هو و معه 194 من رجاله خلف خطوط العدو و كان الألمان يتقدمون حولهم من جميع الجهات و لم يتركوا لهم أي مجالًا للهروب و بعد أن أستنفذوا مواردهم أصبحوا يقاتلون من أجل حياتهم و بعد ذلك إزداد الأمر سوء حين بدأت قواتهم في إطلاق النار علي بعضها البعض لأنها لم تعد تستطيع تمييز نفسها بعد إعتقاد أن من معهم هم جنود ألمان لذلك حاول ” ويتليسي ” إرسال رسائل إلي قياداته لتدارك الأمر لكن دائما ما كان يتم إعتراضها بإستمرار من قبل الألمان .
و لمحاولة حل مشكلة إعتراض الرسائل تحول الرائد ” ويتليسي ” إلي تقنية قديمة لتوصيل الرسائل بشكل موثوق ألا و هي الحمام الزاجل حيث حملت حمامته الأولي رسالة فحواها “ الكثير من الجرحى .. لا يمكننا الإخلاء” و لكن تم إسقاطها أما حمامته الثانية فقد حملت رسالة أكثر خطورة و كان نصها “الرجال يعانون .. هل يمكن إرسال الدعم؟” و تم إسقاطها أيضًا أما الحمامة الثالثة فحملت إحداثيات خاطئة مما أدي إلي إستهداف القوات المحاصرة بوابل من الصواريخ بدلاً من مساعدتهم و أخيرًا تحول ” ويتليسي ” إلي حمامته الأخيرة المعروفة بإسم ” شير أمي ” و كتب ما كان يأمل أن تكون رسالته الأخيرة و قال فيها ” “نحن على طول الطريق الموازي لـ 276.4 و مدفعيتنا تقصفنا مباشرة .. بحق السماء توقفوا عن ذلك.” ثم وضع الرسالة في الحمامة ” شير أمي ” و أرسلها .
و عندما أقلعت ” شير أمي ” لاحظ الألمان طيرانها و بدأوا في إطلاق النار عليها و أصابتها إحدي الرصاصات و كادت أن تسقطها و لكن لحسن الحظ تمكنت من إستعادة الطيران و بعد خمس وعشرين دقيقة نجحت في توصيل رسالتها إلي القيادة و تمكنت من إنقاذ حياة جميع الرجال الـ 195 المحاصرين في الوادي و لكن رغم أن معركة الرائد ” ويتليسي ” قد إنتهت إلا أن معركة الحمامة ” شير أمي ” كانت في بدايتها للتو حيث كانت الرصاصة التي أصابتها أثناء تحليقها تسببت في إحداث جروح مميتة لأنها كانت في الصدر و نتيجة لذلك أصيبت بالعمى في عين واحدة و بتر لساقيها بالكامل تقريبًا و عندما وصلت كانت معلقة بوتر واحد .
أقرأ أيضا : الدب فوتيك الحيوان الذى كان أحد أبطال الحرب العالمية الثانية
و نظرا لأن الحمامة ” شير أمي ” قد قامت بعمل بطولي يحسب لفرقة المشاة السابعة و السبعين عمل مسعفي الجيش على إنقاذ حياتها و علي الرغم من أنهم لم يتمكنوا من إنقاذ ساقها إلا أنهم قاموا بنحت طرفًا صناعيًا خشبيًا صغيرًا لها حتى تتمكن من الوقوف و بمجرد أن أصبحت بصحة جيدة بما يكفي للسفر تم إرسالها إلي ” الولايات المتحدة ” و نظرا لخدمتها لبلدها أصبحت تميمة لقسم الخدمة و منحت ميدالية ” كويكس دي جويري ” بالإضافة إلي الميدالية الذهبية من الهيئات المنظمة لمربي الحمام الزاجل الأمريكيين و اليوم تعد الحمامة ” شير أمي ” مسجلة في التاريخ كواحدة من أشهر الحمام الزاجل الحربي علي الإطلاق .