من المعروف لدى سكان المناطق الحضرية الكبرى في العالم أن المساحة فيها تعد سلعة ثمينة و عندما يتعلق الأمر بالمدن الرئيسية يتقاتل مالكى العقارات و المطورين و المستأجرين فى استخدام حقوقهم كاملة على مساحتهم الخاصة و محاولة استغلالها و الاستفادة منها بأكبر قدر ممكن و هو أمر يكون فى الغالب لأغراض انتاجيه على حساب ترك مساحات صغيرة للأغرض البيئية الطبيعيه و التي يمكن القول بأنها تأتي في المرتبة الثانية بعد المساحات التجارية و السكنية الا أنه مؤخرا و لمحاولة إحداث بعض من التوازن بين الاثنين ظهرت فكرة الغابات العمودية و ذلك لمحاولة إعادة المساحات الخضراء إلى المدينة و ما يصاحبها من فوائد من جودة هواء و تحكم في المناخ المحلي و تخفيف التوتر و هى فكرة أنتشرت بشكل كبير فى العديد من المدن حول العالم .
ما هي الغابات العمودية ؟
الغابات العمودية هى فكرة قدمها المعمارى الايطالى “ستيفانو بويري” لمواجهة العديد من المشاكل الحضريه من خلال حل وحيد و فعال ففي حين أن المدن معروفة جيدًا بافتقارها للمساحات الخضراء بشكل كافى و ما يصاحب ذلك من أثار جانبية بيئية و نفسية فتعمل الغابات العمودية بشكل غير اعتيادى على إعادة تلك المساحات مجددا إلى قلب المدينة حيث يعتبر الغرض الأساسي منها هو السماح بمساحة مناسبة لنمو غطاء نباتي على المبانى و الذى غالبا ما يتساقط على جوانبه ليظهر على شكل جسم به وفرة من المساحات الخضراء حيث تتكون الغابات العمودية عادة من مبنى مكون من عدة طوابق عالية لاتاحة مساحات أكبر لنباتاتها .
أقرأ أيضا : فليب شيب .. السفينة الوحيدة فى العالم القادرة على الانتقال فى الماء من الوضع الأفقى الى إلرأسى
و رغم كثرة النباتات و انتشارها فى أجزاء كبيرة من المبنى الا أن ذلك لا يعني أن مساحة الأرضية الكاملة للغابة العمودية مخصصة للنباتات فقط حيث تحتفظ الغابة العمودية الأولى في “إيطاليا” بمساحة واسعة و مناسبة للسكن نظرًا لأن المساحة الداخلية للمبنى غالبًا ما تكون معادية للنباتات بسبب نقص دوران الهواء و عدم دخول ضوء الشمس اضافة الى عوامل بيئية أخرى مهمه لذلك فقد خصصت المساحات الداخلية الى البشر مقابل أن تكون المساحات الخارجية و المحيطة بالمبنى مثل الشرفات و التراسات للنباتات و مع ذلك فإن معظم الغابات العمودية مصممة بطريقة تخلق أكبر قدر ممكن من المساحات المضيافة للنباتات .
مصدر إلهام و أهمية الغابات العمودية
تم استلهام فكرة الغابات العمودية من خلال الجمع بين المفاهيم المستخدمة في إنشاء ناطحات السحاب الأولى مع مبادرات الحفاظ على البيئة و نظرًا لأن فكرتها تعد الأكثر فاعلية فى إعادة المساحات الخضراء إلى المدينة فقد يستخدمها المهندسين المعماريين و المطورين في جميع أنحاء العالم لخلق بيئة أكثر ودية لكل من البشر و النباتات من خلال السماح لهم بالتعايش معا و جعل إمكانية الوصول إلى المساحات الخضراء أكثر سهولة كما أن الغابات العمودية لها أيضًا مزايا عديدة عن الغابات التقليدية لأنه عند إنشائها يقوم المطورين أو المهندسين أو علماء البيئة بأختيار أشكالًا معينة من النباتات للنمو و الانتشار مع استبعاد أنواع أخرى فعلى سبيل المثال إذا تم إنشاء غابة عمودية في منطقة معرضة للآفات فيمكن للمطور تنفيذ تقنيات لمنع هذه الأنواع من النمو داخل غاباته .
اضافة الى ذلك فإن الغابات التقليدية قد تكون أكثر صعوبة للسيطرة بعكس الغابات العمودية التى تتميز أيضا بامكانية زراعة الأنواع التي توفر بيئة أفضل للحياة البرية المحلية مثل الطيور أو قد يكون لها تأثير أكثر استدامة في المنطقة كما أنه بدلاً من زراعة النباتات التي تمتص كميات منخفضة من الكربون الموجود في الغلاف الجوي فقد يختار المطور نباتًا يمتص المزيد من الكربون و هو امر يؤدى الى زيادة تنقية الهواء بالمكان اضافة الى امكانية اختيار نباتات قد توفر فوائد أخرى في شكل انتاج فواكه أو خضروات كما تستخدم تلك الغابات فى تهدئة درجات الحرارة بالمبنى صيفا و شتاءا و ذلك بتظليل المساحات الداخلية من أشعة الشمس و صد الرياح العاتية كما يحمي الغطاء النباتي أيضًا المساحات الداخلية من التلوث الضوضائي و الغبار الناتج من حركة المرور على مستوى الشارع .
الغابة العمودية الأولى
تقع الغابة العمودية الاولى فى منطقة ” بورتا نوفا ” فى مدينة ” ميلانو ” الايطاليه و هى زوج من الأبراج السكنية تم افتتاحهم عام 2014 و يبلغ ارتفاعهم 111 مترًا موزعين على 26 طابقا و 76 مترًا موزعين على 18 طابق و هما مبنيين يحتويان على أكثر من 900 شجرة ( 550 و 350 في البرجين الأول والثاني على التوالي) و الموجودين على مساحة تبلغ 8900 متر مربع من التراسات و يتمتع البرجين بالاكتفاء الذاتي من خلال استخدامهم الطاقة المتجددة من الألواح الشمسية و مياه الصرف الصحي المفلترة للحفاظ على الحياة النباتية الموجودة فيه .
و تم تصميم ذلك المشروع كجزء من إعادة تأهيل المنطقة التاريخية في “ميلانو” و وفقًا للمعمارى “ستيفانو بويري” فقد استوحى فكرة ذلك المبنى من رواية للكاتب الايطالى “إيتالو كالفينو” و التى صدرت عام 1957 تحت اسم “البارون في الأشجار” و فيها قرر بطل الرواية التخلي عن الأرض و العيش في الأشجار لبقية حياته لذلك فقد قام بانجاز ذلك المشروع ليجعل الناس تعيش وسط الأشجار .
التطلعات المستقبليه للغابات العمودية
مع استمرار انتقال المزيد من الناس إلى المدينة قادمين من القرى بدأت المناطق الريفية فى التقلص مقابل تركزات سكانية فى المدن و استيعاب المزيد من الناس و ما يصاحب ذلك من أثار سلبيه و عليه فقد أصبح أمرا هاما ضمان أن البيئة داخل المدن يجب تكون صحيه و هو الامر الذى فرض ضرورة دمج المساحات الخضراء في المدينة على هيئة الغابات العمودية لأنه سيكون الحل الأسهل و الأكثر كفاءة و الأكثر فائدة لذلك ليس من الصعب معرفة سبب انتشار شعبيتها فى جميع أنحاء العالم بعد أن تم بناء أول واحدة منها في مدينة “ميلانو ” خاصة لدى البلدان المعروفة على نطاق واسع بكثافة سكانها مثل “الصين” و “سنغافورة” و أيضا “مصر” حيث من المنتظر إنشاء غابة عمودية فيها تعد هي الأولى من نوعها فى قارة أفريقيا بعد إطلاق تصميمات لثلاثة مباني سكنية ستكون فى العاصمة الإدارية الجديدة ستشمل شرفات تحتوي على 350 شجرة و 14 ألف شجيرة يمثلون أكثر من 100 نوع مختلف من النباتات و سيكون واحدا من تلك المباني الثلاثة فندقا في حين سيضم المبنيان الآخران وحدات سكنية .
و على أى حال فمن المتوقع مستقبلا أن تصبح الغابات العمودية هى الأكثر شهرة و اعتمادا على نطاق واسع فى المناطق الحضريه خاصة مع استمرارها في تغيير وجهة نظرنا و تجربتنا عن المدينة الحديثة.