فقط 20 كيلومتر مربع من الأرض هي مساحة جزيرة ناورو النائية و الواقعة جنوب المحيط الهادئ و تشتهر بكونها أصغر دولة جزرية على وجه الأرض و مع ذلك لم يمنع صغر مساحتها من أن تشهد حرب أهلية دموية دارت بين سكانها أستمرت لعقد كامل من الزمن أواخر القرن التاسع عشر من خلال شرارة بسيطة إن لم تكن تافهة نتيجة نشوب خلاف علي مأدبة طعام تطور إلي شجار نتج عنه جريمة قتل أدت إلي زيادة مساحة الخلاف ليشمل سكان الجزيرة كلها و إنتشار كبير في رقعة الحرب التى يقول عنها المؤرخين أنه كان من الممكن أن يتم تجنبها في وقت قصير لو لم تكن تلك الجزيرة غارقة في البنادق و النبيذ و الأوروبيين المشاكسين الذين كان من مصلحتهم أن يستمر الخلاف لأطول فترة ممكنة و هو ما حدث بالفعل بعد أن أمتدت حارب ناورو و هو إسمها لأكثر من عشر سنوات خسر فيها كلا الجانبين مئات من الضحايا .
و كانت الأطراف التى شاركت في “حرب ناورو” أفراد يتبعون قبائل بدائية عاشت في ذلك المكان لأكثر من 3000 عام و كانوا يعيشون في عزلة و لم يكن لهم أي إتصال بالأوروبيين حتى أواخر القرن الثامن عشر عندما تم إكتشاف الجزيرة التي يبلغ عرضها ثلاثة كيلومترات من قبل بعثة بريطانية لصيد الحيتان و على مدى عقود بعد ذلك كانت السفن الأوروبية ترسو قبالة “ناورو” و تتبادل معهم السلع التجارية و البنادق مقابل الحصول علي المياه العذبة و الطيور المحلية و جوز الهند كما أصبحت الجزيرة الصغيرة أيضًا ملاذاً لأطقم السفن الجامحة و حتى المجرمين الهاربين الذين شقوا طريقهم إلى هناك و كانت الامور مستقرة إلي حد كبير حتى أندلع الصراع عام 1878 خلال وليمة زفاف كانت تقام في الجزيرة بعد أن حدث خلاف بين ضيفين حول آداب تناول الطعام و مع زيادة حدة النقاش أستل أحدهم مسدسًا و بدأ في إطلاق النيران أصابت واحدة منها إبن زعيم إحدي العشائر و يقتل في الحال و أستغلت فصائل الجزيرة التي كان بينها بالفعل ضغائن قديمة تلك الفرصة كذريعة لمهاجمة بعضها البعض و من هنا بدء القتال بين كل الأطراف .
و بعد سنوات من بداية إندلاع “حرب ناورو” و في عام 1881 أقترب من الجزيرة أسطول من سفن البحرية الملكية البريطانية و شاهدوا أحد الأشخاص يقود قاربا و يهرب منها و بلقائه عرفوا أنه مدان بريطاني يدعي “ويليام هاريس” و كان يفر بحياته بسبب الفوضى الجارية فيها و ذكر لهم أن الحياة في ذلك المكان أصبحت تتسم بغارات متواصلة و أعمال إنتقامية و ترتكب علي أراضيها جميع أنواع الفظائع و الإنتهاكات و وصف كيف أن هناك فصيلان فيها يتقاتلان بلا توقف من أجل السيطرة علي مقدرات الجزيرة مجموعة منهم تحت قيادة ملك الجزيرة ” عويضة ” بينما الأخري عشيرة متمردة معارضة بقيادة زعيم أبيض قرر تولي العرش بنفسه و لاحظ بالفعل الأسطول البريطاني الموقف من علي بعد و أن كل طرف أصبح يسيطر علي جزء منها إلا أنه لم يتدخل و أبحر بعيدًا و بعد مرور ستة سنوات و فى عام 1887 وصلت سفينة تجارية من “نيوزيلندا” للتجارة مع السكان المحليين للحصول علي جوز الهند و سجل القبطان في سجله أن طاقمه قد ذهب إلى الشاطئ للتواصل مع أهلها الذين كانوا ودودين جدا على الرغم من أنهم كانوا جميعًا مسلحين و أفاد السكان بأن القتال قد خمد إلى حد كبير في السنوات الأخيرة .
و في العام التالي و بعد مرور 10 سنوات من إندلاع ” حرب ناورو ” أرسلت “ألمانيا” السفينة الحربية ” إيبر ” للتجارة مع سكانها حول محصول جوز الهند المربح في الجزيرة حيث كان فى تلك الفترة تسعي “ألمانيا” لإنشاء إمبراطورية ما وراء البحار علي غرار البريطانيين و كان الحاكم الألماني حريصًا على إضافة تلك الجزيرة إلي نطاق نفوذه لذلك أرسل تلك السفينة و التى أمر قبطانها بإرسال مجموعة صغيرة من المستعمرين و المبشرين من الجزر القريبة لإقامة مستوطنة بها و أعاد سلطات ملكها ” عويضة ” و لتجنب المزيد من إراقة الدماء و عدم تكرار ” حرب ناورو “مجددا أمر الألمان رجال العشائر بتسليم أسلحتهم و إلا سيقوم طاقم “إيبر” بإعتقال و قتل جميع زعماء القبائل في الجزيرة لينصاع السكان المحليين و يقومون بتسليم ما يقرب من 800 بندقية و آلاف من الذخائر أي بواقع بندقية لكل فرد علي تلك الجزيرة .
أقرأ أيضا : حرب الإيمو .. الحرب التى أنتصرت فيها الطيور على الجيش الأسترالى
و نتجت عن ” حرب ناورو ” فقدان ثلث سكانها تقريبا حيث كانوا 1400 شخص قبل إندلاعها و أنتهي الأمر بتبقي ما يقرب من 900 شخص علي قيد الحياة و ظلت الجزيرة تحت سيطرة الألمان حتى إندلاع الحرب العالمية الأولى و بعدها أنتزعتها “أستراليا” و طردت الألمان منها بشكل نهائي و مع إندلاع الحرب العالمية الثانية أستولي الجيش الياباني علي ” ناورو ” عام 1942 و شيدوا مدرجًا في الطرف الجنوبي الغربي من الجزيرة و قاموا بإجلاء أكثر من 1000 شخص من السكان المحليين للعمل بالسخرة في الجزر المجاورة إلي أن قصف الأمريكيين ذلك المطار عام 1943 ثم حرر الأستراليين تلك الأراضي الصغيرة بعد إستسلام “اليابان” عقب إلقاء القنبلة الذرية علي هيروشيما و ناجازاكي و أداروها تحت سلطة تفويض من الأمم المتحدة إلي أن حصلت علي إستقلالها عام 1966.