رغم التطور العلمي الذى شهده العالم و ساهم للوصول إلي أبعد المناطق فى مجموعتنا الشمسيه إلا أنه توجد بعض من الأماكن علي كوكبنا نفسه تمثل تحديا كبيرا من أجل الوصول إليها و إذا كان يوما إستطاع الألاف من الناس الوصول إلي قمة جبل إيفرست التى تمثل أعلي نقطة علي سطح الأرض إلا أنه كان عاجزا عن الوصول إلي أعمق نقطة علي الكوكب و الموجودة بخندق ماريانا في المحيط الهادئ و رغم الوصول إليها بعد ذلك بشق الأنفس و من عدد قليل من الأفراد لا يتجاوزون أصابع اليد الواحدة و بالإعتماد علي تجهيزات تكنولوجية خاصة إلا أنه لا تزال خصائص تلك البقعة العميقة تمثل لغزا غامضا و تحمل أسرارا لم نتوصل إليها بعد .

و يقع ” خندق ماريانا ” في غرب المحيط الهادئ علي هيئة هلال يبلغ طوله أكثر من 2500 كيلومتر و متوسط عرضه 70 كيلومتر و أطلق عليه هذا الإسم لوقوع شرقه بالقرب من “جزر ماريانا” و هى مجموعة من الجزر تقع بالقرب من جزيرة “جوام” لذلك فتعتبر تلك المنطقة خاضعة للسيادة الأمريكية و هي تتميز بالعديد من الظواهر البيئية الفريدة ممثلة فى فتحات أسفل المياه تنفث الكبريت السائل و ثاني أكسيد الكربون و ثرائها بالبراكين الطينية النشطة و إحتوائها علي كائنات بحرية تستطيع التكيف و العيش تحت ضغوط مرتفعة إلا أن أهم ما يميز تلك المنطقة هى إمتلاك الجزء الجنوبي منها علي أعمق بقعة علي سطح الأرض و المسماه بـ ” تشالنجر ديب ” التي يصل عمقها إلي 11 كيلومترا تقريبا عن سطح البحر .

تم إكتشاف ذلك الخندق لأول مرة عام 1875 بواسطة السفينة الحربية البريطانية HMS Challenger بإستخدام أجهزة للأعماق تم إختراعها في ذلك الوقت و التي لم تستطيع الوصول سوى لـ 8 كيلومترات و بعد مرور أكثر من 75 عاما و في عام 1951 قامت سفينة حربية بريطانية أخرى و حملت نفس الإسم بزيارة إلي نفس المكان و محاولة التأكد من مدي أعماقه بإستخدام أجهزة أكثر تطورا و الذي وصل إلي 11 كيلومترا و لذلك تم إطلاق إسم ” تشالنجر ديب ” علي أعمق نقطة فى الخندق تيمنا بإسم تلك السفينتين و فى مطلع الستينيات إستطاع الإنسان لأول مرة بلوغ ذلك العمق عبر مركبة الاعماق Bathyscaphe Trieste و هى غواصة تابعة للبحرية الأمريكية و التى كان يقودها الملازم البحرى “دون والش” و العالم السويسري “جاك بيكار” حيث وصلا إلي القاع بعد رحلة إستمرت خمس ساعات و ظلوا فيه لمدة 20 دقيقة و لسوء الحظ لم يستطيعوا إلتقاط أي صور بسبب سحب من الطمي التي أثارتها الغواصة خلال مرورها و في عام 1995 قامت الغواصة اليابانية غير المأهولة ” كايكو ” بالنزول إلي ذلك العمق و جمع عينات و بيانات مفيدة عن ذلك الخندق و في عام 2009 أرسلت الولايات المتحدة ” نيريوس ” و هى سيارة ذات مواصفات خاصة و تعمل عن بعد إلي أعماق “تشالنجر ديب” حيث ظلت في الأسفل لمدة 10 ساعات تقريبًا و أخيرا و في عام 2012 قام المخرج العالمى ” جيمس كاميرون ” بقيادة الغواصة Deepsea Challenger بمفرده و وصل إلي القاع لكنه لم يتمكن من إلتقاط أي صور بسبب تسرب سائل هيدروليكي من الغواصه التي كان علي متنها و بعد إنتهاء تلك المهمه تم التبرع بها في وقت لاحق إلي مؤسسة وودز هول لعلوم المحيطات .

المخرج العالمى جيمس كاميرون خلال ركوبه الغواصه ديب سى تشالنجر

و يرجع تكون ” خندق ماريانا ” العميق بسبب عملية جيولوجية يطلق عليها إسم ” الإندساس ” و فيها تصطدم صفيحيتين تكتونيتين من طبقة القشرة الأرضية لتعتلي واحدة فوق الأخرى التى تغرق فى منطقة “الوشاح” و هى الطبقة التالية الموجودة أسفل “القشرة” ليتشكل خندق عميق مكان الصفيحة التكتونية الغارقة و الممتلئ بمياه المحيط بشكل يجعل عمقه ذات ضغط جوي رهيب يبلغ أكثر من 700 كيلوجرام لكل متر مربع و هو مقدار أكثر من 1000 ضعف الضغط الجوي المعتاد الذي نشعر به عند مستوي سطح البحر أي ما يعادل 50 طائرة جامبو متراكمة فوق جسم شخص واحد .

أقرأ أيضا : نقطة نيمو .. البقعة الغامضة على سطح كوكبنا التى لم يصل إليها أحد و أكثر البشر إقترابا منها هم رواد الفضاء

و نتيجة شدة الضغط و الظلام الدامس و درجة الحرارة التي تقترب من نقطة التجمد فى تلك الأعماق فإن الحياة فيه مقتصرة علي كائنات بعينها تستطيع أن تتكيف في تلك الأجواء القاسية كما أن الغذاء في أعماقه شحيح جدا لذلك فنادراً ما تجد الأوراق و جوز الهند و الأشجار طريقها إلي القاع نظرا لإضطرارها إلي قطع ألاف المترات و هو أمر صعب للغايه لذلك فتعتمد بعض الكائنات الأوليه التى تعيش فى تلك الأعماق السحيقة علي المواد الكيميائية مثل الميثان أو الكبريت بينما تلتهم الكائنات البحرية الأخري المخلوقات البحرية الأقل شأنا و التي تعيش فى ذلك المكان و تعتبر كائنات “الزينوفيوفور” الوحيدة الخليه و مزدوجات الأرجل و خيار البحر الصغير هى المخلوقات البحرية الأكثر شيوعا التي تتواجد فى تلك الأعماق بالإضافة إلي وجود 200 كائن حى دقيق أخر يعيش فى تربة تلك الأعماق كما تم العثور علي أحد أنواع الأسماك و هى ” سمكة ماريانا الحلزونيه ” و التي تعيش فى ذلك المكان و لكن علي عمق 8 كيلومترات و هي تتميز بلون وردي و إنعدام القشور من عليها .

و رغم العمق الكبير لذلك الخندق إلا أنه لا يعتبر أقرب بقعة إلي مركز الأرض نظرًا لأن الكوكب ينتفخ عند خط الإستواء و الذي يعنى أن نصف القطر عند القطبين يقل بحوالي 25 كيلومترا عن نصف القطر عند خط الإستواء لذلك فإن أجزاء من قاع المحيط المتجمد الشمالي أقرب إلي مركز الأرض من “تشالنجر ديب” كما أن ” خندق ماريانا ” يحتوى أيضا علي ثاني أعمق بقعة علي الأرض و هي منطقة ” سيرينا ديب ” التى تبعد مسافة 200 كيلومتر عن منطقة ” تشالنجر ديب ” و يصل عمقها الى 10.8 كيلومتر .

شارك الموضوع

عمرو عادل

فى الحياة الواقعيه مهندس ميكانيكا قوى اما فى الحياه الافتراضيه فباحث و كاتب و مدير الموقع دا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *