في عالم مليء بالعجائب الطبيعية تبرز بعض الظواهر التي تبدو و كأنها خرجت من صفحات الأساطير أو أفلام الخيال العلمي واحدة منها تقع في حديقة تشيستنت ريدج بالقرب من مدينة بافالو في ولاية نيويورك الأمريكية و هي شلالات اللهب الأبدي التي يرجع تميزها إلي أنها ليست مجرد تدفق مائي عادي بل هو مكان تتناغم فيه عناصر الطبيعة الماء و النار من خلال توهج لهب صغير لا ينطفئ أبدا خلف ستارة المياه المتساقطة و هو ما يخلق مشهدًا ساحرًا يبدو و كأنه من عالم آخر لذلك ليس بالغريب أن يأتي الكثيرين من جميع أنحاء العالم لزيارة ذلك المكان و الإستمتاع بجماله .

و تقع شلالات اللهب الأبدي في ” الولايات المتحدة ” بمحمية شيل كريك و هي جزء من حديقة تشيستنت ريدج في منطقة أوركارد بارك علي بعد حوالي 40 كيلومتر جنوب مدينة بافالو بنيويورك و للوصول إلي الشلال يجب علي الزوار قطع مسار مشي قصير يمر عبر غابة كثيفة يتراوح طوله ما بين 800 متر إلي 1.25 كيلومتر و نظرا لوجود منحدرات متوسطة إلي شديدة الإنحدار فيتطلب قطعه بعض من الجهد و مع ذلك فإن الجمال الطبيعي المحيط بالمسار يجعل الرحلة ممتعة كما ينصح الزوار بإرتداء أحذية مريحة و مناسبة للمشي خاصة و أن الصخور المحيطة بالشلال قد تكون زلقة كما يُفضل إحضار زجاجة ماء و إرتداء ملابس مناسبة للطقس حيث أن المنطقة قد تكون رطبة أو باردة إعتمادًا علي الفصل السنوي .

و لعل كثير من الناس تتسائل عن سبب وجود الشعلة الصغيرة التي لا تنطفئ خلف تدفق المياه في شلالات اللهب الأبدي حيث يرجع ذلك إلي تسرب غاز الميثان القابل للإشتعال من شقوق الصخور خلف الشلال و عندما يختلط مع الأكسجين في الهواء يشتعل تلقائيًا مما يخلق لهبًا مستمرًا و علي الرغم من أن حجم اللهب قد يكون صغير نسبيا أي ما يشبه الشمعة المتوهجة إلا أن إستمراريته هي التي تجعله ظاهرة مدهشة و يُعتقد أن مصدر غاز الميثان المتسرب يعود إلي طبقات عميقة تحت الأرض تتحلل فيها المواد العضوية مع مرور الوقت مما يؤدي إلي تكونه ثم يجد طريقه إلي السطح عبر الشقوق الصخرية ليحدث التفاعل بين الماء والنار و تجعل تلك الشلالات واحدة من أكثر الظواهر الطبيعية إثارة للإهتمام في العالم .

و يقول العلماء أن شلالات اللهب الأبدي هي نتاج لتوازن دقيق بين عدة عوامل جيولوجية و طبيعية فالصخور في المنطقة و التي تتكون بشكل رئيسي من الصخر الزيتي تحتوي علي شقوق تسمح بتسرب غاز الميثان من باطن الأرض و عندما يتدفق الماء فوق هذه الصخور فإنه يساعد علي إطلاق الغاز المحتبس مما يسمح له بالإختلاط مع الهواء و الإشتعال و هذا التفاعل المستمر بين تدفق المياه و تسرب الغاز هو ما يحافظ علي إستمرارية اللهب و من المثير للإهتمام أن هذه الظاهرة تتأثر بالظروف الجوية ففي الأيام الممطرة قد يقل توهج اللهب بسبب زيادة تدفق المياه بينما في الأيام الجافة قد يصبح اللهب أكثر وضوحًا و هو ما يضيف شئ من الغموض نحو تلك الظاهرة الفريدة .
و بجانب القيمة الجيولوجية لشلالات اللهب الأبدي فهي تحمل أيضا أهمية ثقافية و تاريخية نظرا لأن منطقة غرب نيويورك كانت موطنًا لقبائل أمريكية أصلية مثل قبيلة ” سينيكا ” التي قد تكون نظرت إلي هذا اللهب كرمز للروحانية أو الحياة الأبدية حيث دائما ما ينظر للهب الأبدي في العديد من الثقافات كرمزًا للإستمرارية و الأمل و هو ما يضفي علي الموقع بعدًا روحيًا لذلك أصبح ذلك المكان علي مر السنين جزءًا من الفولكلور المحلي حيث تتناقل الأجيال قصصًا و أساطير حوله كما أن الموقع أصبح وجهة سياحية مهمة حيث يجذب الزوار الذين يبحثون عن تجارب فريدة في أحضان الطبيعة .

إقرأ أيضا : سنتراليا .. البلدة التى أندلع حريق أسفلها منذ أكثر من 60 عاما و لا يزال مستمرا حتى اللحظة
و لا تعتبر شلالات اللهب الأبدي هي الظاهرة الوحيدة من نوعها في العالم حيث تتميز مواقع أخري بنفس الإمتياز الذي يخطف الأنفاس و أبرزهم منطقة ” يانار داج ” الموجودة في ” أذربيجان ” و فيها تشتعل النيران بشكل مستمر بسبب تسرب الغاز الطبيعي و أيضا ” بوابة الجحيم ” الموجودة في تركمانستان و هي حفرة غاز طبيعية إشتعلت منذ عام 1971 و لا تزال ملتهبة حتى اليوم و أخيرا ” لهيب جبل أوليمبوس ” في ” تركيا ” حيث تظهر فيه ألسنة اللهب بشكل طبيعي بسبب تسرب الغاز .