يعتبر فيلم American Me الذي أُنتج عام 1992 و أخرجه النجم إدوارد جيمس أولموس في أول تجربة إخراجية له أحد الأعمال السينمائية الجريئة التي تناولت تاريخ و نشأة المافيا المكسيكية من خلال تقديم رواية خيالية لكنها قريبة من الواقع عن حياة تلك العصابات و تأثيرها علي المجتمع بدءًا من تأسيسها في الخمسينيات و وصولًا إلي صعودها كقوة إجرامية مهيمنة في الثمانينيات و رغم تقديم الفيلم بإعتباره عمل فني إلا أنه أثار ردود فعل عنيفة من قبل المافيا المكسيكية شملت تهديدات و إبتزازًا و حتى جرائم قتل لعناصر شاركت في ذلك العمل و هو ما أضاف بعدًا آخر لقصته و جعله أكثر من مجرد عمل سينمائي بعد أن أصبح ينظر إليه بإعتباره وثيقة تاريخية و سياسية تثير التساؤلات حول حرية التعبير و حدودها في مواجهة الجريمة المنظمة.

وتجري قصة فيلم American Me علي مدار 30 سنة تبدء عام 1943 بإستهداف عائلة لاتينية في مدينة ” لوس أنجلوس ” من قبل بحارة عنصريين يقومون بضرب الأب و إغتصاب الأم و هو حادث ألقي بظلاله علي حياة إبنهما ” مونتوي سانتانا ” الذي يكبر في ظل ظروف إجتماعية صعبة و في عام 1959 يشكل ” مونتوي ” الذي يجسده ” إدوارد جيمس أولموس ” عصابة مع أصدقائه و يشرعون في إرتكاب جرائم صغيرة لكنهم سرعان ما يتم القبض عليهم و إرسالهم إلي دار للأحداث و هناك يتعرض ” مونتوي ” للإغتصاب من قبل سجين آخر و هو ما يدفعه لإرتكاب جريمة قتل إنتقامية تؤدي إلي تمديد فترة سجنه و عندما يبلغ 18 عامًا يتم نقله إلي سجن فولسوم حيث يبدأ في تأسيس ما سيصبح لاحقًا المافيا المكسيكية و لكن بعد إطلاق سراحه عام 1977 يحاول إعادة الإندماج في المجتمع لكنه يجد نفسه عالقًا بين عالم الجريمة الذي بناه و الحياة الجديدة التي يحاول تأسيسها و في النهاية يدرك أخطاءه و يحاول التخلي عن ماضيه لكنه يُقتل علي يد أتباعه الذين يرون في ذلك ضعفًا لا يمكن التسامح معه .

و رغم جمالية القصة إلا أنه بعد عرض فيلم American Me في قاعات السينما أثار غضبًا واسعًا بين صفوف المافيا المكسيكية بسبب تصويره لبعض الجوانب الحساسة في حياتهم مثل مشهد الإغتصاب الذي يتعرض له البطل ” مونتوي سانتانا ” أثناء فترة سجنه خلال سن المراهقة بالإضافة إلي نهاية الفيلم التي تُظهر مقتله علي يد أتباعه حيث أعتُبروا أن تلك المشاهد إهانة لسمعة المافيا المكسيكية و قيمها التي تدعو إلي التمسك بالشرف و الولاء و وفقًا لتقارير إعلامية قام عضو المافيا ” جو مورجان ” الذي كان ملهما لأحد الشخصيات داخل الفيلم بمحاولة تهديد و إبتزاز ” إدوارد جيمس أولموس ” للحصول علي أموال كتعويض عن الإساءة التي شعر بها و لإظهار أن المافيا المكسيكية لا تتردد في إستخدام العنف لحماية سمعتها و مصالحها .

و لم تكن ردود الفعل الغاضبة للمافيا المكسيكية مقتصرة علي التهديدات و الإبتزاز فحسب بل إمتدت إلي جرائم قتل إنتقامية و وفقًا لتقارير إعلامية فأنه تم إغتيال ثلاثة من مستشاري الفيلم بسبب مشاركتهم في تصوير مشاهد أعتُبرت مهينة لأفراد المافيا في حين قال الممثل ” داني تريجو ” أن العدد الحقيقي بلغ 10 أشخاص كان لهم علاقة بذلك العمل و كانت أول تلك الجرائم هي مقتل ” تشارلز مانريكيز ” و هو عضو سابق في المافيا المكسيكية و قُتل بعد 12 يومًا فقط من عرضه حيث عمل كمستشار للفيلم لدرايته بأسرار المافيا مما جعله هدفًا للإنتقام كما تم إغتيال ” آنا ليزاراجا ” المعروفة بإسم “سيدة العصابات” بعد ثمانية أشهر من عرض الفيلم و كانت قد قُتلت و هي تحمل أمتعة في سيارتها قبل حضورها جنازة والدتها و وفقًا لوثائق إتحادية تم إتهام المافيا المكسيكية بتدبير هذه الجريمة كتحذير لأي شخص يفكر في التعاون مع أي أعمال فنية تنتقدهم .

إقرأ أيضا : العراب : القصة الحقيقية وراء الصراع بين هوليوود و زعيم المافيا جو كولومبو
و لكن رغم ما حمله فيلم American Me من مأسي و ما صاحبه من جدل كبير إلا أنه يعتبر يُعتبر شهادة علي قوة السينما في تحدي الواقع و إثارة النقاش حول القضايا الاجتماعية الأكثر إلحاحًا كما ينظر إليه بإعتباره عملًا سينمائيًا مهمًا من الناحية الثقافية و التاريخية لتسليطه الضوء علي مشكلات العنف العرقي و تأثير السجون علي تشكيل العصابات و دور الفقر و التمييز في تفاقم الجريمة لذلك تم حفظه بالسجل الوطني للأفلام في ” الولايات المتحدة ” عام 2024 كتكريم له و تأكيد علي قيمته الفنية كما أن الجرائم التي إرتبطت به تحت إسم الإنتقام من الفيلم تذكرنا بالثمن الباهظ الذي قد يدفعه الفنانين عند تناولهم موضوعات حساسة تمس مصالح جماعات عنيفة .