في وسط مستنقع روسي بالقرب من مدينة سانت بطرسبرج توجد مساحة من الأرض تمثل لغزا يعود الى ذروة الحرب الباردة فهى أرضا محاطة بسور له بوابة حديدية مستطيلة الشكل ذات قضبان صدئة و يقع خلفها مجموعة من أبراج الراديو و مباني المهجورة و خطوط للكهرباء و رغم ان كل تلك الأشياء تعد مألوفة الا أن سبب غموضها يرجع الى الاعتقاد بأنها مقر رئيسي يرجع الى محطة “MDZhB” الإذاعية او كما يطلق عليها ” UVB-76التى تمثل لغزا كبيرا نظرا الى انه لا أحد يعرف من القائم عليها رغم عملها لأربعة وعشرون ساعة متواصلة و على مدار أيام الاسبوع لفترة امتدت الى ثلاثة عقود و نصف مضت حيث ينحصر بثها فى عرض نغمة مملة و رتيبة يتخللها كل بضع ثوانٍ انضمام صوت اخر لها مثل اصوات بعض السفن التي تسمع من على بعد ثم تعود و تستكمل عرض نفس النغمة مرة أخرى .

و لا يقتصر غموض المحطة حول ذلك فحسب فخلال الاسبوع لمرة او اثنان يقرأ رجل أو امرأة بعض من الكلمات باللغة الروسية مثل “الزورق” أو “أخصائي الزراعة” وهذا كل شيء , و هى ليست محطة اذاعية سريه حيث يمكن لأي شخص في أي مكان من العالم الاستماع إليها عن طريق ضبط الراديو على التردد 4625 كيلو هرتز و اذا لم تستطيع الوصول اليها اذاعيا يمكنك الاستماع الى بثها عبر الانترنت حيث يتابعها عشرات الالاف من الاشخاص الذين يطلقون عليها اسم محطة ” الجرس ” و رغم مداومتهم على الاستماع اليها الا انهم ليس لديهم أي فكرة على الإطلاق عن طبيعة ما يستمعون إليه .

اذن ما قصة تلك الاذاعة و ماذا عن تاريخها و الى من تعود ؟

يُعتقد البعض أن محطة MDZhB و بثها الإذاعى يرجع إلى الجيش الروسي على الرغم من أنهم لم يعترفوا بذلك حيث بدأ البث لأول مرة في نهاية الحرب الباردة عندما كانت الشيوعية في حالة من التدهور داخل “الاتحاد السوفيتى” و يتم بثها حاليا من خلال موقعين أولهم فى مدينة “سان بطرسبرج” و الأخر بالقرب من “موسكو” و الغريب فى الأمر هى انها بعد انهيار “الاتحاد السوفيتي” و بدلاً من إغلاقها زاد نشاطها بشكل مكثف و لا أحد يعرف فائدتها أو أهميتها سوى بعض من الفرضيات التى يكون بعضها غريبا مثل البقاء على اتصال مع الغواصات إلى التواصل مع الفضائيين كما توجد فرضية اخرى بأنها تعد احدى ادوات “اليد الميتة”و هى خطة دفاعيه يتم اتخاذها حال تعرض “روسيا” لهجوم نووي حيث تتوقف المحطة عن البث لتقوم تلقائيا بالانتقام و من غير المعروف طريقتها الى ذلك سوى الوصول الى مرحلة المحو النووي الكامل على كلا الجانبين و رغم غرابة تلك الفكرة الا أنها من الممكن ان تكون منطقيه حيث كان ” الاتحاد السوفيتى ” يقوم بعملية مسح لموجات الهواء بحثًا عن اى علامات على وجود حياة أو حدوث تداعيات نووية و ربما كان لا يزال يستخدم ذلك النظام بالاضافة الى تصريح سابق للرئيس الروسى ” فلاديمير بوتين ” بأنه لن ينجو أحد من حرب نووية بين روسيا والولايات المتحدة فهل تكون محطة “الجرس” هى الوسيلة للرد ؟

أقرأ أيضا : نقطة نيمو .. البقعة الغامضة على سطح كوكبنا التى لم يصل إليها أحد و أكثر البشر إقترابا منها هم رواد الفضاء

و يرجع سبب تميز بث محطة MDZhB الى انها على تردد منخفض نسبيًا يُعرف باسم “الموجة القصيرة” وهذا يعني أنه مقارنة بإشارات الراديو و الهاتف المحمول و التلفزيون الأرضى فإن موجاتها تمر لمسافات أطول بسبب ارتدادها عن الجسيمات المشحونة في الغلاف الجوي العلوي بشكل يسمح لها بالتعرج بين الأرض والسماء والسفر لآلاف الأميال بدلاً من عشرات الأميال كما تفعل الموجات الأخرى ذات التردد العالى و التى لا تنتقل سوى في خط مستقيم و تضيع في النهاية عندما تصطدم بعقبات أو تصل إلى الأفق و هو ما يزيد احتمالية ان تكون تلك المحطة تستخدم كاداة عسكريه حيث تستخدم الموجات القصيرة فى الجيوش من قبل السفن والطائرات الحربيه لإرسال رسائل ذات مسافات طويله عبر القارات و المحيطات وسلاسل الجبال .

و رغم قوة ذلك الترجيح الا انه يوجد ما ينفيه فالطبقة العليا من الغلاف الجوى ليست ثابته بل هى تتغير مع مرور الوقت ففى خلال ساعات النهار ترتفع تلك الطبقة الى أعلى اما فى الليل فهى تقترب من الأرض و لذلك فاذا اراد احد الاستماع الى بث تلك المحطة فى الجزء الأخر من الكرة الأرضيه و على أساس انها ستكون جزءا من الحرب النوويه فمن المفترض على القائمين بادارة تلك المحطة تغيير ترددها ليكون ملائما لوضع الطبقة العليا فى الجزء الأخر من الكوكب و يتم التقاطها و هو ما لم يحدث و بجانب الترجيحات السابقه فتوجد فرضية أخرى تقول أنها مخصصة لقياس مدى بعد الجسيمات المشحونة فى الطبقة العليا من الغلاف الجوى حيث تعتمد مدى كفاءة أنظمة الرادارات الروسيه لرصد الصواريخ على مدة صعود الإشارة التى يطلقها الرادار إلى السماء ثم ارتدادها مرة أخرى و كلما كانت مرتفعه كلما كانت كفاءة الرادار اكبر .

و من المثير للاهتمام ان محطة MDZhB الغامضة ليست الوحيدة بل توجد واحدة أخرى قريبة الشبه منها و هى محطة ” لينكولنشير بواشير ” التى بدأت بثها فى منتصف السبعينيات من مكان غامض يعتقد انه فى قبرص حيث تقوم فى بداية كل ساعه ببث اللحن الشعبى الانجليزى ” لينكولنشير بواشير ” و الذى يتكرر بثه على مدار الساعه لـ 12 مرة ثم ينتقل البث الى صوت ألى لامرأة تقرأ رسالة بالانجليزيه مكونة من خمسة أرقام و هى “1-2-0-3-6” .

اذن محطة اذاعية روسية غامضه فى مقابلها محطة اذاعية بريطانية غامضة هل من الممكن ان تكون لكلا المحطتين بعدا مخابراتيا ؟

الاجابة على ذلك السؤال قد ترجع الى عشرينيات القرن الماضى حيث انتبه “الاتحاد السوفيتى” الى ان المخابرات البريطانيه MI6 تقوم بالتجسس على مراسلاتهم الصادرة من “بريطانيا” الامر الذى دعاهم الى ابتكار شفرة جديدة معقده يتم ارسالها على هيئة أرقام عبر بثها خلال المحطات الاذاعيه و هى كانت طريقة بارعه و نظرا لأن البريطانيين لم يستطيعوا كسرها فقد قرروا استخدامها ايضا بل و تطويرها و بدأت تنتشر محطات بث الأرقام حول العالم مثل محطة “نانسي آدم سوزان” و “رجل العد الروسي” و “شيرى رايب ” و ربما ” لينكولنشير بواشير ” و ” الجرس ” و الذان لا يزالان يعملان حتى اللحظة و الذى يزيد ذلك الاحتمال ترجيحا هو ما حدث عام 2010 عندما قامت المباحث الفيدراليه الامريكيه FBI بتفكيك شبكة من العملاء الروس الذين قيل إنهم كانوا يتلقون تعليماتهم عبر رسائل مشفرة على موجة الراديو القصيرة و على وجه التحديد الموجة 7887 كيلو هرتز و حتى فى كوريا الشماليه تقوم عبر اذاعتها بتلك الاعمال ففى عام 2017 بدأ المذيع في راديو بيونغ يانغ بمقدمة يقول فيها بأنه سيقدم أعمال المراجعة في دروس تكنولوجيا المعلومات في جامعة التعليم عن بعد لوكلاء الرحلة رقم 27 ثم بدء فى بث رسالة ممثلة بسلسلة من أرقام الصفحات والتي تشبه إلى حد كبير الشفرات .

و رغم التقدم التكنولوجى فى مجالات الاتصالات عبر البريد الاليكترونى و الهواتف المحمولة الى انه حتى اللحظة لا تزال فكرة استخدام المحطات الاذاعيه فى اعمال التجسس قيد الاستخدام حيث تتمتع بميزة رئيسية فعلى الرغم أنه من الممكن تخمين من يقوم بالبث الا انك لن تستطيع ان تعرف او تحدد إلى من يتم إرسالها بعكس اذا ارسلت الى بريد اليكترونى او هاتف محمول معروف صاحبه او من السهل تعقبه .

أقرأ أيضا : لم يستطيع أحد الوصول اليها سوى ثلاثة أفراد .. تعرف على خندق ماريانا أعمق نقطة موجودة على الأرض

و بالعودة الى اذاعتنا الروسية الغامضه محطة MDZhB يبقى السؤال هل ينطبق عليها ما هو موجود فى تلك المحطات ؟ .. الاجابة قد تكون غير مؤكدة نظرا الى انها لا تبث اى ارقام الا ان البعض يقول بأنه يوما ما ربما قد تتحول الى ارقام خلال الاوقات الطارئه حال غزو “روسيا” حيث ستعمل كطريقة لتوجيه شبكات التجسس و القوات العسكرية الموجودة في جميع أنحاء العالم و التى ستكون على أهبة الاستعداد خاصة في المناطق النائية حيث يقول “ماريس جولدمانيس” و هو احد متابعى تلك الاذاعه انه فى عام 2013 أصدرت تلك المحطة رسالة خاصة و هو الأمر 135 و التي قيل إنها رسالة اختبار للاستعداد القتالي الكامل الا انه لا يوجد احد اخر يؤكد سماعه تلك الرساله.

شارك الموضوع

عمرو عادل

فى الحياة الواقعيه مهندس ميكانيكا قوى اما فى الحياه الافتراضيه فباحث و كاتب و مدير الموقع دا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *