كلما ضعفت النفس أستسلمت للخرافة و هو الأمر الذي يدفع الكثيرين لإستغلال ضعف وعي الناس و تقديم أنفسهم علي أنهم سحرة أو عرافين لديهم قدرات خارقة علي معرفة الغيب و مع ذلك أثبت لنا التاريخ أن غالبية تلك التنبؤات غير حقيقية و أن من صدقوها كانوا ضحايا لعمليات إحتيال كبيرة و لكن مهما كانت الخسائر فبكل تأكيد كانت أقل بكثير عما حدث في جنوب أفريقيا منتصف القرن التاسع عشر حين قامت إحدي العرافات و هي فتاة مراهقة تدعي نونجكاووس بسرد نبوءة لأفراد قبيلتها تدعوهم فيها بضرورة التخلص من ماشيتهم و محاصيلهم التي يمتلكوها بزعم قيام الأرواح بالتخلص من المستعمرين البيض الذين يشاركوهم في خيرات تلك الأراضي و حين صدقوها و أمتثلوا لها تعرضت قبيلتهم لواحدة من أسوء المجاعات عبر تاريخها و خلفت ضحايا يقدرون بالألاف و كل ذلك بسبب إيمانهم الشديد بنبوءة غير منطقية .
وُلدت ” نونجكاووس ” عام 1841م بالقرب من نهر جكسارها في منطقة أراضي الهوسا المستقلة الواقعة بالقرب من حدود مستعمرة كافراريا البريطانية المنشأة حديثًا في كيب الشرقية بجنوب إفريقيا و لا يُعرف سوى القليل عن والدي ” نونجكاووس ” حيث ماتوا عندما كانت صغيرة و وفقًا للمؤرخ ” جيفري بي بيريس ” فقد توفي والديها خلال حملات ووتركلوف في حرب الحدود الثامنة لذلك قام عمها ” ملاكازا ” الذي كان نجل مستشار زعيم القبيلة ” ساريلي كاهينتسا ” بتربيتها حيث كان رجلاً متدينًا و روحانيًا غادر أراضي الهوسا بعد وفاة والدته و قضى بعض الوقت في مستعمرة كيب حيث فيها أصبح على دراية بالمسيحية ثم عاد مجددا إلي مسقط رأسه عام 1853 و كان له تأثيرًا كبيرًا في حياة ” نونجكاووس ” حيث عمل كمترجم و منظم لرؤاها و يعتقد أن تلك الفتاة رغم صغر سنها كانت واعية تمامًا و مدركة للتوترات الحادثة بين أفراد قبيلة الهوسا و مستعمرة الكيب نتيجة التعديات التي يقوم بها المستطوطنين الأوربيين علي أراضيهم .
و في أحد أيام شهر أبريل عام 1856 ذهبت ” نونجكاووس ” البالغة من العمر 15 عامًا برفقة صديقتها “نومباندا” التي كان عمرها بين 8 و10 أعوام لإخافة الطيور من محاصيل عمها في حقوله الواقعة بجوار البحر عند مصب نهر جكسارها في الوقت الحاضر و حين عادت أخبرت عمها أنها هناك التقت بأرواح اثنين من أسلافها و زعمت أنهم أخبروها بأن شعب الهوسا يجب أن يتوقف عن إستكمال الزراعة و يقوم بتدمير محاصيله مع ضرورة ذبح جميع الماشية الحية بسبب أنه تمت تربيتها بأيدي ملوثة علي حد تعبيرهم مع القيام ببناء حظائر جديدة للماشية و منازل جديدة للسكان تكون أبوابها منسوجة بجذور بوكا و علي الناس أن يهجروا السحر و الزنا و حين يتم الإمتثال لذلك سوف تقوم الأرواح بتجريف جميع المستوطنين الأوروبيين إلى البحر و سيكون شعب الهوسا قادرًا على تجديد مخازن الحبوب و ملء الحظائر بماشية أكثر جمالًا و صحة .
و رغم عبثية نبوءة ” نونجكاووس ” إلا أن ما ساهم في إيمان أفراد القبيلة بها هو إصابة العديد من قطيع الماشية الخاص بقبيلة الهوسا بأحد الأمراض الذي يحتمل أنه تم نقله عن طريق الماشية الأوروبية أما عمها ” ملاكازا ” فلم يكن يصدقها في البداية و لكن عندما وصفت له هيئة أحد الأرواح التي ظهرت لها ظن أنها تصف والدها و أخيه المتوفي و بذلك أصبح مقتنعا بكلامها و عليه ذهب إلي زعيم القبيلة ” ساريلي ” ليخبره بها و حين أقتنع بكلامه أمر بتنفيذ ما قالته ” نونجكاووس ” علي الفور حيث إجتاح القبيلة جنون عارم في التخلص من الماشية و يقدر المؤرخين أن أفرادها قتلوا ما بين 300000 إلي 400000 رأس من الماشية و لحسن الحظ لم يصدق كل شعب الهوسا نبوءات ” نونجكاووس ” حيث رفضت عشيرة صغيرة تُعرف باسم “أماجوجوتيا” أو البخلاء ذبح و إهمال محاصيلهم و قد أستغلت “نونجكاووس” هذا الرفض لاحقا لتبرير فشل نبوءتها على مدى خمسة عشر شهرًا بداية من أبريل 1856 و حتي يونيو 1857م .
أقرأ أيضا : تعرف علي أغرب إنتخابات رئاسية تم تزويرها عبر التاريخ
و خلال حماس أفراد القبيلة في التخلص من ماشيتهم و محاصيلهم تنبأت ” نونجكاووس ” بأن وعد الأسلاف سوف يتحقق في يوم 18 فبراير عام 1857 عندما تتحول الشمس إلى اللون الأحمر و حين زار زعيم القبيلة “ساريلي” مصب نهر جكسارها و تحدث مع “نونجكاووس” و عمها ” ملاكازا ” عاد و أعلن أن العالم الجديد سيبدأ خلال ثمانية أيام و في اليوم الثامن ستشرق الشمس باللون الأحمر الدموي و قبل أن تغرب مرة أخرى سوف تحدث عاصفة رعدية ضخمة و بعدها يقوم الموتي و خلال الأيام الثمانية التالية وصل قتل الماشية إلى ذروته و حين أتي اليوم الموعود لم يحدث أي شئ و فشلت نبوءتها في التحقق و ألقى أتباعها اللوم على أولئك الذين لم يطيعوا تعليماتها و أتهموهم بأنهم السبب في ذلك إلا أنه مع الوقت إنقلب أتباعها عليها هم أيضا و عقب فشل النبوءة حدثت مجاعة ضخمة أدت إلي إنخفاض عدد السكان من 105.000 إلى أقل من 27.000 و تم القبض على “نونجكاووس” بعد ذلك من قبل البريطانيين و سجنها في جزيرة روبن بالقرب من “كيب تاون” و بعد عدة سنوات أعيدت إلى مزرعة في منطقة الإسكندرية في منطقة الكاب الشرقية إلي أن توفيت عام 1898 و أستخدم السير “جورج جراي” حاكم كيب ذلك الوضع لصالحه و قام بطرد “سارهيلي” و شعبه و أعطى الأرض للمستوطنين البيض و خلال تلك المجاعة الشديدة تحول العديد من شعب الهوسا إلى أكلي لحوم البشر و تم التحقق من حالة واحدة لآباء يأكلون أطفالهم و كان من بين الناجين الفتاة ” نونجكاووس ” التي كانت نبوءتها سببا في دمار قبيلتها .