هوليوود و الشيوعيه

خلال فترة الأربعينيات و الخمسينيات و بالتزامن مع اندلاع الحرب الباردة بين المعسكر الغربى و الاتحاد السوفيتى اجتاحت الولايات المتحدة هيستيريا لمعاداة الشيوعيه و أصبح أسهل طريق للتغلب على خصومك أو مخالفيك فى الرأى هو اتهامهم بتلك الصفه خاصة من قبل المسئولين الحكوميين بقيادة السيناتور الجمهوري جوزيف مكارثي الذى وصم مئات الأمريكيين بأنهم أعضاء في الحزب الشيوعي أو على الأقل بالتعاطف مع تلك الأيديولوجيه و هى أمور ترقى من وجهة نظره الى درجة الخيانه و تجعل الموصومين بها يواجهون مضايقات عدة سواء كانت فى أعمالهم أو من المجتمع ككل و كان من هؤلاء الأشخاص عمال نقابيين و موظفين حكوميين و مفكرين بارزين بل و حتى أشهر فناني هوليوود و فى تلك المقاله سنستعرض أبرز المتهمين بالشيوعيه منهم و الذين تم إدراجهم على القائمة السوداء و منعهم من العمل بل و تم التجسس عليهم من قبل أجهزة الأمن الأمريكيه .

تشارلى تشابلن

تشارلى تشابلن

أشار مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI إلى أن الممثل الشهير “تشارلي تشابلن” متعاطف مع الشيوعيه و يمثل خطرًا أمنيًا محتملاً على البلاد على الرغم من أن “تشابلن” نفى كونه شيوعيًا على الاطلاق بل و أن الجواسيس الذين كانوا مكلفين بمراقبته أشاروا الى أنه لا يمثل خطرًا أمنيًا و ما هو الا مجرد شخص تقدمي يساري إلا أن مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي “إدجار هوفر” كان مصمماً على ترحيل الممثل و عمل بالتنسيق مع مكتب الهجرة على منعه من العودة إلى “الولايات المتحدة” بعد أن سافر إلى “لندن” للترويج لأحد أفلامه .

و تم بالفعل منع “تشابلن” من دخول “الولايات المتحدة” الا انه و بدلا من القتال لأجل العودة اليها من أجل فنه و أعماله فضل البقاء فى “سويسرا” وأصدر بيانًا حول تجربته قائلا : ” منذ نهاية الحرب العالمية الأخيرة و أنا كنت هدفا للأكاذيب و الدعاية من قبل الجماعات الرجعية القوية التي من خلال تأثيرها و بمساعدة الصحافة الصفراء الأمريكية خلقت جوًا غير صحي يعمل على تمييز الأفراد و اضطهادهم و في ظل هذه الظروف أجد أنه من المستحيل عمليًا مواصلة عملي في التصوير الفوتوغرافي فى هوليوود و بالتالي فقد تخليت عن إقامتي في الولايات المتحدة “.

لانجستون هيوز

لانجستون هيوز

اشتهر الشاعر و الكاتب “لانجستون هيوز” بدعمه للجماعات الشيوعيه في “الولايات المتحدة” بل إنه سافر في مرحلة ما إلى “الاتحاد السوفيتي” لإنتاج فيلم لكنه نفى دائمًا كونه عضوًا فى الحزب الشيوعى .

و إلى جانب تقارب ” هيوز ” الى الأفكار الماركسية انعكست آراءه اليسارية في بعض من أشعاره التي نشرتها الصحف الشيوعيه في “الولايات المتحدة” و لهذه الأسباب دفعه الكونجرس للإدلاء بشهادته و عندما سُئل عن سبب عدم انضمامه إلى حزب المجتمع الشيوعى رد “هيوز ” ببساطة : “لأن الحزب كان قائماً على الانضباط الصارم و قبول التوجيهات التي لم أرغب ككاتب في قبولها” و مع حلول عام 1953 و خلال شهادته العلنية أمام السيناتور “مكارثي” أضاف : “لم أقرأ أبدًا الكتب النظرية للاشتراكية أو الشيوعية أو حتى للاحزاب الديموقراطية أو الجمهورية ولذا فإن اهتمامي بأي شيء يمكن اعتباره سياسيًا بالنسبة لكم يعد بالنسبة لى مجرد نظرة غير طائفية و عاطفية إلى حد كبير “

و بعد الإدلاء بشهادته تلك أمام الكونجرس انسحب “هيوز” من ارتباطه بالشيوعية و أصبح أيضًا أقل سياسية في شعره.

اورسون ويلز

أورسون ويلز

كان المخرج و الممثل و الكاتب الكبير ” أورسون ويلز ” في ذروة حياته المهنية فى هوليوود عندما بدأت الحكومة الأمريكية في التحقيق معه باعتباره شيوعيًا محتملاً بسبب فيلمه الشهير ” المواطن كين ” Citizen Kane الذى أنتج عام 1941 و جسد فيه شخصية البطل فى بداية الفيلم كخادم اجتماعي مثالي سرعان ما ينقلب إلى رأسمالي متلاعب متعطش للسلطة حيث اعتبره مكتب التحقيقات الفيدرالي دليلاً على أن الفيلم مشبع بالأفكار الشيوعيه و لم يكن سوى حملة تشهير نظمها حزب المجتمع الشيوعى ضد الفكر الرأسمالى و أعتبر هذا بمثابة تهديد على أمن البلاد و وضعت الحكومة الامريكية ” أورسون ويلز ” على قائمة الأشخاص الذين يجب القبض عليهم في حالة الطوارئ الوطنية .

و بسبب علمه أنه كان مستهدفًا من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي غادر ” أورسون ويلز” “الولايات المتحدة” عام 1948 و انتقل إلى أوروبا حيث عاش لمدة ثماني سنوات و بعد عقد من الزمان وجد طريقته للتعبير عن امتعاضه من الأساليب المكارثية تلك من خلال فيلم ” لمسة الشيطان ” Touch of Evil الذي صور فيه فكرة تطبيق القانون بشكل ملتوى و اساءة استخدام السلطة من خلال مطاردة الساحرات بدلاً من حماية المواطنين .

ليونارد بيرنشتاين

“لست الآن أو في أي وقت من الأوقات عضوًا في الحزب الشيوعي” ، هكذا أقسم الملحن الشهير “ليونارد برنشتاين” في إفادة خطية و مع ذلك كان مكتب التحقيقات الفيدرالي مقتنعًا بأنه كان مخرّبًا سياسيًا خطيرًا و متأثرا بالأفكار الشيوعيه و تجسس عليه طوال العقود الثلاثة التالية حتى أنه تم إدراجه في القائمة السوداء في شبكة سي بي إس الامريكيه و عدم التعامل معه فى هوليوود و رفض طلبه لتجديد جواز سفره و كل ذلك بعد أن دعم المتظاهرين ضد حرب “فيتنام” و أنشطة الفهود السود مما جعله تحت أعين رجال ” ادجار هوفر ” الذي كان مصمماً على تدمير سمعته خاصة لدعمه تنظيم الفهود.

لينا هورن

لينا هورن

على الرغم من موهبتها و جمالها و شهرتها في هوليوود فلم تكن المغنية و الممثلة “لينا هورن” بعيدة عن العنصرية و التمييز نظرا الى انها كانت ناشطة سياسيه و تعاملت مع العديد من المنظمات التي تضم أعضاء من اليساريين المتطرفين و الشيوعيين و نتيجة لتلك الأنشطة أخذ مكتب التحقيقات الفيدرالي إشعارًا بوضعها في القائمة السوداء من “هوليوود” و عدم التعامل معها باعتبارها واحدة من المؤمنين بالأفكار الشيوعيه مما أجبرها على قضاء عدة سنوات في جولة كمغنية فى الملاهى الليلية لكسب لقمة العيش و من أجل إعادة حياتها المهنية إلى المسار الصحيح أنكرت “هورن” علانية أنها تنتمي إلى الحزب الشيوعي و كتبت سلسلة من الرسائل إلى أفراد مهمين في “هوليوود” تندد بأيديولوجيتها و في النهاية تمكنت من العودة إلى السينما و التلفزيون و أنتجت أيضًا تسجيلات ناجحة و مع ذلك لم يكن من السهل عليها الابتعاد عن اغراء السياسه حيث ظهرت فى حركة الحقوق المدنية في الستينيات و التى كانت مؤيدة بارزة لها .

دالتون ترامبو

دالتون ترامبو

و هو واحدا من أشهر كتاب هوليوود و الذى كتب العديد من الأفلام الحائزة على جائزة الأوسكار مثل Gun Crazy (1950) و Roman Holiday (1953) و The Brave One (1956) و مع ذلك لم يتمكن من الحصول على الشهرة الكافيه بسبب وضعه في القائمة السوداء حيث اضطر إلى بيع نصوصه تحت أسماء مستعارة مختلفة و ذلك لأنه على عكس العديد من زملائه في “هوليوود” كان “ترامبو” ذات يوم عضوًا يحمل بطاقة انتساب في الحزب الشيوعي و مع ذلك عندما استجوبه الكونجرس عن علاقاته السياسيه بالشيوعيه رفض بتحد الإجابة على أسئلتهم ثم احتُجز لاحقًا و ألقي به في السجن الفيدرالي لمدة عام و مُنع من العمل .

و لم تكتمل عودة ترامبو الرسمية إلى هوليوود حتى عام 1960 و ذلك بفضل زملائه مثل الممثل “كيرك دوغلاس” والمخرج “أوتو بريمينجر” الذين أصروا على حصوله على التكريم اللائق من خلال عمله فى فيلمى Spartacus و Exodus.

دورثى باركر

دورثى باركر

تعتبر دورثى باركر واحدة من أذكى الكتاب في عصرها و هى شاعرة و ناقدة لاذعة بدأت أعين الأمن فى الانتباه اليها عندما تم القبض عليها بتجمع سياسي عام 1927 لدعم الأناركيين الإيطاليين “بارتولوميو فانزيتي و نيكولا ساكو” الذين حوكموا و أدينوا بارتكاب جريمة قتل مشكوك فيها حيث دفعها ذلك الاعتقال الى مواصلة القتال من أجل عدد من القضايا السياسية و العماليه بما في ذلك نقابة كتاب السيناريو و الرابطة المناهضة للنازية التي اعتبرها مكتب التحقيقات الفيدرالي من الجبهات الشيوعيه على الرغم من أن “باركر” لم تكن أبدًا عضوًا في الحزب الشيوعي إلا أنها عُرفت بتعاطفها مع أيديولوجيته و لم يكن لديها أي مخاوف من الارتباط بأى منظمات المحلية.

و عندما كانت المكارثية في كامل قوتها كانت “باركر” في ذروة حياتها المهنية في الكتابة و رغم وجود اسمها على القائمة السوداء كانت لا تزال قادرة بالحصول على عمل لكنها شعرت أن خدماتها لم تكن مطلوبة بشدة و عندما جاء اليها عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي فى منزلها و تساءلوا عما إذا كانت تقوض الحكومة أجابت على الفور “اسمعوا .. أنا لا يمكنني حتى إبقاء كلبي في مكانه فهل أبدو إليك كشخص يمكن أن يطيح بالحكومة؟ ” .. و عندما وصلت ” باركر ” الى الستينيات من عمرها تقرر أخيرًا أنها لا تشكل تهديدًا محتملاً للأمن القومي .

المصادر
شارك الموضوع

عمرو عادل

فى الحياة الواقعيه مهندس ميكانيكا قوى اما فى الحياه الافتراضيه فباحث و كاتب و مدير الموقع دا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *