تعتبر جزيرة بالي التابعة لدولة إندونيسيا واحدة من أشهر الوجهات السياحية فى العالم نظرا لتميزها بإحياء الكثير من الاحتفالات و المهرجانات المتميزة على مدار العام و لكنها مثل العديد من الثقافات الأخرى لديها إحتفالات أكثر تميزا فى استقبال العام الجديد الخاص بهم و المعروف بإسم السنة البالية و التى تتوافق مع أول قمر جديد فى شهر مارس من خلال احياء عددا من الطقوس الهندوسية البهيجة على مدار عدة أيام تبلغ ذروتها فى يوم يطلق عليه اسم نايبي أو يوم الصمت و فيه يقوم جميع سكان تلك الجزيرة بالبقاء في منازلهم و إغلاق الأنوار و البقاء هادئين طوال ذلك اليوم و لا أحد مسموح له بالخروج حيث تصبح الشوارع فارغة تماما تصاب الحياة تماما بالشلل و ذلك من أجل التفرغ التام للصلاة و التأمل و التفكير .
و يكون الاحتفال بالسنة البالية مع أول قمر جديد من شهر مارس و بحسب معتقدات سكان الجزيرة فأن ذلك الوقت من العام يرسل فيه رب الجحيم كل الشياطين إلى “بالي” لذلك يجب إخلاءهم و تطهير الجزيرة منهم قبل بدء العام الجديد حيث تبدأ الاستعدادت لاستقباله قبل ذلك بعدة أسابيع حين تبدأ الدمى العملاقة المخيفة بالظهور في كل مكان و تقوم كل قرية بإنشاء دميتها الشيطانية الخاصة بها إستعدادا للمشاركة فى استعراض يطلق عليه “نجروبوك” و الذى يكون في الليلة التى تسبق يوم الصمت و تصنع تلك الدمى العملاقة بشكل أساسي من لب الورق الذى يتم طلاؤه و تزيينه حسب الحاجة و بعدها يعمل شباب و أطفال القري على صنع أكبر دمية حجما و أكثرها رعبًا لتمثيل القرية فى الإستعراض حيث يطلق على تلك الدمى الشيطانية اسم ” اوجوه اوجوه ” و ينظر اليها بحسب معتقداتهم بأنها أرواح شريرة و المتسببة فى الملوثات التى تحيط بهم أو فى اضطرابات الطبيعة من زلازل و براكين و سيول أو فى الحياة عموما حيث تكون تلك الدمى دائما ذات شكل مرعب و مستوحاة من مخلوقات أسطورية شريرة و تعتبر ضرورية لاحدى الطقوس الليلية المسماة بموكب التطهير قبل الاحتفال بالعام الجديد .
و بعد ذلك يقوم الهندوس الباليين بالكثير من أعمال التطهر من أجل الاستعداد للترحيب بالعام الجديد و الدخول فى يوم الصمت حيث تعتبر إحدى أبرز تلك الطقوس المقدسة فى ثقافتهم هي مراسم ” الميلاستي ” و خلالها يرتدي الباليين ثيابًا بيضاء و يشرعون في رحلة حج إلى الموارد المائية المختلفة المحيطة بهم مثل البحر أو النهر أو شاطئ بحيرة ليتم تطهيرهم بالماء و تقديم القرابين و الأشياء المقدسة حيث يسيرون معًا في موكب ضخم يبلغ ذروته عند الشاطئ و يقوده الكهنة و الشيوخ وسط دقات من موسيقى الجاميلان التقليدية و يكون لكل قرية طرقها الخاصة لإجراء ذلك الموكب حيث يكون غرضه هو التخلي عن الخطايا و الطموحات الغير أخلاقية للترحيب ببداية جديدة تمامًا كما أنهم يحملون أيضا جميع الأشياء المقدسة من معابدهم ليتم تنظيفها و تنقيتها بمياه التطهير .
و بجانب مواكب التطهير تقام مواكب أخرى لزيارة المعابد المنتشرة فى كل مكان على جزيرة بالي و التى تلقب بـ “أرض الألف معبد” و يمكن القول بأن اليوم السابق لرأس السنة الجديدة و يوم الصمت يعتبر هو الأكثر ازدحامًا بها حيث يزورها السكان المحليين للصلاة من أجل عام أفضل قادم و للتغلب على العناصر السلبية و خلق توازن مع الله و البشرية و الطبيعة و غالبًا ما يأتون للعبادة و هم مزينين بالكامل و محملين بأفضل القرابين لتمثل أقصى درجات الاحترام و العشق للآلهة و مع انقضاء اليوم تجري الاستعدادات لمسيرة ” النجروبوك ” الملحمية في أماكن مختلفة و لا يمر وقت طويل حتى يظهر الشباب من كل قرية إبداعاتهم على طول الحي بحملهم للدمى الشيطانية في محاولة لإبهار الجمهور الذي يصطف في الشوارع لمعرفة من الشيطان الذي يخيفهم أكثر هذا العام و على الرغم من أن العديد من هذه الدمى المخيفة مستوحاة من مخلوقات أسطورية من واقع الديانة الهندوسية الا أن تقليد ” أوجوه أوجوه ” هو في الواقع حديث المنشأ و تمت اضافته إلى تسلسل الاحتفال بالعام الجديد في بالي خلال فترة الثمانينيات .
و يستمر عرض الدمى الشيطانية حتى الليل و يتم نقل الـ ” أوجوه أوجوه ” عبر الشوارع و القرى الرئيسية و غالبًا ما يتم تغيير الاتجاهات بسرعة للتشويش و درء الأرواح الشريرة التي قد تكون كامنة في الزوايا و مع اقتراب ظلام الليل تضاء المشاعل لتضيف لمسات أكثر رعبا و غموضا للحفل بأكمله و كل ذلك وسط ايقاعات موسيقى الجاميلان و ينتهى العرض فى أخر الليل بإحراق الشرور الرمزية و الدمى يليها الرقص و الشرب و الولائم و الحفلات و بذلك يكون قد تم طرد الأرواح الشريرة من الجزيرة و معها الطموحات الخاطئة و النوايا السيئة و يتم الإستعداد للدخول فى يوم الصمت و الذى يبدء من الساعة 6 صباحًا و يستمر حتى الساعة 6 صباح اليوم التالي .
و سمى يوم الصمت بذلك الاسم لأنه اليوم الذى يبقى فيه الجميع بمنازلهم و يمنعون من ممارسة جميع الأنشطة سواء الطهى أو الترفيه أو تحريم إشباع شهوات الإنسان و غيرها باستثناء الصلاة و التأمل و بغض النظر عن أماكن الإقامة أو بعض الخدمات اللوجستية الضرورية فتكون البلاد مغلقة تمامًا و لا يكون هناك بث إذاعي أو تلفزيوني من أي مكان في العالم متاحًا في الجزيرة بأكملها و لا يُسمح بتشغيل الأضواء أو إشعال النار لذلك يكون الجو شديد السواد أثناء الليل لكنه لن يفرق كثيرا لأنه لا يُسمح لأحد بالخروج على أي حال و على الرغم من أن يوم الصمت هو مهرجان هندوسي الا أن السكان غير الهندوس في بالي يحتفلون أيضًا احترامًا لجيرانهم أما السائحين فيكونون أحرار في فعل ما يريدون داخل فنادقهم و لكن لا يُسمح لأحد منهم بالنزول إلى الشواطئ أو الشوارع و يتم إغلاق المطار في بالي و شركات الاتصالات السلكية و اللاسلكية و في عام 2018 بدأت بعض المناطق في قطع الاتصال بشبكة الإنترنت و قطع الكهرباء حيث يسمح الجو الهادئ لأي شخص من السكان المحليين و السياح على حد سواء بأخذ بعض من الوقت بعيدًا عن صخب الحياة الحديثة و التفكير و التأمل حقًا في أشياء أعلى في الحياة و يمارس العديد من الهندوس الباليين الصيام طوال ذلك اليوم و لضمان الامتثال لجميع تلك القواعد ينتشر الحراس المحليين المعروفين باسم ” شرطة يوم الصمت ” في جميع أنحاء الجزيرة و يقومون بدوريات في مناطقهم و الاستثناءات الوحيدة هي الظروف التي تهدد الحياة و النساء في المخاض حيث تظل المستشفيات مفتوحة بشكل طبيعى فى ذلك اليوم .
و بعد يوم الصمت تستمر الصلوات و الطقوس و تجتمع العائلات لتقديم القرابين و الصلاة في المعابد و الأضرحة أو حتى في أماكن مختلفة بين الطبيعة حيث يعتبر اليوم التالي لنييبي هو أيضًا يوم جيد لتلقي البركات و التطهير من كبار السن بالإضافة إلى إصلاح و مسامحة بعضنا البعض و يُظهر العديد من الأشخاص امتنانهم للبركات التي تلقوها في اليوم السابق من خلال مشاركتها عبر تقديم الحسنات للمحتاجين كما توجد لدى بعض من المناطق فى ” بالى ” طرق مختلفة للاحتفال و الترحيب بالعام الجديد واحدة منها و التي تجذب أكبر قدر من الاهتمام هو مهرجان ” أوميد أوميدان ” الذى يتضمن العديد من العروض التقليدية من الموسيقى إلى الرقصات و الترفيه من قبل الشباب المحليين و يحضره السكان المحليين و السياح لمشاهدة العروض الرائعة و تذوق الأطعمة المحلية المختلفة في أكشاك الطعام التي تصطف في الشارع و تؤدي إلى المسرح الرئيسي و يعتبر الحدث الرئيسى لذلك المهرجان هو تقبيل المحبين لبعضهم البعض حتى أنه يطلق أحيانا على ذلك الحدث إسم ” مهرجان التقبيل ” حيث يتمركز الشبان و الشابات على الجانبين المتعارضين و يلتقي الأزواج في منتصف الطريق و يمنح كل منهما الآخر قبلة أو عناقًا ودودًا و نظرا لأن الماء يعتبر هو رمز التطهير فيقوم بعض من القائمين على المهرجان برش الماء من الدلاء أو الخراطيم و التي تقابل بهتافات مبهجة من الحضور و خاصة الأطفال .
أقرأ أيضا : جولة فى منطقة جبل أثوس باليونان المحظور على النساء التواجد فيها