لماذا يعتقد أبرز علماء العالم أن الذكاء الصناعي أكبر تهديد للبشرية

في عام 2014 كانت الولايات المتحدة تشعر بالصدمة من تسريبات عميل وكالة المخابرات المركزية الأمريكية CIA إدوارد سنودن الذى أنشق عنها و قرر اللجوء الى روسيا و من هناك بدء فى نشر وثائق سرية للغاية تمس الأمن القومي لبلاده و الذى كان من بينهم كشف خطير يتعلق بتطوير الأمريكيين لبرنامج حرب إليكتروني يحمل إسم مونستر مايند الشبيه ببرنامج الذكاء الصناعي سكاى نت الذى ظهر فى فيلم الخيال العلمي تيرميناتور و لديه القدرة على اكتشاف الهجمات الإلكترونية الواردة إليه و الانتقام منها بالرد عليها بشكل فوري دون الحاجة الى أى تدخل بشري و هو الأمر الذى أثار الكثير من المخاوف لأنه خلال أحداث الفيلم تسبب ذلك البرنامج فى إدخال العالم الى محرقة نووية و عمليات إبادة للبشر و هو ما يمكن أن يحدث على أرض الواقع .

و سواء أحببنا ذلك أم لا فإن الأسلحة التي تستخدم الذكاء الصناعي تقترب من واقعنا كل يوم و لكن المشكلة فى طبيعة الثقة بها لأنها من الممكن أن تنقلب علينا و فى نفس الوقت من الوارد خداعها حيث يقول ” سنودن ” ” بأنه يمكن أن يكون لديك شخص جالس في “الصين” على سبيل المثال و يجعل الأمر يبدو و كأن إحدى هذه الهجمات مصدرها “روسيا” ثم ينتهي بنا المطاف بالرد على مستشفى روسي و بالتالى إندلاع حرب مدمرة و رغم أنه في الوقت الحالي تزن أجهزة الكمبيوتر العملاقة الأقرب إلى الذكاء الصناعي الحقيقي مئات الأطنان و تتطلب محطة طاقة نووية مزودة بأنظمة تبريد عملاقة لتزويدها بالوقود أى أنه من غير الوارد أن شخص يبدأ حربا نووية من جهاز تابلت لكنه أمر من الممكن حدوثه مستقبلا و هو ما دفع العديد من العقول العلمية الرائدة مثل “ستيفن هوكينج” و “إيلون ماسك” و غيرهم للدعوة ضد إجراء المزيد من الأبحاث العسكرية في مجال الذكاء الصناعي و يطالبون بحظر الأسلحة المستقلة الهجومية أو وفقًا لمفاهيمنا “الروبوتات القاتلة” .

روبوتات مسلحة تعمل بالذكاء الصناعي

و لمحاولة معرفة مخاطر استخدام الذكاء الصناعي فى المجالات العسكرية يجب علينا معرفة تاريخها مع البشر حيث هى مصطلح أستخدم لعقود قبل أن تكون أجهزة الكمبيوتر في جيوب الجميع و يعود المفهوم الحديث لها فى فترة الرئيس الأمريكى “أيزنهاور” و تم صياغة المصطلح لأول مرة في صيف عام 1956 خلال مؤتمر في جامعة “دارتموث” و كانت أهدافه واضحة من خلال بيانه فى دعوة كبار العلماء لمناقشة الذكاء الصناعي و الذى تم تقديمه على انه يمكن إنشائه بالبرمجة المسبقة لجهاز الكمبيوتر بقواعد السلوك البشري و إنشاء شيء مشابه للشبكات العصبية التي تحفز خلايا الدماغ على تعلم سلوكيات جديدة و بدأ الأمر يأخذ الطابع العملي على يد “مارفن مينسكي ” الذي أسس لاحقًا مختبر الذكاء الاصطناعي في معهد “ماساتشوستس” للتكنولوجيا و “جون مكارثي” الذى يعتبر أبو تكنولوجيا الذكاء الصناعي و كانت الحكومة الأمريكية من المعجبين بتلك التكنولوجيا و قدمت مبالغ مالية ضخمة على أمل أن يساعد الذكاء الصناعي في الفوز بالحرب الباردة و لبعض الوقت بدا الأمر كما لو أن الذكاء الاصطناعي سيحدث في المستقبل القريب حيث توقع “مينسكي” في وقت مبكر من عام 1970 أن آلة لها نفس ذكاء الإنسان العادي سيتم اختراعها خلال السنوات الثلاث إلى الثماني القادمة الا أن الواقع كان أقسى بكثير حيث خفضت الحكومة التمويل لذلك النوع من الأبحاث مما أدى إلى ما أصبح يعرف باسم “شتاء الذكاء الصناعي” و تأخرت إبتكاراته حتى عام 1981 عندما بدأت الشركات الخاصة فى العمل من حيث توقفت الحكومة .

جون مكارثي ابو الذكاء الصناعي
جون مكارثي ابو الذكاء الصناعي

و بحلول عام 1984 بدأت السينما فى التنبو بكيفية سيطرة الذكاء الاصطناعي على الجنس البشري و تدميره و ذلك في فيلم “تيرمينيتور” الذى صدر في ذلك العام و يناقش انتشار برنامج الذكاء الصناعي “سكاى نت” و سيطرته على الملايين من خوادم الكمبيوتر و في عام 1997 يحاول تدمير الجنس البشري من خلال إطلاق صواريخ نووية على “روسيا” مما دفعهم للرد عن طريق إطلاق صواريخهم نحو “الولايات المتحدة” و تبدء عمليات ابادة البشر و سيطرة الألة على الجميع بشكل يدفعهم الى العودة الى الماضى و محاولة تدمير ذلك البرنامج قبل توحشه .

و في الحياة الواقعية كان أكبر صراع بين الإنسان و الذكاء الصناعي عام 1997 على رقعة الشطرنج في معركة معروفة باسم “قيامة الدماغ الأخيرة ” حيث واجه بطل الشطرنج العالمي “جاري كاسباروف” الحاسوب العملاق “ديب بلو” الذي كان قادرًا على تقييم ما يصل إلى 200 مليون نقلة في الثانية الواحدة و استطاع هزيمة “كاسباروف” بسهولة و على الرغم من أنه بعيدًا عن امتلاك القدرة على السيطرة على العالم فقد كانت لحظة محورية أظهرت أن الذكاء الصناعي يمكن أن يفكر بشكل استراتيجي بمفرده على الرغم من أن “ديب بلو” لم يثبت أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يتعلم مثل البشر و لكن ببساطة يمكن أن يتفوق في مهام محددة فقط و خلال العقد الأول من القرن الحادي و العشرين توسع تلك التكنولوجيا بشكل كبير من خلال السيارات ذاتية القيادة و الهواتف المحمولة و روبوت المحادثة الذى يمكن أن يخدع الناس بالاعتقاد أنه شخص حي و مجموعة من الروبوتات التي يمكنها إنجاز مهام محددة حيث أصبحت الأن أجزاء من حياتنا اليومية و هو ما يضعنا أمام سؤال مهم هل من الممكن أن يؤدي هؤلاء المساعدين غير المؤذيين حاليا وظائف تجعلنا لا نستطيع الإستغناء عنها و الوثوق بها دائما بشكل غريزي مما يجعلنا أكثر استعدادًا لتسليم أنظمة أكثر حيوية و فتكا إلى سيطرتها؟

لقاء لاعب الشطرنج الروسي كاسباروف مع الكومبيوتر ديب بلو الذى يعمل بالذكاء الصناعي
كاسباروف و ديب بلو

أقرأ أيضا : المباراة التى هزم فيها بطل العالم للشطرنج كاسباروف أمام الكمبيوتر ديب بلو و أصبحت عنوانا لإنتصار الألة على البشر

و للاجابة على ذلك السؤال الهام لا نجدها سوى عند الجيش الأمريكى حيث اعتمد التقدم التكنولوجي الحالي على التمويل العسكري لسنوات فبدون استثمارات الجيش كان من غير المحتمل أن يكون لدينا نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) أو أجهزة كمبيوتر أو شبكة الإنترنت لذلك فليس من المستغرب أن الاستثمارات العسكرية تمول أيضًا أبحاث الذكاء الصناعي حيث تكمن المشكلة في أنه عندما يتم تسليح الروبوتات يتم تفعيل مجموعة مختلفة تمامًا من المعايير لأنه ببساطة من غير المعروف ما الذي سيحدث عندما يجتمع عدد من أنظمة الأسلحة تحت سيطرة روبوتات مستقلة التفكير و حتى و ان كانت هناك محاولات للسيطرة عليها من قبل البشر من خلال برمجتها لمنع إيذاء البشر فكيف سيكون ذلك اذا كانت هى بالأساس سلاح يستخدم لإيذاء البشر و كانت بداية تفكير الجيش حول تلك النقطة فى انتاج الطائرات بدون طيار التى اصبحت خيار شائع بسبب فوائدها حيث يمكن لشخص واحد في “الولايات المتحدة” مهاجمة مركبة أو فرد على الجانب الآخر من العالم دون تعريض نفسه للخطر و لكن بينما يتم توجيه الطائرات بدون طيار حاليًا من قبل الأشخاص الذين يتخذون القرارات النهائية فإن الخوف مستقبلا من أن التكنولوجيا ستتقدم يومًا إلى النقطة التي يمكن فيها اتخاذ قرارات قاتلة دون موافقة بشرية و هذا الخوف بالذات هو الذي دفع مجموعة من كبار العلماء في العالم إلى كتابة رسالة مفتوحة تحذر من مخاطر خلطه بالأجهزة العسكرية حيث تأتي دعوات العضو البارز “ستيفن هوكينج” ضد الذكاء الصناعي المُسلح إلى خوفه من اللحظة التي لا يفهم فيها صانعيها تمامًا الأسلحة التي يتم إنشاؤها و تبريره أن البشر يتطورون ببطء شديد مقارنة بتطورات الذكاء الصناعي و هو ما أكده “راي كورزويل” مدير الهندسة في موقع ” جوجل ” حيث قال أن الذكاء الاصطناعي سيتفوق على الذكاء البشري في وقت مبكر من عام 2045 و هو ما زاد من إثارة التخوفات .

و لا تعتبر الأسلحة المعتمدة على الذكاء الصناعي هي الخوف الوحيد أيضًا حيث شهدت “الولايات المتحدة” محاكاة لكيفية استخدامه كسلاح في بورصة نيويورك عام 2010 و في غضون 10 دقائق فقط تمكن من إخفاء ما يقرب من تريليون دولار ثم عادت مرة أخرى و لقد كان التصور الناتج عن تلك الفعلة كارثيا بحدوث انهيارًا أكبر مما شوهد فى أحداث هجمات 11 سبتمبر أو سقوط بنك ليمان براذرز الذي أدى إلى الكساد العظيم فى ثلاثينيات القرن الماضى و كان الجناة المسئولين عن ذلك عبارة عن إصدارات بسيطة نسبيًا من الذكاء الاصطناعي و التى كانت تقدم أوامر السوق و تلغيها و هي سلسلة معقدة من المشغلات الآلية و التى ببساطة كانت تعمل على إبطاء الطلبات و خلق تباينات في الأسعار استمرت لبضع ثوان داخل بورصة نيويورك و لكن رغم كارثية ذلك الفعل الا ان العلماء كانوا لا يزالوا يركزون على المخاطر المتوقعة على مستقبل الحياة من خلال التركيز على الأسلحة المادية فقط و التى من الممكن ان تقوم بمهام مثل الاغتيالات او زعزعة استقرار الدول و إخضاع السكان و القتل الانتقائي لمجموعة عرقية معينة .

النظام الروبوتي المسلح المتقدم المعياري (MAARS)
النظام الروبوتي المسلح المتقدم المعياري (MAARS) الذى لا يحتاج لتحكم من البشر

و أوضح العلماء وجهة نظرهم حول مخاطره المحتملة و أشاروا الى ضرورة تنظيمه لمنعه من السيطرة على البشرية و من ناحية أخرى فهو يحمل مجموعة مختلفة تمامًا من المشاكل فعلى سبيل المثال فيوجد أحد أنواع الذكاء الصناعي يحتاج إلى تنظيم فوري و هى السيارات ذاتية القيادة حيث أن التباسًا بسيطًا في البرمجة قد يجعل السيارة ذاتية القيادة لا يمكن السيطرة عليها فإذا كان طفل يركض أمام سيارة منهم و كانت مبرمجة لحماية حياة الإنسان فهل تنحرف بعيدًا عن الطفل و تعرض ركابها للخطر أم تصطدم بالطفل و تحمي الركاب و بينما الشخص الذي يقود السيارة هو من يتخذ القرار و هو من سيحاسب على قراره فعلى من سيقع اللوم في حالة السيارة ذاتية القيادة ؟

و لمحاولة تنظيم عملية الذكاء الإصطناعي حدد العلماء أربعة أنواع منه و الذين من الضرورى القيام بعملية تنظيم لهم و هم :

  • الآلات التي تفكر مثل الإنسان و هى الآلات التي لها عمليات تفكير مماثلة للبشر و لا تعتبر أجهزة الكمبيوتر التي تلعب الشطرنج منها لذا فإن هذا التعريف لا يشمل كل ما يعتقده الناس على أنه ذكاء صناعي و لكن المقصود هنا هو النوع الذي يمكن أن يتفوق على البشر فى حال تفكيره مثل الإنسان .
  • الآلات التي تتصرف مثل الإنسان أو هى الآلات التي لها سلوكيات مماثلة للبشر لأن نقل تعقيد المشاعر الانسانية إلى برنامج كمبيوتر يحب و يكره أمر بالغ الخطورة رغم استحالة تنفيذه فى الوقت الحالي .
  • الآلات التي تفكر بعقلانية و هى الآلات التي لها أهداف و لديها القدرة على تطوير نفسها من أجل تحقيقه .
  • الآلات التي تتصرف بعقلانية و هى الآلات التي تعمل فقط بطرق تدفعها نحو تحقيق الأهداف .

أقرأ أيضا : الغابات العمودية .. فكرة مذهلة لتغيير نمط المدن و جعلها أكثر صحيه

و فى الوقت الحالي يبحث علماء الأعصاب من خلال الذكاء الصناعي عن طرق لمساعدة المصابين بالشلل على استعادة التحكم الحركي لكن الجيش يعتقد أنه يمكن استخدامها أيضًا لتقوية أجساد الجنود و هو ما تنبأ به “ألبرت أينشتاين” حين قال أن التكنولوجيا التي يتم تطويرها لمساعدة الناس قد ينتهي بها الأمر إلى استخدامها لإيذاء الناس كما يبحث الجيش أيضًا في التكنولوجيا التي طورها علماء الأعصاب لصنع أسلحة مثل الدبابات غير المأهولة و أدوات محو الذاكرة و بصمات الدماغ التي يمكنها قراءة عقول الناس ثم بالطبع الطائرات بدون الطيار التى يمكنها اتخاذ قرارات القتل الخاصة بها رغم تأكيدات من مسئولين عسكريين أننا لا نزال بعيدين عنها .

شارك الموضوع

عمرو عادل

فى الحياة الواقعيه مهندس ميكانيكا قوى اما فى الحياه الافتراضيه فباحث و كاتب و مدير الموقع دا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *