السهم المكسور .. عندما فقدت الولايات المتحدة أول قنبلة ذرية فى تاريخها خلال الحرب الباردة

بعد مرور سنوات من استخدام الولايات المتحدة لقنبلتها الذرية لفرض الاستسلام على اليابان خلال الحرب العالمية الثانية و تفجير الإتحاد السوفيتى ( روسيا حاليا ) هو الأخر لقنبلته الذرية بات من الواضح ان العالم على شفا مرحلة صراعات جديدة عرفت وقتها بإسم الحرب الباردة حيث انكب كلا الجيشين على تصنيع أقوى الأسلحة فتكا و تطوير الوسائل التى تستطيع أيصالها نحو أراضى الخصم سواء كانت صواريخ باليستية عابرة للقارات أو قاذفات استراتيجية مثل طائرة كونفير بي 36 التى تعتبر بمثابة أول قاذفة عابرة للقارات و القادرة على حمل أسلحة نووية إلى أي جزء من الأرض حيث كانت القيادة الجوية الاستراتيجية الأمريكية حريصة على اختبار تلك الطائرات الجديدة بحمولات حقيقية و هو ما كاد يؤدى الى حدوث كارثة نووية فوق الأراضى الكندية و تسجيل أول حالات من السهم المكسور و هو مصطلح يستخدمه الجيش الأمريكي لوصف حادث ما له علاقة بأسلحة نووية الذى لا يزال تفاصيله و تداعياته حتى اللحظة غامضة .

ففى يوم 13 من فبراير عام 1950 أقلعت قاذفة من طراز “كونفير B-36” من قاعدة “إلسون” الجوية بالقرب من منطقة “فيربانكس ” بولاية “ألاسكا” بطاقم مكون من 17 فردًا فى رحلة تدريبية كان الهدف منها محاكاة عملية تفجير على مدينة رئيسية في “الاتحاد السوفيتي” حيث كان من المقرر أن تطير القاذفة فى مسار يبلغ طوله 8900 كيلومتر يبدء من ولاية “ألاسكا” ثم تمر على ولاية “مونتانا” و منها تتجه إلى مدينة “سان فرانسيسكو” التى ستكون هى المدينة الأعتبارية للقصف و بعد انتهاء مهمتها تتوجه الى قاعدة “كارسويل” الجوية في ولاية “تكساس” لكن الأمور لم تسر كما هو مخطط لها فبعد فترة وجيزة من الإقلاع بدأ الجليد يتراكم على جسم القاذفة بشكل أضاف وزنا زائدا و ضغطا اضافيا على المحركات أدى ذلك فى النهاية الى اشتعال النيران في ثلاثة منها و هو ما دفع قائد الطائرة إلى إغلاقها و الطيران بثلاثة محركات فقط و لكن كان من الواضح أن تلك الإجرائات غير كافية حيث بدأت القاذفة فى فقدان ارتفاعها بمعدل 150 متر في الدقيقة الواحدة .

قاذفة القنابل الأستراتيجية B36

نتيجة ذلك تصرف قائد القاذفة الكابتن “هارولد باري” و طاقمه بسرعة حيث كان أمره الأول هو التخلص من القنبلة الذرية التى كانت من طراز “مارك 4” و الموجودة داخل الطائرة وفقًا للبروتوكول العسكري لإبقاء الأسلحة النووية أو مكوناتها بعيدًا عن أيدي العدو و لكن عندما ضغط مساعده على زر إطلاق القنبلة لم يحدث شيء ثم قام بتكرار ما فعله مرة ثانية و لحسن الحظ فتحت أبواب غرفة القنبلة داخل القاذفة و تم إسقاطها فوق المحيط الهادئ حيث تم و وفقا لتقارير الطاقم لاحقا تفجير أجزائها النشطة و بالتالى تدمير القنبلة و بعدها قام “باري” بتشغيل الطيار الآلي للقاذفة المعطوبة لتوجيهها في مسار نحو المحيط المفتوح بينما هبط هو و طاقمه بالمظلات فوق جزيرة “الأميرة الملكية” على ساحل “كولومبيا البريطانية” بينما ظلت القاذفة المهجورة تسير لمسافة 320 كيلومتر أخرى ثم انحرفت عن مسارها المحدد و اصطدمت بالجانب الثلجي لجبل “كولوجيت” في أعماق البرية الكندية الداخلية .

نموذج للقنبلة الذرية مارك 4

و نظرا لاعتبار ذلك الحادث من فئة السهم المكسور فقد أنطلقت على الفور قوة مشتركة من الجيشين الأمريكي و الكندي فى مهمة بحث و إنقاذ ضخمة شملت 40 طائرة تجوب الساحل المتجمد و بفضل جهودهم تم انتشال 12 من أفراد الطاقم البالغ عددهم 17 على قيد الحياة واحدا منهم وجد متدليًا رأسًا على عقب من مظلته في شجرة بكاحل مكسور أما الباقين فلم يتم العثور عليهم بمن فيهم قائد السلاح الكابتن” ثيودور شراير” و أجرى الجيش الأمريكي تحقيقا مع الطاقم الذي أكد كل منهم تقرير الكابتن “باري” بأن القنبلة “مارك 4 ” تم تفجيرها بأمان قبل التحطم و رغم ذلك الا أن البحث قد استمر عن حطام الطائرة حيث كان ذلك هو الطريقة الوحيدة للتأكد من صدق رواية الطيارين الا أن فريق البحث التابع للقوات الجوية الأمريكية لم يتمكن من العثور على أى أثر للطائرة التي سقطت و افترضوا أنها تحطمت في المحيط الهادئ و لكن بعد ثلاث سنوات رصدت عملية إنقاذ كندية تبحث عن منقب نفط مفقود حطام القاذفة فوق “جبل كولوجيت” عن طريق الصدفه و تم إبلاغ الأمريكيين بإحداثيات المكان و حاول سلاح الجو ثلاث مرات إرسال بعثات إلى موقع التحطم الموجود عند ذلك الجبل النائي لكن كان على كل فريق منهم التراجع بسبب سوء الأحوال الجوية و الظروف القاسية و أخيرًا في عام 1954 وصل طاقم صغير إلى حطام القاذفة B-36 و شرع في تجريدها من أي معدات سرية و تدميرها .

خريطة مسار الطائرة و انحراف مسارها و مكان تحطمها

و نظرًا لأن تقرير البعثة التى وصلت الى الحطام كان سريًا للغاية فلم تظهر أي كلمة حول مكان وجود القنبلة الذرية المفقودة لذلك لا أحد يعرف عما اذا كان هناك أدلة وسط الحطام تشير الى أن القنبلة قد تم إطلاقها بالفعل قبل الاصطدام ام لا و نظرا لعدم وجود أى دليل قاطع فقد بدأت الشائعات تدور حول حادث السهم المكسور و المصير الحقيقي للقنبلة الذرية و كان فى بؤرة هذه الشائعات الكابتن “شراير” قائد السلاح المفقود حيث أشار عدد من الادعاءات التي لا أساس لها إلى مصائر بديلة للقنبلة المفقودة أولها أنه تم العثور على جثة وسط حطام “جبل كولوجيت” و رجحت بأنها ترجع الى ” شرير ” حيث كانت سابقا طيارا في شركة طيران و ربما فضل الانتظار فى الطائرة لمحاولة السيطرة عليها و اعادتها الى “ألاسكا” لأن انحرافها كان غريبا بعد أن كان مقدرا أن تسقط فى المحيط الهادئ اما الشائعة الأخرى تقول بأن القنبلة لم تغادر الطائرة أبدًا و أن “شراير” مات أثناء محاولته إعادتها إلى وضع الأمان خلال محاولاته الرجوع الى قاعدة القوات الجوية و من طرفه لم يؤكد الجيش أيًا من تلك الشائعات أو ينفيها و على مدار نصف القرن التالي قام مغامرون و محققون هواة آخرون بالذهاب إلى موقع تحطم الطائرة لمعرفة ما يمكنهم العثور عليه أو حتى سرقته .

أقرأ أيضا : المشروع أزوريان .. خطة وكالة المخابرات المركزية الأمريكية لإنتشال احدى الغواصات السوفيتية الغارقة

و فى عام 2003 قام فريق استقصائي بقيادة “جون كليرووتر” و هو خبير في برنامج الأسلحة النووية الكندي برحلة إلى موقع التحطم لإجراء تقييمه الخاص حول ذلك الحادث حيث ظهر فى البداية أن معظم أجزاء الطائرة قد دمرت على يد الفريق الذى وصل اليها عام 1954 أو سرقها أجيال من اللصوص المغامرين و رغم ذلك الا أن بعثته وجدت شيئًا مثيرًا للاهتمام ففى حين أن التحطم و ما فعله فريق البحث قد دمر الكثير من المعدات في حجرة القنابل الا أن غلاف القنبلة المسئول عن حمل السلاح المعلق كان سليماً بشكل مثير للإعجاب و خلص “كليرووتر” و فريقه إلى أنه إذا سقطت القنبلة مع بقية الطائرة و ظل القيد كما هو في حالة جيدة لكان هناك بعض الأدلة الواضحة على وجودها في الحطام لكن لم يكن هناك أى شئ و عليه كان التفسير الأكثر تقليدية لمصير أول حوادث السهم المكسور هو أنه على الأرجح بقايا القنبلة مستقرة في أعماق المحيط و رغم أن تحطم تلك الرحلة هى بمثابة أول حادث من حوادث السهم المكسور الا أنها لم تكون الأخيرة فعلى مدار الـ 24 عاما التالية تخلت الولايات المتحدة و الاتحاد السوفيتي عن 23 قنبلة نووية أخرى ما بين الفقدان أو أطلاقها عن طريق الخطأ .

شارك الموضوع

عمرو عادل

فى الحياة الواقعيه مهندس ميكانيكا قوى اما فى الحياه الافتراضيه فباحث و كاتب و مدير الموقع دا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *