كثيرا ما يحدث جدلا بين الناس حول أيهما هو الأفضل بالنسبة اليه فصل الصيف ام الشتاء و نجد أفرادا من كلا الفريقين يقول أسبابه لايضاح مدى قناعته و لكن فى أحد الاعوام التى مرت على كوكب الأرض قد يختفى ذلك الجدل تماما لعدم وجود فصل صيف من الاساس و حلول شتاء قارص لم يتحمله الكثيرين استمر لفترة عام كامل فى فترة عرفت بإسم عام بلا صيف شهد فيه العالم موجة كبيرة من الكوارث مثل انتشار المجاعات و الاوبئة .

بدأت القصة فى اوائل القرن التاسع عشر و تحديدا عام 1816 و الذى عرف بعد ذلك تاريخيا باسم ” عام بلا صيف ” و الذى شهد فيه كوكب الأرض العقود الختامية للعصر الجليدي الصغير و هى الفترة التى تراوحت بين عامى 1810 و 1823 ميلاديه كان النشاط الشمسي فيها منخفض نسبيًا و فى حالة من السبات و هى ظاهرة علميه معروفة بإسم ” منخفض دالتون ” حيث كانت الشمس تحتوى على عدد محدود للغايه من البقع الشمسيه التى كانت تستخدم لدى خبراء الارصاد كمصدر لتوقعات الطقس بعيدة المدى و فى نفس الوقت و على كوكب الارض كان هناك بركانا يبلغ ارتفاعه ما يقارب من أربعة كيلومترات يطلق عليه اسم ” جبل تامبورا ” و يقع في جزيرة “سومباوا” بالقرب من بالي بإندونيسيا حيث شهد ثورانا ضخما عام 1815 وصفه البعض بأنه أعظم الانفجارات البركانية التى حدثت في التاريخ حيث خرجت انهار من الحمم تتدفق على جوانب الجبل لتقوم باحراق المراعي والغابات ثم اعقب ذلك حدوث هزات أرضيه تسببت فى موجات التسونامى اجتاحات المنطقة لتبلغ حصيلة الخسائر فى ذلك الوقت 90 الف ضحيه و خلال تلك الثورة البركانيه قذف “جبل تامبورا” كميات هائلة من الرماد البركاني الى الغلاف الجوي العلوي للأرض حيث تم نقله و انتشاره حول العالم بواسطة التيارات الهوائيه ليغطى كامل الكوكب بغطاء من الغبار البركاني كما لو كان مظلة كونية عظيمة بشكل أدى إلى اعاقة ضوء الشمس و اضعاف فعاليتها بشكل كبير أدى إلى حدوث برودة قياسية في كثير من أنحاء العالم خلال فصل الصيف .

نتيجة لذلك البرد القارص حدثت فوضى كبيرة في الإنتاج الزراعي في أجزاء كثيرة من العالم مما تسبب بشكل مباشر أو غير مباشر في تلف الكثير من المحاصيل أدت الى حدوث زيادات هائلة في أسعار الغذاء و انتشار المجاعات و الاوبئة ففى الولايات المتحدة قتل الصقيع في شهر مايو معظم المحاصيل في شمال ولاية نيويورك والمرتفعات العالية في ماساتشوستس ونيو هامبشاير وفيرمونت و تساقطت الثلوج فى أوائل يونيو بنيويورك كما لوحظ فى يوليو وجود الجليد في البحيرات و الانهار حتى شمال غرب بنسلفانيا مع حدوث حالات تجمد للطيور الكبير منها و الصغير و الإبلاغ عن حدوث صقيع في اغسطس بأقصى الجنوب فى فرجينيا و بسبب كل ذلك تضاعفت أسعار الحبوب في الولايات المتحدة أربع مرات على الأقل أما فى أوروبا فقد حدثت المجاعات و أعمال شغب في العديد من المدن الأوروبية و انتشار لوباء التيفوس فى بعض من المناطق بينما عانت الصين من تلف هائل فى محاصيلها و حدوث فيضانات كارثية بها كما أدى اضطراب موسم الرياح الموسمية الصيفية الهندية إلى انتشار وباء الكوليرا بداية من نهر الغانج وصولاً إلى موسكو و زادت فى ذلك العام حالات الانتحار بين الناس بسبب الشعور باليأس الناجم عن الجفاف و الافلاس و نقص الغذاء .

كان صيفا صعبا وصفه شهود العيان فى ذلك الوقت بأنه خلال الموسم بأكمله كانت الشمس تشرق كل صباح كما لو كانت وسط سحابة من الدخان حيث كانت حمراء اللون وخالية من الأشعة و كل ما تفعله هو تسليط القليل من الضوء أو الدفء ثم تختفى في الليل تاركة بصعوبة تأثيرها فوق وجه الأرض مثل ما حدث فى ولاية فيرمونت حيث تجمد احد المزارعين من البرد حتى الموت و وفقًا لشهادة ابن أخيه “جيمس وينشستر ” فقد حدثت عاصفة ثلجية عظيمة في 17 يونيو من ذلك العام حيث كان متواجدا عند عمه الذى غادر المنزل للذهاب إلى حظيرة الأغنام و بينما هو خارجا قال لزوجته مازحا : ‘إذا لم أعد بعد ساعة فاتصلى بالجيران وابدأوا بالبحث عنى و بالفعل لم يعد و بعد ثلاثة أيام وجده الباحثون فى الخارج متجمدا كما أحتفظ القس “توماس روبينز” من إيست وندسور بولاية “كونيتيكت” بمذكراته عن هذه السنة الباردة حيث روى فيها قصص عن تجمد رجال حتى الموت و فشل محصول الذرة و تجمد بئر فى بلدته كما كان يتم تناول الاسماك كلحوم بديلة عن الابقار و الخنازير التى ماتت من التجمد فى مزارعها كما روى البعض بعض الشهود الاخرين انه كان يتم قطف الثمار من الاشجار و ادخالها الى البيوت من أجل تدفئتها اولا قبل أكلها حيث كانت حياة صعبه كتبت عنها مجلة أمريكا الشماليه التى صدرت عام 1816 عنوانا يقول “ماذا سيحدث إذا سئمت الشمس من إضاءة ذلك الكوكب الكئيب؟” .

أقرأ أيضا : خمسة ثورات بركانية ضخمة غيرت العالم و البشرية

و رغم تلك الجوانب السلبية لذلك العام الا أن كان له بعض من الامور الايجابيه فنتيجة لعدم توفر محصول الشوفان لإطعام الخيول التى تجر العربات خلال النقل فى ذلك العام قام المخترع الألماني كارل درايس بالبحث عن طرق جديدة للنقل بدون أحصنة مما أدى إلى اختراع الدريسين الذى يعتبر اللبنة الاولى للدراجة الحديثة كما ادى ذلك الطقس السيئ فى الولايات المتحدة الى نزوح الاف العائلات لمناطق جديدة ذات مناخ أكثر ملاءمة و تربة أغنى وظروف نمو أفضل حيث تشكلت ولايات جديدة مثل انديانا و الينوى كما أجبرت تلك الظروف الجوية السيئة الاديبة و الروائية “ماري شيلي” على البقاء في فيلا ديوداتي المطلة على بحيرة جنيف فى سويسرا لتخرج منها بواحدة من أشهر روايات الرعب و هى ” فرانكنشتاين ” .

و رغم ان ذلك التأثير كان مؤقتا بعد سقوط جزيئات الرماد و الهباء من الغلاف الجوي الى الأرض بشكل سمح بدخول أشعة الشمس مرة أخرى الا أن العلماء لا يستبعدون تكرار ذلك الامر حيث قالوا أن إن الانفجارات البركانية بمقياس تامبورا تحدث مرة كل ألف عام في المتوسط و قد تكرر بالفعل ذلك الحادث عدة مرات الا انه كان بشكل أقل تأثيرا عن ما حدث فى ذلك العام حتى ان البعض منهم يعقد امالا على تلك الثورات البركانيه فى محاولة تبريد درجة حرارة كوكب الأرض بغرض ابطاء مشكلة الاحتباس الحرارى التى تتسبب فى ارتفاع درجات الحرارة عن معدلها الطبيعى .

شارك الموضوع

عمرو عادل

فى الحياة الواقعيه مهندس ميكانيكا قوى اما فى الحياه الافتراضيه فباحث و كاتب و مدير الموقع دا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *