مصارعة الأخطبوط

من الأجزاء الملحمية المألوفة فى الروايات الأسطورية أن يقوم بطلها بقتال أحد الوحوش البحرية المخيفة التى تمتلك عدد من الأذرعو و يخوض خلالها معه معركة مثيرة تحبس لها الأنفاس و رغم خيالية المشهد الا أن بعض من الناس قرروا أن يكون الأمر واقعيا و ينقلوه من أوراق الروايات الى ساحات الرياضة فى لعبة عرفت بإسم مصارعة الأخطبوط و هى رياضة ظهرت فى الولايات المتحدة بالفترة ما بين أواخر الأربعينيات و حتى منتصف الستينيات و يقوم فيها اللاعبين بالغوص أسفل المياه للبحث عن ذلك الحيوان البحرى لخوض قتال ضاريا معه من أجل سحبه الى الأعلى و جذبه الى الشاطئ وسط حضور مكثف من المشاهدين خلال بطولة تنظم بشكل سنوى و تبث تلفزيونيا .

و يعتقد أن تلك الرياضة قد بدأت فى أواخر الأربعينيات نظرا الى أن أول مقالة تحدثت عن مصارعة الأخطبوط ظهرت فى مجلة ” ميكانيكس اليوستريتد ” عام 1949 و كانت عن قصة لأحد الأشخاص و يدعى ” ويلمون مينارد ” تفاخر بأن هوايته المفضلة كانت مصارعة الأخطبوط الذى وصفه بأنه “ملك المحيط الماكر ذو الثماني أذرع” حيث أمتع القراء برواية قصة عنه و هو يساعد صيادًا محليًا في ” تاهيتى ” خلال إشتباك مع أخطبوط عملاق في الأعماق الصافية للمحيط و توضح المقالة أن أسباب ذلك الصراع بين الانسان و الأخطبوط يرجع الى قول زعيم قبلي في تلك الجزيرة أن ذلك الحيوان البحرى هو شبح متجول لإله البحر الشرير الذي يُدعى “تومو راي فينو” و المعروف عنه انه يشيع الرعب من البحار و يمسك السماء بمخالب ضخمة و يرسل جحافل من أتباعه لتدمير القرى من وقت لآخر حيث قامت تلك الأساطير بتنمية ثقافة صيد الأخطبوط و مصارعته في القبيلة و التي كانت مجرد هواية ممتعة لمينارد الذى كان يقوم بقتالهم مع شريك له يدعى ” رو ” حيث كانا يحاصران الأخطبوط فى المياه و سرعان ما يضربوه بالحراب و يقتلوه ثم يعودون به الى القريه و يبدأون فى التهامه و بعدها يكررون ذلك الأمر مجددا و التى فى احدى المرات نشب قتال كبير مع أخطبوط ضخم الحجم لم يستطيع هو أو مساعده فى العراك معه بمفردهم و اضطروا الى الاستعانة بكامل سكان القريه حيث كان شرسا للغاية و أصاب ” مينارد ” باصابة كبيرة فى ساقه حيث يقول حول تلك اللعبة بأنه يدرك أن البعض ينظر اليها على أنها رياضة بغيضة و لكنها في الحقيقة أكثر متعة من صيد بعض المخلوقات غير المؤذية فعندما تصارع و تقتل أخطبوطًا فإنك بذلك تخلص العالم البحري من عدو غادر .

و بعد نشر قصة ” ويلمون مينارد ” فى الاعلام الامريكى و حديثه عن مصارعة الأخطبوط أستحوذت على قلوب و عقول الغواصين في جميع أنحاء العالم فمع نهاية الحرب العالمية الثانية كان إحساس الإنسان بالمغامرة و العطش للخطر يتزايد و سيطرت أفلام الخيال العلمي و أفلام الوحوش على وسائل الإعلام في تلك الحقبة وأصبح البحر مرة أخرى مكانًا للاكتشاف و الترفيه خاصة مع الابتكارات التى ظهرت فى معدات الغوص و التى ساهمت بشكل فعال فى ظهور تلك الرياضة أيضا .

و مع توالى السنوات أصبحت مصارعة الأخطبوط بمثابة الرياضة الأكثر شعبية في الساحل الغربي للولايات المتحدة خلال فترة الستينيات حيث كان يقام فى تلك الفترة بطولة العالم للمصارعة الأخطبوطية السنوية في “بوجيت ساوند” بالقرب من ساحل ” تاكوما ” بولاية “واشنطن” فى حدث كان يتم بثه تلفزيونيا و يجذب ما يصل إلى 5000 متفرج و كان يتم منح الجوائز للغواصين المصارعين الفرديين و الفرق التي تصطاد أكبر عدد من تلك الحيوانات ثم بعد ذلك إما أن يتم أكلها أو إعطاؤها إلى أسواق السمك لبيعها أو إعادتها إلى البحر مجددا حيث كان أضخم إخطبوط تم الإمساك به بلغ وزنه 36 كيلوجراما و ذلك على يد فريق من “بورتلاند” بولاية “أوريجون” فى بطولة عام 1957 .

و رغم أن اللعبة إسمها مصارعة الأخطبوط إلا أنها لم تكن مصارعة بالمعنى المفهوم حيث أن معظم الأخطبوطات متقلبة المزاج إلى حد ما و ليست عدوانية على الإطلاق ما لم يتم استفزازها من قبل البشر حيث تنتهي معظم حالات الاستفزاز بهروب ذلك المخلوق و عادة ما كان المتسابقين يبحثون فقط في الثقوب الموجودة على طول الصخور بالمحيط للبحث عنه و بمجرد الإمساك به يستمرون فى سحبه و هنا تكون المصارعة فقط حتى يستسلم تماما لهم و على الرغم من الخطر المعلن لتلك الرياضة الا أنه لا يوجد سجل لأي وفيات خلالها حيث يقول مصارع الأخطبوط المخضرم “جاري كيفلر” أنها مخلوقات ليس لديهم القوة الكافية لقتل انسان .

أقرأ أيضا : مسابقة صفع الذكور .. حين يكون وجهك هو ملعب المباراة

و أصبحت شعبية مصارعة الاخطبوط فى تزايد وصلت ذروتها فى بطولة عام 1963 و شارك بها 11 غواصًا و جذبت الألاف الى الشاطئ لمتابعتها حيث تم التقاط ما مجموعه 25 أخطبوطًا عملاقًا من المحيط الهادئ تراوح وزنها ما بين 1.8 إلى 25.9 كجم و الا أنها واجهت مشكلة بسبب كثرة أعداد المتسابقين الذى كانوا أكثر من تلك الحيوانات الموجودة فى المنطقة و هو ما أجبر المنظمين على وضع العديد من تلك المخلوقات التي تم إصطيادها مسبقًا قبل المسابقة على طول الشاطئ لضمان نجاحها خاصة و أنها كانت تبث تلفزيونيا حيث ظهرت سلبية لتلك الرياضة من ناحية أن كل احداثها تحدث أسفل المياه و تبدء بتهليل من المتفرجين عندما يتوجه احد الغواصين الى البحر ثم يختفى لعدة ساعات أسفل المياه و مع طول الإنتظار يتلاشى الحماس الى أن يعود مع الأخطبوط الذي تم أسره , و بعدها أستمرت رياضة مصارعة الأخطبوط لعدة سنوات الى أن تم التخلي عنها في النهاية و حظرها في معظم أنحاء البلاد .

و على الرغم من أنها لم تعد رياضة مقبولة حاليا إلا أن الغواصين ما زالوا يصارعون الأخطبوط من وقت لآخر حيث قام الغواص “ديلان ماير” من ” بوجيت ساوند ” بأشهر التقاط لأخطبوط من المياه و سحبه إلى الشاطئ عام 2012 و رغم حظرها من أجل الرياضة الا أنه لا يزال يُسمح للغواصين بإصطياد أخطبوط واحدا يوميًا للحصول على الطعام و هو ما أضطر ” ديلان ماير ” الى أكله حتى لا يخالف الحظر لكن فى كل الأحوال ما فعله أعاد إشعال الجدل حول أخلاقيات تلك الرياضة و حقوق الحيوان .

شارك الموضوع

عمرو عادل

فى الحياة الواقعيه مهندس ميكانيكا قوى اما فى الحياه الافتراضيه فباحث و كاتب و مدير الموقع دا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *