تنظر المجتمعات الأوروبية إلي شهر ديسمبر من كل عام علي أنه شهر الفرح و العطاء و كذلك أيضا الرومانيين الذين يعتبرونه شهرا وطنيا لأنه في عام 1989 شهد ذلك الشهر إندلاع الثورة الرومانية و إنهيار نظام الرئيس الشيوعي نيكولاي تشاوتشيسكو الذي إتسم بالديكتاتورية و القمع و إنتهاك حقوق الإنسان إضافة إلي العديد من الأزمات الإقتصادية التي أفقرت البلاد بشكل دفع مواطنيها إلي الإحتجاج بعد سنوات من العيش في حرمان سياسي و إقتصادي تسببت في حالة من الإحتقان التي أدخلت رومانيا في أحداث عنف إستمرت 10 أيام قتل فيها أكثر من ألف شخص و أصيب عدة ألاف أخرين و إنتهت بإلقاء القبض علي الرئيس الروماني برفقة زوجته و تقديمهم للمحاكمة التي أصدرت حكمها بإعدامهما رميا بالرصاص .
بدأت أحداث الثورة الرومانية بشرارة حدثت في 14 ديسمبر عام 1989 بعد إكتشاف نية السلطات تنفيذ قرار المحكمة بطرد القس ” لازلو توكس ” من مدينة ” تيميشوارا ” حيث إحتج ما بين 30 إلي 40 من أبناء رعية الكنيسة الإصلاحية أمام منزله و قرر رئيس الميليشيا المحلية وقف عملية الإخلاء لتجنب المزيد من التوتر و في يوم 16 ديسمبر أمر ” نيكولاي تشاوشيسكو ” الميليشيات و القوات الأمنية بإعادة إرساء النظام و طرد القس و هو ما قوبل بمقاومة مئات المتظاهرين الذين تجمعوا حول المنزل و رددوا شعارات مناهضة لتشاوشيسكو و أدي التدخل الأمني إلي إندلاع إشتباكات عنيفة تسببت في مزيد من الإضطرابات بعد إزدياد تجمعات الناس و تم تمزيق صور ” تشاوشيسكو ” و الأعلام الحمراء و بناء الحواجز و تحطيم النوافذ في المحلات التجارية وسط المدينة و نتيجة لذلك تم إستخدام الغاز المسيل للدموع و إعتقال عدد من المتظاهرين و إخلاء ” لازلو توكس ” في اليوم التالي و لكن لم يضع ذلك حداً للإحتجاجات بل على العكس تزايدت حيث تعرضت الوحدات العسكرية القادمة إلي المدينة لحضور عرض النصر لهجوم من قبل حشد مكون من 4000 شخص كانوا يرددون شعارات ضد النظام و ردت قوات إنفاذ القانون بإطلاق الغاز المسيل للدموع و نفاثات المياه فيما إستخدم الجيش الدبابات و فتح النار علي المتظاهرين .
و استمرت حدة الإشتباكات بعد مغادرة ” نيكولاي تشاوتشيسكو ” البلاد في زيارة رسمية لإيران و لمواجهة إعادة تعبئة المتظاهرين أعلنت السلطات حالة الطوارئ و مع تصاعد المظاهرات في مدينة ” تيميشوارا ” أُرسلت القوات في 19 ديسمبر إلي أكبر المصانع في المدينة في محاولة لإبقاء الوضع تحت السيطرة و في هذه الأثناء تم الإعلان عن بيان مناهض لتشاوشيسكو وقعه إتحاد التجارة الحرة الروماني في بعض مدن مقاطعة ” ترانسيلفانيا ” و دعا الناس إلي الإضراب في 20 ديسمبر و بدأت مدينة ” تيميشوارا ” إضرابًا عامًا و قام ” إيوان لورين فورتونا ” أحد قادة الإحتجاج إلي تشكيل لجنة ثورية تسمى الجبهة الديمقراطية الرومانية و أجرى ممثلين منهم محادثات مع رئيس الوزراء ” قسطنطين داسكاليسكو ” و طرحوا مطالبهم و هي إجراء تحقيق في عمليات القتل التي وقعت في 17 ديسمبر و إطلاق سراح المعتقلين و إستقالة ” تشاوشيسكو ” و حكومته و تشكيل حكومة إنقاذ وطني مع ضمان حرية الصحافة و في مساء نفس اليوم ألقى ” نيكولاي تشاوشيسكو ” الذي كان قد عاد من ” إيران ” خطابًا متلفزًا أدان فيه الأحداث التي وقعت في ” تيميشوارا ” و اتهم الدول الأجنبية بالتورط في الشؤون الداخلية الرومانية .
و في 21 ديسمبر قرأ قادة الإحتجاجات إعلان أمام 100 ألف متظاهر من شرفة دار الأوبرا و أضرب العمال تضامنًا مع ” تيميشوارا ” و كانت قوات إنفاذ القانون تحاول ثني الناس عن الإحتجاج العلني و عند الظهيرة في العاصمة ” بوخارست ” و علي أمل الفوز بالموافقة الشعبية على سياسته و نظامه نظم ” نيكولاي تشاوتشيسكو ” مسيرة عامة شارك فيها عشرات الآلاف من الأشخاص و خاطب الحشود واعدا إياهم بزيادة الرواتب و المعاشات و المساعدات الإجتماعية و مخصصات الدولة للأطفال لكن الأهالي تركوا الساحة بعد إندلاع مظاهرات في أماكن عدة من العاصمة و تم حشد القوات في المدينة لحماية ” تشاوتشيسكو ” و زوجته وتدخلت قوات إنفاذ القانون بعنف ضد المتظاهرين الذين رددوا شعارات مناهضة لتشاوشيسكو بعدة أماكن في ” بوخارست ” و أستخدم الغاز المسيل للدموع و نفاثات المياه و أعتقل بعض من المتظاهرين و أطلق النار علي البعض الأخر كما تم حشد الوحدات العسكرية في كافة المدن المحتجة للتدخل ضد المتظاهرين .
و في 22 ديسمبر خرج الناس إلي الشوارع في جميع المدن الرئيسية برومانيا لمواصلة الإحتجاجات و رفض الجنرال ” فاسيلي ميليا ” وزير الدفاع الوطني تنفيذ أمر ” نيكولاي تشاوشيسكو ” بإطلاق النار علي المتظاهرين و إنتحر بعدها و أعلن الديكتاتور علي شاشة التلفزيون و الإذاعة الوطنية حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد و رفضت قوات الجيش و الميليشيات إطلاق النار على الناس و إنحازت إلي الثوار الذين أحتلوا مبني التلفزيون العمومي و في الساعة 12:06 فر ” نيكولاي و إيلينا تشاوشيسكو ” من مبنى اللجنة المركزية بطائرة هليكوبتر و سرعان ما سيطر الثوار على المبنى و أزالوا أعلام الحزب الشيوعي الروماني و أعلن ” بيتر رومان ” إنتصار الثورة من شرفة اللجنة المركزية و في تمام الساعة 12:55 أعلن الممثل ” إيون كاراميترو ” و الشاعر ” ميرسيا دينيسكو ” إنتصار الثورة من إستوديوهات التلفزيون العامة الرومانية و احتل المتظاهرين مبنى الإذاعة العامة و بدأوا ببث بيانات الثورة الرومانية علي الهواء مباشرة مع توجيه نداءات للتهدئة و وقف المواجهات مع القوات التي لا تزال موالية للنظام السابق و في جميع أنحاء البلاد بدأت تجمعات لحشود كبيرة من الناس في الشوارع لدعم الثورة الرومانية .
و مع نجاح الثورة الرومانية أمر الجيش بدعمها و منع المزيد من العنف و تعرض بعض عملاء الأمن السابقين لهجوم من قبل حشود ثورية غاضبة في عدد من المدن و تم الإعلان عن تشكيل مجلس جبهة الإنقاذ الوطني و هو الهيكل الثوري الذي سيقود البلاد خلال الأشهر المقبلة و يعمل علي تنظيم إنتخابات حرة كما تم حل كافة هياكل النظام السابق و أثناء ذلك إنتشرت الأعمال الإرهابية في جميع أنحاء ” بوخارست ” و البلاد بأكملها خاصة في المناطق الإستراتيجية مثل المطارات و الوزارات و المباني العسكرية و التلفزيون و الإذاعة العامة حيث كانت الوحدات العسكرية في حالة من الفوضى و بدأت في مهاجمة بعضها البعض و في تلك الأثناء تم القبض على ” نيكولاي و إيلينا تشاوشيسكو ” في ” تارجوفيست ” بعد رحلتهما القصيرة و تم إحتجازهما من قبل الأمن ثم نقلهم إلي وحدة عسكرية تحت قيادة العقيد ” أندريه كيمينيسي ” .
و وواصل التلفزيون بث الأحداث الحية بالقرب من اللجنة المركزية بما في ذلك إطلاق وحدات عسكرية مختلفة النار و في الساعة 23:00 قدم ” إيون إليسكو ” بيان مجلس جبهة الإنقاذ الوطني إلي البلاد و لخصت الوثيقة أهداف الثورة الرومانية و هي إرساء الديمقراطية و الحرية و الكرامة للشعب الروماني و حل مؤسسات نظام ” تشاوتشيسكو ” و ضمان الإستيلاء على السلطة من قبل الثوار و المجلس العسكري الأعلي الذي سيقوم بعد ذلك بإنشاء الفروع المحلية و أثناء الليل استمر القتال في ” بوخارست ” بين مجموعات مجهولة و في جميع أنحاء البلاد قُتل أشخاص في تبادل إطلاق النار و أستمرت الأعمال الإرهابية في الأيام التالية بجميع أنحاء البلاد مما أدى إلى سقوط عدد من القتلى و الجرحى بين المدنيين و العسكريين و اعتمدت قيادة الثورة تدابير إستثنائية تدعو إلي وقف فوري لإطلاق النار في البلاد و محاكمة ” تشاوشيسكو ” و مصادرة الأسلحة من المدنيين و توحيد القوات المسلحة و في 24 ديسمبر قررت قيادة الثورة و الجيش محاكمة كلا من ” نيكولاي و إيلينا تشاوشيسكو ” .
و في 25 ديسمبر عام 1989 في ” تارجوفيست ” إتهمت المحكمة العسكرية الإستثنائية ” نيكولاي و إيلينا تشاوشيسكو ” بإرتكاب جرائم إبادة جماعية (64000 حالة وفاة خلال نظامهما) و تقويض سلطة الدولة و الإقتصاد الوطني و حكم عليهما بالإعدام مع مصادرة جميع ممتلكاتهم و في تمام الساعة 14:50 قُتل ” نيكولاي و إيلينا تشاوشيسكو ” رمياً بالرصاص و بث التلفزيون الروماني نبأ إعدام ” تشاوشيسكو ” في المساء و عرض شريط فيديو قصير علي التلفزيون الروماني يظهر محاكمتهم و إعدامهم و قرر المجلس الثوري إلغاء جميع الأوسمة و الألقاب الممنوحة خلال فترة حكمه و بعدها تضاءلت حدة الهجمات الإرهابية في جميع أنحاء البلاد و تم تعيين ” بيتر رومان ” رئيسًا لوزراء الحكومة المؤقتة ثم عُقد الإجتماع العام الأول للمجلس في 27 ديسمبر لإنتخاب المسئولين و الذين كانوا الرئيس ” أيون إليسكو ” و نائبه ” دوميترو مازيلو ” و قد تم الإعتراف بالقيادة الجديدة من قبل معظم الدول بما في ذلك الولايات المتحدة و المجر و الإتحاد السوفيتي .