القارة القطبية الجنوبية

القارة القطبية الجنوبية هى خامس أكبر قارات العالم من حيث المساحة بعد أسيا و أفريقيا و أمريكا الشمالية و الجنوبية و تغطي 2.7 بالمئة من إجمالي مساحة كوكب الأرض و هى أكبر بنسبة 1.3 عن مساحة قارة أوروبا و تقع في أقصى الجنوب من الأرض و تغطي القطب الجنوبي و إلى حد كبير جنوب الدائرة القطبية الجنوبية و يحدها من جميع الجهات المحيط الجنوبي و يغطى الجليد حوالي 98 في المائة من أراضيها و يبلغ متوسط ​​سمكه 1.6 كيلومتر على الأقل و في المتوسط تعتبر القارة القطبية الجنوبية هي الأكثر برودة و جفافًا و رياحًا و لديها أعلى متوسط ​​ارتفاعات عن جميع القارات و نظرًا لقلة هطول الأمطار باستثناء المناطق الساحلية فيعتبر الجزء الداخلي من القارة من الناحية الفنية هى أكبر صحراء في العالم و لا يوجد سكان دائمون بها و لم يسبق أن كان بها سكان أصليين فقط النباتات و الحيوانات التى تكيفت مع طبيعة البرودة مثل البطريق و فقمات الفراء و العديد من أنواع الطحالب و خلال أشهر الصيف يقيم فيها حوالي 5000 شخص يعملون في محطات بحثيه ثم ينخفض ذلك الرقم ​​إلى حوالي 1000 في الشتاء و حاليا يتحكم فى أراضيها 30 دولة و جميعهم أطراف في نظام معاهدة أنتاركتيكا و التى وفقا لبنودها يُحظر فيها النشاط العسكري و التعدين و التفجيرات النووية و التخلص من النفايات النووية على أراضيها .

موقع القارة القطبية الجنوبية

و يطلق على القارة القطبية الجنوبية أيضا اسم ” أنتاركتيكا ” و يأتي ذلك الاسم اشتقاقا من الكلمة اليونانية ” انتراكتيكوس ” و التي تعني “عكس القطب الشمالي” و على الرغم من أن الأساطير و التكهنات حول وجود أراضى جنوبية تعود إلى العصور القديمة إلا أن أول رؤية مؤكدة للقارة قد حدثت عام 1820 من قبل بعثة روسية ضمت “ميخائيل لازاريف” و “فابيان جوتليب فون بيلينغسهاوزن” و مع ذلك ظلت القارة مهملة إلى حد كبير لبقية القرن التاسع عشر بسبب بيئتها المعادية و نقص الموارد و الموقع المنعزل .

القارة القطبية الجنوبية تاريخيا

كان الإيمان بوجود “تيرا أوستراليس ” و هي قارة شاسعة تقع في أقصى جنوب الكرة الأرضية لتحقيق التوازن بين الأراضي الشمالية لأوروبا و آسيا و شمال إفريقيا موجود منذ زمن “بطليموس” (القرن الأول الميلادي) و الذي اقترح الفكرة من أجل الحفاظ على تناسق جميع الكتل الأرضية المعروفة في العالم لذلك كانت صور كتلة يابسة جنوبية كبيرة شائعة في بعض الخرائط حتى أواخر القرن السابع عشر حيث وجد المستكشفين أن أمريكا الجنوبية و أوقيانوسيا لم تكن جزءًا من “أنتاركتيكا” الأسطورية و اعتقد الجغرافيين أن القارة لابد و ان تكون أكبر بكثير من تلك المساحات و استمرت الخرائط الأوروبية في إظهار هذه الأرض الافتراضية حتى عبرت سفن الكابتن “جيمس كوك” الدائرة القطبية الجنوبية في يناير عام 1773 و مرة أخرى في 1774 ثم حدثت أول مشاهد مؤكدة لاراضى القارة القطبية الجنوبية عام 1820 و نسبت إلى قباطنة و أطقم ثلاث سفن و هم :

  • فابيان جوتليب فون بيلينغسهاوزن (ضابط برتبة نقيب في البحرية الإمبراطورية الروسية) .
  • إدوارد برانسفيلد (نقيب في البحرية البريطانية) .
  • ناثانيال بالمر (صائد فقمات من الولايات المتحدة ).

و أفادت التقارير أن “فون بيلينجسهاوزن” قد شاهد القارة القطبية الجنوبية في 27 يناير عام 1820 أى قبل ثلاثة أيام من رؤية “برانسفيلد” للأرض و قبل عشرة أشهر من قيام “بالمر” بذلك حيث وصلت الرحلة الاستكشافية المكونة من سفينتين بقيادة “فون بيلينجسهاوزن” و ” ميخائيل بيتروفيتش ” إلى نقطة على بعد 32 كم من البر الرئيسي التابع الى القارة القطبية الجنوبية و شهدوا حقول الجليد هناك و كان أول هبوط موثق على البر الرئيسي بواسطة صائد الأسماك الأمريكي “جون ديفيس” و كان في غرب القارة في 7 فبراير عام 1821 على الرغم من أن بعض المؤرخين يشككون في هذا الادعاء .

و في ديسمبر عام 1839 و كجزء من بعثة استكشاف “الولايات المتحدة” بين أعوام 1838-1842 و أجرتها البحرية الأمريكية من خلال 433 رجلاً و ست سفن أبحرت من “سيدني” فى “استراليا” إلى المحيط المتجمد الجنوبي كما كان يُعرف حينها فقد أبلغت عن اكتشاف “القارة القطبية الجنوبية الواقعة غرب جزر باليني” حيث سمي ذلك الجزء من القارة القطبية الجنوبية فيما بعد “ويلكس لاند” على اسم قائد الحملة الملازم “تشارلز ويلكس” و هو الاسم الذي لا يزال موجودا حتى يومنا هذا و في عام 1841 مر المستكشف “جيمس كلارك روس” عبر ما يعرف الآن باسم “بحر روس” و اكتشف “جزيرة روس” (كلاهما سُميا باسمه) و أبحر على طول جدار ضخم من الجليد سمي لاحقًا بجرف روس الجليدي كما هبطت “ميركاتور كوبر” في شرق القارة القطبية الجنوبية في 26 يناير عام 1853 .

تاريخ القارة القطبية الجنوبية

و فى القرن العشرين و خلال رحلة استكشافية بقيادة “إرنست شاكلتون” عام 1907 أصبحت مجموعة بقيادة “تي دبليو إيدجورث ديفيد” أول من يتسلق “جبل إريبوس” و يصل إلى القطب المغناطيسي الجنوبي كما قام “شاكلتون” بنفسه و ثلاثة أعضاء آخرين من بعثته في ديسمبر 1908 و فبراير 1909 بإجتياز جرف روس الجليدي و أصبحوا أول من عبر سلسلة جبال عبر القارة القطبية الجنوبية (عبر نهر بيردمور الجليدي) ) و أول من يطأ الهضبة القطبية الجنوبية و في ديسمبر عام 1911 أصبحت بعثة المستكشف القطبي النرويجي “رولد أموندسن” أول من يصل إلى القطب الجنوبي الجغرافي و بعد شهر واحد وصلت بعثة “سكوت” إلى القطب أيضا كما قاد “ريتشارد إيفلين بيرد” عدة رحلات إلى القطب الجنوبي بالطائرة في ثلاثينيات و أربعينيات القرن العشرين و ينسب إليه الفضل في تنفيذ عمليات النقل عبر القارة و إجراء أبحاث جيولوجية و بيولوجية واسعة النطاق و مع ذلك لم تطأ قدم أي شخص القطب الجنوبي مرة أخرى حتى 31 أكتوبر عام 1956 و في ذلك اليوم نجحت مجموعة بحرية أمريكية بقيادة الأدميرال “جورج دوفيك” فى الهبوط بطائرة هناك .

القارة القطبية الجنوبية جغرافيا

تتمركز القارة القطبية الجنوبية بشكل غير متماثل حول القطب الجنوبي و إلى حد كبير جنوب الدائرة القطبية الجنوبية و تحيط بها مياه المحيط الجنوبى الموجود حوله المحيط الهادئ الجنوبي و الأطلسي و الهندي و هي تغطي أكثر من 14 مليون كيلومتر مربع و يبلغ طول خطها الساحلي 17968 كم و يتميز في الغالب بتكوينات جليدية و هى قارة مقسمة إلى قسمين بواسطة جبال ” ترانس انتراكتيك ” و ما يقرب من 98 % من أراضى القارة القطبية الجنوبية مغطاة بطبقة جليدية و هي طبقة يبلغ متوسط ​​سمكها 1.6 كيلومتر على الاقل كما تحتوي على ما يقرب من 90 % من الجليد في العالم و بالتالي ما يقرب من 70 % من المياه العذبة و إذا ذاب كل هذا الجليد سيرتفع مستوى سطح البحر حوالي 61 مترًا رغم أن معظم المناطق الداخلية من القارة يكون هطول الأمطار منخفضًا فيها جدًا .

و تقع “فينسون ماسيف” أعلى قمة في القارة القطبية الجنوبية على ارتفاع 4892 مترًا في جبال إلسورث و على الرغم من أن تلك القارة هي موطن للعديد من البراكين إلا أن جبل “إريبوس” هو الوحيد المعروف بنشاطه كما يوجد بركان آخر شهير يسمى “جزيرة الخداع” الذي اشتهر بثورانه العملاق عام 1970 و تواترت الانفجارات الصغيرة منه بشكل متكرر و قد لوحظ تدفق الحمم البركانية عبره في السنوات الأخيرة كما تعد القارة القطبية الجنوبية موطن لأكثر من 70 بحيرة تقع على عمق آلاف الأمتار تحت سطح الغطاء الجليدي القاري منها بحيرة “فوستوك” التي تم اكتشافها تحت محطة فوستوك الروسية عام 1996 و هي أكبر البحيرات تحت الجليدية و تتشابه فى حجمها مع بحيرة “أونتاريو” فى ” كندا ” كما توجد بعض الأدلة على أن مياه فوستوك قد تحتوي على حياة ميكروبية.

و بالنسبة الى مناخ القارة القطبية الجنوبية فتتراوح درجات الحرارة فى المتوسط ما بين -80 درجة مئوية و -90 درجة مئوية في الداخل بفصل الشتاء و تصل إلى حد أقصى ما بين 5 درجات مئوية و 15 درجة مئوية بالقرب من الساحل في الصيف و يعتبر شرق القارة أبرد من الغرب بسبب ارتفاعه و نادرًا ما تخترق جبهات الطقس مناطق بعيدة في القارة تاركة الوسط باردًا و جافًا و على الرغم من نقص هطول الأمطار على الجزء الأوسط منها فإن الجليد هناك يستمر لفترات زمنية طويلة و ليس من غير المألوف تساقط الثلوج بكثافة في الجزء الساحلي من القارة و غالبًا ما تهب رياح “الكاتاباتيك” القوية قبالة الهضبة القطبية بقوة العاصفة و مع ذلك تكون سرعة الرياح في الداخل معتدلة في العادة .

و تعتبر القارة القطبية الجنوبية أبرد من القطب الشمالي لسببين أولهم يرجع الى وقوع جزء كبير من القارة على ارتفاع يزيد عن 3 كيلومترات فوق مستوى سطح البحر مما يؤدى الى انخفاض درجة الحرارة مع الارتفاع و ثانيًا يغطي المحيط المتجمد الشمالي المنطقة القطبية الشمالية و ينقل الدفء النسبي للمحيط عبر الكومة الجليدية و بالنظر إلى خط العرض فإن فترات طويلة من الظلام المستمر أو ضوء الشمس المستمر تخلق مناخات غير مألوفة للبشر في معظم أنحائها .

و لا يسمح مناخ القارة القطبية الجنوبية بنباتات واسعة النطاق فنتيجة وجود مزيج من درجات الحرارة المتجمدة و سوء جودة التربة و قلة الرطوبة و نقص ضوء الشمس فكلها عوامل تمنع ازدهار النباتات و نتيجة لذلك تقتصر الحياة النباتية في الغالب على الطحالب و يحدث النمو عمومًا في الصيف و لأسابيع قليلة على الأكثر كما تحتوى القارة على مجموعة متنوعة من الحيوانات البحرية التى تعتمد بشكل مباشر أو غير مباشر على العوالق النباتية و تشمل الحيوانات البحرية طيور البطريق و الحيتان الزرقاء و دلافين أوكرا و فقمات الفراء التى تم صيدها بكثافة خلال القرنين الثامن عشر و التاسع عشر من قبل صيادين قادمين من “الولايات المتحدة” و “المملكة المتحدة” للحصول على فرائها الى ان تم سن العديد من القوانين التى تقيد تلك الممارسة اضافة الى منع إدخال أى نباتات أو حيوانات غريبة عنها .

التركيبة السكانية

لا يوجد في القارة القطبية الجنوبية مقيمين دائمين لكن عددًا من الحكومات تحتفظ بمحطات بحث دائمة في جميع أنحاء القارة و يتراوح أعداد الأشخاص الذين يجرون و يدعمون البحوث العلمية و غيرها من الأعمال في القارة و الجزر المجاورة من حوالي 5000 فرد في الصيف إلى حوالي 1000 في الشتاء حيث تعمل العديد من المحطات على مدار السنة .

و كان أول سكان شبه دائمين للمناطق القريبة من القارة القطبية الجنوبية من صائدى الفقمة البريطانيين و الأمريكيين الذين قضوا في الغالب عامًا أو أكثر في جزيرة “جورجيا الجنوبية” بدءًا من عام 1786 و خلال عصر صيد الحيتان الذي استمر حتى عام 1966 حيث تباين عدد سكان تلك الجزيرة من أكثر من 1000 في الصيف ( 2000 في بعض السنوات) إلى حوالي 200 في الشتاء و كان معظم صيادي الحيتان من “النرويج” مع وجود نسبة متزايدة من البريطانيين و غالبًا ما كان المديرون و غيرهم من كبار الضباط في محطات صيد الحيتان يعيشون مع عائلاتهم .

نفوذ الدول على القارة القطبية الجنوبية
تقسيمات القارة على الدول

و فى 8 أكتوبر عام 1913 ولد أول طفل في المنطقة القطبية الجنوبية و كانت فتاة نرويجية حملت اسم ” سولفيج جانبجورج جاكوبسن ” و تم تسجيل ولادتها من قبل قاضي الصلح البريطاني المقيم في جنوب “جورجيا” و كانت ابنة “فريدثوف جاكوبسن” مساعد مدير محطة صيد الحيتان و “كلارا أوليت جاكوبسن” و وصل كلاهما إلى الجزيرة عام 1904 و ولد اثنان من أبنائه أيضا على أرضها كما كان “إميليو ماركوس بالما” أول طفل يولد في القارة القطبية الجنوبية في قاعدة “إسبيرانزا” عام 1978 و ذلك بعد أن تم إرسال والديه إلى هناك مع سبع عائلات أخرى من قبل حكومة “الأرجنتين” لتحديد عما إذا كانت الحياة الأسرية مناسبة في القارة حيث تعتبر العديد من القواعد هي الآن موطن للعائلات التي لديها أطفال و يذهبون إلى المدارس في المحطة .

.

شارك الموضوع

عمرو عادل

فى الحياة الواقعيه مهندس ميكانيكا قوى اما فى الحياه الافتراضيه فباحث و كاتب و مدير الموقع دا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *