المذنبات

المذنبات هي بقايا من فجر المجموعة الشمسية التى يرجح أنها نشئت منذ حوالي 4.6 مليار سنة و هى أجسام تتكون في الغالب من الجليد المغطى بمواد عضوية داكنة و التى تتم الإشارة اليها أحيانا باسم كرات الثلج المتسخة و الذى بمجرد مروره بالقرب من الشمس يسخن و يبدأ في إطلاق الغازات التى ينتج عنها شكل مميز و مرئى من نواة ملتهبة يتراوح عرضها من بضع مئات من الأمتار إلى عشرات الكيلومترات و تتكون حينها من مجموعات فضفاضة من الجليد و الغبار والجسيمات الصخرية الصغيرة التى لها غلاف جوى محيط بها و هو ما يميزها عن الكويكبات كما يكون للمذنب ذيل فى بعض من الأحيان يمتد إلى مسافات تصل الى ما بعد الوحدة الفلكية الواحدة و عادة ما يكون للمذنبات مدارات إهليلجية شديدة الانحراف كما أنه جسم يمكن رصده بالعين المجردة دون الحاجة الى إستخدام التليسكوبات العادية إذا كان ساطعًا بدرجة كافية , و ينظر العديد من علماء الفلك الى المذنبات على أنها أجسام قد تقدم أدلة مهمة حول تكوين نظامنا الشمسي و يرجحون أنها قد تكون جلبت يوما الى كوكب الأرض و أجزاء من المجموعة الشمسية خلال مراحل تكوينهم الأولى الماء و المركبات العضوية التى تعتبر اللبنات الأساسية للحياة و هو ما يجعلهم مداومون على رصدها و حتى اللحظة يوجد 4584 مذنباً معروفًا و الذى يمثل جزءًا صغيرًا فقط من إجمالي عدد المذنبات المحتملة وجودها حولنا .

و سمى المذنب بذلك الإسم Comet نسبة الى كلمة كوميتا الموجودة فى الإنجليزية القديمة و اليونانية التى تعنى إرتداء الشعر الطويل و هو مصطلح واقعى بالفعل لأنه جسم طويل الشعر حيث كان فى الماضى السحيق يتخوف الناس من ظهور المذنبات فى السماء و احتفظ علماء الفلك الصينيين القدماء بسجلات ضخمة تشتمل الرسوم التوضيحية للأنواع المميزة من ذيول المذنبات و أوقات ظهورها و اختفائها و مواقعها السماوية و التى كانت ذات قيمة كبيرة و مرجعا لعلماء الفلك الحاليين , و تسمى المذنبات عادة بأسماء مكتشفيها سواء كانوا أشخاص أو مركبات فضائية و يمكن رؤية ما يقرب من مذنب واحد في السنة بالعين المجردة على الرغم من أن العديد منهم خافت و غير مميز حيث تسمى الأنواع الشديدة السطوع منها “المذنبات العظيمة” و تمت زيارتها بواسطة مجسات غير مأهولة من أجل دراستها و التى قدمت لنا الكثير من المعلومات حول تلك الأجسام و مكوناتها و مساراتها .

من أين تأتي المذنبات ؟

وفقًا لنظرية عالم الفلك “جيرارد كايبر” في عام 1951 فيوجد حزام يشبه القرص من الأجسام الجليدية خارج كوكب “نبتون” و الذى تدور فيه مجموعة من المذنبات المظلمة حول الشمس في عالم كوكب “بلوتو” و المعروف بإسم ” حزام كايبر ” حيث تقوم الجاذبية أحيانا بسحب هذه الأجسام الجليدية إلى مدارات تقربها من الشمس و تصبح ما يسمى بالمذنبات قصيرة المدى و سميت بذلك الأسم لأنها تستغرق أقل من 200 عام للدوران حول الشمس و في كثير من الحالات يكون مظهرها متوقعًا لأنها مرت من قبل أما المذنبات طويلة المدى فهى أقل قابلية للتنبؤ بها و التي يصل الكثير منها من منطقة تسمى “سحابة أورت” على بعد حوالي 100000 وحدة فلكية من الشمس (المسافة بين الأرض والشمس) حيث يمكن أن تستغرق مذنبات أورت السحابية ما يصل إلى 30 مليون سنة لإكمال رحلة واحدة حول الشمس .

و يحتوي كل مذنب على جزء صغير متجمد يسمى النواة لا يزيد عرضها غالبًا عن بضعة كيلومترات و تحتوي على قطع جليدية و غازات مجمدة مع قطع من الغبار و بمجرد اقتراب المذنب من الشمس يسخن و يحدث غلافًا جويًا يسمى ” الغيبوبة ” حيث تتسبب حرارة الشمس في تحويل جليد المذنب إلى غازات و تصبح الغيبوبة أكبر و تمتد الى مئات الآلاف من الكيلومترات و يمكن لضغط ضوء الشمس و الجسيمات الشمسية عالية السرعة (الرياح الشمسية) أن تنفخ غبار تلك الغيبوبة و الغاز بعيدًا عن الشمس مما يؤدي في بعض الأحيان إلى تكوين ذيل طويل و مشرق حيث يكون للمذنبات ذيلان احدهم ذيل غبار و الاخر ذيل غازى .

و تقترب معظم المذنبات بمسافة آمنة من الشمس حيث لا يقترب ” مذنب هالى ” بأكثر من 89 مليون كيلومتر و مع ذلك فإن بعض المذنبات التى تسمى رعاة الشمس أو sungrazers تصطدم مباشرة بها أو تقترب منها لدرجة أنها تتفكك و تتبخر .

المهمات الخاصة بإستكشافها

لطالما أراد العلماء دراسة المذنبات بشيء من التفصيل حيث أثارت الصور القليلة التى ظهرت عام 1986 لنواة المذنب “هالى” إعجابهم و بعدها حلقت مركبة الفضاء Deep Space 1 التابعة لوكالة ناسا بالقرب من المذنب “بوريلي” في عام 2001 و صورت نواته التي يبلغ طولها حوالي 8 كيلومترات و فى يناير عام 2004 حلقت المركبة Stardust بنجاح على بعد 236 كيلومترًا من نواة المذنب ” وايلد 2 ” حيث جمعت عينات من جزيئات المذنب و الغبار بين النجوم ثم عادت إلى الأرض عام 2006 حيث أظهرت الصور التي التقطت خلال هذا التحليق للنواة بانه يتكون بنفثات من الغبار و سطح متين محكم كما أشار تحليل العينات إلى أن المذنبات قد تكون أكثر تعقيدًا مما كان يعتقد في الأصل حيث تم العثور على معادن تشكلت بالقرب من الشمس أو نجوم أخرى مما يشير إلى أن المواد الموجودة فى المناطق الداخلية للنظام الشمسي قد انتقلت إلى المناطق الخارجية حيث تشكلت المذنبات .

و اضافة الى ما سبق فقد تألفت مهمة جديدة و هي Deep Impact و أطلقت في يوليو عام 2005 في مسار نواة المذنب “تمبل 1” حيث حدث تصادم مخطط له بين المركبة و نواة المذنب أدى إلى تبخر المصادم و إخراج كميات هائلة من المواد المسحوقة الدقيقة من تحت سطح المذنب كما تم تصوير المذنب بتفاصيل متزايدة ساعدت في تحديد التركيب الداخلي و هيكل النواة.

و بعد مهماتهم الأولية الناجحة كانت المركبتان الفضائيتان Deep Impact و Stardust لا تزالان بحالة جيدة و تم إعادة تهيئتهم مجددا من أجل تحليق إضافي على المذنبات حيث تم العودة الى المذنب “تيمبل 1” في عام 2011 من خلال Stardust و التى لاحظت حدوث تغيرات في النواة منذ اخر لقاء للمركبة Deep Impact به عام 2005.

شارك الموضوع

عمرو عادل

فى الحياة الواقعيه مهندس ميكانيكا قوى اما فى الحياه الافتراضيه فباحث و كاتب و مدير الموقع دا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *