المشروع أزوريان .. خطة وكالة المخابرات المركزية الأمريكية لإنتشال احدى الغواصات السوفيتية الغارقة فى أعماق المحيط الهادئ

خلال أحداث الحرب الباردة بين الولايات المتحدة و الإتحاد السوفيتى ( روسيا حاليا ) كان الصراع على أشده بين وكالة المخابرات المركزية الأمريكية CIA و المخابرات السوفيتية KGB للوصول الى المعلومات المتعلقة بأدق أسرار تسليح الفريق الأخر لمعرفة عناصر قوته و أيضا نقاط ضعفه و ذلك لوضع حلول مضادة لتلك الأسلحة لابطال خطورتها و لعل أشهر تلك العمليات هو نجاح السوفييت فى الحصول على تصميمات القنبلة الذرية الأمريكية و انتاج واحدة خاصة بهم و على الجانب الأخر نجاح الأمريكيين فى استعادة غواصة سوفيتية من طراز K-129 كانت غارقة فى أعماق المحيط الهادئ بغرض معرفة أدق أسرارها اضافة الى محتوياتها من طوربيدات نووية و ذلك فى ظل عملية سرية بالغة التعقيد أطلق عليها اسم المشروع أزوريان الذى تكلف وقتها ما يقارب من 800 مليون دولار اى ما يعادل 4 مليارات دولار فى وقتنا الحالى و أعتبرته الوكالة بعد نجاحه بأنه أحد أعظم الانقلابات الاستخباراتية في الحرب الباردة .

كانت مقدمة ” المشروع أزوريان ” بعد أزمة الصواريخ الكوبية حين كانت تجوب البحار المفتوحه فى تلك الفترة الغواصات الأمريكية و السوفيتيه المدججه بالأسلحة و الصواريخ النووية و فى أبريل عام 1968 قامت الولايات المتحدة برصد نشاطا غير عاديا للقوات البحرية و الجوية السوفيتية التابعة لأسطول المحيط الهادئ تضمنت بعض من عمليات البحث المكثفة حيث تم تقييم ذلك النشاط من قبل مكتب الاستخبارات البحرية الأمريكية أنه رد فعل محتمل لفقدان احدى الغواصات السوفيتية و بالمتابعة تم الملاحظة أن عمليات البحث قد تركزت على موقع من المعروف أنه يمثل طريق دوريات غواصات الديزل السوفيتية من طراز K-129 التى كانت تحمل ثلاثة صواريخ نووية و بعد أسابيع من البحث لم يتمكن السوفييت من تحديد موقع الغواصة الغارقة و عادت عمليات أسطول المحيط الهادئ السوفياتي تدريجياً إلى طبيعتها فى المقابل تم تكليف الشبكة الأمريكية للهيدروفونات الموضوعة أسفل مياه شمال المحيط الهادئ و الموجودة لتسجيل أى أصوات غير مألوفة بمراجعة التسجيلات على أمل اكتشاف أى شئ ملفت و لو حتى انفجار داخلي مرتبط بمثل هذه الخسارة و بعد قيام البحرية بتحليل البيانات الصوتية من أربعة مواقع إستطاعت تحديد موقع حطام الغواصة في نطاق 5 أميال بحرية بالقرب من خط عرض 40.1 درجة شمالاً و خط طول 179.9 درجة شرقاً أى على بعد مئات الأميال من المنطقة التى كان يبحث عنها السوفييت و على عمق أكثر من 4900 متر .

و بمجرد تحديد المكان و فى يوليو عام 1968 بدأت البحرية الأمريكية “عملية ساند دولار” و قامت بنشر حاملة الطائرات الأمريكية “هاليبوت” من ميناء “بيرل هاربور” إلى نطاق موقع الحطام المتوقع حيث كان هدفها هو العثور على الغواصة K-129 و تصويرها و تم تحديد موقع الحطام بالفعل بعد ثلاثة أسابيع من البحث البصري باستخدام كاميرات آلية تعمل بالتحكم عن بعد و بحسب ما ورد فقد قامت الغواصة على مدار الأسابيع العديدة التالية في التقاط أكثر من 20 ألف صورة مقرّبة لكل جانب من جوانب حطام الغواصة K-129 و بحلول عام 1970 و بناء على تلك الصور اقترح وزير الدفاع “ملفين لايرد” و “هنري كيسنجر” مستشار الأمن القومي آنذاك خطة سرية لاستعادة الحطام حتى تتمكن “الولايات المتحدة” من دراسة تكنولوجيا الصواريخ النووية السوفيتية و كذلك ربما استعادة بعض رموز التشفير التى يتم استخدامها خلال اتصالات الغواصات مع قياداتها و تم قبول الاقتراح من قبل الرئيس “ريتشارد نيكسون” و تكليف وكالة المخابرات المركزية بمحاولة تنفيذه على أرض الواقع و التى اجتمع رجالها لمناقشة جدوى تلك العمليه نظرا للصعوبات التى سوف تواجههم حيث لم تنجح أي دولة في العالم في رفع شيء بهذا الحجم والوزن من هذا العمق من قبل حيث بدء التفكير فى البداية من أجل انتشالها فى توليد ما يكفي من الغاز في قاع المحيط لدفع الغواصة إلى السطح و لكن بعد ذلك تم التعديل الى فكرة أكثر بساطة و هى من خلال استخدام مخلب عملاق من شأنه أن يمسك ويسحب الغواصة إلى بطن سفينة عملاقة و تم وضع تقدير للمشروع بنسبة نجاح تقدر بـ 10٪ .

و بعد التخطيط بدء تنفيذ ” المشروع أزوريان ” من خلال التعاقد مع شركة ” جلوبال مارين ” و هي شركة رائدة في عمليات الحفر البحرية في المياه العميقة من أجل تصميم و بناء و تشغيل السفينة ” هيوز جلومار للاستكشاف ” بغرض انتشاال الغواصة السوفيتية الغارقة سراً حيث تم بنائها في ساحة بناء السفن بالقرب من “فيلادلفيا” بطول 190 متر و وافق رجل الأعمال الملياردير “هوارد هيوز” الذي كانت شركاته متعاقدة بالفعل على العديد من عقود الأسلحة و الطائرات و الأقمار الصناعية العسكرية الأمريكية السرية على إقراض اسمه للمشروع لدعم قصة التغطية التي تفيد بأن السفينة كانت بغرض التعدين و استخراج المنجنيز من قاع المحيط و لكن لم يكن لهيوز و شركاته أي مشاركة فعلية في المشروع و بجانب السفينة ” هيوز جلومار إكسبلورر” تم استخدام مخلبًا ميكانيكيًا كبيرًا أطلق عليه اسم ” مركبة الالتقاط ” و تم تصميمها ليتم إنزالها إلى قاع المحيط و انتشال أحد أقسام الغواصة المستهدفة ثم يتم رفعها إلى عنبر السفينة بأسفلها بتقنية خاصة تعمل تحافظ على استقرار القاعدة العائمة بشكل يسمح بإجراء عملية الإنقاذ بأكملها تحت الماء بعيدًا عن رؤية السفن أو الطائرات أو أقمار التجسس الصناعية الأخرى .

السفينة هيوز جلومار اكسبلورر

و فى يوم 20 يونيو عام 1974 بدأ ” المشروع أزوريان ” رسميا بتحرك السفينة من منطقة ” لونج بيتش ” فى ولاية ” كالفورنيا ” لتصل الى منطقة إلتقاط الغواصة في 4 يوليو و تبدأ عمليات الإنتشال التى أستمرت لأكثر من شهر و خلال هذه الفترة زارت سفينتان على الأقل من البحرية السوفيتية لموقع عمل السفينة حيث أكتشف لاحقا بعد عام 1991 أن السوفييت تلقوا بلاغًا بشأن العملية و كانوا على دراية بأن وكالة المخابرات المركزية كانت تخطط لنوع من عمليات الإنقاذ لكن القيادة العسكرية السوفيتية اعتقدت أنه من المستحيل أن يتمكنوا من أداء مثل هذه المهمة و تجاهلوا المزيد من التحذيرات الاستخباراتية و في وقت لاحق بدأ السفير السوفيتي لدى الولايات المتحدة “أناتولي دوبرينين” في إرسال رسائل عاجلة إلى البحرية السوفيتية يحذر من أن العملية باتت وشيكة ليعيد خبراء الهندسة العسكرية السوفييت تقييمهم ليقولوا انه من الممكن انتشال الغواصة رغم صعوبة ذلك و تم إصدار أوامر للسفن في المنطقة بالإبلاغ عن أي نشاط غير عادي .

و بالعودة الى ” المشروع أزوريان ” فقد صرح اللواء بالجيش الأمريكي “رولاند لاجوي” أنه وفقًا لإحاطة تلقاها من قبل وكالة المخابرات المركزية أثناء عمليات الانتشال فقد عانت مركبة الالتقاط من فشل ذريع أثناء الانتشال تسبب في غرق ثلثي الجزء الذي تم رفعه بالفعل من K-129 إلى قاع المحيط و رغم ذلك الا أن الجزء المنتشل تضمن وجود طوربيدان نوويان به و بالتالي لم يكن ” المشروع أزوريان ” فاشلا بشكل كامل كما تم انتشال جثث ستة من أفراد الطاقم و تم تكريمهم في تأبين لائق و تكريم عسكري و دفنوا في البحر في تابوت معدني بسبب مخاوف من احتواء تلك الجثامين على أنشطة إشعاعية و أفاد أعضاء الطاقم الآخرون أن دفاتر الرموز و الشفرات و غيرها من المواد ذات الأهمية الواضحة لموظفي وكالة المخابرات المركزية على متن السفينة قد تم الحصول عليها أيضا اضافة الى بعض من مكونات الغواصة المختلفة مثل أغطية الفتحات و الأدوات و معدات السونار و تم تسجيل عملية الإنتشال بأكملها بواسطة طاقم فيلم وثائقي تابع لوكالة المخابرات المركزية لكن هذا الفيلم لا يزال سريًا .

مشهد من فيديو تأبين بحارة الغواصة خلال مشروع أزوريان

أقرأ أيضا : كيف استطاعت المخابرات المركزية الأمريكية خطف مركبة الفضاء السوفيتية لونيك

و نتيجة نجاح ” مشروع أزوريان ” بدأ التخطيط لاستكمالها بانتشال باقى اجزاء الغواصه تحت مسمى “العملية ماتادور” الا انه و في أوائل عام 1975 و بعد سرقة عشوائية لمقر شركة هيوز تم تسريب اسرار تلك العملية الى الاعلام الامريكى حيث قام ” سيمون هيرش ” المراسل الاستقصائي و الكاتب السابق في نيويورك تايمز سيمور بمحاولات لنشر القصة مع العديد من الصحفيين الا أن الحكومة قامت بمنع النشر فيها و بعدها قدمت الصحفية “هارييت آن فيليب” طلب إلى وكالة المخابرات المركزية للحصول على أي وثائق حول تلك العملية الا أنها رفضت إما تأكيد أو نفي وجود مثل هذه الوثائق و فى عام 1992 أحالت الولايات المتحدة إلى روسيا مقطع فيديو يُظهر مراسم تأبين عام 1974 لستة بحارة سوفييت كانوا على متن الجزء المنتشل من تلك الغواصة و بدأت وثائق تلك العملية و تفاصيلها تخرج الى النور تباعا و حاليا يعرض فى متحف التجسس الدولي بالعاصمة واشنطن لوحة تحكم من تلك الغواصة و بصمات بيضاء مفصلة اضافة الى قطعة من المنجنيز تم العثور عليها فى موقع الانتشال بالصدفة .

شارك الموضوع

عمرو عادل

فى الحياة الواقعيه مهندس ميكانيكا قوى اما فى الحياه الافتراضيه فباحث و كاتب و مدير الموقع دا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *