كثيرا منا يحب أفلام المغامرات التى يواجه فيها الأبطال العديد من المخاطر و يقومون خلال أحداثه بمحاولات مستميتة للهروب منها و النجاة بحياتهم و لكن رغم المصاعب فأنت كمشاهد من داخلك مقتنع بأنك تشاهد أحد الأفلام الخيالية و لابد ان تكتب النجاة لهؤلاء الأبطال فى النهاية رغم كل الإثارة التى يمرون بها و تحبس الأنفاس و يتعرضون لها و لكن تلك القصص لا تكون حكرا على السينما فقط و لكن فى الواقع أيضا الذى يكون أكثر صعوبة حيث توجد قصة إنسانية عظيمة لزوجين انجليزيين و هما موريس و مارلين بيلي الذين واجهوا خطر الضياع فى قلب المحيط بمفردهم و دخولهم بصراع من أجل البقاء لمدة استمرت ما يقرب من 117 يوما كان سلاحهم الوحيد فيها هو الأمل و عدم اليأس و محاولة استغلال كل ما هو متاح للعيش حتى تم انقاذهم و تكتب لهم النجاة مجددا بأعجوبة .
كان الزوجان الإنجليزيان “موريس و مارلين بيلي” من عشاق الطبيعة البكر و يعيشان في عزلة تامة و كانا يقومان برحلات متكررة إلى الجبال و البحيرات و على الرغم من أن شغفهم الحقيقي كان البحر إلا أنه نتيجة رواتبهم المحدودة لم يتمكنوا من تحمل تكاليف شراء قارب و لكن في عام 1966 جاءت “مارلين” بفكرة مجنونة ” و هى بيع المنزل و فى المقابل يتم شراء يختًا يعيشون على متنه و بدت الفكرة مستحيلة بالنسبة لموريس و غير مقتنعا بها الا أنها بدأت فى محاولة إقناعه ليس فقط لشراء قارب و لكن لرحلة طموحة إلى “أستراليا ” و ” نيوزلاندا ” و سرعان ما اقتنع زوجها و قاموا ببناء قارب شراعي بمنطقة “بليموث” فى ” المملكة المتحدة ” طوله 10 أمتار و أطلقوا عليه اسم “أورالين” كمزيجًا من الاسمين “موريس و مارلين” حيث استغرق الأمر ما يقرب من 4 سنوات ليصبح جاهزًا تمامًا للمغامرة لأنه كان عليهم أيضًا إعداد جميع المعدات و تحسين مهاراتهم في الإبحار .
و بدأت الرحلة في يونيو عام 1972 من “ساوثهامبتون” و توقفوا في “إسبانيا” و “البرتغال” و “ماديرا” و “جزر الكناري” ثم عبروا المحيط الأطلسي إلى القارة الأمريكية و بعد توقفات قليلة في بعض الجزر في منطقة الكاريبي وصلوا أخيرًا إلى “بنما” و بعد عبور قناة بنما كانوا على استعداد للإبحار في المحيط الهادئ و خلال الصباح الباكر فى يوم 4 مارس عام 1973 كان ” موريس و مارلين ” في الأسفل يحضرون وجبة الإفطار حدث دوي مزعج و ارتجف القارب بشدة لدرجة أن الكتب و الأدوات التي تم تخزينها بإحكام سقطت على الأرض و تسابقوا للصعود الى سطح السفينة ليتحروا السبب و أكتشفوا ان حوتًا من العنبر يبلغ طوله 12 مترًا كان يمر بجانب اليخت و اصطدم به و حطم ذيله الضخم هيكله و لذلك دائما ما ينصح البحارة أنه بالنسبة للأشخاص الذين يكونون فى مكان قد يكون عرضة لتهديدات الحيتان يجب عليهم تشغيل المحرك لأن الضوضاء الميكانيكية يمكن أن تحذر الحوت من أن القارب ليس حيوانًا آخر منافسًا أو مصدرًا للغذاء .
و تضرر اليخت من الاصطدام و أصيب الحوت أيضا حيث كان ينزف بغزارة و على وشك الموت و المثير للدهشة أن “موريس ومارلين” بدلاً من الغضب كانوا يشعرون بالأسف عليه سرعان ما بدأوا ملاحظة ارتفاع المياه في الكابينة و تبدء ” مارلين ” في تشغيل إحدى مضخات المياه لسحبها بينما “موريس” يبحث عن الضرر و شعر بالرعب عندما وجد حفرة كبيرة في الهيكل أسفل خط الماء مباشرة و عبثا حاولوا سد الثقب من الخارج بوضع حشو الوسائد و الملابس في الحفرة لكنهم فشلوا اضافة الى عدم استطاعتهم وقف ارتفاع المياه و فشلت محاولاتهم لإنقاذ القارب و أدرك كلاهما أنه يتعين عليهما ترك السفينة دون تأخير و سارع ” موريس ” بإطلاق طوف النجاة و قامت “مارلين” بالمهمة الأكثر خطورة و هي الخوض في المياه المتصاعدة أسفل طوابق المركب لجمع الطعام و المعدات من الخزائن المغمورة و وضعت كل ما وجدته في حقيبتين و أسقطتهما في الزورق فى الوقت الذى قام فيه زوجها بجمع أوعية المياه العذبة التي وجدها و ألقى بها في الزورق أيضًا و ركب الاثنان الطوف و بدأوا فى مشاهدة قاربهم و هو يغرق .
أقرأ أيضا : نقطة نيمو .. البقعة الغامضة على سطح كوكبنا التى لم يصل إليها أحد و أكثر البشر إقترابا منها هم رواد الفضاء
و لحسن الحظ تمكن ” موريس و مارلين ” من إنقاذ بعض الأطعمة المعلبة و المياه التى تكفى لمدة 20 يومًا تقريبًا اضافة الى بعض المعدات مثل الخرائط و البوصلة و دلاءان فارغان لملء مياه الأمطار و علبة أعواد ثقاب و مصباح يدوي واحد و مقص واحد و منظار و ست مشاعل للطوارئ و حقيبة بها ملابس و بعض الأشياء الأخرى الأقل فائدة لذلك خلال الأيام الأولى نجوا من خلال التغذى على الطعام المعلب لكن بعد أسبوع قرروا أنه يتعين عليهم محاولة العثور على مصادر أخرى للطعام و إلا سينهون بقية العلب في غضون أسبوع أخر و فى نفس الوقت بدأوا فى محاولة معرفة موقعهم حيث أشارت حسابات “موريس” بأنهم كانوا على بعد حوالي 480 كيلومتر شمال شرق جزر جالاباجوس و ان الرياح و التيارات البحرية السائدة ستأخذهم إلى الشمال الغربي بعيدًا عن هذه الجزر و تخرجهم إلى وسط المحيط الهادئ إذا لم يتصرفوا بشكل سريع لذلك طوروا خطة مجنونة يقومون من خلالها بالتجديف نحو الجنوب و محاولة الوصول إلى تلك الجزر .
و بدأ “موريس و مارلين ” فى التجديف باستمرار لكل دقيقة من النهار و الليل و من خلال حرارة النهار الشديدة و الليل البارد و بينما يجدف أحدهما كان الآخر يستريح و استمروا في جهودهم المضنية لمدة ثلاثة أيام وثلاث ليال حتى أدركوا أنهم لم يتحركوا على الإطلاق و بدا من الواضح أنها لم تكن فكرة رائعة لأن محاولة تحريك طوف النجاة عن طريق التجديف هي أسرع طريقة لإهدار الطاقة و المياه من أجسامهم و ذهب كفاحهم عبثًا وأصبحوا ضعفاء للغاية بسبب قلة الطعام و النوم و فقدوا لياقتهم الأولية و طاقتهم و كان استهلاكهم من المياه مرتفعًا بشكل خاص حيث أصبح لديهم الآن ما يكفي من الماء لخمسة أيام أخرى فقط و أصبحت الفرصة الوحيدة لتجديد إمدادات المياه الخاصة بهم هي المرة القادمة التي تمطر فيها و لحسن الحظ فبمجرد أن توقفوا عن التجديف بدأت الرياح تأخذهم لمقابلة جميع الممرات الملاحية المتقاربة في “بنما” مما يجعلهم أمام فرص لرؤية أى سفينة و رغم ذلك الأمل الا انه لم يكن بالسهولة التى يتوقعها البعض حيث قد تمر أسابيع قبل أن تأتي إحدى السفن و بعد ذلك بالطبع يتعين على الطاقم رؤيتك لأن أفق النظر المرئى لا يصل سوى الى 3 كيلومترات حتى فى أهدأ البحار نظرًا لانحناء سطح الأرض لذلك كانوا على غير هدى لثمانية أيام تقريبا حتى رأوا السفينة الأولى و التى كانت على بعد أكثر من 2.5 كيلومتر و شعروا بسعادة غامرة لرؤيتها و أطلقوا مشاعلهم لمحاولة جذب انتباه السفينة .
و لكن للأسف أبحرت السفينة من دون أن تراهم و غلبهم الرعب و عدم التصديق لأنها كانت قريبة جدًا و خلال الأشهر الأربعة التالية التي كانوا فيها داخل منطقة ممرات الشحن شاهدوا ست سفن أخرى حتى أن أحداها اقتربت منهم في ليلة مظلمة و كانت قريبة بدرجة كافية لذلك انتظروا بفارغ الصبر و عندما اقتربوا منها بشكل كبير أطلقوا آخر شعلة و لكن لم يكن هناك من يراه اضافة الى سفينة أخرى و التي بدت و كأنها سفينة بحرية و توقفت في الواقع على بعد كيلومتر و نصف منها و نظرا لانتهاء المشاعل وضعوا بعض ملابسهم في صدفة سلحفاة و أشعلوا النار فيها لإحداث دخان لكنه لسوء الحظ كان يومًا عاصفًا لذا ابتعد الدخان الصغير بسرعة و بشكل أفقي و لم يراهم الطاقم و في النهاية أبحرت السفينة و في كل مرة يحدث ذلك كانت أرواحهم تتحطم تمامًا حتى أن ” مارلين ” كتبت فى مذكراتها “بالرغم من كل إشاراتنا الا أن السفن لا تريد رؤيتنا لذلك فنحن أيضا كنا لا نريد رؤيتها” و أوضح “موريس” قائلا “بدا أن الأمل ضئيل للغاية في أن ترانا سفينة و مع امتداد الأيام إلى أسابيع و الأسابيع إلى شهور تكيفنا مع محيطنا الجديد و أصبحت السفن التي رأيناها تدخلاً في حياتنا و كان مرورها يزعجنا دائمًا ” .
و نظرًا لأن هدف ” موريس و مارلين ” خلال الأيام الأولى الوصول إلى جزر جالاباجوس و مع الأخذ في الاعتبار أن السلاحف ربما كانت قادمة من تلك الجزر فقد توصلوا إلى فكرة غريبة تتمثل في ربط السلاحف بالطوف و معرفة عما إذا كانوا سيجرونهم الى تلك الجزر أما لا و بالفعل أمسكوا بواحدة كبيرة و ربطوها بحبل في زعانفها الخلفية و لدهشتهم جرتهم السلاحف باتجاه جزر جالاباجوس و كانوا سباحين أقوياء بشكل لا يصدق لذلك اعتقدوا أن سلحفاة أو ثلاث ستجرهم بشكل أسرع لذلك ربطوا سلحفاة ثانية و كانت لديهم رؤى لأحد الشواطئ و لكن سرعان ما تحطمت الرؤية عندما بدأت السلحفاة الثانية تسبح في اتجاه معاكس ليضيع الأمل مجددا .
و خلال الأسابيع الأولى كانت المياه مشكلة كبيرة بالنسبة الى ” موريس و مارلين ” لذلك كان عليهم تقنينها بشكل أكثر صرامة و هو ما دفعهم يوميا لشرب كميات تعادل فنجان واحد فقط و كان هذا غير كافٍ للحفاظ على صحتهم البدنية و على الرغم من كل هذه الظروف اليائسة الا انهم مروا بفترة من التجارب الجديدة حيث بدأت مئات الأسماك في الاقتراب من طوف النجاة ثم تلتها السلاحف و الدلافين و أسماك القرش ثم الطيور الذين كانوا يعتبروا طوف النجاة بمثابة جزيرة عائمة في البحر اضافة الى اقتراب الأسماك لإيجاد الظل و المأوى و التغذى على الطحالب التى بدأت تنمو تحت الطوافة حيث بدأت تلك الكائنات التى لم يظهر منها اى خوف ناحيتهم على الإطلاق فى المساعدة على التخفيف من عزلة الزوجين الذين أصبحوا قريبين جدا من البحر لدرجة أنهم أصبحوا يشعرون بأنهم جزء منه حيث يقول ” موريس ” أن الحيتان الضخمة كانت تبحر ببطء بجانبهم لدرجة أنه كان من الممكن أن يمدوا أيديهم للمسها حيث كانت لم تفعل شيئًا سوى أن تحدق فيهم ثم تنطلق بعيدا و تغوص فى المياه و بعد ذلك في الليل كانوا يسمعون نداءات هذه الحيتان من حولهم و لحسن حظهم و هم ينجرفون شمالًا في بعض الأحيان كان لديهم ماء أكثر مما يمكنهم تحمله مع زخات مطر مستمرة جعلت وجودهم أقل بؤسًا حتى أنه فى أيام كان المطر غزيرًا و عنيفًا لدرجة أنهم اضطروا إلى اخراج المياه من طوف النجاة الهش باستمرار لتجنب غرقه و كان يوجد أيام متعاقبة كثيرة لا يستطيعون فيها رؤية الشمس لوجود الغيوم الممطرة .
و نظرا لأن هدف ” موريس و مارلين ” هو الصراع من أجل البقاء فكان لزاما عليهم بجانب المياه البحث عن طعام للغذاء حيث أثبتت الطيور أنها أسهل فى صيدها لأنها لم تكن خائفة على الإطلاق منهم لأن تلك الطيور البحرية و التى لم ترى شواطئ حقيقية سوى بعض من الجزر المائية العائمة لم تتعرض طوال حياتها الى ثدييات مهددة لحياتهم لذلك فبمجرد هبوط تلك الطيور على الطوافة كانوا يمسكون بها و يعصرون أعناقها ثم يتناولون لحومها نيئة اضافة الى تناول السلاحف التى لم تكن تجربة محببة اليهم لانهم كانوا يشعرون خلال ذبح تلك المخلوقات بأنها تمثل عذابا لهم الا انهم كانوا مضطرين الى ذلك اضافة الى شرب دمائها و هو ما دفع الزوجين الى التعاهد بأنهم إذا نجوا من هذه المحنة فلن يعاني أي حيوان على أيديهم مرة أخرى و بالتالي أصبحوا نباتيين في النهاية حيث يقول موريس ” لطالما شعرنا بالحزن على المخلوقات التي قتلناها وخاصة طريقة موتها لأنه لم يكن لدينا الحق في التواجد هناك و لم يكن هذا مجالنا حيث كان ذلك نظامًا بيئيًا غريبًا على الإنسان و هم لهم نفس الحق في الحياة مثلنا ” , أما بالنسبة للأسماك فلسوء الحظ لم يكن لديهم خطافات للصيد لولا براعة “مارلين” التى اكتشفت بعض من الدبابيس غير القابلة للصدأ في مجموعة الإسعافات الأولية الخاصة بهم و قامت بثنيها على هيئة خطافات و تمكنوا من ربط كل منهم بقطعة من الخيط و استخدام لحم السلاحف كطعم لبدء الصيد خاصة أسماك الزناد التي أصبحت المصدر الرئيسي للغذاء لكنهم اكتشفوا لاحقًا أنه يمكنهم صيدها باليد من خلال غسل أيديهم الملطخة بالدماء من سلحفاة في الماء حيث كان ذلك يقوم بجذب الكثير منهم و كان من السهل التقاطهم بأصابعه من دون اى جهد .
و بجانب أسماك الزناد أستطاع ” موريس و مارلين ” صيد أربعة أسماك قرش و حتى أكل أكبادها على الرغم من حقيقة أنه لا ينصح بذلك بسبب المستويات الزائدة من الزئبق حيث كانت “مارلين” هي من اصطادت سمكة القرش الأولى و فعلت ذلك من أجل التسلية حين كانت تلعب مع واحدة منهم بأيديها فى المياه ثم قررت أنها تريد المزيد من الإثارة و أمسكت بذيل السمكة ورفعته إلى طوف النجاة و وضعتها بجوار ساق “موريس” الذى أصيب بالخوف لأن طولها كان يقارب المترين و يملأ طوف النجاة الا أنه التقط سكينه و بدأوا فى التغذى عليها و أصبحت صيد أسماك القرش و التغذى عليها هواية محببة لديهم رغم أن طعمها لم يكن لذيذا بشكل كبير اضافة الى انها كانت مزعجة لديهم بشكل كبير حين كانت تمر بجانب أو اسفل طوافتهم حيث كانوا يرتطمون بها بشدة مما يسبب العديد من الكدمات للزوجين و هو تصرف يقول عنه خبراء البحريات أنه غير مقصود لأن تلك الأسماك بحاجة إلى نشر علاماتهم مثل الكلاب على الشجرة اضافة الى حاجتهم إلى تنظيف أنفسهم عن طريق فرك أجسادهم على قاع الطوافة و التغذى على بعض الأسماك التى تتجمع تحت طوف النجاة .
و خلال تلك المغامرة المثيرة احتفظت “مارلين” بمذكرات يومية و أصبحت ملاحظاتها سجلاً أمينًا لمغامراتهم و كانت هى الوسيلة الوحيدة لتسجيل مرور الوقت على تلك الحياة الغريبة عنهم و التى كانت ليس لها ماضى أو مستقبل فقط حاضر لا نهاية له حتى انهم أعتبروها مغامرة لإستكشاف النفس حيث وجد ” موريس و مارلين ” الأعماق الخفية لشخصية بعضهم البعض فلم يكن لديهم أسرار و لا خصوصية اضافة الى السلام في عزلتهم الكاملة بعد أن تخلصوا من زخارف ما يسمى بالحضارة و عادوا إلى أسلوب حياة بسيط يعود إلى عصور ما قبل التاريخ و كانت ” مارلين ” هي دائما من تشجع “موريس” على المثابرة و مواجهة الصعاب و كانت على عكسه لديها نفور إيجابي من اليأس حيث يقول “لو كنا رجلين على طوف النجاة لما كنا سننجو لأن مارلين هي التي حافظت على إرادة الحياة لدينا و هذا ما تفعله الإناث عادة و دائما ما تقول لى يجب أن يكون هناك سبب لبقائنا على قيد الحياة لفترة طويلة ” .
و نتيجة تلك الصعوبات و امتلاء اجسادهم بالتعب و الارهاق أصيب “موريس” بالحمى و آلام الصدر المزمنة و سعال الدم بكميات تنذر بالخطر و كانت كل حركة له تسبب ألاما مبرحة لدرجة أنه لم يستطع فعل أي شيء لمساعدة “مارلين” في روتين البقاء اليومي و استمرت الأعراض لعدة أيام حتى انه ظن بقرب دنو موته و خلال العواصف انقلب الزورق عدة مرات و كان جهد اعادته الى مكانه مرهقًا جدًا اليهم لدرجة أنه أوصلهم إلى نقطة الانهيار خاصة بعد فقدان بعض من معداتهم القيمة و أصبحت أجسادهم المتقرحة أكثر إيلامًا و كان عليهم بإستمرار إما رتق الطوافة أو نفخه باستمرار و اصبح موتهم حتمى خلال الأيام القادمة الا أنه فى اليوم 117 من محنتهم و تحديدا فى 30 من يونيو عام 1973 و خلال فترة الفجر بدأوا فى اصطياد بعض السمك و نفخ القارب و بعد بضع ساعات من الراحة و في وقت مبكر من بعد الظهر حاولت “مارلين” إيقاظ “موريس” قائلة له بانها يمكنها سماع محرك سفينة حيث لم يصدقها فى البداية الا انه حدق على مضض في الاتجاه الذي كانت تشير إليه زوجته حيث ظهر قارب صيد في الأفق و ببعض الصعوبة رفعوا أجسادهم الضعيفة على أقدامهم و باستخدام قوتهم المتبقية لوحوا الى السفينة و لكن مثل كل الآخرين كانت تبحر بعيدا و جثا “موريس و مارلين ” على ركبتيهم من الإرهاق و اليأس .
و حاولت ” مارلين ” رفع روح زوجها المعنوية قائلة له “دعها تستمر و احفظ قوتك لأن هذه هي حياتنا الآن على البحر بين الأسماك و الطيور و السلاحف ” و يتفاجئ الثنائي بأن السفينة تغير اتجاهها و تتجه ببطء نحوهم و هذه المرة كان الإنقاذ حقيقيًا حيث قالوا وقتها انهم و لأول مرة عرفوا معنى السعادة الحقيقية لكونهم على قيد الحياة حيث كانت تلك السفينة التى تقترب وسيلة عودتهم إلى الحضارة و لكن رغم شعورهم بالسعادة خالجهم شعور بالحزن على احتمال ترك حياتهم على البحر و مغامرة أكتسبوا فيها فهمًا رائعًا للمحيط و نظامه البيئي الواسع و اتضح ان المنقذين هم أفراد تابعين لسفينة صيد للتونه من ” كوريا الجنوبية ” كانت فى طريقها للعودة الى موطنها و بمجرد وصولهم على سطح السفينة كان أول شيء شربوه هو الحليب و قال “موريس” إن “الطاقم عاملنا بلطف شديد” و قامت السفينة بتحويل ” مسارها ” إلى “هونولولو” فى جزر ” هاواى ” التابعة الى ” الولايات المتحدة ” لتلقي الزوجان العناية الطبية حيث كانوا جسديا في حالة سيئة للغاية بعد أن أصيبت عضلات أرجلهم بالضمور لتصل الى حالة بالكاد يستطيعون المشي فيها.
أقرأ أيضا : ريج سبيرز الرجل الذى أرسل نفسه داخل طرد بريدى الى أستراليا
و كشف الفحص الطبي بعد الإنقاذ عن وجود نقص فى الفيتامينات لديهم لكن لحسن الحظ لا توجد علامة على داء الاسقربوط كما لوحظ أن “موريس” عانى من تجلط في الأوردة العميقة و كانت توجد جلطة دموية في رئته مما أدى إلى إتلافها بشكل لا رجعة فيه و كان كلاهما يعانيان من فقر الدم و خاصة “موريس” كما لم يكن لدى “مارلين” فترات حيض لمدة ثلاثة أشهر اضافة الى صعوبة فى السمع لدى زوجها و لكن على اى حال تم انقاذ الزوجين بعد رحلة صعبة و قرروا نشر كتاب يروى محنتهم تلك تحت عنوان ” 117 يوما على غير هدى ” و قرروا عدم الابتعاد عن البحر حيث دشنوا يختا جديدا عام 1974 حمل اسم ” أورالين 2 ” حتى توفيت “مارلين بيلي” عام 2002 عن عمر يناهز 61 عامًا و توفي زوجها “موريس” بيلي في 2018.