بعد تقسيم ألمانيا إالى دولتين عقب الحرب العالمية الثانية على يد الحلفاء إحداها شرقية و تتبع الإتحاد السوفيتي و الكتلة الشيوعية و الأخرى غربية و تتبع الولايات المتحدة و الكتلة الغربية لم يكن الأمر تقسيما سياسيا و إداريا فحسب بل كان أيضا رياضيا حيث أصبح لكلا البلدين أندية و منتخبات خاصة بها و لها دورياتها المحلية و من الممكن أن يتلاقيا فى أى محفل دولي مثل الألعاب الأولمبية للتنافس فى أى لعبة و التى كان من بينها كرة القدم و تقابلت بالفعل فرق البلدين على المستوى الرسمي في كل من مسابقات المنتخبات الوطنية و الأندية فى بطولات شهيرة أبرزها كأس العالم و دوري أبطال أوروبا و رغم أن ألمانيا الشرقية و الغربية منفصلين سياسيا الا أن الروابط التى كانت بين الشعبين قوية للغاية حيث كان يسافر مشجعين من الشرق لدعم منتخب ألمانيا الغربية حين كان يخوض أى مباراة تجرى أحداثها فى إحدى دول أوروبا الشرقية و فى ذلك التقرير نستعرض معا طبيعة العلاقة الرياضية بين الدولتين قبل إعادة توحيد ألمانيا مجددا عام 1990 .

بدأ الأمر مع نهاية الحرب العالمية الثانية حيث كانت توجد أربع مناطق إحتلال في ألمانيا التي قام الحلفاء بإجتياحها و مع الوقت أندمجت المناطق البريطانية و الفرنسية و الأمريكية تدريجياً لتشكل “ألمانيا الغربية” و أطلق عليها رسميا إسم “جمهورية ألمانيا الإتحادية في 23 مايو عام 1949 أما المنطقة الأخري التى كانت تحت سيطرة ” الاتحاد السوفيتي ” فقد تأسست دولة أخري و هى “ألمانيا الشرقية” التى عرفت رسميا بإسم ” جمهورية ألمانيا الديموقراطية ” في 7 أكتوبر عام 1949 أما بالنسبة للعاصمة ” برلين ” فقد تم تقسيمها هى الأخرى لقسمين متماثلين تابعين لألمانيا الشرقية و الغربية حيث كانت كلا الدولتين واحدة من أبرز ساحات الحرب الباردة فى قارة أوروبا و بذلك أصبح لكل دولة أنديتها و منتخباتها و كان يُشار أحيانًا إلى مباريات كرة القدم التى تجمع بين فرق ألمانيا الشرقية و الغربية على أنها صراع طبقي بين الشرق الشيوعي و الغرب الرأسمالي و لكن غالبًا ما كان يُنظر إليها على أنها قتال بين الإخوة أو مبارزة داخلية ألمانية .

و عندما استؤنفت مباريات كرة القدم في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية بذلت “ألمانيا” محاولات لتنظيم بطولة وطنية موحدة تضم فرقًا من جميع مناطق الاحتلال الأربعة بما في ذلك المنطقة السوفيتية و تم التخطيط بالفعل لنسخة عام 1947 من بطولة دورى كرة القدم الألمانية التى كانت الأولى من نوعها منذ عام 1944 و كان من المقرر أن تضم فريقًا واحدًا من المنطقة السوفيتية لكن تم إلغاؤها في النهاية و في الموسم التالي أقيمت بطولة الدوري الألماني عام 1948 و دُعي بطل المنطقة السوفيتية نادي “إس جي بلانيتز” الفائز ببطولة “أوستزونينميسترشافت” عام 1948 لكن سلطات الاحتلال السوفيتي رفضت السماح له بالسفر و بعد ذلك لم تشارك أندية المنطقة السوفيتية في أي من البطولات الألمانية التالية على عكس منطقة ” برلين ” و التى أستمرت أنديتها الشرقية و الغربية في المشاركة بالدوري الموحد حتى نهاية موسم 1949-1950 و رغم تأهل فريق ” أوبيرشونفيد ” و هو نادى من الجزء الشرقي من المدينة للعب فى بطولة الدورى الألماني عام 1950 لكن لم يُسمح له بالسفر إلى برلين الغربية و بعد وقت قصير أنسحبت أندية شرق برلين من ذلك الدوري للانضمام إلى دورى ألمانيا الشرقية التابعة له .

و رغم المنع فى المباريات الرسمية الا أن اللقائات الودية بين أندية ألمانيا الشرقية و الغربية كانت لا تزال شائعة في الخمسينيات لكنها أختفت تقريبًا في العقود التالية و مع تدشين بطولة دورى أبطال أوروبا في موسم 1955–56 شارك فيه بطل ألمانيا الغربية أولا بينما دخل بطل ألمانيا الشرقية فى موسم 1957 إلى 1958 و على الرغم من وجود إحتمال أن يتقابل كلا الفريقين ضد بعضهما البعض إلا أن ذلك لم يحدث حتى نسخة 1973-1974 عندما التقى “دينامو دريسدن” مع “بايرن ميونخ” في الدور الثاني و خسر بنتيجة 7-6 في مجموع المباراتين حيث كان الترقب كبيرا لمتابعة ذلك اللقاء بين البطلين و التى كان ينظر اليها على أنها بطولة “ألمانيا” الحقيقية و رغم أن الإقبال الجماهيري لم يكن كبيرا بمباراة الذهاب في “ميونيخ” لكن مباراة الإياب في “دريسدن” شهدت 300000 طلب للحصول على تذاكر للمباراة و في نفس الموسم أزاح نادى “إف سي لوكوموتيف لايبزيج ” نادى “فورتونا دوسلدورف” في الجولة الثالثة من كأس الإتحاد الأوروبي و من ثم أصبحت المواجهات بين أندية كلا البلدين أكثر شيوعًا في مسابقات الإتحاد الأوروبي و نظرا لوجود بعض من الصعوبات لم يتمكن “بايرن ميونيخ” و “إف سي ماجديبورج ” من ترتيب مواعيد لقاء كأس السوبر الأوروبي بعد أن فاز الأول بكأس أوروبا لموسم 1973–74 و الأخير بكأس الكؤوس الأوروبية 1973–74 لكن حظ القرعة جمعهما معًا في كأس أوروبا موسم 1974-1975 و فاز “بايرن” في مباراتي الذهاب و الإياب و دافع عن لقبه .

و بحلول عام 1990 أو عام التوحيد أقيمت مباراتين تذكاريتين بين الفائزين بالكأس و بطلا الدورى للموسم السابق في كل من البلدين و عقب توحيد ألمانيا كان أمام أندية ألمانيا الشرقية إختبار حقيقى فى الإندماج مع أندية ألمانيا الغربية و رغم المنافسات الا أنه لم يكن لأي نادٍ من ألمانيا الشرقية أي تأثير في نظام كرة القدم الألماني الموحد .

و على صعيد المنتخبات فقد لعبت “ألمانيا الغربية” أول مباراة دولية لها بعد الحرب في 22 نوفمبر 1950 ضد “سويسرا” في مدينة “شتوتجارت” بينما لعبت “ألمانيا الشرقية” مباراتها الأولى ضد “بولندا” في 21 سبتمبر 1952 في مدينة “وارسو” بينما كانت المباراة الدولية رقم 293 و الأخيرة لهم في 12 سبتمبر 1990 ضد “بلجيكا” في مدينة “بروكسل” و ألتقى المنتخبان مرة واحدة فقط على مستوى المنتخب الأول في 22 يونيو عام 1974 في مباراة بطولة كأس العالم عام 1974 التي أقيمت في “ألمانيا الغربية” و كانت فى مدينة ” هامبورج ” أمام 62000 متفرج و فازت بها “ألمانيا الشرقية” 1-0 و لكن رغم الفوز الا أنه تم إقصائها في دور المجموعات الثاني بينما فازت “ألمانيا الغربية” بكأس العالم و بعد عامين تفاجئ مهاجم منتخب ” ألمانيا الشرقية ” “هانز يورجن كريشي” أنه تم استبعاده من الفريق الوطني المشارك فى دورة الألعاب الأولمبية عام 1976 بسبب علم ستاسي ( جهاز الأمن التابع للدولة ) بمراسلاته مع السياسي الألماني الغربي “هانز أبيل” خلال كأس العالم رغم أن تلك المراسلات كانت طبيعية و منحصرة فى مجرد توقعات رياضية من خلال رهان غير رسمي تم إجراؤه فى المراسلات حيث توقع “كريش” بشكل صحيح أن ” ألمانيا الغربية ” ستفوز بالكأس و أرسل له “أبيل” بعض الويسكي لصحة توقعه غير مدرك للصعوبات التي قد يسببها ذلك للاعب و لكن فى كل الأحوال كانت تلك هى المشاركة الوحيدة لألمانيا الشرقية فى بطولات كأس العالم مقابل فوز ألمانيا الغربية بالبطولة لثلاثة مرات بنسخ 1954 و 1974 و 1990 و بعدها لم يلتقى البلدين مرة أخرى على الرغم من طلب “ألمانيا الغربية” تكرارًا لمباراة ثانية لكن الشرق كان يرفض رغم رغبة لاعبي و مدربي و مشجعي “ألمانيا الشرقية” بذلك .

و مع إعادة توحيد “ألمانيا” تم التخطيط لمباراة خاصة تجمع منتخبى ألمانيا الشرقية و الغربية في 21 نوفمبر 1990 في “لايبزيج” و لكن تم إلغائها بعد إطلاق النار على أحد المشجعين في مباراة بين “ساشسن لايبزيج” و “برلينر إف سي دينامو” من قبل الشرطة في 3 نوفمبر كما كان من المتوقع أيضا تقابل ألمانيا الشرقية و الغربية في التصفيات المؤهلة لبطولة أوروبا عام 1992 لكن الأخيرة كانت قد انسحبت بسبب إعادة التوحيد أما بالنسبة للألعاب الأوليمبية فقد واجهت الفرق الأولمبية التابعة للبلدين بعضهما البعض لأول مرة في المنافسة المؤهلة لدورة كرة القدم للألعاب الأولمبية الصيفية عام 1964 حيث فازت “ألمانيا الشرقية” بمباراتها على أرضها 3-0 بينما فازت ألمانيا الغربية بمباراتها 2-1 و يصعد الشرق للمشاركة فى الألعاب حيث فازوا بميدالية برونزية ثم ألتقى الإثنان مرة أخرى في الألعاب الأولمبية الصيفية عام 1972 التي أقيمت في “ميونيخ” بألمانيا الغربية و فازت “ألمانيا الشرقية” بهذه المباراة أيضًا بنتيجة 3-2 و في النهاية فازت بميدالية برونزية أخرى و ذلك لأن فريق “ألمانيا الشرقية” كان يتألف من لاعبين رفيعي المستوى من الدوري المحلي بينما كان فريق “ألمانيا الغربية” مكون من الهواة كما فاز فريق “ألمانيا الشرقية” بالميدالية الذهبية عام 1976 و الفضية في البطولة التالية عام 1980.

أقرأ أيضا : أولمبياد ولدنبيرج .. بطولة الألعاب الأوليمبية التى أقيمت داخل المعسكرات النازية لأسرى الحرب العالمية الثانية

و رغم المنافسات المشتعلة بين أندية و منتخبات كلا البلدين خلال حقبة الإنقسام إلا أنه كانت توجد أحيانًا صداقة قوية و لكن بعيدة بين الأندية و المشجعين في أي من المنطقتين لكن هذا قد تغير منذ إعادة توحيد ألمانيا ففي برلين المنقسمة كان الناديان الأكثر شعبية على كلا الجانبين “هيرتا بي إس سي” و نادي “إف سي يونيون برلين” غالبًا ما كانا يشاهدان لافتات داعمة للآخر في ملاعبهما و بعد سقوط جدار برلين أستمرت هذه الصداقة لبعض الوقت لكنها تحولت في النهاية إلى تنافس قوي و كره بين الناديين و أنصارهم .