الثقوب السوداء

الثقوب السوداء هى أجسام فلكية لها قوة جاذبية قوية جدا لدرجة أنه لا يمكن لأي شيء و لا حتى الضوء الإفلات منها حيث تسمى حدود عدم الإفلات الموجودة بهم بأفق الحدث و هو رغم لونه الأسود فإنه يختلف عن الفضاء الفارغ فى أنه مليئ بالمادة التى يتم ضغطها فى مساحة صغيرة و يتم الاستدلال على وجوده من خلال تفاعله مع المواد الأخرى و الإشعاعات الكهرومغناطيسية مثل الضوء المرئي و تمت ملاحظة فئتان منهم على نطاق واسع من الكون حيث تنتشر الثقوب السوداء ذات الكتلة النجمية التي يزيد وزنها من ثلاث إلى عشرات المرات عن كتلة الشمس في جميع أنحاء مجرتنا درب التبانة بينما يوجد نوع أخر و هى الوحوش الفائقة الكتلة و تزن ما بين 100 ألف إلى مليارات من الكتل الشمسية و تتواجد في مراكز معظم المجرات الكبيرة بما في ذلك مجرتنا و على الرغم من أنه تم العثور حاليا على البعض منهم في مجرة ​​درب التبانة الا أنه لا يزال يعتقد بوجود مئات الملايين منها .

و اكتشفت الثقوب السوداء بالصدفة عام 1916 من خلال الفيزيائي الألمانى “كارل شوارزشيلد” عندما كان يحاول التوصل الى حلًا معينًا لمعادلات النظرية النسبية العامة للعالم ” ألبرت أينشتاين” حيث لاحظ احتواء الحل على ظاهرة غريبة تمثلت فى تصرف النظرية بشكل غريب عند نصف قطر معين يعرف اليوم باسم “نصف قطر شوارزشيلد” و أستنتج أنه إذا ضغطت كتلة جسم في مساحة أصغر من نصف قطرها فإن جاذبيتها ستطغى على كل قوة معروفة و افترض الفيزيائيين الأوائل أن تلك الظاهرة من الصعب تواجدها في الطبيعة و لكن في أواخر ثلاثينيات القرن الماضي أصبح من الواضح أنها من الممكن حدوثها عندما وجد الفيزيائي الهندي “سوبراهمانيان شاندراسيخار” أنه عند كثافة معينة لا يمكن لأي قوة أن تطغى على الجاذبية كما أنه لا يمكن للثقوب السوداء أن تتشكل إلا في ظل أشد الظروف قسوة .

كيف يتشكل الثقب الأسود ؟

بالنسبة للثقوب السوداء النجمية فمن المعروف أن النجوم تنتج الضوء و الحرارة بسبب التفاعلات الموجودة بداخلها حيث تحدث بها عملية تسمى الاندماج النووي و فيها تندمج ذرتان خفيفتان معًا لتكوين ذرة أثقل و هي عملية تنطلق من خلالها الطاقة ثم تندمج هذه الذرات الأثقل مجددا لتكوين ذرات أثقل و هكذا من دون توقف و هو ما يؤدى الى استمرارية تخليق ذلك النجم للضوء و الحرارة و عندما يكون حجمه 20 ضعف كتلة شمسية و فى قرب نهاية حياته فإن العناصر الثقيلة الموجودة فيه مثل السيليكون و المغنيسيوم تدمج في نواته و في النهاية يبدأون في تكوين الحديد الذى يتطلب تكوينه حدوث طاقة أكبر مما تحدث فى ذلك النجم و بالتالي لا شيء في هذه المرحلة يمكن أن يوازن الجاذبية الداخلية لكتلة النجم و هكذا ينهار على نفسه و مع كل هذا الوزن الثقيل و الساحق يتم ضغط النواة إلى ما وراء “نصف قطر شوارزشيلد” و عند هذه النقطة يتشكل الثقب الأسود .

و نظرًا لعدم قدرة أي قوة معروفة على إيقاف ذلك الانهيار فبمجرد أن تشكل المادة ثقبًا أسود فإنها تستمر في الضغط عليها حتى تصبح متفردة و غير مقيدة بإحداثيات و ذات نقطة كثافة لا نهائية و يتشكل “أفق الحدث” و هو الحد الكروي الغير مرئي و يميز مداخل الثقوب السوداء و التى ان وقع شئ تحت رحمة نطاقها فلا يمكنها المغادرة أبدا و من أجل الهروب منها فيتعين على المرء أن يسافر أسرع من سرعة الضوء و بما أنه لا شيء يمكن أن يكون بتلك السرعة على الأقل فى الوقت الراهن فمن المستحيل الخروج منه أبدا أما بالنسبة للثقوب السوداء الهائلة الحجم او الوحوش فائقة الكتلة التي تبلغ كتلتها ملايين أضعاف كتلة الشمس فتتكون عن طريق التغذي على المواد المحيطة بها اضافة الى الاندماج مع الثقوب السوداء الأخرى و ذلك على مدار مئات الملايين من السنين .

و لطالما اشتبه علماء الفلك في وجود فئة بينية تسمى الثقوب السوداء متوسطة الكتلة و تزن ما بين 100 إلى أكثر من 10000 كتلة شمسية و في حين تم تحديد عدد قليل من المرشحين بأدلة غير مباشرة فإن المثال الأكثر إقناعًا حتى الآن جاء في مايو عام 2019 عندما تم الكشف عن موجات جاذبية نتجت من اندماج اثنين من الثقوب السوداء ذات الكتلة النجمية ادى الى وجود ثقب أسود يزن 142 شمس .

ماذا يحدث داخل الثقوب السوداء ؟

الثقوب السوداء هى كل شئ داخل مساحة فارغة ففي الداخل يمكن للمرء أن يجد أثقالا و أثقال من الكتلة التى تنضغط إلى نقطة صغيرة جدًا بسبب الجاذبية و التى تصل الى حالة التفرد في فترة زمنية محدودة يفقد الجسم إحداثياته و لا يعرف الفيزيائيين ما يحدث عند حالة التفرد تلك لأنها بيئة قاسية حيث تتفكك فيها كل معرفتنا الحالية بالفيزياء .

و لحسن حظنا أن أقرب الثقوب السوداء يبعد عنا آلاف السنين الضوئية حيث تتصرف الثقوب السوداء مثل أي أجسام ضخمة أخرى في الكون تقوم بإبتلاع ما حولها و لكن في الواقع إذا كنت تريد استبدال الشمس بثقب أسود بنفس حجمها فمن المتوفع ان يكون مدار الأرض مثلما هو الا أنه ستموت جميع النباتات بواقع الحال لاختفاء ضوء الشمس .

كيف تأكد العلماء من وجوده ؟

لا يمكن للعلماء مراقبة الثقوب السوداء بشكل مباشر باستخدام التلسكوبات التي تكتشف الأشعة السينية أو الضوء أو أي أشكال أخرى من الإشعاع الكهرومغناطيسي و مع ذلك يمكننا استنتاج وجود الثقوب السوداء و دراستها من خلال اكتشاف تأثيرها على مادة أخرى قريبة منها فإذا مرت سحابة من المادة عبر الثقب الأسود فسوف يقوم بجذبها الى الداخل في عملية تُعرف باسم التراكم و يمكن أن تحدث عملية مماثلة إذا مر نجم عادي بالقرب منه و عند هذه الحالة يقوم الثقب بتمزيقه و بسحبه اليه عندها تتسارع المادة المنجذبة و تسخن و تبعث أشعة سينية تشع في الفضاء حيث تقدم الاكتشافات الحديثة بعض الأدلة المحيرة على أن الثقوب السوداء لها تأثير كبير على الأحياء المحيطة بها حيث تنبعث منها انفجارات قوية من أشعة جاما و تلتهم النجوم القريبة و تحفز نمو نجوم جديدة في بعض المناطق بينما توقفها في مناطق أخرى .

ما حجم الثقوب السوداء ؟

تبلغ كتلة الثقب الأسود في Cygnus X-1 و هو أقرب ثقب موجود من مجموعتنا الشمسية حوالي 20 ضعف كتلة الشمس و هو أمر نموذجي جدًا للثقوب السوداء في جميع أنحاء الكون حيث ذكرت وكالة ناسا أن العلماء يعتقدون بوجود ما بين 10 ملايين و مليار ثقب أسود داخل مجرتنا .

و يقع الثقب Cygnus X-1 على بعد أكثر من 6000 سنة ضوئية من مجموعتنا الشمسية و رغم أنه واقعيا يعتبر الأقرب الا أنه يحتمل وجود ثقوب سوداء قريبة على بعد 1000 سنة ضوئية الا أن ذلك لم يتم تأكيده بعد .

أما بالنسبة لمركز مجرة درب التبانة و في وسط كل مجرة أخرى تقريبًا يوجد بها ثقب أسود هائل و هو أكبر بملايين أو حتى مليارات المرات من كتلة الشمس حيث تصل هذه الثقوب العملاقة الى أحجام هائلة من خلال التغذي على المادة المحيطة بها و الاندماج مع الثقوب السوداء الأخرى على مدار مئات الملايين من السنين .

كيف يبدو شكل الثقوب السوداء ؟

الثقوب السوداء مثل أسمها و تتميز بذلك اللون لأنها لا تصدر أي ضوء لكن لا يزال بإمكان علماء الفلك اكتشافها من خلال تأثيرات الجاذبية التي تحدثها على الأجسام الأخرى و تأثيراتها الفوضوية و بالنسبة لبعض الثقوب السوداء و خاصة الفائقة الكتلة فيمكن لعلماء الفلك رؤيتها بسبب “الكوازارات” التي تنتجها فعندما تسقط المادة على ثقب أسود فتنضغط و تسخن في نسخة مطورة من Cygnus X-1 حيث قالت ناسا إن قرص المواد المحيطة بالثقب الأسود يمكن أن يتوهج و يكون أكثر سطوعًا من مجرته المضيفة بأكملها كما أنه قادر على إطلاق نفاثات من الجسيمات فائقة التسخين بسرعة الضوء تقريبًا و لمسافات تقدر بعشرات الآلاف من السنين الضوئية.

أقرأ أيضا : هل يمكن إجراء عملية جراحية فى الفضاء فى وسط تنعدم فيه الجاذبية ؟

كما أن هناك طريقة أخرى “لرؤية” الثقوب السوداء وقت اندماجها فعندما يصطدم ثقبان أسودان يرسلان تموجات في الزمكان تعرف باسم موجات الجاذبية و هذه الموجات ضعيفة بشكل لا يصدق لكن الأجهزة الحساسة على الأرض قادرة على اكتشافها و حتى الآن حدد علماء الفلك 50 حدثًا من أحداث اندماج الثقوب السوداء .

صورة الثقب الأسود الموجود فى مجرة M87

و فى عام 2019 ظهرت أول صورة حقيقية لثقب أسود عندما استخدم علماء الفلك تلسكوب ” ايفينت هورايزون ” و هو عبارة عن شبكة من الأطباق تمتد عبر الأرض بأكملها لالتقاط صورة لهذا القرص المضاء من المواد التي تدور حول ثقب أسود و الذى يبلغ وزنه أكثر من 6 مليارات كتلة شمسية و يوجد في مجرة ​​تبعد عنا بحوالى 55 مليون سنة ضوئية و تسمى M87 حيث يظهر مثل كعكة برتقالية مشوهة في تلك الصورة نظرًا لأنه من المستحيل التقاط صورة للثقب الأسود نفسه و ذلك لعدم امكانية هروب الضوء منه و عليه فإن ما رآه علماء الفلك بدلاً من ذلك هو ظل ذلك الثقب الموجود في المادة المتوهجة المحيطة به .

شارك الموضوع

عمرو عادل

فى الحياة الواقعيه مهندس ميكانيكا قوى اما فى الحياه الافتراضيه فباحث و كاتب و مدير الموقع دا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *