الماسونية

الماسونية هي منظمة عالمية لها باع طويل و معقد فى تاريخ البشرية و تضم بين أعضائها سياسيين و مهندسين و علماء و كتاب و مخترعين و فلاسفة منهم من كان له أدوارًا بارزة في الأحداث العالمية مثل الثورات و الحروب و الحركات الفكرية و الثورية و تعتبر الماسونية أقدم منظمة أخوية في العالم و رغم طول مدة إنشائها الا أنها محاطة بالغموض بالنسبة للمراقبين الخارجيين نظرا لممارسة المنتسبين لها لعدد من الطقوس و الممارسات الشبيهة بالعبادات و التى تكون فى أجواء عشائرية و سرية و ربما شريرة كما ظهرت فى العديد من الأفلام و الروايات الشعبية أشهرها فيلم و رواية شفرة دافنشي التى ساهمت فى تعزيز تلك المفاهيم لدي الناس بالإضافة إلي تردد الماسونيين المتعمد في كثير من الأحيان في عدم التحدث عن تلك المنظمة و طقوسها للغرباء .

و يرجح أن الماسونية تضم عضويات عالمية تقدر بنحو 6 ملايين شخص و وفقًا لتقرير صادر عن هيئة الإذاعة البريطانية فإن تلك المنظمة الأخوية تتكون فقط من الرجال الذين يجتمعون معًا من أجل المنفعة المتبادلة التى تكون غالبًا لأسباب مهنية أو تجارية و مع ذلك يعتقد أنه يمكن للمرأة في الوقت الحاضر أن تصبح ماسونية أيضًا كما أنهم بحسب معتقداتهم أيضا مكرسون لأهداف أسمى حيث يروجون ظاهريا لمفهوم “أخوة الإنسان” و في الماضي أرتبطوا غالبًا بمبادئ التنوير في القرن الثامن عشر التى تمثلت فى مناهضة الملكية و الترويج للجمهورية و الحكومة الدستورية و هذا لا يعني أن الماسونية علمانية بالكامل أو خالية من الجوانب الدينية حيث أن أعضائها يدعون إلي كائن أسمى يُعرف فى مفهومهم بإسم “المهندس الكبير للكون” .

ما هى الماسونية ؟

و لدى الماسونية مدونة أخلاق تقوم بتوجيه سلوك أعضائها حيث تحثهم على أن يكونوا صامدين و موثوقين و حقيقيين مع عدم أخذ الرشاوى أو إيواء اللصوص و في حين أن العديد من الماسونيين مسيحيين إلا أن الماسونية و المسيحية بشكل عام لهما علاقة معقدة حيث يعارض بعض المسيحيين الأرثوذكس مفهوم الربوبية الماسونية و علاقاتها المتصورة بالوثنية و السحر أما الكنيسة الكاثوليكية فتعد من بين أشد منتقديها لدرجة إصدار مرسوم بابوي عام 1738 يمنع الكاثوليك من أن يصبحوا ماسونيين و حتى اليوم لا يزال الحظر البابوي على الماسونية ساريًا حيث أعلنت الكنيسة أن الماسونية لا تتوافق مع عقيدة الكنيسة وفقًا للفاتيكان .

و في معظم المحافل الموجودة في معظم البلدان ينقسم الماسونيين إلى ثلاث درجات رئيسية أولها دخيل مبتدئ ثم زميل في الحرفة و أخيرا رجل بناء كما تواجد درجات عديدة فى محافل أخري قد تصل أحيانا الى ألف درجة موزعة على الأقسام الرئيسية الثلاثة و تعتبر هذه الميزات التنظيمية ليست موحدة من بلد إلى آخر .

متى بدأت الماسونية ؟

تعتبر أصول الماسونية غامضة و الموضوع مليء بالأساطير و التكهنات و أحد أكثر الادعاءات الخيالية هو أن الماسونيين ينحدرون من بناة هيكل سليمان المعروف أيضًا باسم الهيكل الأول في “القدس” و يجادل أخرون بأن الماسونيين بدأوا كفرع من فرسان المعبد و هم مجموعة عسكرية كاثوليكية تعود إلى العصور الوسطى و حاول البعض تتبع أصول الماسونية و إرجاعها إلي المصريين القدماء و السلتيك كما كانت هناك أيضًا شائعة طويلة الأمد مفادها أن الماسونيين هم جماعة “المتنورين” و هي جمعية سرية من القرن الثامن عشر بدأت في “ألمانيا” و لكن كانت كل تلك النظريات لم تكن على أسس راسخة لذلك لم يعتد بها بشكل كبير على الرغم من إستمرار بعض الناس في تصديقها .

و يقول البعض أن أصول الماسونية أو البنائين الأحرار تعود إلى نقابات الحجارة في أوروبا خلال العصور الوسطى حيث كانت هذه النقابات تنشط بشكل خاص فى القرن الرابع عشر و مسؤولة عن بناء عجائب فى الهندسة المعمارية في أوروبا مثل الكاتدرائيات القوطية المزخرفة في “نوتردام” بباريس فى “فرنسا” و دير “وستمنستر” بلندن فى ” المملكة المتحدة ” و مثل العديد من نقابات الحرفيين في ذلك الوقت كان أعضاؤها يحمون أسرارهم بشكل كبير و كانوا انتقائيين بشأن من يختارونه كمتدربين تحت أيديهم و الذين يقضون وقت كبير من التدريب لتعلم الحرفة و غالبًا ما كانوا يدرسون بجوار الفنون مواد علمية مثل الرياضيات و الهندسة المعمارية المتقدمة لذلك كانت مهاراتهم مطلوبة بشدة لدرجة أن الماسونيين ذوي الخبرة كان يتم البحث عنهم كثيرا من قبل الملوك و كبار مسؤولي الكنيسة .

و لم توفر تلك النقابات للأعضاء فقط مسألة حماية الأجور و مراقبة جودة العمل المنجز مثل النقابات التقليدية و لكن أيضًا وضعت بينهم روابط اجتماعية مهمة حيث كان يجتمع الأعضاء في المحفل الذى كان بمثابة المقر الرئيسي و نقاط الاتصال الإجتماعي بينهم حيث يتشاركون في وجبات الطعام و يتجمعون لمناقشة الأحداث و القضايا المعاصرة و لكن مع صعود الرأسمالية و إقتصاد السوق خلال القرنين السادس عشر و السابع عشر إنهار نظام النقابة القديم لكن المحافل الماسونية نجت و من أجل تعزيز العضوية و جمع الأموال بدأت نقابات الحجارة في تجنيد غير الماسونيين و كان في البداية يتكون هيكل المجندين الجدد غالبًا من أقارب الأعضاء الحاليين كما شملت تلك العملية أيضا و بشكل متزايد أفرادًا أثرياء و رجالًا يتمتعون بمكانة اجتماعية عالية حيث كان العديد من هؤلاء الأعضاء الجدد من “السادة المثقفين” الذين كانوا مهتمين بالإتجاهات الفلسفية و الفكرية التي كانت تعمل على تغيير المشهد الفكري الأوروبي في ذلك الوقت و يدعون لسيطرة العقلانية و المنهج العلمي و الفيزياء النيوتونية كما كان هؤلاء الرجال مهتمين فى نفس الوقت بمسائل الأخلاق و خاصة كيفية بناء الشخصية الأخلاقية و من هذا التركيز الجديد نمت “الماسونية المضاربة” التي بدأت في القرن السابع عشر كشكل محدث من تلك النقابات السابقة و أصبحت المحافل أماكن اجتماع للرجال المكرسين للقيم الغربية الليبرالية و المرتبطة بها.

أحد المحافل الماسونية فى باريس عام 1745 م
أحد المحافل الماسونية فى باريس عام 1745 م

من ذلك نستطيع القول أن الماسونية كما نعرفها اليوم نشأت فى أوائل القرن الثامن عشر في “إنجلترا” و “اسكتلندا” ثم حدثت نقطة تحول رئيسية في تاريخهم عام 1717 عندما اجتمع أعضاء أربعة محافل منفصلة في “لندن” معًا لتشكيل ما أصبح يُعرف باسم ” محفل إنجلترا الرائد الكبير ” و أصبح هذا المكان النقطة المحورية للماسونية البريطانية و الذى ساهم بشكل كبير في إنتشار المنظمة و تعميمها بسرعة في جميع أنحاء القارة و بالتالي المحافل الماسونية من “إسبانيا” و “البرتغال” في الغرب إلى “روسيا” في الشرق كما تم تأسيس بعض منها أيضًا في مستعمرات أمريكا الشمالية خلال النصف الأول من القرن الثامن عشر و بحلول أواخره في ذروة عصر التنوير أصبحت الماسونية تحمل طابعًا اجتماعيًا كبيرًا حيث كان يقال وقتها “كونك ماسوني يشير إلى أنك كنت في طليعة المعرفة” و مع ذلك لم تكن تلك الحركة موضع ترحيب دائمًا ففي “الولايات المتحدة” بثلاثينيات القرن التاسع عشر تم تشكيل حزب سياسي معروف باسم الحزب المناهض للماسونية و حسبما ذكرت صحيفة “واشنطن بوست” كان هو الحزب السياسي الثالث للأمة و كان أعضاؤه مكرسين لمواجهة التأثير السياسي غير المبرر للماسونية حيث بدأ “وليام سيوارد” الذي كان وزير خارجية الرئيس “إبراهام لنكولن” حياته السياسية كمرشح مناهض للماسونية .

هل يمكن للنساء أو الأقليات الإنضمام إلي تلك المنظمة ؟

كانت المحافل الماسونية المبكرة تنحصر على الذكور بشكل حصري مما يعني أن النساء كانوا ممنوعات من العضوية و هي نقطة تم توضيحها في القواعد القديمة للإنضمام الى ذلك المحفل و الذى كان ينص على “لا عبيد … لا نساء … لا رجال فاسقون أو فاسدون ” و أستمر هذا التقليد لعقود عديدة لا سيما في “بريطانيا العظمى” و لكن على مر السنين بدأت النساء بشكل متزايد في لعب أدوار نشطة في المنظمة و خاصة في البر الرئيسي الأوروبي ففي “فرنسا” خلال الأربعينيات من القرن الثامن عشر بدأ ظهور ما يسمى بـ “محافل التبني” و كان هذا المحفل يضم مزيجًا من الرجال و النساء معظمهم من الزوجات و البنات و الإناث من أقارب الماسونيين الذكور و سرعان ما ظهرت محافل مماثلة في “هولندا” و في نهاية المطاف “الولايات المتحدة” .

النساء فى الماسونية

و من هذا التقليد أصبح يتم تشكيل المنظمات الماسونية في نهاية المطاف و تضم كلا من الرجال و النساء كأعضاء كاملي العضوية حيث يشاركون فى طقوس تلك الجماعة سويا كما أصبح بإمكان المرأة أن تشغل مناصب السلطة و القيادة و تُلقب المرأة الأعلى مرتبة في وسام النجمة الشرقية بـ “الماترون ذات القيمة ” و تكون هي رئيسة المنظمة كما أن هناك أيضًا العديد من المنظمات ذات الصلة بالماسونية و الخاصة بالفتيات و الشابات مثل “وسام بنات أيوب” و “وسام قوس قزح الدولي للبنات” و كلاهما نشط حتى اليوم و تعتبر المنظمة الثانية هي فرع من منظمة ” وسام النجمة الشرقية ” المكرسة إلى حد كبير للأعمال الخيرية و تدار بشكل منظم جدا .

و على غرار علاقة الماسونية مع النساء كانت لتلك المنظمة في “الولايات المتحدة” تاريخ معقد مع الأقليات العرقية و خاصة الأمريكيين السود فبعد تأسيس الماسونية في المستعمرات الأمريكية و قبل الحرب الثورية قدم عدد قليل من المستعمرين السود الأحرار بمن فيهم رجل يدعى “برينس هول” إلتماسًا للحصول على عضوية في مدينة “بوسطن” و تم رفضه إلا أنه ثابر و حصل في النهاية على تصريح عام 1784 من المحفل الماسوني الأكبر فى “إنجلترا” بدء على إثره فى إنشاء محفل ماسوني هو الأول من نوعه على يد أمريكي من أصل أفريقي و أصبح أساسًا للعديد من المحافل السوداء الأخرى التي نشأت لاحقًا و تم تسمية هذه المحافل السوداء باسم “محافل برنس هول” تكريماً للمؤسس و قد تم إنشاؤها حصريًا للأمريكيين الأفارقة .

و على الرغم من أن الماسونية لا تحظر بشكل صارم عضوية الأقليات العرقية غير البيضاء إلا أن دمج المحافل السائدة شهد صراعات مستمرة و قد قوبلت محاولات الدمج تلك بنجاح متفاوت نظرا لوجود الكثير من الإعتراضات من قبل الأعضاء البيض .

الماسونيين من مشاهير العالم ؟

بينيامين فرانكلين

يقال إن العديد من الشخصيات التاريخية البارزة كانوا من الماسونيين بما في ذلك “سيمون بوليفار” المعروف بإسم “محرر أمريكا الجنوبية” بالإضافة الى الفيلسوف الفرنسي “فولتير” المعروف بكتاباته الفلسفية و السياسية الضخمة و الشاعر و الكاتب الألماني الشهير “جوته” كما أصبح الموسيقار “موتسارت” ماسونًيا عام 1784 و تحتوي أوبراه الشهيرة “الفلوت السحري” على عناصر من الماسونية و التى كانت أنشودة لمعتقداته أما بالنسبة إلي ” الولايات المتحدة ” فيقال أن الآباء المؤسسين لتلك الدولة و الرؤساء كانوا من الماسونيين بمن فيهم “جورج واشنطن” و “بول ريفير” و “أندرو جاكسون” و “بنيامين فرانكلين” الذى كان واحدًا من أوائل الماسونيين في ما كان يُعرف آنذاك بأمريكا الاستعمارية و في عام 1734 أصبح السيد الكبير في محفل فيلادلفيا .

رموز الماسونية

رموز الماسونية

يتألف عالم الماسونية من علامات و رموز تحير معظم غير الماسونيين و ربما تكون الزاوية القائمة و الفرجار هى أكثر الرموز شيوعًا و هما رمزان معروفان عالميًا للمنظمة و عادة ما تزين العتبات فوق مداخل المحافل و يمكن العثور عليها على المآزر التي يرتديها الماسونيين أثناء الطقوس و على الرغم من عدم وجود معنى واحد متفق عليه عالميًا لتلك الرموز فمن المحتمل أن يكون هذين الرمزين بالإقتران يهدفان إلى تمثيل الطريقة التي يجب أن يتصرف بها الماسونين حيث تشير الزاوية القائمة إلى أن الرجل يجب أن يتصرف بطريقة قائمة مع زميله أي أنه يجب أن يكون أمينًا و صريحًا في جميع تعاملاته أما الفرجار فهي تذكير بالإعتدال و عدم الإنجراف في رذائل الحياة و بشكل عام فإن الرموز الماسونية الأخري مثل خلية النحل و شجرة الأكاسيا و العين التي ترى كل شيء تهدف إلى استدعاء المُثُل العليا و تذكير الأعضاء بأنماط السلوك الصحيحة و نقل الدروس المهمة حيث يقول البعض منهم أن رموز الماسونية لها علاقة إلى حد كبير بالأخلاق و كيف ينبغي للمرء أن يعيش حياته .

الماسونية اليوم

بحسب بعض من المراقبين فإن الماسونية تشهد تراجعا حيث تمر محافلها بوقت عصيب لعدم تمكنها من تجنيد الرجال بسبب أن معظم الشباب اليوم لا يفضلون هذه الأنواع من التمييز مثل الأماكن المخصصة للرجال و الأماكن المخصصة للنساء و نتيجة لذلك تراجعت العضويات في المحافل و لم يعد السعي للإنضمام إلى تلك المنظمة يحمل الجاذبية التي كانت تتمتع بها في السابق على الرغم من وجود نزل ماسونية في كل ولاية أمريكية إلا أن العديد منها شاغر الآن كما أن أحد أسباب هذا الانخفاض هو المنافسة بين العديد من المنظمات الأخوية و الخدمية المماثلة إضافة الى القيم المختلفة التي تتبناها الأجيال الجديدة التي غالبًا ما تكون على خلاف مع الأجيال السابقة حيث يتراوح حاليا معظم أعمار أعضاء تلك المحافل ما بين 50 و 60 عاما و معظمهم من البيض الذين يملكون سياسات محافظة للغاية و هى أمور لا تروق لجيل الشباب .

شارك الموضوع

عمرو عادل

فى الحياة الواقعيه مهندس ميكانيكا قوى اما فى الحياه الافتراضيه فباحث و كاتب و مدير الموقع دا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *