حادث طائرة التجسس U-2

يعتبر حادث طائرة التجسس U-2 أحد الأزمات البارزة التى حدثت خلال الحرب الباردة بين قطبى الصراع الولايات المتحدة و الاتحاد السوفيتى ( روسيا حاليا ) و التى حدثت مطلع مايو عام 1960 بعد أن أسقط السوفييت أحد طائرات التجسس الأمريكية من طراز U-2 داخل أجوائهم و قاموا بأسر قائدها فرانسيس جاري باورز و إستغلال ذلك فى القيام بحملة دعائية ضد الأمريكيين الذين أصيبوا بالإحراج جراء ذلك الحادث و قام على إثره الرئيس الأمريكى دوايت أيزنهاور بالاعتراف للسوفييت بأن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية CIA كانت تقوم بمهمات تجسس فوق أراضيهم لعدة سنوات ثم قام السوفييت بتقديم الطيار الأمريكى للمحاكمة بتهمة التجسس و حكم عليه بالسجن لمدة 10 سنوات و بعد قضائه أقل من عامين تم إطلاق سراحه فى صفقة تبادل مع الأمريكيين مقابل أحد العملاء السوفييت و ساهم ذلك الحادث بشكل كبير فى حدوث فتور بالعلاقات الأمريكية السوفيتية أستمر لعدة سنوات .

بدأت قصة حادث طائرة التجسس U-2 حين كانت الأجواء بين طرفى الصراع مليئة بعدم الثقة و نتيجة إنزعاج الأمريكيين من التطورات السريعة في التكنولوجيا العسكرية السوفيتية وافق الرئيس الأمريكى “دوايت أيزنهاور” على خطة لجمع المعلومات حول قدراتهم العسكرية و طبيعة نواياهم و لذلك بدأت طائرات التجسس من طراز U-2 في القيام برحلات استطلاعية فوق أراضي الاتحاد السوفيتي في عام 1956 على إرتفاعات شاهقة للغاية و هو ما أعطى للولايات المتحدة أول نظرة مفصلة على طبيعة المنشآت العسكرية السوفيتية من الداخل الأمر الذى أسعد ” أيزنهاور ” حيث كشفت الصور التي التقطتها طائرات التجسس أن القدرات النووية السوفيتية كانت أقل تقدمًا بشكل ملحوظ عما قال عنه الزعيم السوفيتي “نيكيتا خروتشوف” و هو ما أعطى للأدارة الأمريكية إنطباع بأن بلادهم تمتلك قدرات نووية أعلى بكثير مما يمتلكه السوفييت و هو ما يتنافى مع إدعائات بعض السياسيين الأمريكيين الذين يقولون أن ميزان القوى يميل الى السوفييت و توجد فجوة صاروخية بين البلدين يجب تضييقها.

اما على الجانب الأخر كان السوفييت على علم برحلات الاستطلاع تلك لأنهم تمكنوا من رصد طائرات التجسس على الرادارات لكن لمدة أربع سنوات تقريبًا كان الاتحاد السوفيتي عاجزًا عن إيقافهم نظرا الى أن الطائرات كانت تحلق على ارتفاع يزيد عن 21 كيلومتر فوق سطح الأرض و كان من الصعب في البداية الوصول إلى تلك الطائرات بواسطة المقاتلات أو الصواريخ السوفيتية و مع ذلك بحلول ربيع عام 1960 طور السوفييت صاروخ أرض-جو جديد من طراز ” زينيث ” ذات مدى أطول و في الأول من مايو تم إستخدام ذلك السلاح على الطائرة التى كان يقودها الطيار ” فرانسيس جارى باورز ” خلال تحليقه بها عبر الغلاف الجوي على حافة الفضاء لتصوير المنشآت العسكرية السوفيتية فى رحلة استغرقت منه تسعة ساعات بدأت من “باكستان” و كان من المقدر لها أن تهبط في “النرويج” الا أنه فوجئ بإنفجار صاروخ سوفيتي بجوارها أثناء طيرانه فوق منطقة سفيردلوفسك (يكاترينبرج حاليًا) اضطر على إثره للإنخفاض قليلا ليصاب بصاروخ أخر إصابة مباشرة و يبدأ “باورز” و طائرته بالسقوط من السماء لكنه تمكن من القفز منها بمظلته و عندما هبط على الأرض كان محاصر من قبل القوات السوفيتية التى ألقت القبض عليه .

فرانسيس جارى باور

و مع حلول الخامس من مايو أعلن الزعيم السوفيتي “خروتشوف” أن الجيش السوفيتي قد أسقط طائرة تجسس أمريكية لكنه لم يشر إلى أى معلومات إضافية و أعتقد المسؤولين في إدارة “أيزنهاور” أن هناك أدلة قليلة للغاية تشير الى أن تلك الطائرة كانت فى مهمة تجسسيه لذلك ردوا بأنها كانت مجرد طائرة طقس خرجت بطريق الخطأ عن مسارها و لكن دحض ” خروتشوف ” هذه المزاعم من خلال إظهار صورة للطيار المسجون بالإضافة إلى الأدلة التي تم العثور عليها من بين الحطام و التي أظهرت بشكل قاطع أنها عكس ما يروجه الأمريكيين و أصبح حادث طائرة التجسس U-2 أزمة ديبلوماسية كبرى و فى توقيت حرج للعلاقات الأمريكية السوفيتية حيث كان من المقرر أن ينضم “أيزنهاور” و “خروتشوف” إلى زعماء “فرنسا” و “المملكة المتحدة” في قمة في باريس يوم 14 مايو و كان الرئيس الأمريكي يأمل في أن تسفر تلك القمة عن اتفاقيات جديدة بشأن إنتاج الأسلحة النووية و اختبارها لكنه أدرك أن هذا الأمر المحرج قد يشكل عقبة محتملة أمام ذلك المسعى .

و لمحاولة تلطيف الأجواء فى أعقاب حادث طائرة التجسس U-2 و قبل أن يفتتح قادة العالم اجتماعهم في “باريس” تحملت إدارة “أيزنهاور” المسؤولية الكاملة عن رحلات التجسس و اعترفت بأن تفسير طائرة الطقس كان خاطئًا لكن اعتراف الرئيس لم ينقذ القمة حيث كان حادث طائرة التجسس U-2 قد أقنع “خروتشوف” بأنه لم يعد بإمكانه التعاون مع “أيزنهاور” و انسحب الزعيم السوفيتي من الاجتماع بعد ساعات فقط من بدئه كما تخلى المفاوضين السوفييت عن المحادثات بشأن نزع السلاح النووي في الشهر التالي و تسبب ذلك بفتور جديد فى العلاقات بين الولايات المتحدة و الاتحاد السوفيتي و مهدت الطريق لمزيد من المواجهات خلال إدارة خليفة “أيزنهاور” الرئيس “جون كينيدي” لا سيما خلال أزمة الصواريخ الكوبية .

فرانسيس جارى باورز خلال محاكمته

و بينما كان قادة العالم يتشاجرون فيما بينهم حول رحلات التجسس بقي الطيار “باورز” في سجن سوفيتي و في أغسطس عام 1960 حوكم بتهمة التجسس و تمت إدانته و حُكم عليه بالسجن لمدة 10 سنوات قضى منهم أقل من عامين خلف القضبان ثم حصل على حريته في فبراير عام 1962 بعد صفقة تبادلية بين الطرفين يتم بموجبها تسليمه للأمريكيين مقابل العميل السوفيتي “رودولف أبيل” حيث كان ذلك هو أول تبادل للجواسيس بين أمريكا و الاتحاد السوفيتي و بعد عودته إلى الولايات المتحدة ترك وكالة المخابرات المركزية و عمل كطيار مروحية لمحطة تلفزيونية في “لوس أنجلوس” و في عام 1977 توفي عن عمر يناهز 47 عامًا في حادث تحطم طائرة هليكوبتر و دفن في مقبرة أرلينجتون الوطنية .

شارك الموضوع

عمرو عادل

فى الحياة الواقعيه مهندس ميكانيكا قوى اما فى الحياه الافتراضيه فباحث و كاتب و مدير الموقع دا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *