عائلة ليكوف .. قصة مثيرة لأسرة عاشت بمفردها فى عزلة لأكثر من 40 سنة بغابات سيبيريا دون أى إتصال مع البشر

قد يلجأ الإنسان فى بعض من الأحيان إلي العزلة للحصول على قسط من الهدوء للتركيز فى بعض من الأعمال أو التفكير فى عدد من القرارات و هى خطوة يشجع عليها الطب النفسي و ينصح بها لعدد من الحالات و لكن تحت مجموعة من الظوابط أهمها أن تكون لفترة مؤقتة و بعدها يعود الإنسان لممارسة حياته الطبيعية و لكن من الواضح إن إحدي الأسر التى عاشت فى الإتحاد السوفيتي و عرفت إعلاميا بإسم عائلة ليكوف كان لها رأي أخر بعد أن قررت أن تعتزل الناس و تترك قريتها فى منتصف الثلاثينيات و تبتعد عن الحضارة تماما و تنتقل لتعيش داخل غياهب غابات سيبيريا المقفرة لفترة أستمرت لأكثر من 40 عاما دون حدوث أى إتصال بينهم و بين البشر .

عائلة ليكوف

بدأت قصة “عائلة ليكوف” فى الظهور عام 1978 أثناء تحليق إحدى المروحيات فوق غابات سيبيريا المقفرة المليئة بأشجار الصنوبر و الدببة و الذئاب الجائعة و المغطاة دائما بالثلوج و ذلك للقيام بعمل روتيني و هو البحث عن إحدى الأماكن الصالحة للهبوط لنقل مجموعة من المنقبين عن الحديد فى تلك المنطقة و خلال تحليقها لاحظ قائدها أمرا مثيرا للإنتباه متمثلا فى أحد المناطق الموجودة فى سفح الجبال به العديد من المؤشرات على وجود أحدا يعيش فى ذلك المكان و هو أمرا غريب خاصة و ان أقرب منطقة مأهولة بالسكان تبعد عن تلك النقطة بأكثر من 240 كيلومترا بالإضافة الى أن السلطات السوفيتية لم يكن لديها أى علم عن وجود أفراد يقيمون فيها و فور عودة الطيار سرد ما رأه للمنقبين و قرروا التحقق من ذلك الأمر و الذهاب إلى هناك و فور وصولهم فوجئوا بوجود أحد الأكواخ الخشبية الضيقة بجانب أحد المجاري المائية و تعيش فيه إحدى الأسر المكونة من خمسة أفراد عرفت باسم ” عائلة ليكوف ” الذين أستقبلوهم فى بادئ الأمر بخوف و ريبة و لكن بعد عدة زيارات أعتادوا عليهم و قصوا واحدة من اكثر القصص غرابة .

بدأت أسطورة “عائلة ليكوف” بكبيرها الذى كان رجلا عجوزا يدعى ” كارب ” و المنتمي الى إحدى الطوائف الأرثوذكسيه المعروفة بإسم ” المؤمنين القدامى ” و مع قيام الثورة البلشفية عام 1917 واجهت تلك الطائفة الكثير من الإضطهاد وصل إلى قتل شقيقه أمام عينيه فى قريتهم عام 1936 لذلك لم يكن أمامه أى مفر سوى الهروب مع أسرته المكونة من زوجته ” أكولينا ” و طفليه ” سافين ” ذات التسع سنوات و “ناتاليا ” ذات العامين و الذهاب الى منطقة غابات سيبيريا المقفرة و إعتزال الحضارة تماما و خلال تلك الفترة أنجبت زوجته طفلين جديدين و هم ” ديميترى و أجافيا ” الذان لم يشاهدوا أى إنسان أخر طوال حياتهم حتى لقائهم بالمنقبين لأول مرة فى أواخر السبعينيات حيث كانت كل معرفتهم عن الحضارة محصورة على القصص التى تحكى من الأم او الأب .

عائلة ليكوف
كارب ليكوف (الثاني على اليسار) مع ديمتري و أجافيا برفقة عالمة جيولوجية سوفيتية

و كانت معيشة تلك العائلة فى البرية ليست بالسهلة حيث كانوا يقومون بإستخدام قماش القنب و لحاء البتولا لإستبدال ملابسهم و أحذيتهم البالية الا أن أكثر شئ كانوا يواجهون فيه صعوبة هو أدوات الطهى نظرا لعدم تمكنهم من إيجاد بدائل لأوعية الطهى المعدنية بعد صدأها كما أنهم كانوا يصطادون الحيوانات للطعام عن طريق وضع أفخاخ لها أو مطاردتها نتيجة عدم إمتلاكهم بنادق او أى أدوات صيد بالإضافة إلى مواجهتهم أحيانا لصعوبات فى الزراعة ففى عام 1961 هبت إحدى العواصف الثلجية و تسببت فى تلف محصولهم و تضطر الأسرة الى أكل اللحاء و حتى أحذيتها من أجل العيش و ينتهى الأمر بموت الزوجة ” أكولينا ” جوعا مضحية بنفسها حتى لا يجوع أطفالها .

الكوخ الذى كانت تعيش فيها عائلة ليكوف
الكوخ الذى كانت تعيش فيها عائلة ليكوف

و نتيجة الصعوبات التى مرت على “عائلة ليكوف ” عرض المنقبين عليهم المساعدة برجوعهم الى الحضارة الا أنهم ترددوا فى قبول العرض و رفضوه فى النهاية و قرروا إستمرار حياتهم بذلك الشكل و رغم ذلك الرفض الا أنهم قبلوا عددا من الهدايا منهم مثل الملح و أدوات أخرى قد تساعدهم على المعيشه كالملاعق و السكاكين و الأقلام و الورق و المصابيح الكهربائية و أستمرت حياتهم على ذلك المنوال حيث كانت أسرة ذكية فالأب كان منفتحا على القصص التى يحكيها إليه المنقبين حول التطورات العلمية التى حدثت فى العالم و عن الحرب العالمية الثانية و الحرب الباردة أما الإبن “سافين” فكان متشددا دينيا و “ناتاليا” فضلت أن تقوم بدور الأم فى الطهي و الخياطة و العناية بباقى أفراد الاسرة أما “أجافيا” فكانت الأكثر مرحا و “ديميترى” الأكثر فضولا و تطلعا للمستقبل و كان هو المفضل للمنقبين الى أن جاء عام 1981 عندما توفى ثلاثة أبناء من “عائلة ليكوف ” فى أيام متقاربة منهم ” ديميترى ” الذى أصيب بإلتهاب رئوى حيث عرض المنقبين المساعدة و نقله بمروحية الى أحد المستشفيات لعلاجه الا أنه رفض و فضل البقاء فى مكانه رغم مرضه و فسر البعض ذلك المرض الفجائي و المميت للأبناء بأنه ناجم عن جراثيم نقلها لهم المنقبين و نظرا لأن الاسرة لا تمتلك مناعة ضدها فقد تسبب ذلك فى مرضهم و وفاتهم الا أن بعض المؤرخين الأخرين ينفون تلك الروايه و يرجعون سبب مرض ” سافين و نتالي ” إلي الفشل الكلوى نتيجة النظام الغذائى القاسي أما ” ديميترى ” فنتيجة عدوي من أحد المنقبين بالفعل .

الأب كارب ليكوف و إبنته أجافيا

أقرا أيضا : منزل الأخوين كولير : أغرب مسكن شهدته الولايات المتحدة عبر تاريخها

و مع تلك المأساة فى فقدان الأبناء حاول المنقبين إقناع ما تبقى من الأسرة التى أصبحت مكونة من الأب ” كارب ” و الإبنة ” جافيا ” على مغادرة ذلك المكان و العودة الى الحضارة الا أنهم رفضا و صمما على إستكمال حياتهم فى ذلك المكان حتى توفى الأب عام 1988 و لم يتبقى من “عائلة ليكوف” سوى الإبنة و التى عندما وصل بها العمر الى 71 عاما أصيبت فى ساقها نقلت للعلاج على متن مروحية الى إحدى المستشفيات و فور شفائها تم نقلها و إعادتها الى موطنها مرة اخرى و الذى تعيش فيه حتى وقتنا الحالى .

شارك الموضوع

عمرو عادل

فى الحياة الواقعيه مهندس ميكانيكا قوى اما فى الحياه الافتراضيه فباحث و كاتب و مدير الموقع دا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *