في كل مكان فى العالم تنتشر العديد من المهرجانات السنوية التي يتخللها فعاليات تبرز عادات و تقاليد تلك الدولة المستضيفة و رغم حمل بعض منها لتقاليد قد تكون غريبة بعض من الشئ إلا أنها تمثل جزء هاما من تراث ذلك المكان و تحمل مدلولات لمواطنيها سواء كانت تاريخية أو دينية و لعل مهرجان الدم الذي يقام في دولة بيرو الواقعة في قارة أمريكا الجنوبية واحد من تلك الإحتفالات الغريبة حيث تجري فيها مباريات قتالية دموية يكون طرفيها نسر من نوع الكوندور و واحد من الثيران و علي الرغم من إثارة ذلك المهرجان لجدل كبير من قبل الجمعيات البيئية و الرفق بالحيوان و الذين دعوا إلي حظر تنظيمه و إستجابة السلطات لتلك الدعوات إلا أنه لا يزال حتي اللحظة يقام في عدد من الأماكن النائية التي لا تستطيع الحكومة البيروفية الوصول إليها .

و يعتبر مهرجان الدم البيروفي حدث كبير بالنسبة للمواطنين المحليين و ينظم في قرية ” كويلوركي ” و هي قرية جبلية صغيرة تقع على بعد 9 ساعات بالحافلة من مدينة “كوسكو” و يعرف ذلك المهرجان فى أوساط السكان بإسم ” يوار فيستا ” و يعتقد أن أول تنظيم لفعالياته كان في القرن الثامن عشر و تعد تلك القرية هي المكان الوحيد تقريبا الذي يستطيع فيه السائحين مشاهدة تلك المباراة بين النسور و الثيران المعروفة بإسم ” التيوروبوكالي ” أي لعبة الثور حيث كانت قديما تُقام تلك المباريات في مدن مثل كوسكو منذ قرون لكن نشطاء حقوق الحيوان تمكنوا من حظرها في البلاد داخل المدن منذ سنوات و مع ذلك لا تزال تنظم في المستوطنات الريفية النائية حيث يكون إنفاذ القانون فيها أمرًا صعبًا خاصة عندما يتعارض ذلك مع المصالح الاقتصادية للسكان المحليين .

و تعتبر مشاركة نسور الكوندور في مهرجان الدم أمر أساسيا فعلي الرغم من حمايته من قبل السلطات بإعتباره من الطيور المهددة بالإنقراض إلا أن المواطنين يشيرون إلي أنه من دون ذلك النسر تحديدا فلن يوجد المهرجان من الأساس و بطبيعة الحال تمثل تلك الفعاليات أهمية كبيرة بالنسبة إليهم نظرا لأنها تساهم في تنشيط السياحة بتلك القرية و إعطائها زخما إقتصاديا كبيرا كما أن تلك المعارك تعطي للمشاهدين رمزية كبيرة فطائر الكوندور هو الرمز الوطني للدولة البيروفية بينما الثور الشعار الوطني غير الرسمي لدولة “إسبانيا” و عندما يضع المواطنين الكوندور على رأس الثور فهذه طريقة للقول بأن حضارة الإنكا التي دمرها الغزاة الإسبان قد عادت مرة أخري لذلك من الضروري أن يكون لديهم ذلك الإحساس حتي و إن كان لمرة واحدة في السنة علي الأقل .

و يقام مهرجان الدم في يوم 29 يوليو من كل عام أي بعد يوم من إحتفال “بيرو” بإستقلالها و قبل تنظيمه بأسابيع يتسلق سكان قرية كويلوركي الصغيرة المنحدرات المحيطة بالمكان لإصطياد نسر الكوندور و بحلول وقت المباراة تتناول تلك الطيور التي يصل طول جناحيها إلى حوالي 3.2 متر كميات كبيرة من الكحوليات ثم يتم إحضارها إلى ساحة كبيرة مليئة بالأتربة و ربطها بظهر ثيران سوداء كبيرة مع الأخذ في الإعتبار أن تكون أقدام تلك الطيور مقيدة بشكل يمنعها من القفز أو الطيران بعيدا و بمجرد أن يتم إطلاق الثور في الساحة أمام هتافات الآلاف من المتفرجين يبدأ الكندور المذعور الجالس على ظهره في النقر على جلده أو أذنيه أو حتى عينيه و يقوم الثور بدوره في الدفاع عن نفسه من هجمات ذلك الطائر و في حالة إذا كان الثور مستكينا أو لا يبذل جهدا كافيا للتخلص من الطائر يتم إرسال مصارعين ذوو رؤوس حمراء لإبقائه نشطًا و تستكمل المباراة علي هذا المنوال لذلك فهي تعتبر رياضة دموية جدا و غالبًا ما تترك كلا اللاعبين مصابين أو مشوهين .

و تستمر المباراة لفترة 30 دقيقة و بالنسبة للكثيرين تمثل تلك المعركة صراعا بين شعب الإنكا الأصليين و الغزاة الإسبان لذلك إذا قُتل أو أصيب أي طائر كندور أثناء القتال فإنه يعتبر فألًا سيئًا لذلك العام لأن المواطنين ينظرون إليه بإعتباره إله الأنديز الذي نزل من السماء ليقاتل من أجل حريتهم أما إذا فاز فتقام الأفراح و بعدها يعملون علي إطلاق سراحه و رغم محاولات المنظمات البيئية و جمعيات الرفق بالحيوانات لسنوات منع ذلك النوع من المعارك فى تلك القرية لدمويتها و للحفاظ علي طائر الكوندور من الإنقراض و الذي تشير أخر التقارير إلي أنه لم يتبقى منه سوي أعداد تتراوح ما بين 600 إلي 1000 إلا أن تلك الدعوات لم تلقي أي صدي لدي السكان و الذين يرون أن ذلك الأمر يعتبر جزء هاما من تراثهم الأم لذلك ليس من السهل التخلي عنه حاليا أو حتي في المستقبل القريب .

أقرأ أيضا : التاكاناكوى مهرجان شعبي بيروفي يستقبل المشاركين فيه العام الجديد بالقتال مع بعضهم

و الجدير بالذكر أن طائر الكوندور يصل وزنه إلى 15 كيلوجراما و يمتلك جناحيين ضخمين يصل عرضهم إلي أكثر من 3 أمتار و هو يأكل الحيوانات الميتة التي يمكن أن تؤوي بكتيريا مميتة مثل الجمرة الخبيثة كما أنه لديهم أعمار طويلة تصل إلي 75 عامًا في الأسر و يتكاثرون بمعدل بطئ بنحو كتكوت واحد فقط كل عامين و خلال عامهم الأول من الضروري وجود الأبوين بجوارهم للحصول علي الدعم .