البيت الأبيض

البيت الأبيض هو المكتب الرسمي و مقر إقامة رئيس الولايات المتحدة الأمريكية مع أفراد من إدارته منذ عام 1800 ميلادية و هو يقع في شارع بنسلفانيا في العاصمة واشنطن و يعتبر المبني السياسي الأكثر شهرة ليس فى أمريكا وحدها و لكن فى العالم كله حيث تصدر منه قرارات قد يكون لها صدى يمتد أثره إلى أماكن بعيدة من العالم و يشغل البيت الأبيض الذى يعتبر أقدم مبنى فيدرالي في عاصمة البلاد و حدائقه مساحة تبلغ 18 فدانا و كان يطلق عليه قديما فى الخرائط المبكرة إسم قصر الرئيس ثم تحولت تسميته عام 1810 إلى القصر التنفيذي لتجنب دلالات الملكية و على الرغم من أن اسم البيت الأبيض كان شائع الاستخدام فى ذلك الوقت لأن الحجر الرملي الأبيض المستخدم فى بناءه كان يتناقض بشكل لافت للنظر مع الطوب الأحمر للمباني المجاورة إلا أنه لم يصبح إسما رسميا متداولا لدى الصحافة حتى عام 1901 فى عهد الرئيس ثيودور روزفلت .

فى الأعلى الجزء الشمالي من البيت الأبيض و فى الأسفل الجزء الجنوبي ذات المقدمة البيضاوية
فى الأعلى الجزء الشمالي من البيت الأبيض و فى الأسفل الجزء الجنوبي ذات المقدمة البيضاوية

تاريخ البيت الأبيض

يبدء تاريخ البيت الأبيض عام 1792 عندما أقيمت مسابقة عامة لإختيار تصميم لمنزل رئاسي في العاصمة الجديدة “واشنطن” و كان “توماس جيفرسون” الرئيس الثالث للبلاد فيما بعد من بين أولئك الذين قدموا الرسومات لكن المهندس المعماري الأمريكي و الأيرلندي الأصل “جيمس هوبان” هو فاز بالمسابقة التى كانت جائزتها 500 دولار و كان من المقرر أن يتكون المبنى من ثلاثة طوابق و أكثر من 100 غرفة و يتم بناؤه من الحجر الرملي المستورد من المحاجر الموجودة في ولاية “فيرجينيا” و تم وضع حجر الأساس في 13 أكتوبر عام 1792 مع إيواء العمال بمن فيهم المستعبدون المحليون في أكواخ مؤقتة تم بناؤها على الجانب الشمالي من المبنى ثم أنضم إليهم لاحقا فى أعمال البناء عمال مهرة قادمين من مدينة “إدنبرة” الأسكتلندية عام 1793 .

جيمس هوبان مصمم البيت الأبيض
جيمس هوبان مصمم البيت الأبيض

و في عام 1800 تم نقل الحكومة الفيدرالية بأكملها من مدينة “فيلادلفيا” إلى “واشنطن” و أنتقل “جون آدامز” الرئيس الثاني للبلاد (1797-1801) إلى القصر الرئاسي غير المكتمل في 1 نوفمبر و في الليلة التالية كتب في رسالة إلى زوجته “أبيجيل آدامز” بأنه يصلي إلى السماء فى أن تمنح أفضل البركات على هذا البيت و على كل من سيقيم فيه فيما بعد لأنه لا يجوز إلا للحكماء و الأمناء فقط أن يحكموا تحت هذا السقف و لكن بعد وصول زوجته إلى “واشنطن” بعد عدة أيام أصيبت بخيبة أمل بسبب حالة الإقامة غير الملائمة فيه حيث كتبت السيدة الأولى بأنه لا يوجد غرفة واحدة منتهية و لا يوجد على الأقل سياج أو ساحة أو وسائل راحة أخرى في الخارج حيث يتم إستخدام غرفة الجمهور الكبيرة غير المكتملة [الغرفة الشرقية] كغرفة تجفيف لتعليق الملابس .

البيت الأبيض فى القرن 19

سرعان ما أصبح القصر أو “البيت الأبيض” نقطة محورية للمدينة الفيدرالية الجديدة و ارتبط رمزياً بمبنى “الكابيتول” عن طريق شارع بنسلفانيا و بعد تنصيبه في مارس عام 1801 أصبح “جيفرسون” ثاني رئيس يقيم في القصر التنفيذي و تماشيا مع جمهوريته المتحمسة فتح المنزل للزيارات العامة كل صباح و هو تقليد استمر (في أوقات السلم) من قبل جميع خلفائه و قام شخصياً برسم خطط المناظر الطبيعية و كان لديه تبتان ترابيتان مثبتتان على العشب الجنوبي لتذكيره بمنطقة “بيدمونت” فى ولاية ” فيرجينيا ” مسقط رأسه و في غضون ذلك أستمرت أعمال التشييد في الجزء الداخلي للمبنى و الذي لا يزال يفتقر إلى سلالم وافرة و يعاني من تسريب مستمر للسقف و خلال فترة ولاية “جيفرسون” كان البيت الأبيض مؤثثًا بأناقة على طراز لويس السادس عشر (المعروف في أمريكا باسم الطراز الفيدرالي).

و خلال حرب عام 1812 التى إندلعت بين الولايات المتحدة و المملكة المتحدة أحرق البريطانيين “البيت الأبيض” و أُجبر الرئيس “جيمس ماديسون” (1809-1817) ‘الى الفرار مع عائلته من المدينة ثم أنتقلوا في النهاية إلى “أوكتاجون هاوس” المجاور و هو قصر يملكه فى “واشنطن” “جون تيلوي” صاحب مزرعة في “فرجينيا” ثم بدأ إعادة الإعمار و التوسعة فى المبنى تحت إشراف “هوبان” مجددا لكنه لم يكن جاهزًا للإشغال حتى عام 1817 أثناء إدارة الرئيس “جيمس مونرو” (1817–25) و تضمنت خطة إعادة البناء التى وضعها “هوبان” إضافة المصاطب الشرقية و الغربية على جانبي المبنى الرئيسي و تمت إضافة رواق جنوبي نصف دائري و رواق شمالي ذو أعمدة في عشرينيات القرن التاسع عشر .

حرق البريطانيين للبيت الأبيض عام  1812
حرق البريطانيين للبيت الأبيض عام 1812

و خلال حقبة القرن التاسع عشر أصبح “البيت الأبيض” رمزًا للديمقراطية الأمريكية حيث كان في أذهان معظم الأمريكيين أن ذلك المبني لم يكن قصرا و لكن مقرا و مكتب مؤقت يخدم منه الرئيس شعبه الذي كان يحكمه و أن ذلك المبني هو ملك للشعب و ليس للرئيس و هو فى ذلك المكان فقط لأن الشعب يسمح له بالبقاء فيه لذلك كانت فكرة رفض أى رئيس لمغادرة البيت الأبيض بعد خسارة الانتخابات أو العزل فكرة غير واردة لذلك فأثناء حفل تنصيب الرئيس “أندرو جاكسون” (1829-1837) حضر الآلاف من المهنئين إلى عاصمة الأمة و بينما كان يمتطي صهوة حصانه في شارع “بنسلفانيا” و متجها إلى البيت الأبيض كان محاطًا بحشد هائل لا يقل عن 20 ألف شخص و حاول العديد منهم اللحاق به لإلقاء نظرة أفضل على بطلهم حيث تروي “مارجريت باير سميث ” ما حدث بعد ذلك حيث امتلأت قاعات المبني بالرعاع فى كل مكان و بشكل فوضوى و تدافعوا للحصول على المرطبات الموجودة فى قاعة الاستقبال فى الوقت الذى ضم أصدقاء الرئيس الجديد أذرعهم لحمايته من الغوغاء و تم كسر الأواني الصينية التى يصل ثمنها عدة آلاف من الدولارات خلال محاولة وصولهم الى المرطبات و الكعك لدرجة أن قاضي المحكمة العليا “جوزيف ستوري” قال بأنه كان مسرورا بالهروب من مكان الحادث في أسرع وقت ممكن و أضطر ” جاكسون ” إلى قضاء ليلته فى فندق و قام مساعدوه في النهاية إلى جذب الجماهير الى خارج المنزل بأحواض مليئة بكوكتيل قوي من عصير البرتقال و الويسكي .

و في عام 1842 حضر الروائي الإنجليزي “تشارلز ديكنز” إلى “الولايات المتحدة” بعد تلقيه دعوة رسمية لزيارة “البيت الأبيض” و بعد أن وصل و لم يجد أحد فى إستقباله سمح “ديكنز” لنفسه بالدخول و سار عبر القصر من غرفة إلى أخرى في الطوابق السفلية و العليا و أخيرًا وصل إلى غرفة مليئة بما يقرب من عشرين شخصًا و أصيب بالصدمة و الذهول لرؤية العديد منهم يبصقون على السجادة حيث كتب لاحقًا بأنه كان يظن أن الخادمات الرئاسيات يتقاضين أجورًا عالية و حتى أثناء الحرب الأهلية كان معظم موظفي “البيت الأبيض” مستعبدين و كان الرئيس هو من يدفع رواتب جميع موظفيه بالإضافة إلى نفقات إدارة شئونه بما في ذلك تنظيم المناسبات الرسمية حيث لم يقدم الكونجرس حتى عام 1909 مخصصات لدفع رواتب الموظفين و العاملين فى ذلك المكان و لم يكن “ديكنز” الزائر الأجنبي الوحيد الذي أصيب بخيبة أمل من “البيت الأبيض” فخلال رحلة إلى “واشنطن” قبل الحرب الأهلية مباشرة كتب “ألكسندر بوريسوفيتش لاكير” و هو نبيل روسي أن منزل الرئيس الأمريكي بالكاد يمكن رؤيته خلف الأشجار و قال إن ذلك المكان كان كافيا لعائلة خاصة و لا يتوافق على الإطلاق مع توقعات الأوروبيين و هو محق بالفعل فى ذلك حيث كانت التغييرات اللاحقة على المبنى في القرن التاسع عشر طفيفة نسبيًا و أعيد تصميم الديكور الداخلي خلال الإدارات الرئاسية المختلفة و أضيفت وسائل الراحة الحديثة بانتظام بما في ذلك ثلاجة عام 1845 و إضاءة تعمل بالغاز في عام 1849 و إضاءة كهربائية في عام 1891.

أقدم صورة تم إلتقاطها للبيت الأبيض عام 1846

البيت الأبيض فى القرن العشرين

خلال فترة رئاسة “ثيودور روزفلت” تم تحويل غرف “البيت الأبيض” الموجودة في الطابق الثاني من مكاتب رئاسية إلى أماكن معيشة عائلية بسبب أن الرئيس كان لديه ستة أبناء الذين كانوا بحسب المراقبين لا شيء فى ذلك المبنى كان مقدسًا بالنسبة لهم بل مجرد أماكن للتسلية كما كانت هناك حاجة إلى مساحة إضافية للحيوانات الأليفة و الغريبة التى جلبها الأطفال معهم و شملت الراكون و الثعابين و الغرير و الدب و لمحاولة إستيعاب عدد متزايد من الموظفين الرئاسيين و لتوفير المزيد من المساحات المكتبية للرئيس و فريقه تم تشييد الجناح الغربي عام 1902 مع توفير المزيد من المساحات المكتبية مع مبنى الجناح الشرقي عام 1942.

و في عام 1948 أثناء رئاسة “هاري ترومان” (1945-1953) تم اكتشاف أن المبنى الرئيسي غير سليم من الناحية الهيكلية لذلك فخلال السنوات الأربع التالية تم إعادة بناء الجزء الداخلي بالكامل بعناية على الرغم من ترك الجدران الخارجية الأصلية قائمة كما أضيفت شرفة بالطابق الثاني على الرواق الجنوبي مع إجراء تعديلات رئيسية أخيرة على البيت الأبيض في الستينيات من قبل “جاكلين كينيدي” ، زوجة الرئيس “جون كينيدي ” (1961-1963) حيث أشتهرت بجمالها و ذوقها الراقي و قامت بجمع و عرض العناصر ذات القيمة التاريخية و الفنية في جميع أنحاء الغرف و جعلت من البيت الأبيض مركزًا للثقافة الوطنية و أيقظت إهتمام الجمهور بجماله من خلال القيام بجولة متلفزة في القصر عام 1962.

الرئيس الأمريكي جون كينيدى مع نائبه ليندون جونسون خارج البيت الأبيض

و بجانب ما سبق تمت زيادة إضافات إلى البيت الأبيض و أراضيه لإستيعاب الرياضات و الأنشطة الترفيهية للرؤساء و عائلاتهم و موظفيهم و ضيوفهم حيث تم تركيب ملعب تنس بالقرب من الجناح الغربي خلال فترة تولي “ثيودور روزفلت” لمنصبه ثم انتقل إلى الجنوب في وقت لاحق كما كان لدى الرئيس “باراك أوباما” سلال قابلة للإزالة و خطوط ملاعب كرة سلة مضافة إلى الملعب بحيث يمكن لعب كل من التنس و مباريات كرة السلة في الملاعب الكاملة أما الرئيس “فرانكلين روزفلت” فقد كان له مسبح داخلي مدفأ تم بناؤه في الجناح الغربي ( تم تحويله لاحقًا إلى غرفة الصحافة) أما الرئيس “جيرالد فورد” فكان له مسبح خارجي تم بناؤه على العشب الجنوبي كما تم تركيب ملعب جولف للرئيس “دوايت أيزنهاور” و كان لدى الرئيس ” ترومان ” و نيكسون ” ملاعب للبولينج .

و فى الوقت الحالي يحتوي مجمع مباني البيت الأبيض على أكثر من 130 غرفة و لا يزال المبنى الرئيسي يحتوي على غرف معيشة للعائلة الرئاسية و غرف إستقبال مختلفة و جميعها مزينة على طراز القرنين الثامن عشر و التاسع عشر و توجد أجزاء من المبنى الرئيسي مفتوحة للجمهور و تحتوي الشرفة الغربية على غرفة الإيجاز الصحفي و تضم الشرفة الشرقية مسرحًا للسينما و يقع المكتب الرئاسي المعروف بإسم المكتب البيضاوي في الجناح الغربي و كذلك مجلس الوزراء و غرف الصحافة بينما يحتوي الجناح الشرقي على مكاتب أخرى .

المكتب البيضاوي

أبرز الحوادث التى مرت على المبنى

و على مر السنين أصبح البيت الأبيض موقعًا تاريخيًا أمريكيًا رئيسيًا و يجذب أكثر من 1.5 مليون زائر سنويًا كما مر عليه عدد من الحوادث ففى فبراير عام 1974 هبطت طائرة هليكوبتر مسروقة تابعة للجيش الأمريكي دون إذن على أراضيه و بعد عشرين عامًا عام 1994 تحطمت فيه طائرة خفيفة يقودها “فرانك يوجين كوردر” الذى توفي على الفور و لمحاولة زيادة الأمن فيما يتعلق بالحركة الجوية في العاصمة تم إخلاء البيت الأبيض في مايو 2005 قبل أن تقترب منه طائرة غير مصرح بها .

و في 20 مايو عام 1995 و كرد فعل أمنى على تفجير أوكلاهوما سيتي في 19 أبريل 1995 أغلقت الخدمة السرية الأمريكية طريق بنسلفانيا أمام حركة مرور السيارات أمام البيت الأبيض بشكل مؤقت و بعد هجمات 11 سبتمبر عام 2001 أصبح ذلك القرار بشكل دائم بالإضافة إلى إغلاق أماكن أخرى ردًا على تفجير ماراثون بوسطن حيث تم إغلاق الطريق أمام الجمهور بالكامل لمدة يومين و قوبل قرار إغلاق شارع بنسلفانيا بمعارضة كبيرة من قبل الجماعات المدنية المنظمة في واشنطن العاصمة بدعوى أن الإغلاق يعيق تدفق حركة المرور دون داع و يتعارض مع الخطة التاريخية المصممة جيدًا للمدينة الا أنه لم يلتفت إلى تلك الأحتجاجات و أصبحت المنطقة مشهورة بالمشاة و المتزلجين و حتى المحتجين لقضايا مختلفة .

و يتم حماية مجمع البيت الأبيض من قبل جهاز الخدمة السرية للولايات المتحدة و شرطة المنتزه فى واشنطن و منذ عام 2005 تستخدم وحدات NASAMS (نظام صاروخي أرض-جو نرويجي متقدم) للقيام بدوريات في المجال الجوي فوق واشنطن العاصمة و منذ ذلك الحين تم إعتمادها لحماية الرئيس و جميع المجال الجوي حول البيت الأبيض حيث يمنع تماما مرور الطائرات فوق أجواء ذلك المبنى .

شارك الموضوع

عمرو عادل

فى الحياة الواقعيه مهندس ميكانيكا قوى اما فى الحياه الافتراضيه فباحث و كاتب و مدير الموقع دا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *