خلال أحداث الحرب الباردة كان الخوف من التهديدات بالابادة النووية على أشده خاصة فى سنواتها الأولى خاصة لدى سكان الدولتين العظميين الولايات المتحدة و الاتحاد السوفيتى و لكم شاهدنا صورا عن ذلك الرعب النووى متمثلا فى أطفال داخل المدارس و هم يلقنون بطرق الحماية من تلك الهجمات و لجوء بعض من المواطنين نحو بناء ملاجئ تحت الأرض فى حدائق منازلهم الخلفيه و التى تستطيع تحمل الانفجارات النووية و رغم حالة الذعر التى كانت سائدة فى تلك الحقبة الا أنها لم تكن رد الفعل الوحيد حيث كان لها جانب ايجابى بعد أن قرر بعض من الأمريكيين الاستفادة من سباق التسلح النووى و تحويله الى أرباح مالية بمليارات الدولارات عبر ما أطلق عليه اسم السياحة الذرية .

ففى عام 1951 بدأت حكومة “الولايات المتحدة” أولى تجاربها النووية في احدى المناطق الصحراوية بولاية ” نيفادا ” و التى تبعد مسافة 65 ميلاً من مدينة “لاس فيجاس” و رغم تميز الموقع بالعزلة الشديده الا أنه كان يمكن رؤية ذلك الانفجار النووى التجريبى من على بعد مسافات كبيرة لدرجة مشاهدته من مدينة “سان فرانسيسكو” بولاية “كالفورنيا” المجاورة , و خلال تلك الفترة من حقبة الخمسينيات كان من المعروف أن ” لاس فيجاس ” لم تكن مدينة سياحية شهيره كما هي عليها اليوم و لعل كان أهم سبب لاختيار صحراء ولاية ” نيفادا” كموقع للتجارب النووية هو أن عدد سكان تلك المدينة القريبة منها كان قليلا بدرجة كافية (أقل من 40 الف نسمة ) و رغم ذلك و تماشيا مع الحياة الأمريكية المسيطر عليها الروح التجاريه و التي من شأنها أن تحول أماكن صحراويًة صغيرة و قاحله إلى أداة قد تدر مليارات الدولارات فقد أدرك مالكو العقارات في “لاس فيجاس” أن الناس سيدفعون أموالًا جيدة لمشاهدة اختبارات تلك القنابل و سيستمتعون بها خاصة مع حصولهم على الأمان النسبي لرؤيتها من على بعد تلك المسافة سواء كانت من خلال الفندق أو الكازينو حيث اعتمدوا خلال دعايتهم تلك على مبدء التشويق لكون السائح سيكون قريبًا جدًا من هذه القوة المميتة و رغم ذلك لن يتأثر بها .

و لم يكن مطلوبا من السائحين سوى القدوم الى ” فيجاس ” و الاسترخاء فى الفندق و مشاهدة فطر عيش الغراب الذى تخلفه الانفجارات النوويه حيث بدأت حركة السياحة فى الانتعاش خاصة فى الفنادق الموجودة فى شمال المدينة و المواجهة للصحراء و التى منها يستطيع المتواجدين بها مشاهدة مواقع الاختبارات و التفجيرات دون اى عوائق فى الرؤيه و نظرا لرواج ذلك النوع من السياحه بشكل كبير أصيبت المدينة بأكملها بالحمى الذريه لدرجة أن احد مالكى المطاعم قد قام بتغيير اسمه من ” مطعم فيرجينيا ” الى ” المقهى الذرى ” و الذى كان يقدم فيه مشروبات يطلق عليها اسم ” الكوكتيلات الذرية ” حيث كان يحتسيها الزبائن خلال مشاهدتهم للتفجيرات النوويه من أعلى سطح مقهاه كما أطلق على إحدى فتيات الإستعراض بأحد الكازينوهات لقب “ملكة جمال القنبلة الذرية” كما كان كازينو اخر يقدم حفلات و عروض استعراضيه اطلق عليها ” قنابل الفجر ” و تقدم حفلات لموسيقى الروك يحييها ” الفيس بريسلى ” و الذى اشتهر باسم المغنى الوحيد الذى يعمل بالطاقة الذريه و أصبحت التفجيرات شائعة جدًا لدرجة أن المدينة كانت تنشر أوقات التفجير مسبقًا بحيث يستطيع السائحين الباحثين عن الإثارة الحصول على أفضل مكان لمشاهدة أفضل منظر للتفجير و التقاط الصور التذكارية له عن طريق تواجدهم فى أماكن مرتفعه مثل جبل ” تشارلز تاون ” و الذى كان يقع على بعد أميال قليله من ” فيجاس ” حيث كان يتم التوجه اليه قبل الانفجارات برحلات عن طريق الحافلات و التى تشتمل تذاكرها وجبات للطعام و مشروبات و بالطبع نظارات واقيه .

و نتيجة رواج صناعة السياحة الذرية الجديدة بالإضافة إلى التمويل الفيدرالي و الوظائف التي وفرها موقع اختبار “نيفادا” فقد تضاعف عدد سكان “لاس فيجاس” في غضون عقد من الزمان بشكل دفع احد ملاك الكازينوهات بها الى القول بأن أفضل شيء حدث للمدينة كان القنبلة الذرية .

أقرأ أيضا : أغرب عشرة أنواع من السياحة و يقبل عليها الناس حول العالم

و لأن لكل شئ نهايه فقد استمرت تلك التجارب حتى عام  1963 عندما وقعت الولايات المتحدة حظرًا على إجراء التفجيرات النووية فوق سطح الأرض و رغم الحظر الا انها استمرت فى اجراء تلك التفجيرات داخل باطن الأرض و بلغ مجموع التجارب اكثر من 900 تفجيرا بحلول عام 1992 حين أجرت السلطات مسحا شاملا فى ذلك الموقع أدركت من خلالها مدى الآثار السلبية للإشعاع الناجم عن تلك التجارب على كل من الجنود و السكان القريبين منه الامر الذى دعاها الى نقل جميع تجاربها الى اماكن اخرى اكثر عزلة مما أدى فعليًا إلى إنهاء عصر السياحة الذرية في مدينة “لاس فيجاس ” و اليوم و نظرًا لما بات معروفا عن مخاطر الإشعاع النووي أصبح من الجنون أن تتجه العائلات إلى المناطق المحيطة بموقع الاختبار و تتنزه فيه أثناء مشاهدة انفجار الأسلحة النووية و رغم ذلك الا انه حتى اللحظه لا يزال السائحون الذريون الحديثون يتجهون إلى تلك الصحراء لمشاهدة احدى الحفر التي يبلغ ارتفاعها 390 مترا التي خلفها اختبار واحد حدث فى الستينيات بالإضافة إلى بقايا “دوم تاون” و هي مدينة مزيفة يسكنها تماثيل تم تدميرها عمدًا بواسطة قنبلة ذريه من أجل اختبار كيف يمكن لمدينة أمريكية أن تصمد أمام هجوم نووي حقيقي.

شارك الموضوع

عمرو عادل

فى الحياة الواقعيه مهندس ميكانيكا قوى اما فى الحياه الافتراضيه فباحث و كاتب و مدير الموقع دا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *