المحيط المتجمد الشمالي هو خامس أكبر التقسيمات البحرية الموجودة على كوكب الأرض بعد المحيط الهادئ و الأطلسي و الهندي و الجنوبي و يعتبر هو الأكثر ضحالة و الأشد برودة فيما بينهم و تبلغ مساحته الإجمالية 14 مليون كيلومتر مربع و ينظر اليه البعض على أنه الجزء الشمالي من المحيط العالمي الشامل و مصب للمحيط الأطلسي و هو يشمل منطقة القطب الشمالي شمالا و يمتد جنوبًا حتى خط عرض 60 درجة شمالا و محاط من جانبيه بقارات أوراسيا و أمريكا الشمالية و يفصله عن المحيط الهادئ مضيق بيرنج و على الجانب الأخر يفصله عن المحيط الأطلسي جزيرة جرينلاند و يتميز المحيط المتجمد الشمالي عن باقى المحيطات بأنه مغطى بالجليد البحري على مدار العام كما تتفاوت درجة ملوحته التى تعتبر هى الأدنى عن باقى المحيطات اضافة الى درجة حرارته بإختلاف فصول العام و يعتبر هو من أكثر المحيطات متابعة على مدار الساعة حيث يستخدم المركز الوطني لبيانات الجليد و الثلوج فى الولايات المتحدة بيانات الأقمار الصناعية لتوفير سجل يومي للغطاء الجليدي الموجود فيه و قياس معدل ذوبانه و مقارنة تلك النتائج بمتوسط السنوات الماضية حيث أظهرت أخر التقارير انخفاضًا مستمرًا فى نسبة الجليد البحري و التى وصلت الى مستويات قياسية في سبتمبر عام 2012 بعد أن تقلص الجليد البحري بنسبة 49٪ نتيجة ظاهرة الإحتباس الحراري و انتشار الملوثات به لا سيما الإشعاعية منها .
المحيط المتجمد الشمالي تاريخيا
أوروبيا ظلت مناطق القطب الشمالي التابعة الى أراضى تلك القارة غير مستكشفة إلى حد كبير و كانت جغرافيتها تخمينية حتى سجل الجغرافى اليونانى ” بيسياس ” سردًا لرحلة شمالًا عام 325 قبل الميلاد إلى أرض أطلق عليها اسم ” ايسشاتى ثول ” و وصفها بأن الشمس فيها تغرب لمدة ثلاث ساعات فقط كل يوم و تم استبدال الماء فيها بمادة متجمدة لا يستطيع المرء المشي عليها و يرجح المؤرخين انه كان يصف الجليد البحري الرخو و ربما كانت “ثول” هي دولة “النرويج” على الرغم من اقتراح اماكن اخرى لتلك الأرض مثل “جزر فارو” أو “شتلاند” كما كان رسامو الخرائط الأوائل غير متأكدين عما إذا كانوا سيرسمون المنطقة المحيطة بالقطب الشمالي كأرض أو مياه و نتيجة رغبة التجار الأوروبيين في وجود ممر شمالي سواء كان برى أو بحرى للتوجه الى ” الصين ” كان من الضرورى استكشاف تلك المنطقة حيث أنتصرت رؤية الخرائط الموجود بها المياه كما أضافت الرحلات الاستكشافية القليلة لاختراق ما وراء الدائرة القطبية الشمالية في تلك الحقبة جزرًا صغيرة فقط .
و فى القرن التاسع عشر و نتيجة عدم معرفة ما يقع شمال الحاجز الجليدي فقد أدى ذلك إلى ظهور عدد من التخمينات حيث استمرت أسطورة “البحر القطبي المفتوح” حتى قام “جون بارو” السكرتير الثاني للأميرالية البريطانية باستكشاف المنطقة خلال الفترة من 1818 إلى 1845 و حتى وقت متأخر جدًا من ذلك القرن أفاد جميع المستكشفين الذين سافروا بالقرب من القطب بوجود غطاء جليدى سميك جدًا يستمر طوال العام الى أن قام “فريدجوف نانسن” بأول عبور بحري للمحيط المتجمد الشمالي عام 1896.
و فى القرن العشرين و خلال الحرب العالمية الثانية كانت المنطقة الأوروبية من المحيط المتجمد الشمالي محل نزاع شديد حيث شهدت مناوشات بين القوات البحرية و الجوية الألمانية مع الحلفاء الذين كانوا يقومون بإمداد “الاتحاد السوفيتي” عبر موانئه الشمالية و فى عام 1969 قاد “والي هربرت” أول عبور برى للمحيط في رحلة استكشافية للزلاجات التي تجرها الكلاب من منطقة ألاسكا فى “الولايات المتحدة” إلى سفالبارد فى “النرويج” و مع بداية عام 1954 بدأت شركات الطيران التجارية فى التحليق فوق المحيط المتجمد الشمالي كما تم إجراء أول عبور بحري للقطب الشمالي عام 1958 بواسطة الغواصة ” نوتيلوس ” و حدث أول عبور بحري سطحي بواسطة كاسحة جليد عام 1977 .
المحيط المتجمد الشمالي جغرافيا
يحتل المحيط المتجمد الشمالي حوضًا دائريًا تقريبًا و يغطي مساحة تبلغ حوالي 14 مليون كيلومتر مربع و هى مساحة تعادل تقريبًا حجم القارة القطبية الجنوبية و يعتبر هو المحيط الوحيد الأصغر من دولة “روسيا” و محاط بكتل اليابسة من أوراسيا (روسيا و النرويج) و أمريكا الشمالية (كندا و ولاية ألاسكا الأمريكية) و جرينلاند و أيسلندا .
و يرتبط المحيط المتجمد الشمالي بالمحيط الهادئ عن طريق مضيق بيرينج و بالمحيط الأطلسي عبر بحر جرينلاند و بحر لابرادور كما يحتوى على عدد من البحار و الخلجان أبرزها بحر بارنتس و خليج هدسون و بحر جرينلاند و بحر سيبيريا الشرقي و بحر كارا و بحر لابتيف و بحر تشوكشي و بحر بوفورت و خليج اموندسن و البحر الأبيض و بحر بيتشورا و بحر لينكولن و بحر الأمير غوستاف أدولف سي و بحر الملكة فيكتوريا و بحر واندل بالاضافة الى عدد من الجزر و الأرخبيلات و هى جان ماين (النرويج) و أيسلندا و جرينلاند و أرخبيل القطب الشمالي (كندا و تشمل جزر الملكة إليزابيث و جزيرة بافين) و جزيرة رانجيل (روسيا) و جزر سيبيريا الجديدة (روسيا) و جزيرة سيفيرنايا زمليا (روسيا) و جزر نوفايا زيمليا (روسيا و تشمل جزيرة سيفيرني و جزيرة يوجني) و فرانز جوزيف لاند (روسيا) و سفالبارد (النرويج بما في ذلك جزيرة بير) .
المحيط المتجمد الشمالي جيولوجيا
يتكون الجرف القاري للمحيط المتجمد الشمالي بعدد من الجرف القارية و هم الجرف القاري الكندي أسفل أرخبيل القطب الشمالي الكندي و الجرف القاري الروسي و الذي يُطلق عليه أحيانًا اسم “الجرف القطبي الشمالي” لأنه أكبر في المدى و المكون من ثلاثة جرف منفصلة و هم جرف بارنتس و جرف تشوكشي البحري و الجرف السيبيري الذى يعتبر هو أكبر جرف من نوعه في العالم و يمتلك احتياطيات كبيرة من النفط و الغاز كما يشكل جرف تشوكشي الحدود بين “روسيا” و “الولايات المتحدة” كما هو مذكور في اتفاقية الحدود البحرية بين الاتحاد السوفياتي و الولايات المتحدة الأمريكية .
و يوجد أسفل المحيط المتجمد الشمالي سلسلة من التلال تحت الماء تقسم أعماقه إلى حوضين محيطيين أولهم حوض أوراسيا الذي يتراوح عمقه ما بين 4000-4500 متر و حوض الأمريساين و يبلغ عمقه حوالي 4000 م كما يتسم قاع المحيط بحواف كتلة الصدع و السهول السحيقة و يبلغ متوسط عمق ذلك المحيط 1،038 مترًا و أعمق نقطة فيه هي “مولوي هول” في مضيق فرام بمسافة تصل الى 5،550 مترًا .
خصائص المحيط المتجمد الشمالي
الملوحة
تعتبر المياه الممتدة من السطح إلى عمق حوالي 200 متر فى المحيط المتجمد الشمالي هي الأكثر تغيرًا و تباينًا بسبب الحرارة الكامنة فيها التى تتحكم فى التجمد و الذوبان و نتيجة إضافة المياه العذبة الى مياهه عن طريق الأنهار و ذوبان الجليد و هطول الأمطار و حدوث اختلافات كبيرة في درجة التشمس (معدل إيصال الطاقة الشمسية) و تدفق الطاقة نتيجة الغطاء الجليدي البحري فكل تلك العوامل تؤثر فى مقدار الملوحة لمياه ذلك المحيط التى تتراوح ما بين 28 إلى 34 جزءًا في الألف و هو ما يجعله أقل المحيطات ملوحة .
المناخ
يقع المحيط المتجمد الشمالي في مناخ قطبي يتميز بالبرودة المستمرة و تتميز فصول الشتاء فيه بالليل القطبي و البرودة الشديدة و يتميز الصيف بضوء النهار المستمر (شمس منتصف الليل) و يمكن أن ترتفع درجات حرارة الهواء قليلاً فوق 0 درجة مئوية و تكون الأعاصير أكثر تواترًا في الصيف و قد تجلب الأمطار أو الثلوج و يكون الجو فيه ملبدًا بالغيوم على مدار العام و تعتبر درجة حرارة المياه السطحية للمحيط المتجمد الشمالي ثابتة إلى حد ما عند −1.8 درجة مئوية بالقرب من نقطة تجمد مياه البحر .
المحيط المتجمد الشمالي إقتصاديا
فى المحيط المتجمد الشمالي يمكن العثور على حقول البترول و الغاز الطبيعي و المعادن و الرمال و الحصى لذلك تقوم بعض من الدول المطلة عليه بإستخراج تلك الثروات و الاستفادة منها اقتصاديا بالاضافة الى احتوائه على العديد من الأسماك و المخلوقات البحرية مثل الفقمات و الحيتان .
و نتيجة ثراء ذلك المحيط بالثروات فهو محل نزاع متصاعد بين الولايات المتحدة و روسيا و كندا و النرويج و الدانمارك حيث يعتبر مهم للغاية لسوق الطاقة لأنه قد يحتوي على 25 ٪ أو أكثر من موارد النفط و الغاز غير المكتشفة في العالم .
التهديدات الواقعة على المحيط المتجمد الشمالي
نتيجة ظاهرة الإحتباس الحراري تشير الأبحاث أن القطب الشمالي قد يصبح خاليًا من الجليد في الصيف لأول مرة في تاريخ البشرية بحلول عام 2040 و قد يتسبب ارتفاع درجات الحرارة في القطب الشمالي في دخول كميات كبيرة من المياه الذائبة العذبة إلى شمال المحيط الأطلسي مما قد يؤدي إلى تعطيل أنماط تيار المحيطات العالمية اضافة الى حدوث تغيرات شديدة في مناخ الأرض .
و نتيجة الاحتباس الحراري أيضا فقد ساهم ذلك فى زيادة المواجهات بين الدببة القطبية و البشر حيث أدى انخفاض الجليد البحري بسبب الذوبان إلى قيامهم بالبحث عن مصادر جديدة للغذاء بداية من ديسمبر عام 2018 و وصلت ذروتها في فبراير 2019 حين تسبب غزو جماعي للدببة القطبية بأرخبيل نوفايا زيمليا في قيام السلطات المحلية بإعلان حالة الطوارئ بعد أن شوهدت عشرات الدببة القطبية تدخل المنازل و المباني العامة و المناطق المأهولة .
كما تتعلق الاهتمامات البيئية الأخرى فى المحيط المتجمد الشمالي بالتلوث الإشعاعي الناجم عن مواقع إلقاء النفايات المشعة الروسية في بحر كارا و مواقع التجارب النووية التى كانت تمارس خلال مرحلة الحرب الباردة مثل نوفايا زيمليا و ملوثات ” معسكر القرن ” في جرينلاند .