خطف المخرج كوريا الشمالية

خلال القمة التى جمعت بين زعيمى الولايات المتحدة و كوريا الشمالية فى سنغافورة عام 2018 شاهد الرئيس دونالد ترامب مقطعًا دعائيًا لفيلم عن كوريا الشمالية لدرجة أن الكثير من المراسلين الأمريكيين دهشوا من ذلك العرض الذى كان يظهر تلك البلد بشكل إيجابى رغم وصفها بأنها دولة ديكتاتورية و تدار بنظام حكم الفرد الواحد و كانت أفلامها السينمائية على الدوام تشيد ببراعة حاكمها و ذكائه فى قيادة البلاد خاصة التى أنتجت في عهد الزعيم كيم جونج إيل الذى كان مغرما بتلك الصناعة و وصل هوسه بالسينما الى درجة أمره بتنفيذ عملية إختطاف للمخرج الكورى الجنوبى الشهير شين سانج أوك و زوجته الممثلة تشوي أون هي و ذلك لإجبارهم بمهمة تطوير صناعة السينما فى البلاد .

فمع أواخر الستينيات أصبح “كيم جونج إيل” الذى كان وريث حاكم ديكتاتورية “كوريا الشمالية” في ذلك الوقت مهتمًا بصناعة أفلام دعائية لوالده و لبلاده نظرا الى أنه كان مفتونًا بشدة بعالم السينما لدرجة إصداره أوامر للقيام بعمليات سرية من أجل الحصول على نسخ غير شرعية من الأفلام العالمية التي تم حظرها في “كوريا الشمالية” من أجل الاستمتاع بمشاهدتهم و هو الأمر الذى كان ضد رغبات والده الزعيم الوطني “كيم إيل سونج ” و بحسب ما ورد فقد جمع “كيم” مكتبة تضم أكثر من 15000 فيلما أبرزها أفلام “جيمس بوند” و “رامبو” و لحسن حظه في تلك المرحلة بدأ والده في وضع المزيد من المسؤولية عليه حيث تم تعيينه كمدير لقسم الصور المتحركة و الفنون في قسم الدعاية في “كوريا الشمالية” .

الزعيم الكورى الشمالى كيم ايل سونج مع ابنه الزعيم اللاحق كيم يونج إيل

و مع تولى ” كيم ” مسئولياته ركزت أفلامه على النضال ضد “اليابان” و الذى كان بطلها والده “كيم إيل سونج ” و رفاقه في “منشوريا” خلال الثلاثينيات و رغم أن تلك الأفلام قد نالت إعجاب والده إلا أنها لم تكن كافية لاعجابه هو حيث كان يريد أنتاج أفلام تستطيع المنافسة عالميا و المشاركة فى المهرجانات الدولية و أعرب عن أسفه من أن فريقه كانوا أدنى بكثير من حيث المهارة من العاملين في الإنتاج الغربي و أن موظفيه كانوا غير متحمسين و كسالى و كان يشعر بالغيرة من القائمين على صناعة السينما فى ” كوريا الجنوبية ” و الذين كانوا أفضل بكثير منهم و خلال إحباطه بدأ ينتبه الى أعمال المخرج الكورى الجنوبى الشهير فى ذلك الوقت ” شين سانج أوك ” الذى كان له مسيرة بارزة فى ذلك المجال بعد أن قام بصنع أكثر من 60 فيلمًا حتى عام 1978 و كان يحظى باحترام كبير فى وسطه لكن حياته المهنية كانت مهددة بعد أن أغلقت الحكومة الكورية الجنوبية القمعية الاستوديو الخاص به و هو الامر الذى ولد إعتقاد لدى ” كيم ” بأن ” شين سانج أوك” كان المخرج المناسب و الوحيد الذي يمكنه إنقاذ صناعة السينما في “كوريا الشمالية” و أمر بوضع خطة معقدة لخطفه و ليس هو فقط و لكن معه نجمة السينما الكورية الجنوبية “تشوي أون هي” التى كانت منفصلة عنه مؤخرا لأسباب أسرية .

أقرأ أيضا : كلارك جيبل الممثل الاسطورى الذى افرد هتلر مكافاءة سخيه لمن ينجح فى اختطافه و احضاره الى برلين حيا

المخرج شين سانج أوك مع زوجته تشوى أون هي

و بدأت الخطة بإرسال رسالة مزورة الى الممثلة الشهيرة تعرض عليها منصبًا لادارة أكاديمية أداء في مدينة “هونج كونج ” و الذى كان عرضا لا يمكن تفويته نظرا الى أنها كانت تواجه مشاكل مع حكومتها أيضا مما أثر على أعمالها و كانت تبحث عن عمل و بمجرد وصولها الى هناك قادها عميل كورى شمالى إلى قارب سريع و يتم اختطافها من قبل مجموعة من الرجال و إرسالها الى ” كوريا الشمالية ” حيث كانت هى الطعم الذى سيجذب المخرج و كما توقع ” كيم ” بدأ بالفعل في البحث عن زوجته السابقة التي أختفت و سافر إلى “هونج كونج” لمحاولة العثور عليها حيث تم تخديره و اختطافه من قبل مجموعة من العملاء أيضا و بعد وصوله حاول “شين سانج أوك” الهروب عدة مرات مما أدى إلى سجنه في معسكر اعتقال حيث كان يعيش على نظام غذائي من العشب و الملح و الأرز اضافة الى التلقين الأيديولوجي بينما كانت زوجته فى ذلك الوقت تعيش فى عزلة و لا يعرفان شيئا عن بعضهم البعض و بعد مرور أربع سنوات فى المعتقل أصبح لدى ” كيم ” قناعة أن المخرج ” شين ” كان مستعدًا لبدء صناعة الأفلام و أمر بإطلاق سراحه هو و زوجته السابقة و أحضرهما إلى اجتماع حيث لم يعرف كل من “شين و تشوي” أن الآخر كان محتجز في “كوريا الشمالية” و كانا مبتهجين لرؤية بعضهما البعض على قيد الحياة .

و خلال الإجتماع مع ” كيم جونج إيل ” شرح لهم في خطاب سجلته الممثلة “تشوي” سرا خطته للزوجين حيث أرادهم أن ينتجوا له دعاية شيوعية من خلال زعمهم بأنهم أتوا إلى “كوريا الشمالية” هربًا من القمع الحكومي في الجنوب و وافق “شين سانج أوك” على التعاون مع الديكتاتور و تم وضعه على الفور للعمل في إخراج أفلام “كيم” الدعائية كما تزوج “شين و تشوي ” أيضا بناء على توصية من الزعيم “كيم” حيث يقول المخرج عن تلك الفترة بأنه كان يكره الشيوعية جدا لكنه كان عليه التظاهر مضطرا بأنه مخلص لها للهروب يوما من هذه الجمهورية القاحلة .

المخرج شين سانج أوك مع الزعيم كيم جونج إيل و زوجته تشوي أون هي

و خلال فترة وجودهم في الأسر بكوريا الشمالية تم الإغداق عليهم بالهدايا و عاشوا في أقصى ما يمكن لتلك البلاد توفيره من رفاهيه و رغم المعاملة الجيدة الا أنهم لم يكونوا سعداء حيث قال “شين سانج أوك” أن تكون في كوريا الشمالية تعيش حياة جيدة و أن تستمتع بالأفلام بينما لم يكن أي شخص آخر حراً فيها فهذا ليس سعادة بل ألم و لكن على أى حال خلال عمله كمخرج صنع 7 أفلام خلال فترة زمنية بلغت عامين و ثلاثة أشهر كانوا فيها يعملون ليلا و نهارا و لا ينامون سوى لساعتين أو ثلاث و لم يجبر “كيم ” الزوجان على إنتاج أفلام تروج صراحة للدولة ورئيسها حيث أرادهم فقط أن يصنعوا أفلامًا جيدة بما يكفي لعرضها في مهرجانات الأفلام حول العالم و قد حصل على القليل مما يريد بالفعل بعد أن شاركت بعض من هذه الأفلام فى مهرجانات الدول الشرقية و كان أخر أعمالهم فيلم “جودزيلا بولجاساري” عام 1986 الذى يروى انتفاضة المزارعين في “كوريا” بالعصور الوسطى من خلال قصة طفلة صغيرة يوخز إصبعها أثناء الخياطة و يسقط الدم على لعبة تنين صغيرة مصنوعة من الأرز مما يجعلها تنبض بالحياة كوحش يقاتل من أجل المزارعين و يقوم بتحطيم قصر الإمبراطور و مع ذلك فإن شهيته كانت كبيرة لدرجة أنه بدأ في أكل أدوات المزارعين لذلك قررت الفتاة أن تضحي بنفسها من خلال التنكر في صورة طعام ذلك الوحش و عندما يأكلها عن طريق الخطأ ينفجر و يموت حيث كان فيلم تحمس لقصته ” كيم ” كثيرا و من أجل إنشاء المؤثرات الخاصة به أستمر الزعيم وفياً لأساليبه بعد أن قام بخداع فريق المؤثرات الخاصة اليابانية الذي عمل على سلسلة أفلام ” جودزيلا ” الأصلية و الذين أتوا إلى “كوريا الشمالية” بعد أن ظنوا أنهم سيعملون على فيلم في “الصين” .

وحش جودزيلا فى فيلم بولجاسارى

و صدر الفيلم و كان فيلمًا سخيفا و مفككًا حيث كان الوحش دمية مطاطية و كان الإمبراطور مستبدا و يشبه موقفه في الواقع موقف “كيم” نفسه و أن كان رسالة الفيلم أن ذلك المستبد هى الرأسمالية الا أنه و على الرغم من تلك المشكلات فقد حقق الفيلم نجاحًا كبيرًا في “كوريا الشمالية” و بدأ “كيم” في البحث عن موزعين أجانب للفيلم حتى يتمكن من نشر دعايته في جميع أنحاء العالم حيث بدأت محادثات مع موزعين في “النمسا” و في وقت لاحق من ذلك العام سافر “شين و تشوي” إلى “فيينا” للقائهم و أيضا من أجل الاتفاق على فيلم أخر و بمجرد وصولهم هرب الزوجان بمساعدة صديق لهم يعمل صحفى و ناقد سينمائي ياباني و نجحا فى الإفلات من مراقبة العملاء الكوريين الشماليين و شقوا طريقهم إلى السفارة الأمريكية و مُنحوا حق اللجوء السياسي و حكوا كل شئ عن خطفهم و السنوات التى قضوها فى ” كوريا الشمالية ” و التى من ناحيتها أصدرت بيانًا نفت فيه الادعاءات بأن “شين و تشوي ” قد اختطفا و أكدت بدلاً من ذلك أنهم قد انشقوا و حضروا طواعية إلى “كوريا الشمالية” و عندما غادرا اختلسوا مبلغًا كبيرًا من الأموال الكورية الشمالية المخصصة لتمويل أحد الأفلام أما بالنسبة الى الزعيم ” كيم ” فقد غضب غضبا شديدا و أمر بسحب الفيلم من كل السينمات فى جميع أنحاء البلاد و أخفاء كل الأفلام التى قام بها الثنائى بتنفيذها و لم يرى أى شخص خارج الحدود ذلك الفيلم حتى تم إطلاقه دوليًا عام 1998 في فترة نادرة من الانفتاح الأكبر من قبل حكومة “كوريا الشمالية” .

أقرأ أيضا : لديهم ثلاث قنوات و غير مسموح لهم بدخول شبكة الانترنت .. 20 حقيقة مثيرة عن الحياه داخل كوريا

أما بالنسبة الى الزوجين فقد ظلوا يعيشون فى الولايات المتحدة حتى عام 1999 حيث عمل المخرج ” شين سانج أوك ” لسنوات عديدة في صناعة السينما بها و بعدها عادوا إلى “كوريا الجنوبية” حيث توفى عام 2006 بينما توفيت “تشوي أون هي ” في أبريل عام 2018 .

شارك الموضوع

عمرو عادل

فى الحياة الواقعيه مهندس ميكانيكا قوى اما فى الحياه الافتراضيه فباحث و كاتب و مدير الموقع دا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *