تخبرنا كتب التاريخ انه لا تندلع الحروب الا لوجود اسباب لها و اذا اراد طرفا اشعالها و لم يجد امامه اى اسباب محددة فعليه بافتعالها لتكون ذريعة لشن هجومه و هو ما فعله “ادولف هتلر” لاشعال فتيل الحرب العالمية الثانيه بعد غزوه لبولندا و التى لم يكن ليستطيع ان يفعلها سوى بعد تعمده قتل احد المواطنين الالمان و يدعى ” فرانسيسك هونيوك ” و الصاق التهمة بالبولنديين لتكون ذريعة لتدخله و احتلال اراضيها .
تبدء القصه بخلفية تاريخيه حول خلاف نشب بين المانيا و بولندا استمر لقرابة عقدين من الزمن كان سببه الظاهري هو خسائر ألمانيا الإقليمية لصالح بولندا في أعقاب الحرب العالمية الأولى , فوفقًا لما أملته معاهدة فرساي كان جزءا من مساحة ألمانيا الشرقية و الذى بلغ 25 الف ميل مربع قد تم ضمه الى بولندا و ما يزيد عن خمسة ملايين نسمه بما في ذلك أقلية ألمانية كبيرة و مع صعود “هتلر” الى سدة الحكم بتحيزاته العنصريه كان مؤمنا بأن مصير ألمانيا القومي يكمن في التوسع نحو الشرق و استعادة ما فقدته “المانيا” لذلك بدأ في استهداف “بولندا” حيث زاد من حدة خطابه و شكواه من غدر البولنديين و لم يخفى ارادته باشعال حرب معهم لتحقيق ذلك .
و رغم ارادة هتلر بالهجوم على بولندا الا انه واجه مشكلتين تتعلق الاولى بوجود حلفاء لها مثل بريطانيا و فرنسا حيث تعهد كلاهما بالوقوف إلى جانبهم في مواجهة اى عدوان عليها اما الثانيه فتتعلق بالداخل الالمانى فعلى الرغم من أن الغالبية العظمى من الشعب الألماني أيدت هتلر بكل إخلاص إلا أنه لم يكن لديها اى حماسة للدخول فى اى حرب عالمية أخرى.
نتيجة لذلك كان على هتلر أن يظهر نواياه العدوانية فى شكل موقف دفاعى و اظهار بولندا على أنها المعتدي حيث قال إنه بهذه الطريقة قد يتم إقناع الشعب الألماني بدعم الحرب و قد تفقد بولندا دعم حلفائها الدوليين حيث لخص موقفه ذلك في خطاب ألقاه أمام كبار قادته العسكريين في مقره بجبال الألب في 22 من أغسطس عام 1939 وأعلن فيه أن “تدمير بولندا له الأولوية” و مضيفًا بأنه سيقدم سببًا دعائيًا لبدء الحرب بغض النظر عما إذا كان ذلك معقولاً أم لا و لن يُسأل المنتصر بعد ذلك عما إذا كانت هى الحقيقه ام لا .
نتيجة لذلك عمل مساعديه بهدوء على دفع العلاقات إلى نقطة الانهيار ولجعل بولندا هى السبب فى اشعال الحرب و تحقيقًا لهذه الغاية تم اعفاء جميع العناصر غير الموثوقة سياسيًا من المنطقة الواقعة على طول الحدود البولندية كما أنشأت قوات الأمن الخاصة الالمانيه مركزًا للتدريب في “بيرناو ” شمال برلين و به 300 متطوع معظمهم من مقاطعة “سيليزيا ” العليا الألمانية و هي منطقة متنازع عليها بشدة على الحدود البولندية والتي تضم “جلايفيتز” والتي تعد اليوم جزءًا من جنوب غرب بولندا وجمهورية التشيك حيث كانوا يتدربون على القيام بعمليات التسلل والتخريب ضد بولندا و التدريب على استخدام الأسلحة و ارتداء الزي الرسمي البولندي وتحسين فهمهم للغة البولندية و بحلول نهاية أغسطس كان هؤلاء العملاء جاهزين للعمل.
كان التخطيط هو قيام تلك القوات بثلاث غارات متعمدة على ” جلايفتز ” و القيام بتحطيم النوافذ وإطلاق النار في الهواء و الغناء والسب بلغة بولندية و تخريب المنشئات و ترويع المواطنين و ليس ذلك فقط بل قاموا بالتخطيط على مهاجمة و احتلال محطة اذاعيه فى تلك المنطقه و بث رسالة عبر الاثير و باللغة البولنديه تحمل تهديدات و توعد للسكان و بث نواياهم الى العالم حيث كان فى حساباتهم الا تراق اى دماء خلال تلك العمليه الا انه اتت الاوامر من رؤسائهم بضرورة وجود جثة لشخص على الاقل فى المكان ليكون دليلا لا يمكن انكاره عن تورط البولنديين ليبدء البحث عن من يكون ذلك الشخص المناسب و الذى اشترط أن يكون المانى من اصول بولنديه و له تاريخ معروف في التحريض ضد الألمان لذلك وقع الاختيار على ” فرانسيسك هونيوك ” .
كان اختيار ” فرانسيسك هونيوك ” نظرا لتاريخه حيث كان قد قاتل مع الجانب البولندي خلال انتفاضات سيليزيا التي أعقبت الحرب العالمية الأولى وبعد فترة قصيرة عاش في بولندا ثم عاد إلى ألمانيا في عام 1925 و كان معروفًا جيدًا في قريته الألمانية “هوهينليبن ” كمدافع قوي عن القضية البولندية لذلك فقد جرى اختطافه على يد الشرطة السريه الالمانيه ” الجستابو ” ليتنقل بين مقراتها حيث لاحظ خاطفوه أنه طوال الوقت كان “لا مباليًا ورأسه ينحني باستمرار”و لا يتحدث أبدًا ولم يتحدث إليه أحد باستثناء بضع كلمات من التعليمات من مرافقته في الجستابو و علاوة على ذلك لم يتم تسجيله في أي من المواقع التي مر بها ليتعذر تعقبه و في صباح يوم 31 من أغسطس أخذه خاطفوه إلى مركز الشرطة في “جلايفيتز” ووضعوه في الحبس الانفرادي و دون حفظ اسمه فى السجلات.
أقرأ أيضا : جوستاف العظيم .. المدفع الألمانى الذى أنزل الرعب فى صفوف الحلفاء لقدراته على تدمير اقوى الحصون
و فى نفس اليوم بدأت القوات الالمانيه فى عملياتها التخريبيه و تحرك الفريق الالمانى المخصص بالهجوم على محطة البث الاذاعى وهم يرتدون ملابس مدنية على غرار المتمردين البولنديين فى سيارتين ليصلوا اليها فى الثامنة مساءا و يسيطروا عليها بعد اتخاذ العاملين فيها كرهائن و يبدأون فى عملية البث و الذى تخلله اطلاق النيران لتوفير جو عسكري مناسب و البدء فى القاء بيان قالوا فيه ” انتبهوا .. محطة البث تلك فى ايدى بولندا ” ثم تلاه بدعوة البولنديين داخل المانيا الى حمل السلاح فى وجه السلطات الالمانيه والقيام بعمليات تخريبية ضدهم واعدًا بأن الجيش البولندي سوف يسير قريبًا كمحرر و فى تلك الاثناء و فى مكان اخر قام رجل من قوات الأمن الخاصة و يرتدي معطفاً أبيض و يزعم أنه طبيب بزيارة “هونيوك” في زنزانته بمركز شرطة “جلايفيتز” وأعطاه حقنة يفقد على اسرها الوعى ليتم اقتياده إلى محطة الإرسال و بمجرد دخوله يتم اطلاق النار علي رأسه و يردى قتيلا و ينسحب الفريق من المبنى تاركا جثته فيها .
و بمجرد انتهاء العمليه سارعت الصحافة الالمانيه و منها الى الدوليه فى تغطية الحادث حيث كانت صورة ” فرانسيسك هونيوك ” تتصدر العناوين كدليل على “العدوان البولندي” و بأن المتمردين البولنديين كانوا مسؤولين عن تلك الهجمات و تنشر الصحف الألمانية عددًا لا يحصى من التقارير المخيفة حول ما أسمته “الإرهاب البولندي” ، حيث اشتكت من “قطاع الطرق البولنديين” ، و “التوتر المتزايد فى المنطقه ” ، و “المعاناة المخيفة” للأقلية الألمانية مما شحن الغضب داخل الصدور الالمانيه و يكون مع هتلر الذريعه الكافيه لشن الحرب على بولندا و احتلال اراضيها و ارتكاب الكثير من المذابح بحق شعبها و ذلك بفضل مواطن لم يكن يعرف انه سيكون يوما سببا من اسباب اشتعال الحرب العالمية الثانية .