عالمة فيزيائية شهيرة دخلت التاريخ من أوسع أبوابه لأسباب عده أولها لإسهاماتها المتعددة فى المجال العلمى التى لا يزال حتى اللحظة يسير على الأسس و القواعد التى أرستها من خلال أبحاثها فى ذلك الوقت ثانيا بجانب أنها أصبحت أول امرأة تشغل منصب أستاذ في جامعة باريس الا أن ” ماري كوري ” أيضا تعتبر أول امرأة فى العالم تفوز بجائزة نوبل منذ نشأتها في تخصص الفيزياء ثم تلحقها بعد سنوات بنفس الجائزة مرة أخرى و لكن في تخصص الكيمياء لتصبح أول شخص سواء كان رجل أو امرأة يفوز مرتين بجائزة نوبل فى تخصصين مختلفين بالأضافة الى العديد من الجوائز و الأوسمة و الشهادات التقديرية الأخرى التى كانت مستحقة بعد أن استطاعت من خلال أنشطتها فى مجال البحث العلمى بصياغة نظرية النشاط الإشعاعى و اكتشاف عنصرى البولونيوم و الراديوم المشعين و ذلك باستخدام تقنيات اخترعتها لعزل النظائر المشعة و بفضل جهودها عملت على تطوير الأشعة السينية المستخدمة فى المجالات الطبيه و تمكنت من صنع وحدات تصوير إشعاعي متنقلة لتقديم خدمات الأشعة السينية فى المستشفيات الميدانية خلال الحرب العالمية الأولى و تحت إشرافها أجريت الدراسات الأولية في العالم لعلاج الأورام باستخدام النظائر المشعة و ينسب اليها الفضل فى تأسيس معهد كوري في باريس و أخر في وارسو و اللذان لا يزالان حتى اللحظة مراكز رئيسية للبحوث الطبية و يقدمان كل ما هو جديد فى ذلك التخصص .

نشأتها و دراستها

ولدت “ماريا سكلودوفسكا” التي عُرفت فيما بعد باسم” ماري كوري” في 7 من نوفمبر عام 1867 في العاصمة البولندية “وارسو” و كانت “كوري” هي الأصغر من بين خمسة أطفال “زوسيا و جوزيف و برونيا و هيلا ” لوالدين يعملان معلمين حيث كان والدها “فلاديسلاف” مدرسًا للرياضيات و الفيزياء و عندما كانت في العاشرة من عمرها توفيت والدتها “برونسلاوا” بسبب مرض السل .

و خلال طفولتها أخذت ” مارى كوري ” ذكاء والدها و كان لديها عقل مشرق و فضولي و متفوقة فى دراستها و رغم ذلك التفوق في مدرستها الثانوية الا أنها لم تستطع الالتحاق بجامعة “وارسو” المخصصة للذكور فقط و بدلاً من ذلك واصلت تعليمها في “الجامعة العائمة” في “وارسو” وهي مجموعة من الفصول السرية غير الرسمية و خلال دراستها حلمت كل من “كوري” و شقيقتها “برونيا” بالسفر إلى الخارج للحصول على شهادة رسمية معتمدة لكنهما افتقرتا إلى الموارد المالية لدفع المزيد من أجل التعليم لذلك فقد عقدت ” ماري ” صفقة مع أختها و هى أنها ستعمل على دعم ” برونيا ” أثناء وجودها في المدرسة و سترد ” برونيا ” الجميل اليها بعد إكمال دراستها.

ماري كوري ” يسارا ” مع أختها برونيا

و لما يقرب من خمس سنوات عملت ” ماري كوري ” كمدرسة و مربية و استغلت وقت فراغها للدراسة و القراءة عن الفيزياء و الكيمياء و الرياضيات و في عام 1891 شقت “كوري” أخيرًا طريقها إلى “باريس” و سجلت في جامعة “السوربون” و انكبت على دراستها لكن هذا التفاني كان له تكلفة شخصية حيث كان لديها القليل من المال لذلك فعاشت كوري على الخبز و الشاي بالزبدة فقط مما كان له أثرا سلبيا على صحتها بسبب نظامها الغذائي السيئ و لكن على أى حال أكملت درجة الماجستير في الفيزياء عام 1893 و حصلت على درجة أخرى في الرياضيات في العام التالي .

أقرأ أيضا : توماس إديسون ( 1847 – 1931 )

زواج ماري كوري من زوجها بيير

تزوجت ” ماري كوري ” من الفيزيائي الفرنسي “بيير كوري” في 26 من يوليو عام 1895 حيث تعرفت عليه من خلال زميل مشترك بعد تخرجها من جامعة “السوربون” حيث كانت تعمل ” ماري ” على إجراء دراسة على أنواع مختلفة من الفولاذ لمعرفة خصائصها المغناطيسية و كانت تريد معملا لاجراء تلك التجارب و كان ” بيير ” هو الوحيد الذى لديه مساحة معملية إضافية و الذى رحب بأستضافتها لتنشأ بينهم علاقة رومانسية و يطلب منها ” بيير ” الزواج ثلاث مرات الا أنها كانت ترفض و لم تقبل إلا بعد أن عرض عليها التخلي عن حياته المهنية العلمية و الانتقال معها إلى “بولندا” كما كانت تخطط دائمًا بعد أن تنهى دراستها في “باريس” الا أنه و نتيجة رفضها بالعمل كأستاذة جامعية فى “بولندا” لأنها أمرأة قررت أن تستكمل باقى حياتها فى “فرنسا” ليعمل الثنائى في البداية بمشاريع منفصلة و بعد أن اكتشفت “ماري” النشاط الإشعاعي وضع “بيير” عمله جانباً لمساعدتها في بحثها و أصبحا بعد ذلك ثنائيًا ديناميكيًا علميًا مكرسين حياتهم لبعضهما البعض .

ماري كوري برفقة زوجها بيير كوري

و فى عام 1906 تعرضت ” ماري كوري ” لخسارة فادحة عندما توفى “بيير” في حادث دهس بعربة يجرها خيول فى ” باريس ” الا أنها أستطاعت تخطى تلك الصدمة و عادت الى حياتها العلميه و تولت منصبها التدريسي في جامعة “السوربون” و تصبح أول أستاذة في تلك المؤسسة التعليميه و تقيم علاقة عاطفية مع طالب زوجها السابق “بول لانجفين” و التى أصبحت علنية عام 1911 و أهتمت بها الصحافة الفرنسيه موجهة سهام النقد اليها و لتلك العلاقة بسبب دافع كراهية الأجانب المتزايد في “فرنسا” بذلك الوقت و دخولها فى منافسة لمحاولة شغر مقعد فى الاكاديمية الفرنسية للعلوم مع العالم الفرنسى ” ادوارد برانلى ” .

إكتشافات ماري كوري

نتيجة افتتان ” ماري كوري ” بأبحاث الفيزيائى الفرنسى “هنري بيكريل ” الذي اكتشف أن “اليورانيوم” يبعث أشعة أضعف من الأشعة السينية التي أكتشفها العالم “فيلهلم كونراد رونتجن” قررت ” كوري ” البحث حول تلك النقطة حيث أجرت تجاربها الخاصة على أشعة “اليورانيوم” و اكتشفت أنها تظل ثابتة بغض النظر عن حالة العنصر أو شكله و افترضت أن الانبعاث الاشعاعى جاء من التركيب الذري للعنصر و هو أكتشاف أحدث تغيرا ثوريا فى مجال الفيزياء الذرية و ابتكرت “كوري” بنفسها كلمة “النشاط إشعاعي” لوصف تلك الظواهر.

ماري كوري خلال جلوسها فى معملها

و بعد اكتشافها للنشاط الإشعاعي واصلت ” ماري كوري ” بحثها مع زوجها “بيير” من خلال العمل على معدن “البتشبلند ” حيث اكتشف الزوجان عنصرًا مشعًا جديدًا عام 1898 أطلقوا على عنصر “البولونيوم” و هو اسم بلد “كوري ” الأصلي في “بولندا” كما اكتشفوا أيضًا وجود مادة مشعة أخرى في “البتشبلند” وأطلقوا عليها اسم ا”لراديوم” و فى عام 1902 أعلن الزوجان أنهم أنتجوا ديسيجرام من الراديوم النقي مما يدل على وجوده كعنصر كيميائي فريد.

و عندما اندلعت الحرب العالمية الأولى عام 1914 كرست ” ماري كوري ” وقتها و مواردها لمساعدة القضية حيث عملت على تطوير و صناعة أجهزة الأشعة السينية المحمولة في الميدان و حصلت هذه المركبات الطبية على لقب “ليتل كوري” و بعد انتهاء الحرب استخدمت “كوري” شهرتها للمضي قدمًا في أبحاثها و سافرت إلى “الولايات المتحدة” مرتين في عام 1921 و عام 1929 لجمع الأموال اللازمة لشراء “الراديوم” و إنشاء معهد أبحاث “الراديوم” في “وارسو” .

جوائز نوبل

فازت ” ماري كوري ” بجائزتي نوبل للفيزياء عام 1903 و في الكيمياء عام 1911 و كانت أول امرأة تفوز بجائزة نوبل و كذلك أول شخص رجلًا كان أو امرأة يفوز بالجائزة المرموقة مرتين و تظل الشخص الوحيد الذي تم تكريمه لإنجازاته في تخصصين منفصلين حيث كانت أول جائزة لها بالمشاركة مع زوجها ” بيير “و “هنري بيكريل” حيث كانت ترفض لجنة منح الجوائز فى البدايه ادراج إسم ” ماري كوري ” لأنها إمرأة الا أن زوجها ” بيير ” أصر على أن البحث الأصلى يرجع الى زوجته حيث استجابوا أمام اصراره بوضع اسمها ليستخدم الثنائى أموال الجائزة فى مواصلة أبحاثهم أما الجائزة الثانية فحصلت عليها بمفردها و كانت لاكتشافها عنصرى “الراديوم و البولونيوم ” و التى لم تغفل تكريم زوجها الراحل فى مساعدتها بتلك الأبحاث خلال تقلدها الجائزة .

و في هذا الوقت تقريبًا انضمت ” ماري كوري ” إلى علماء مشهورين آخرين بما في ذلك “ألبرت أينشتاين” و “ماكس بلانك” لحضور مؤتمر “سولفاي” الأول في الفيزياء و مناقشة العديد من الاكتشافات الرائدة في مجالهم .

وفاتها

توفيت ” ماري كوري ” في 4 من يوليو عام 1934 بسبب اصابتها بمرض فقر الدم اللاتنسجي و الذى يعتقد أنه ناتج عن تعرضها الطويل للإشعاع حيث كان من المعروف أنها تحمل بانتظام أنابيب اختبار من “الراديوم” في جيب معطف المختبر الخاص بها و نتيجة العمل حول تلك المواد المشعة لسنوات طويله فقد أثر ذلك على صحتها بشكل كبير .

و نتيجة تحقيق ” ماري كوري ” العديد من الاكتشافات العلمية خلال حياتها تم اعتبارها شخصية رائدة في العلوم و نموذج يحتذى به للمرأة حيث حصلت على العديد من التكريمات بعد وفاتها و سميت العديد من المؤسسات التعليمية و البحثية والمراكز الطبية بأسمها و في عام 1995 تم دفن رفات “ماري و بيير” في “بانثيون” في “باريس” الذى يعتبر مكان الراحة الأخير لأعظم العقول الفرنسية و أصبحت “ماري كوري ” أول واحدة من خمس نساء فقط يتم دفنهن فى ذلك المكان و الذى أستضاف عام 2017 معرضًا لاحياء الذكرى 150 لولادة تلك العالم الرائدة .

مقتطفات من حياة ماري كوري

  • لدى ” ماري كوري ” ابنتان الأولى ” إيرين ” و التى ولدت عام 1897 و الثانية ” إيف ” و التى ولدت عام 1904 حيث سارت ” إيرين ” على نهج والدتها و أصبحت عالمة فيزيائيه و فازت بجائزة نوبل في الكيمياء عام 1935 بمشاركة زوجها ” جوليو ” لعملهما في تركيب عناصر مشعة جديدة بينما قامت “إيف ” عام 1937 بكتابة أول سيرة ذاتية لأمها الشهيرة بإسم “مدام كوري” و التي أصبحت فيلمًا روائيًا بعد بضع سنوات .
  • خلال فترة من حياتها كادت ” ماري كوري ” أن تبتعد عن مسارها العلمى و لا تسافر إلى “باريس” عندما وقعت في الحب و خطبت من الابن الأكبر للعائلة التي عملت لديها الا أن والدته جعلته ينهى تلك العلاقه لاعتقادها بأن ” ماري ” لم تكن جيدة بما يكفي لابنها .
  • لا تزال دفاتر “ماري كوري ” مخزنة حتى اليوم في صناديق مبطنة بالرصاص في “فرنسا” حيث كانت ملوثة للغاية بالراديوم و هي مشعة و الذى سيظل فيها لسنوات عديدة قادمة قد تصل الى 1600 سنة.
شارك الموضوع

عمرو عادل

فى الحياة الواقعيه مهندس ميكانيكا قوى اما فى الحياه الافتراضيه فباحث و كاتب و مدير الموقع دا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *