يعتبر القمر جزءا أساسيا من حياتنا على كوكب الأرض فهو ليس فقط مجرد جرما سماويا يتم رؤيته منيرا فى السماء ليلا بل لديه تأثيرا كبيرا على حركة الجاذبية الأرضيه و ظواهر المد و الجذر على السواحل و الشواطئ كما نعتمد عليه فى تحديد التقاويم و الشهور لا سيما الشهور العربيه التى يعرف أيامها من خلال تطورات أشكاله حتى أن وجوده يعد هاما للغايه فى الامور الترفيهيه مثل صناعة السينما حيث سيكون من الصعب اقناع الجمهور بأحد المشاهد الرومانسيه من دون وجود القمر كأحد العناصر الأساسية فى المشهد أو حتى من خلال أفلام الرعب التى يتحول فيها الانسان الى احد المذئوبين عبر نظره الى القمر إذن فنحن لا نستطيع الاستغناء عنه و لكن ماذا لو كان أختفى القمر عن الظهور حيث تواترت بعض من الأقاويل التى تتحدث عن حجب القمر عن الناس منذ نحو 1000 عام لفترة وجيزة فهل تلك الأقاويل صحيحه ؟

التقييم

الأدله

بالفعل هى معلومة صحيحه حيث وثقت تلك الظاهره فى مخطوطة يرجع تاريخها الى عام 1110 ميلاديه في بيتربورو كرونيكل و ذكرت ان القمر كان قد أختفى عن أنظار الناس لفترة وجيزة حيث قالت :

“في الليلة الخامسة من شهر مايو ظهر القمر ساطعًا في المساء و بعد ذلك تضاءل ضوءه رويدا رويدا و بمجرد حلول الليل كان منطفئًا تمامًا بشكل لا يوجد فيه ضوء و لا حتى وجود للجرم السماوي و لم يتم رؤية أي شيء على الإطلاق و هكذا استمرت هذه الظاهره حتى اليوم تقريبًا ليعود و يظهر مشرقا و كاملا مجددا ” .

كان محتوى تلك المخطوطة مثار حيرة كبيرة لدى العلماء عن أسباب أختفاء القمر فى تلك الفترة و بدأوا فى البحث و التحرى لمحاولة حل ذلك اللغز و بعد مراجعة المكتوب فيها و اشارة كاتبها إلى أنها كانت سماء ليلية صافية أستبعدوا ان يكون السبب هو حجب القمر من خلال مجموعة من السحب و الغيوم لذلك فقد كان الرأى الأكثر ترجيحا هو حدوث خسوف قمرى من نوع خاص فى تلك الليله أدى الى اختفاءه بالكامل الا أن ذلك الترجيح قد تغير بعد أن قام مجموعة من الباحثين فى جامعة ” جنيف ” باصدار دراسة نشرت فى أبريل عام 2020 بمجلة الأبحاث العلمية Scientific Reports حيث أشاروا فيها الى أنهم قاموا بتحليل سجلات من حلقات لأشجار و عينات من الجليد ثم قارنوا بما توصلوا اليه من نتائج و بين ما ذكر فى المخطوطة التى تحدثت عن أختفاء القمر و تأكدوا من أن الاختفاء المذكور يرجع الى سلسلة من الانفجارات البركانية التي انبعث منها الغبار و الرماد الى عنان السماء بشكل أدى إلى حدوث تعتيم جزئى فى سماء الليل و بالتالى حجب القمر تماما عن رؤية سكان الأرض بالاضافة الى تسبب تلك الانفجارات البركانيه فى حدوث تغيرات مناخية واسعة النطاق لعدة سنوات أدت الى حدوث مجاعات في جميع أنحاء أوروبا و هو الترجيح الذى عززته مخطوطة أخرى ترجع الى نفس الحقبة الزمنيه كانت مخصصة لتحديد التواريخ المتغيرة السنوية التي يتصادف فيها عيد الفصح حيث دونت فيها ملاحظات بالهوامش تشير الى حدوث مجاعة كبرى دامت ثلاث سنوات بدأت في فرنسا عام 1109 والتي ربما كانت نتيجة اضطرابات مناخية ناتجة عن ثوران بركاني .

المخطوطة التى تشير الى حدوث مجاعات فى فرنسا عام 1109 م

و لتوضيح مسار تلك الدراسة بشكل أكثر عمقا فقد قام الباحثين بتحليل التركيب الكيميائي لعينات الجليد الأساسية من منطقة “جرينلاند” و “القارة القطبية الجنوبية” حيث تلعب طبقات الجليد الموجودة فى تلك الاماكن دورًا رئيسيًا في فهم تاريخ كوكبنا حيث فيها يتم تسجيل الأحداث المناخية التى مرت على كوكب الأرض نظرا الى تراكمها فوق بعضها عبر الاف السنيين و احتواء كل طبقة فيها على جسيمات و مواد كيميائية مذابة توضح طبيعة التغيرات التى حدثت و التى أشارت الى حدوث سلسلة من الانفجارات البركانية فى تلك الفترة و للتأكد من تلك النتيجة تمت مقارنتها بسجلات حلقات الأشجار التى يرجع تاريخها الى نفس تلك الفترة و التى أشارت الى أن الكوكب قد شهد مزيدًا من هطول الأمطار و زيادة فى الغطاء السحابي و كلاهما ربما كان نتيجة لزيادة المادة البركانية في الستراتوسفير.

أقرأ أيضا : هل تختفى الشمس لأكثر من 60 يوما عن بلدة يوتكياجفيك فى الاسكا ؟

نتيجة لكل ذلك فقد خلص الباحثون الى أنه بالفعل أختفى القمر خلال فترة العصور الوسطى نتيجة وجود حجاب من الغبار فوق أوروبا في مايو 1110 م وهو الامر الذى أكده التسلسل الزمني للجليد المنقح علاوة على ذلك يشير التقييم الدقيق لسجلات الجليد الأساسية التى تم دراستها إلى حدوث العديد من الانفجارات البركانية المتقاربة بين عامي 1108 و 1110 م.

شارك الموضوع

عمرو عادل

فى الحياة الواقعيه مهندس ميكانيكا قوى اما فى الحياه الافتراضيه فباحث و كاتب و مدير الموقع دا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *