الأوزون

الأوزون هو غاز أزرق اللون و ذات رائحة نفاذة تشبه الكلور و ينشأ من اتحاد ثلاث ذرات من الأكسجين و يتميز بأنه شديد التفاعل مع المركبات الأخرى و هو يتكون بطريقتين الأولى بشكل طبيعى نتيجة حدوث عدد من التفاعلات الكيميائية التى تحدث في أعالي الغلاف الجوي مكونة طبقة رقيقة تحمل نفس الإسم فى منطقة الستراتوسفير و التى تعمل بمثابة درع واقى لكوكبنا من خلال إمتصاصها للأشعة فوق البنفسجية الضارة التى تصدر من الشمس و منع وصولها الى الأرض , أما الطريقة الثانية فهى بإنتاجه بشكل صناعى و ذلك لاستخدامه فى العديد من الأغراض الصناعية و التجارية الا أنه فى تلك الحالة يستخدم بتركيزات منخفضة نظرا لاعتباره من الغازات الملوثة التى لها آثار ضارة على البشر و الحيوانات و النباتات .

و يرجع اكتشاف غاز ” الأوزون ” لأول مرة الى القرن الثامن عشر حين أجرى الكيميائي الهولندي “مارتينوس فان ماروم” عام 1785 تجارب تنطوي على احداث شرارة كهربائية فوق الماء حيث لاحظ انبعاث رائحة غير عادية و التي عزاها إلى أنها ناتجة عن التفاعلات الكهربائية و فشل في إدراك أنه أنتج “الأوزون” و بعد مرور نصف قرن لاحظ الكيميائى الألمانى “كريستيان فريدريش شونباين” نفس الرائحة النفاذة و تعرف عليها باعتبارها الرائحة التي تتبع صاعقة البرق في كثير من الأحيان و في عام 1839 نجح في عزل تلك المادة الغازية و أطلق عليها اسم “الأوزون” نسبة الى الكلمة اليونانية ” أوزين ” التى تعنى ” الشم ” نظرا الى أنه غاز يتميز بنفاذية رائحته و التى يمكن شمها فى بعض الاحيان بعد العواصف الرعدية و لهذا يعود الفضل إلى “شونباين” بشكل عام في اكتشاف “الأوزون” و لكن لم يتم تحديد صيغة الكيميائية ( O3 ) حتى عام 1865 من قبل العالم السويسرى “جاك لويس سورت” .

الكيميائى الألمانى “كريستيان فريدريش شونباين” مكتشف الأوزون

و خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر و حتى القرن العشرين كان ذلك الغاز يعتبر مكونًا صحيًا للبيئة من قبل علماء الطبيعة و الباحثين عن الصحة الذين غالبًا ما أعتبروا أن الارتفاعات العالية مفيدة بسبب محتواها من “الأوزون” و مع ذلك فقد بدء العلماء فى ملاحظة آثاره الضارة عام 1873 حين وثق العالمين “جيمس ديوار” و “جون جراي ماكيندريك” أن الضفادع كانت تنمو ببطء فى وجوده و كانت الطيور تلهث لالتقاط أنفاسها و أظهر دم الأرانب مستويات منخفضة من الأكسجين بعد التعرض للهواء المعالج بالأوزون حتى “شونباين” نفسه فقد ذكر أنه واجه مشاكل صحية نتيجة استنشاقه “الأوزون” و فى خلال الحرب العالمية الأولى تم اختباره في “لندن” كمطهر محتمل للجروح حيث تم وضع ذلك الغاز مباشرة على الجروح لمدة 15 دقيقة و كانت النتيجة حدوث تلف فى كل من الخلايا البكتيرية و الأنسجة البشرية و هو ما ادى الى صرف النظر عنه و محاولة العثور على تقنيات تعقيم أخرى و معرفة انه ضار بالإنسان و من الممكن أن يؤدى الى الوفاة حال التعرض لتركيزات عالية منه .

أقرأ أيضا : الاحتباس الحرارى

خصائصه الفيزيائية و الكيميائية

غاز ” الأوزون ” عديم اللون أو أزرق شاحب قابل للذوبان بشكل طفيف في الماء و أكثر قابلية للذوبان في المذيبات غير القطبية الخاملة مثل رابع كلوريد الكربون أو مركبات الكلوروفلوروكربون حيث يتشكل لونه الى الأزرق عند −112 درجة مئوية و من الخطر ترك سائله يسخن حتى درجة غليانه لأن كلاً من “الأوزون” الغازي المركز و السائل يمكن أن ينفجروا عند درجات حرارة أقل من −193.2 درجة مئوية .

و هو غاز يتكون من اتحاد الأكسجين الجزيئى (O2) و هو الأكسجين الطبيعى الذى نتنفسه و الموجود فى جميع أنحاء الغلاف الجوى مع جزيئ أكسجين أخر ليكون الناتج (O3) و يتواجد بشكل طبيعى في طبقة “الستراتوسفير” و هي طبقة من الغلاف الجوي يتراوح ارتفاعها ما بين 10 إلى 50 كيلومترًا فوق سطح كوكبنا و يبلغ ذروة تركيزه على ارتفاع 32 كم في منطقة تُعرف باسم طبقة الأوزون التى تكون بمثابة درع لكوكب الأرض حيث تعمل على امتصاص الأشعة فوق البنفسجية الضارة على الصحة و المتدفقة من الشمس و بدون هذه الطبقة ستكون الحياة على كوكب الأرض غير ممكنة .

مولد غاز الأوزون محلي الصنع و الذى يتم إنتاجه من خلال تفريغ الهواء

ثقب الاوزون

يعتبر غاز “الأوزون” مادة غير مستقرة نسبيًا و يمكن تدميرها بواسطة جزيئات تحتوي على “النيتروجين” أو “الهيدروجين” أو “الكلور” أو “البروم” حيث يعملون على فصل ذرة الأكسجين الثالثة للأوزون بعيدًا عن شركائها لذلك و منذ خمسينيات القرن الماضي بدأ العلماء في قياس تركيزات “الأوزون” فوق القارة القطبية الجنوبية و أعطوا أول تلميحات حول وجود مشكلة في طبقة الأوزون و مع حلول الثمانينيات كان الباحثين قادرين على رسم خريطة لثقب في تلك الطبقة و على الرغم من عدم معرفة سببه حينها الا أنه لاحقا قدمت ملاحظات بها أدلة قاطعة على أن ذلك الثقب ناتج عن ملوثات من صنع الإنسان تسمى مركبات الكلوروفلوروكربون و التى تأتى من العمليات الصناعية مثل التبريد و تستخدم في إخماد الحرائق و ذلك لأن عنصرى “الكلور” و “البروم” الموجودان بها مدمرين للأوزون حيث يمكن لذرة كلور واحدة أن تمزق أكثر من 100 ألف جزيء “أوزون” فى طبقة “الستراتوسفير” وفقًا لوكالة حماية البيئة الأمريكية .

تطورات ثقب الأوزون بداية من عام 1979 و حتى 2019

و بمزيد من المتابعة تمكن العلماء من اكتشاف أن استنفاد طبقة “الأوزون” لم يحدث فقط فوق القطب الجنوبي و لكن أيضًا في مناطق مختلفة من العالم و هو ما دفع دولها عام 1987 للتوقيع على بروتوكول “مونتريال” بشأن المواد المستنفدة لطبقة الأوزون و هي وثيقة دولية تلزم الموقعين عليها بمعالجة ثقب الأوزون من خلال التخلص التدريجي من مركبات الكلوروفلوركربون و غيرها من الملوثات الصناعية الضارة فى ذلك الحين و قد آتت هذه الجهود ثمارها حين أظهرت دراسة حديثة أنه بين عامي 2005 و 2016 كان هناك انخفاض بنسبة 20٪ في كمية “الأوزون” التي يتلفها “الكلور” و في عام 2019 تقلص ثقب الأوزون فوق القارة القطبية الجنوبية إلى أصغر حجم مسجل منذ اكتشافه لكن في عام 2020 لاحظ العلماء أن الثقب الموجود في القطب الشمالي و الذي ينفتح نادرًا أكبر من فتحة الجنوبى الأمر الذي أثار قلقهم إلى أن انتهى ذلك الحدث غير المسبوق بعد أسبوعين من تلقاء نفسه على الرغم من أن الباحثين لا يعرفون حتى الآن عما إذا كانت هذه الظاهرة الجديدة ستصبح اتجاهاً منتظماً .

الأوزون و تلويثه لسطح الأرض

عندما يكون غاز “الأوزون” موجودًا بالقرب من الأرض فقد يكون ضارًا حيث يطلق عليه الضباب الدخانى و الذى يتكون من أكاسيد النيتروجين المنبعثة من السيارات و محطات الطاقة و المراجل الصناعية و المصافي و المصانع الكيماوية و التي تتحد مع الجزيئات العضوية الأخرى الموجودة في الغلاف الجوي حيث يؤدى استنشاق “الأوزون” لحدوث ألام في الصدر و تهيج الحلق و السعال و إلحاق الضرر بأنسجة الرئة و هو أمر خطير على الأطفال و كبار السن و ذوي المشاكل الرئوية مثل الربو و انتفاخ الرئة و التهاب الشعب الهوائية كما أنه يضر بالنباتات و يؤثر على الغابات و المتنزهات و المناطق البرية اضافة الى تأكل المطاط .

صورة لإطار متأكل بعد تعرضة لغاز الأوزون

و نظرا لمخاطر غاز ” الأوزون ” فقد تم إدراجه كملوث شائع فى قانون الهواء النظيف فى “الولايات المتحدة” حيث تقدم وكالة حماية البيئة أداة جودة الهواء عبر الإنترنت لإخبار الناس عندما ترتفع مستويات التلوث فى الهواء بما في ذلك مستويات الأوزون في منطقتهم حيث توصي مراكز السيطرة على الأمراض و الوقاية منها بأن يقضي الأشخاص وقتًا أطول في الداخل عندما تكون مستوياته مرتفعة و القيام بأنشطة خارجية أقل شدة و التخطيط لمغادرة المنزل في الصباح و المساء عندما تكون تركيزاته بنسب أقل كما وضعت وكالة حماية البيئة معايير جودة الهواء الوطنية التي تحاول تقليل مستوى الأوزون على سطح الأرض عن طريق الحد من كمية الملوثات الخارجة من السيارات و المصانع و التوصية بالمشي و ركوب الدراجات و استخدام وسائل النقل العام عندما يكون ذلك ممكنًا و تقليل استخدام مكيفات الهواء عندما يكون الأوزون مرتفعًا و تحديد طرق لتكون المنازل أكثر صداقة للبيئة .

أقرأ أيضا : الغابات العمودية .. فكرة مذهلة لتغيير نمط المدن و جعلها أكثر صحيه

تطبيقات الأوزون الصناعية

و ينتج غاز ” الأوزون ” صناعيا بإستخدام أجهزة تعرف بإسم ” مولدات الأوزون ” حيث يستخدم فى العديد من الصناعات مثل المستحضرات الطبية و مواد التشحيم الاصطناعية و مواد التبييض و لقتل الكائنات الحية الدقيقة في مصادر الهواء و الماء حيث تقوم بعض من أنظمة مياه الشرب البلدية فى استخدام الأوزون لقتل البكتيريا بدلاً من الكلور الأكثر شيوعًا كما أن المستويات المنخفضة منه تستخدم كمطهر في المنازل السكنية و المستشفيات و مصانع المواد الغذائية و تعقيم حمامات السباحة كما يمكن للصناعات التي تعتمد على كثافة الماء مثل مصانع البيرة و الألبان أن تستخدم الأوزون المذاب بشكل فعال كبديل للمطهرات الكيميائية مثل حمض الباراسيتيك أو الحرارة اضافة الى استخدامه فى قتل الحشرات بالحبوب المخزنة و غيرهم من التطبيقات الأخرى .

شارك الموضوع

عمرو عادل

فى الحياة الواقعيه مهندس ميكانيكا قوى اما فى الحياه الافتراضيه فباحث و كاتب و مدير الموقع دا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *