هل قامت الحكومة الأمريكية بتسميم 10 ألاف شخص عن عمد خلال فترة حظر الكحوليات ؟

خلال الفترة ما بين أعوام 1920 و حتى 1933 م قامت الولايات المتحدة بحظر إنتاج المشروبات الكحولية و إستيرادها و نقلها و بيعها بعد دعوات بروتستانتية بدأت منذ القرن التاسع عشر تهدف إلى معالجة ما أعتبروه مجتمعًا مريضًا يعاني من مشاكل إجتماعية ضخمة بسبب إدمان الكحوليات مثل العنف الأسري و الفساد السياسي و أصبح هناك مطالبات بحظر ذلك النوع من المشروبات و قدم المؤيدين الأمر على أنه معركة من أجل الآداب العامة و الصحة حيث تم تبني أفكارهم من قبل التقدميين في الحزب الجمهوري و الديموقراطي ثم أكتسب الأمر قاعدة شعبية وطنية من خلال اتحاد الاعتدال المسيحي للمرأة لكن تأثير هذه الجماعات تراجع بداية من عام 1917 بعد إنشغال الولايات المتحدة في الحرب العالمية الأولى ضد ألمانيا و بعد إنتهائها تم إعتماد قانون حظر الكحوليات عام 1919 بأغلبية ساحقة و بعدها سيطرت العصابات الإجرامية على إمدادات المشروبات الكحولية بشكل غير شرعي داخل العديد من المدن و بحلول أواخر عشرينات القرن الماضي ظهرت معارضات جديدة لحظر الكحوليات حيث هاجم النقاد ذلك القانون بإعتباره متسببا فى إرتكاب الجرائم و خفض الإيرادات المحلية خاصة خلال فترة حالكة مثل الكساد العظيم بالإضافة إلي محاولة فرض القيم الدينية البروتستانتية الريفية على أمريكا الحضرية و نتيجة إزدياد الضغوط تم التراجع عن حظر الكحوليات عام 1933 و رغم إنتهاء ذلك الحدث إلا أنه ظهرت معلومة قد تكون غريبة على شبكة الانترنت تشير إلي أن الحكومة الفيدرالية عام 1926 قد قامت بتسميم الكحول للحد من إستهلاكه و بحلول الوقت الذي انتهى فيه حظر الكحوليات مات ما يقدر بنحو 10000 شخص من هذا التسمم و نظرا لغرابة تلك المعلومة فكان من الضرورى التأكد من مدي صحتها .

التقييم

عندما كان تصنيع و بيع الكحول غير قانوني بين عامي 1920 و 1933 شجعت الهيئات التنظيمية التدابير التي تجعل الكحول الصناعي غير صالح للشرب بما في ذلك إضافة المواد الكيميائية القاتلة.
لم تسمم الحكومة إمدادات الكحول المخصصة للإستهلاك الآدمي و لم تهدف عن قصد إلى قتل أولئك الذين شربوا المنتجات الكحولية .

الأدلة على براءة الحكومة من تسميم المواطنين عن عمد خلال فترة حظر الكحوليات

ظهرت على شبكة الإنترنت مؤخرا معلومة تشير إلي أن حكومة “الولايات المتحدة” قد سممت عن قصد أكثر من 10000 من مواطنيها بين عامي 1926 و 1933 و قد تم تداول تلك المعلومة بكثافة على شبكات التواصل الإجتماعي لا سيما فيسبوك و تويتر و تقول تفاصيلها أن الحكومة الأمريكية أضافت السم إلى الكحول لثني الناس عن شربه خلال فترة حظر الكحوليات التي كان فيها إنتاج أو نقل أو بيع المشروبات الكحولية غير قانوني في أي مكان في “الولايات المتحدة” و كانت إحدى التداعيات السلبية لذلك القرار هي إزدهار السوق السوداء في المشروبات الكحولية التي لم يكن تطبيق القانون قادرًا على إخضاعها لذلك قامت بتسميم تلك الكحوليات لإحجام الناس عن تداولها و شربها فهل كان ذلك صحيحا ؟

الإجابة هى أنه بالفعل قامت الحكومة بإضافة مواد سامة إلى الكحول مما أدى إلى وفاة الآلاف أثناء الحظر و مع ذلك فإن قصة كيفية حدوث ذلك أطول و أعمق من تفاصيل تلك المعلومة المتداولة و وفقًا للكاتبة “ديبورا بلوم ” مؤلفة كتاب “دليل السموم : القتل و ولادة الطب الشرعي في عصر الجاز في نيويورك” فقد كانت هذه الممارسة تسمى “تغيير الطبيعة” و تتألف من إضافة مواد كيميائية ضارة إلى الكحوليات المباعة للأغراض الصناعية لتكون غير صالحة للإستهلاك الأدمي و قد تم إدخال هذه العملية التي استخدمت منذ فترة طويلة داخل قارة أوروبا في “الولايات المتحدة” عام 1906 كوسيلة لإعفاء منتجي الكحول المستخدم في الدهانات و المذيبات و ما شابه ذلك من الإضطرار إلى دفع الضرائب المفروضة على المشروبات الروحية الصالحة للشرب و كان يتم ذلك بشكل أساسي عن طريق إضافة بعض كحول الميثيل ( كحول الخشب ) إلى كحول الحبوب مما يجعله سامًا كما أحتوت بعض الإضافات أيضًا على مواد جعلت طعمه سيئًا جدًا للشرب و ما دفع الحكومة إلي إستخدام تلك التقنية هو قيام عصابات الجريمة بمحاولة إنتهاك الحظر من خلال سرقة الكحول الصناعي و إيجاد طرق لجعله صالحًا للشرب حيث قالت ” ديبورا بلوم ” فى مقالة نشرت لها على موقع Slate عام 2010 :

لبيع الكحول الصناعي المسروق وظفت نقابات الخمور الكيميائيين لإعادة تجديد المنتجات و إعادتها إلى حالة صالحة للشرب حيث دفع المهربين للكيميائيين أكثر بكثير مما دفعته الحكومة و قد برعوا في عملهم بالفعل حيث أصبح الكحول المسروق و المعاد تقطيره المصدر الرئيسي للخمور في البلاد لذلك أمر المسؤولين الفيدراليين المصنّعين بجعل منتجاتهم أكثر فتكًا و بحلول منتصف عام 1927 تضمنت الصيغ الجديدة لتغيير طبيعة الكحول الصناعي إضافة بعض من السموم البارزة مثل الكيروسين والبروسين و البنزين و الكادميوم و اليود و الزنك و أملاح الزئبق و النيكوتين و الأثير و الفورمالديهايد و الكلوروفورم و الكافور و حمض الكربوليك و الكينين و الأسيتون .. كما طالبت وزارة الخزانة بإضافة المزيد من كحول الميثيل بما يصل إلى 10 في المائة من إجمالي المنتج حيث كان هذا الأخير هو الذي ثبت أنه الأكثر دموية .

كما وصفت مجلة تايم TIME عام 2008 العواقب الوخيمة التى نتجت عن توريد الخمور في السوق السوداء بشكل غير منظم حيث كان هناك الكثير من الحالات التى قدمت فيها كحوليات مغشوشة عن قصد حيث قالت :

لم تكن حروب العصابات العنيفة في عصر حظر الكحوليات هي التي كانت خطرة على الأمريكيين الذين يشربونها فقط فوفقًا لطبعة 26 ديسمبر 1922 من صحيفة نيويورك تايمز فقد قُتل خمسة أشخاص في المدينة يوم عيد الميلاد بسبب شرب “شراب مسموم” و كانت هذه فقط البداية لأنه بحلول عام 1926 لقي 750 من سكان “نيويورك” حتفهم من هذا التسمم و عانى مئات الآلاف من إصابات لا رجعة فيها بما في ذلك العمى و الشلل و في يوم رأس السنة الجديدة عام 1927 توفي 41 شخصًا في مستشفى بلفيو في نيويورك بسبب حالات تسمم مرتبطة بالكحوليات و في كثير من الأحيان كانوا يشربون الميثانول الصناعي و المعروف بإسم كحول الخشب و الذي كان سمًا قانونيًا و لكنه خطير للغاية حيث أشار تقرير حكومي إنه من بين 480 ألف جالون من الخمور صودرت في نيويورك عام 1927 احتوت جميعها تقريبًا على مواد سامة .

أما بالنسبة للإدعاء بأن حوالي 10000 شخص ماتوا بسبب التسمم الكحولي أثناء فترة الحظر فقد تم الحصول عليه من الكاتبة ” بلوم ” أيضا و لكن لم تحدد مصدرها التى حصلت منه على ذلك الرقم .

أقرأ أيضا : هل لا تزال الشجرة التى أسقطت تفاحتها على نيوتن موجودة ؟

و مما سبق نستطيع القول بشكل عام أن المحاولات الحكومية الفيدرالية كانت للحد من إستخدام الكحول الصناعي من قبل تجار الكحوليات فى السوق السوداء لذلك فإن مثل هذه الأدلة التي رأيناها لا تدعم التلميح بأن الحكومة قد شرعت في قتل من يشربون الكحول عن عمد .

شارك الموضوع

عمرو عادل

فى الحياة الواقعيه مهندس ميكانيكا قوى اما فى الحياه الافتراضيه فباحث و كاتب و مدير الموقع دا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *