فيكتور لوستيج

فى جميع المجتمعات ينتشر العديد من الأفراد الذين يقومون بأعمال إحتيالية و لكن قلة منهم هى التى تكون أنشطتهم جديرة بالذكر أو تلقى اهتماما إعلاميا من قبل الصحافة لبراعتها الشديدة و غرابة تفاصيلها و اذا وضع يوما أرشيفا يحمل أسماء أشهر المحتالين عبر التاريخ فإن إسم فيكتور لوستيج سوف يكون على رأس تلك القائمة بعد تاريخ حافل من الأعمال الإحتيالية عبر أوروبا و الولايات المتحدة أوائل القرن العشرين لدرجة ان قال له أحد الظباط الذين ألقوا القبض عليه أنه أبرع محتال شاهده على الإطلاق و ذلك لتمكنه بفضل مهاراته إيقاع الكثير من الضحايا فى العديد من عمليات النصب أبرزها إقناع عدد منهم بشراء برج إيفل اضافة الى محاولته بجرأة يحسد عليها النصب على واحد من أهم رجال العصابات فى التاريخ و هو أل كابونى اضافة الى عمدة ولاية تكساس .

ولد ” فيكتور لوستيج ” عام 1890 في مدينة “هوستين ” الواقعة بين “النمسا” و “المجر” و لا يُعرف الكثير عن طفولته سوى أنه كان ذكيا جدا و بدء حياته الإجرامية مبكرا بممارسة أنشطة النشل و السطو و ألعاب الورق المزورة و التى أكسبته لاحقا خبرات كبيرة فى مجال النصب و التزوير و بعدها و فى عام 1909 ترك مدينته متوجها الى ” باريس ” و منها قرر السفر حول العالم و من أجل تمويل مغامراته قرر خداع الأثرياء خاصة النساء كبيرات السن منهم حيث كان يجيد عدة لغات بسبب ثقافات وطنه المتنوعة .

أقرأ أيضا : ويلهلم فويجت .. المحتال الألمانى الذى أستطاع بخطة عبقريه اختطاف عمدة مدينة و سرقة أموالها

و على مدار السنوات المتعاقبة مارس ” فيكتور لوستيج ” أنشطته الإحتيالية المعتادة حتى مايو عام 1925 و هو التاريخ الذى من شأنه أن جعله أسطورة فى ذلك المجال لاحقا حين قرأ فى إحدى الصحف مقال يلخص المشاكل التي كانت المدينة تواجهها في صيانة “برج إيفل” و طلاءه حتى انها احتوت على تعقيب يتحدث عن أن الفرنسيين ربما سيتجهون للدعوة الى إزالته و هى الفقرة التى أضائت له فكرة جهنمية حيث تظاهر بأنه مسؤول حكومي و أرسل دعوة للقاء ستة تجار خردة بارزين في “باريس” و ذلك لمناقشة صفقة تجارية محتملة معهم و عندما إلتقاهم فى أحد الفنادق الفاخرة فى العاصمة أبرز لهم أورق هويته المزورة و أخبرهم أن المدينة لم تعد قادرة على تحمل تكاليف صيانة “برج إيفل” اضافة الى وجود عددا من العيوب الهندسية فى تصميماته لذلك قررت الحكومة أنه سيتم تفكيكه و بيعه كخردة لأى تاجر قد يستقر عليه المزاد و نظرا الى أن مثل هذه الصفقة ستكون مثيرة للجدل و تثير غضب الرأي العام الفرنسى فأنها ستتم بمنتهى السريه و لجعل عملية الاحتيال التي قام بها ذات مصداقية أكثر دعاهم “فيكتور لوستيج” لزيارة البرج بعد الاجتماع و بفضل بطاقة دخول مزيفة تجاوز قائمة الانتظار و انتقل مباشرة إلى الطابق الثالث حيث ينظر تجار الخردة إلى باريس و صدقوه بالفعل و بدأوا فى الدخول على مزاد للحصول على قطع البرج و استقر اختيار ” فيكتور لوستيج ” على احد التجار و هو ” اندريه بواسون ” الذى اقنعه بأنه موظف فاسد و يسعى للحصول على رشوة من اجل ارساء المزاد عليه و صدقه ” بواسون ” و دفع له 70 ألف دولار ” أى ما يعادل مليون دولار حاليا ” كثمن للبرج مضافا اليه مبلغ الرشوه و بمجرد امتلاك “لوستيج” المال فر الى “النمسا” و اثناء وجوده فيها كان متأكدا أنه فور اكتشاف ذلك التاجر للخدعه فإنه لن يجروء على ابلاغ الشرطة الفرنسيه لتجنب الفضيحه و بدء فى متابعة الصحف الفرنسية حتى تأكد من صحة تقديره عندما لم يتمكن من العثور على ما يشير الى ذلك الأمر .

فيكتور لوستيج

و نظرًا لأن عملية الاحتيال قد نجحت بشكل جيد في المرة الأولى قرر “فيكتور لوستيج” تجربتها مرة أخرى و بعد مرور ستة أشهر عاد إلى “باريس” مجددا بنفس الأوراق و دعا خمسة تجار خردة جدد للتفاوض على عملية بيع البرج لهم و أختار منهم أيضا أحد التجار ليبرم معه نفس الصفقة الا أن التاجر شك فى الأمر و اتصل بالشرطة مما دفع ” لوستيج ” الى الهروب على عجل من “فرنسا” لينتقل الى “الولايات المتحدة” .

و مع وصوله الى الولايات المتحدة أستمر ” فيكتور لوستيج ” فى ممارسة أنشطته الإحتياليه حيث تمكن من بيع ألة زعم أنها تطبع النقود حيث كان دائم الظهور أمام الناس بشكل أنيق و يصرف الأموال ببذخ شديد بشكل أثار إنتباه من حوله خاصة مع أسلوبه الجذاب و المهذب و فى أحد الأيام سأله البعض عن مجال عمله و مصدر ثروته الا أنه كان يتحفظ على الإجابة و بعد الإلحاح قرر أن يجيبهم شريطة الحفاظ على السر و بعد أن وعدوه أخبرهم بأن لديه صندوق المال الخاص به و هو طابعة نقود مزيفة تصدر عملة من فئة المئة دولار و شرح لهم كيفية عملها و هو يبدى أسفه طوال الوقت على أن ذلك الجهاز يستغرق ست ساعات كاملة لإصدار عملة واحدة منها بسبب بعض المعالجات الكيميائية و صدقه الجميع و قرروا شراء تلك الألة بعد أن سال لعابهم و تولد لديهم شعور بأنها ستدر عليهم أرباح كثيرة منهم أحد الأشخاص الذى أشترى الأله و التى بمجرد استلامها أخرجت له عملتين من فئة 100 دولار خلال الاثني عشر ساعة التالية و بعد ذلك لم تنتج سوى ورق أبيض فارغ بعد أن نفذ مخزونها من فئة 100 دولار و الطريف فى الامر أن أحد ضحاياه فى تلك العمليه كان عمدة ولاية ” تكساس ” الذى أقنعه ” لوستيج ” بشرائه مقابل آلاف الدولارات و بعد أن أدرك العمدة أنه تعرض للخداع طارد “لوستج” حتى “شيكاغو” و عند لقاءه به خدعه مجددا بعد أن أقنعه بأنه لم يكن يشغل الجهاز بشكل صحيح و دفع له مبلغًا كبيرًا من النقود على سبيل التعويض و التى كانت أموال مزورة .

طابعة الأموال التى باعها فيكتور لوستيج الى ضحاياه

و أثناء أنشطة ” فيكتور لوستيج ” الإحتيالية مرت البلاد بفترة ” الكساد العظيم ” و الذى بسببه أبتكر عملية احتيال غير مباشرة الا أنها محفوفة بالمخاطر استهدفت زعيم العصابات الشهير “آل كابوني” لأنه اذا تم اكتشاف حيلته فسيتم قتله على الفور حيث تمحورت فكرتها حول جعل ” كابونى” يتنازل له عن مبلغ نقدي يبلغ 50 ألف دولار بغرض استثمارهم ثم يحتفظ بتلك الأموال الممنوحة له في صندوق ودائع آمن لمدة شهرين و بعدها يعيد المبلغ مجددا الى ” أل كابونى ” مدعيا أن الصفقة قد فشلت و خسر كل أمواله لمحاولة الحصول منه على أى مكافأة لأمانته و هو ما حدث بالفعل حيث تولد إنطباع لدى “كابوني” الى أنه يتعامل مع رجل نزيه و كافأه باعطاء منحة 5000 دولار كتعويض عن خسارته و هو ما خطط له مسبقا .

أل كابونى الذى كان أحد ضحايا فيكتور لوستيج

أقرأ أيضا : يوشى شيراتورى السجين الذى لا يستطيع أى سجن مهما بلغت استحكاماته فى الصمود امامه

و بجانب عمليات الإحتيال دخل “فيكتور لوستج ” في شراكة مع رجلين من ولاية “نبراسكا” و هم الصيدلي “ويليام واتس” و الكيميائي “توم شو ” حيث قاموا بإجراء عملية تزييف واسعة النطاق و التى نجحت في ضخ آلاف الدولارات من النقود المزيفة في الاقتصاد الأمريكي كل شهر على مدار السنوات الخمس التالية و هو ما لفت انتباه العملاء الفيدراليين في النهاية و سعوا للتحقيق حول ذلك الأمر و خلال تلك الفترة علمت عشيقة “لوستيج” و أسمها “بيلي ماي” أنه يخونها من أجل امرأة أخرى فقررت الانتقام منه و أجرت مكالمة هاتفية من مجهول إلى السلطات الفيدرالية و في 10 من مايو عام 1935 ألقي القبض على ” فيكتور لوستج ” في “نيويورك” و وجهت إليه تهمة التزوير بعدها و في اليوم السابق لمحاكمته تمكن من الفرار من دار الاعتقال الفيدرالية في مدينة “نيويورك” عن طريق تظاهره بالمرض ثم استخدم حبل مصنوع خصيصًا له للخروج من المبنى و رغم ذلك تم القبض عليه مرة أخرى بعد 27 يومًا في “بيتسبرج” و أعترف بجريمته و حُكم عليه بالسجن لمدة خمسة عشر عامًا في جزيرة ” الكاتراز ” بولاية “كاليفورنيا” مع خمس سنوات اضافية لهروبه من السجن و خلال قضاء مدة عقوبته و في مارس عام 1947 أصيب بالتهاب رئوي و أعلن عن وفاته بعد يومين في المركز الطبي للسجناء الفيدراليين في “سبرينجفيلد” بولاية “ميسوري” لتنتهى قصة واحد من أشهر محتالى القرن العشرين و الذى استطاع ببراعته خداع الجميع و بيع برج إيفل لمرتين .

شارك الموضوع

عمرو عادل

فى الحياة الواقعيه مهندس ميكانيكا قوى اما فى الحياه الافتراضيه فباحث و كاتب و مدير الموقع دا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *