قصة حياة نيكولا تسلا

نيكولا تسلا عالم أمريكي من أصول صربية و مهندس كهربائي بارز ينسب إليه الفضل في تصميم النظام الكهربائي للتيار المتردد (AC) و المستخدم حاليا في جميع أنحاء العالم بجانب عدد من الإختراعات الأخري أبرزها ملف تسلا الذي لا يزال يستخدم في تقنيات الراديو كما أجري علي مدار حياته المهنية التي بدأت منذ أواخر القرن التاسع عشر و حتي أوائل القرن العشرين الكثير من التجارب الواعدة ذات الأفكار الغير تقليدية و التي تمحورت حول الإضاءة اللاسلكية و توزيع الطاقة الكهربائية عبر الهواء و رغم عمله لفترة في مقتبل حياته المهنية مع العالم الأمريكي توماس أديسون إلا أنه خاض ضده لاحقا صراع كبير عرف بإسم حرب التيارات الذي كان حول طبيعة التيار الكهربائي الأكثر إفادة للمجتمع و عما إذا كان الأفضل هو الإعتماد علي التيار المتردد أم المستمر و نظرا لعبقريته الشديدة و إختراعاته المبهرة تمكن من الحصول علي مساعدات مالية من رجال الأعمال لتمويل أفكاره و تسويقها و التي من خلالها قام نيكولا تسلا بتأسيس مختبرات و شركات في نيويورك لتطوير عدد من الأجهزة الكهربائية و الميكانيكية و نظرا لمجهوداته أصبح شخصية بارزة داخل المجتمع الأمريكي و كان مداوما علي إبراز إنجازاته للمشاهير و الرعاة الأثرياء كما أشتهر ببراعته في الظهور بالمحاضرات العامة و بعد حياة علمية حافلة بالإختراعات توفي في أربعينيات القرن الماضي و تكريما لمجهوداته أطلق المؤتمر العام للأوزان و المقاييس إسمه على وحدة كثافة التدفق المغناطيسي عام 1960 .

حياة نيكولا تسلا المبكرة و دراسته

نيكولا تسلا بعمر 23 عاما
نيكولا تسلا بعمر 23 عاما

ولد “نيكولا تسلا” في مدينة “سميلجان” بـ “كرواتيا” في 10 يوليو عام 1856 في أسرة مكونة من خمسة أطفال “داين و أنجلينا و ميلكا و ماريكا” و يعتبر السبب الرئيسي لحبه الإختراعات الكهربائية هو والدته “دجوكا مانديك” التى كانت تقوم بإختراع أجهزة منزلية صغيرة في أوقات فراغها بينما كان إبنها يكبر و هو يشاهدها تفعل ذلك أما والده “ميلوتين تسلا” فكان كاهنًا و كاتبًا صربيًا أرثوذكسيًا و حاول دفع إبنه للإنضمام إلى الكهنوت لكن إهتماماته كانت بشكل كبير منصبة في العلوم .

و بعد إنهاء دراسته في مدرسة ” ريالشول ” في ” ألمانيا ” ثم معهد البوليتكنيك في “النمسا” و أخيرا جامعة “براغ” في التشيك خلال فترة سبعينيات القرن التاسع عشر أنتقل إلى العاصمة المجرية “بودابست” حيث عمل لفترة من الوقت في مقسم الهاتف المركزي و خلال فترة وجوده جاءته فكرة إختراع المحرك لأول مرة و بعد عدة سنوات قرر و هو في سن 28 ترك أوروبا و التوجه إلي ” الولايات المتحدة “.

حياته المهنية

و وصل ” نيكولا تسلا ” إلي “الولايات المتحدة” عام 1884 حاملاً ما يزيد قليلاً عن الملابس على ظهره و خطاب للمخترع الشهير و قطب الأعمال “توماس إديسون” الذي أصبحت مخترعاته الكهربائية في العاصمة الأمريكية هي معيار التقدم في البلاد و نظرا لعبقريته قام ” إديسون ” بتوظيفه و سرعان ما عمل الرجلان معا بلا كلل مما أدى إلى إدخال تحسينات على إختراعات “إديسون” و بعد عدة أشهر أفترق الإثنان لتضارب الأهداف حيث كانت الإختراعات بالنسبة إلي ” إديسون ” هدفها التسويق و النجاح المالي أما “تسلا” فكان بعيدًا عن التواصل تجاريًا و يسعي من خلال إختراعاته إلي الوصول لإكتشافات جديدة .

و بحلول عام 1885 تلقى ” نيكولا تسلا ” تمويلًا لإقامة شركة Tesla Electric Light Company و كلفه المستثمرين بتطوير إضاءة قوسية محسنة و بعد القيام بذلك بنجاح تم إجباره على الخروج من المشروع و أضطر بعدها للعمل كعامل باليومية من أجل البقاء على قيد الحياة إلا أن حظه قد تغير إلي الأفضل بعد مرور عامين و ذلك بعد تلقيه تمويلا لتأسيس شركة Tesla Electric و طوال حياته المهنية صمم و طور أفكارًا لعدد من الإختراعات المهمة معظمها حصل على براءة إختراع رسمية تم نسبها إلي مخترعين آخرين مثل الدينامو و هي المولدات الكهربائية المشابهة للبطاريات و المحركات كما كان ” نيكولا تسلا ” أيضًا رائدًا في إكتشاف تقنية الرادار و تكنولوجيا الأشعة السينية و التحكم عن بعد و المجال المغناطيسي الدوار الذي كان أساس معظم آلات التيار المتردد كما أشتهر بإسهاماته في كهرباء التيار المتردد و لفائف تسلا .

تسلا أثناء قرائته في مختبره البعيد في كولورادو سبرينجز في عام 1899 بجوار جهاز إرسال مكبر يولد ملايين الفولتات من الكهرباء

نيكولا تسلا و التيار المتردد

نجح ” نيكولا تسلا ” في تصميم النظام الكهربائي للتيار المتردد (AC) و الذي سرعان ما أصبح هو نظام الطاقة البارز في القرن العشرين و ظل هو المعيار العالمي منذ ذلك الحين فبعد أن وجد تمويلا لتأسيس شركته الجديدة Tesla Electric عام 1887 كان مع نهاية العام قد قدم العديد من براءات الإختراعات القائمة علي التيار المتردد و سرعان ما لفت ذلك النظام إنتباه المهندس و رجل الأعمال الأمريكي “جورج وستنجهاوس” الذي كان يبحث عن حل لتزويد الأمة بالطاقة لمسافات طويلة و لإيمانه بأن اختراعات “تسلا” هي من سوف يساعده في تحقيق ذلك قام عام 1888 بشراء براءة إختراعه مقابل 60 ألف دولار أمريكي نقدًا بالإضافة إلي أسهم في شركة ويستنجهاوس.

و مع نمو الإهتمام بالتيار المتردد دخل كلا من ” نيكولا تسلا ” و “ويستنجهاوس” في منافسة شرسة مع “توماس إديسون” الذي كان عازمًا على بيع نظام التيار المباشر (DC) الخاص به للأمة و لذلك قام بشن حملة صحفية سلبية ضد ذلك النظام الكهربائي في محاولة لتقويض الإعتماد عليه و لكن لسوء حظه تم إختيار شركة ” ويستنجهاوس ” لتزويد المعرض الكولومبي العالمي بالإضاءة اللازمة عام 1893 في مدينة “شيكاغو” و أجرى “نيكولا تسلا ” عروضًا توضيحية لنظام التيار المتردد الخاص به هناك .

نيكولا تسلا

و بحلول عام 1895 دخل ” نيكولا تسلا ” في مجال إنشاء محطات الطاقة الكهرومائية المترددة حيث كانت محطته التي قام بتأسيسها عند شلالات نياجرا من أولي المحطات في ” الولايات المتحدة ” و في العام التالي تم استخدامها لتشغيل مدينة “بوفالو” في ولاية ” نيويورك ” و هو إنجاز حظي بتغطية إعلامية كبيرة في جميع أنحاء العالم و ساعد في تعزيز مسار كهرباء التيار المتردد لتصبح هي نظام الطاقة العالمي .

و بجانب التيار المتردد حصل ” نيكولا تسلا ” في أواخر القرن التاسع علي براءة إختراع “لفائف تسلا” التي وضعت الأساس للتقنيات اللاسلكية و مازالت تستخدم في تكنولوجيا الراديو حتى يومنا هذا حيث يعتبر هو قلب الدائرة الكهربائية و محثًا يستخدم في العديد من الهوائيات اللاسلكية المبكرة كما أستخدمه ” تسلا ” أيضا لدراسة الأشعة السينية و الراديو و الطاقة اللاسلكية و الكهرومغناطيسية في الأرض و غلافها الجوي .

الطاقة المجانية

مع بدايات القرن العشرين أصبح ” نيكولا تسلا ” مهووسًا بالنقل اللاسلكي للطاقة حيث شرع عام 1900 بالعمل على مشروعه الأكثر جرأة حتى الآن و هو بناء نظام إتصالات لاسلكي عالمي يتم من خلاله نقل الطاقة الكهربائية من مصدر يتكون من برج كهربائي كبير و ذلك لمشاركة المعلومات و توفير الطاقة المجانية في جميع أنحاء العالم و حصل لتنفيذ ذلك المشروع علي تمويل ضخم من مجموعة مستثمرين منهم العملاق المالي “جي بي مورجان” و بدأ فى العمل بشكل جدي في مشروع الطاقة المجانية عام 1901 من خلال تصميم و بناء مختبر مع محطة طاقة و برج نقل ضخم بأحد المواقع في منطقة لونج آيلاند بنيويورك إلا أنه و خلال عمله بحماس بدأت الشكوك تساور مستثمريه حول جدوي ذلك المشروع نظرًا لأن منافسه ” ماركوني ” و بدعم مالي من رجال الأعمال ” أندرو كارنيجي ” و ” توماس إديسون ” قد أحرز تقدم كبير بإستخدام تقنيات الراديو الخاصة به لذلك لم يكن أمام ” نيكولا تسلا ” أي خيار أخر سوى التخلي عن ذلك المشروع و تم تسريح موظفيه عام 1906 و بحلول عام 1915 كان الموقع قد تم الحجز عليه لعدم تسديد فواتيره و بعد ذلك بعامين أعلن إفلاسه و تم تفكيك البرج و بيعه كخردة للمساعدة في سداد الديون المستحقة عليه .

نيكولا تسلا

وفاته

و نتيجة فشل مشروعه تعرض ” نيكولا تسلا ” لإنهيار عصبي إلا أنه عاد في في النهاية للعمل بصفة إستشاري و مع مرور الوقت أصبحت أفكاره تدريجياً أكثر غرابة و غير عملية و صار غريب الأطوار بشكل متزايد حيث كرس الكثير من وقته لرعاية الحمام البري في حدائق مدينة “نيويورك حتي أن بعض من أفكاره بدأت في إثارة قلق مكتب التحقيقيات الفيدرالي حين تحدث عن “شعاع الموت” و الذي حظي ببعض الإهتمام من الإتحاد السوفيتي خلال الحرب العالمية الثانية و في يوم 7 يناير عام 1943 توفي ” نيكولا تسلا ” فقيرًا ومنعزلاً بسبب تجلط في الدم عن عمر يناهز 86 عامًا بمدينة نيويورك التي عاش بها لمدة 60 عاما و مع ذلك فإن إرث العمل الذي تركه يعيش حتى يومنا هذا.

مقتطفات عن نيكولا تسلا

  • في عام 2003 قام مجموعة من المهندسين بتأسيس شركة Tesla Motors المتخصصة في إنتاج سيارات سميت على اسم العالم ” نيكولا تسلا ” و التي تعمل بالطاقة الكهربائية بالكامل و في عام 2004 ساهم رائد الأعمال و المهندس ” إيلون ماسك ” بأكثر من 30 مليون دولار فيها و هو حاليا مديرها التنفيذي المشارك .
  • كان الحدث المميز في طفولة الشاب “نيكولا تسلا ” هو اليوم الذي شهد فيه وفاة شقيقه الأكبر “داين” خلال حادث و في السنوات التي أعقبت المأساة قيل أنه بدأ في رؤية بعض من الرؤي من حوله بأن الهواء مليئ بألسنة من اللهب الحي و عندما كان مراهقًا تعلم أن يمارس قوة إرادته للسيطرة على تلك الرؤى و لكن في وقت لاحق من حياته كان يقضي الكثير من وقته في إطعام الحمام زاعما أنه يتواصل معه بطريقة غامضة .
  • كان العالم ” نيكولا تسلا ” قريب من إكتشاف الأشعة السينية حيث كان الكاتب الساخر ” مارك توين ” صديقا له في تسعينيات القرن التاسع عشر و أثناء زيارته لمختبره في وقت متأخر من إحدى الليالي إلتقط “توين” له إحدى الصور و في عام 1895 دعاه ” تسلا ” و المصور “إدوارد رينجوود هيويت” للعودة إلى المختبر لإلتقاط صورة أخرى و تمت إضاءة هذه الصورة بإستخدام جهاز كهربائي يسمى أنبوب كروكس و عندما راجع “تسلا” النيجاتيف وجده ملطخ و ظن أنها دمر و بعد أسابيع فقط أعلن العالم الألماني “فيلهلم رونتجن “عن إكتشافه لما أسماه “الأشعة السينية” التي تنتجها أنابيب كروكس و حينها أدرك “تسلا” أن تلك الصورة قد دمرت بظلال الأشعة السينية للبراغي المعدنية للكاميرا.
  • في ذروة الحرب الإسبانية الأمريكية عام 1898 كان أحد مشاريع “نيكولا تسلا ” الجانبية قارب صغير يمكن تشغيله و إيقافه و توجيهه بإشارات لاسلكية بدائية و عندما قدم براءة إختراع للجهاز رفض مكتب براءات الإختراع الأمريكي تصديق أنه يمكن أن يعمل إلا أنه أرسل وكيلًا إلى مختبره لإجراء عرض توضيحي و أخبر ” تسلا ” صحيفة نيويورك بوست أن إختراعه سيسمح بخوض المعارك دون تعريض البشر للخطر و سيجعل الحرب نفسها قد عفا عليها الزمن.
  • خلال صيف عام 1899 أنشأ تسلا مختبرًا ميدانيًا في ولاية “كولورادو” ، لإستخدام محطات عالية الإرتفاع لنقل المعلومات و الطاقة الكهربائية عبر مسافات طويلة و في أحد أيام يوليو و أثناء تتبع العواصف الرعدية التقطت معداته سلسلة من الأصوات و بعد إستبعاد الأسباب الشمسية و الأرضية خلص إلى أن الإشارات يجب أن تكون من كوكب آخر و في عام 1996 نشر العلماء دراسة أن الإشارة كانت في الواقع بسبب مرور القمر Io عبر المجال المغناطيسي لكوكب المشتري .
شارك الموضوع

عمرو عادل

فى الحياة الواقعيه مهندس ميكانيكا قوى اما فى الحياه الافتراضيه فباحث و كاتب و مدير الموقع دا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *