كل ما تريد معرفته عن حرب البوسنة

حرب البوسنة هي حرب ذات جذور عرقية و تعتبر الصراع الأكثر تدميراً في قارة أوروبا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية و إستمرت قرابة ثلاثة سنوات بداية من عام 1992 و حتي 1995 و كانت ساحتها الرئيسية البوسنة و الهرسك إحدي دول جمهورية يوغوسلافيا السابقة بين أطراف من سكان متعددي الأعراق يتألفون من البوسنيين المسلمين و الصرب و الكروات و شهدت معاركها العديد من الإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان و بعد سنوات من القتال المرير الذي شاركت فيه القوي الثلاث بالإضافة إلى الجيش اليوغوسلافي قامت الدول الغربية و بدعم من منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) بفرض وقفا لإطلاق النار بشكل نهائي و بعدها تم البدء بالتفاوض من أجل الوصول إلي صيغة للتعايش السلمي بين تلك الأعراق من خلال مفاوضات دايتون في الولايات المتحدة كما تم تقديم عدد من القيادات إلي المحكمة الجنائية الدولية بعد إشرافهم علي إرتكاب جرائم حرب و إغتصاب الألاف من النساء البوسنيات بالإضافة إلي نزوح أكثر من 2.2 مليون شخص من مناطق المعارك .

مقدمات حرب البوسنة

و ترجع حرب البوسنة إلي خلفية تاريخية بدأت عام 1946 حين أصبحت جمهورية البوسنة و الهرسك بداية من عام 1963 إحدى الجمهوريات المكونة للإتحاد اليوغوسلافي حيث خضعت الحياة فيها من جميع الجوانب الإجتماعية و الإقتصادية و السياسية لتكون تحت سيطرة الحكومة الشيوعية اليوغوسلافية و التي شملتها بعض من التغييرات السلبية مثل إلغاء العديد من المؤسسات الإسلامية التقليدية كالمدارس الابتدائية القرآنية و المؤسسات الخيرية و مع ذلك سمحت الحكومة الشيوعية بقبول كلمة “مسلم” كمصطلح يضاف إلى الهوية الوطنية و في عام 1968 أصدرت اللجنة المركزية البوسنية مرسومًا بأن “المسلمين أمة متميزة” و بحلول عام 1971 أصبحوا يشكلون الأغلبية بين السكان البوسنيين و خلال العشرون عاما التالية إنخفض عدد السكان الصرب و الكروات نتيجة هجرة العديد منهم و في تعداد صدر عام 1991 أصبح المسلمين يشكلون أكثر من خمسي سكان البوسنة بينما كان الصرب أقل بقليل من الثلث و الكروات السدس و منذ منتصف التسعينيات حل مصطلح البوسنيين محل لفظ المسلمين علي إعتبار أنهم هم الأغلبية في تلك البلد .

و مع حلول فترة الثمانينيات أدى التدهور السريع للإقتصاد اليوغوسلافي إلى إستياء شعبي واسع النطاق نحو النظام السياسي بجانب التلاعب بالمشاعر القومية من قبل السياسيين و هى أمور أدت في النهاية إلى حدوث زعزعة في إستقرار الدولة حيث بدأت الأحزاب السياسية المستقلة في الظهور أواخر الثمانينيات و في أوائل عام 1990 أجريت إنتخابات متعددة الأحزاب في “سلوفينيا” و “كرواتيا” كما أُجريت الإنتخابات في “البوسنة و الهرسك” في ديسمبر و حصلت الأحزاب الجديدة التي تمثل الطوائف القومية الثلاثة على مقاعد في نسبة تقريبية مع عدد سكانها و تم تشكيل حكومة إئتلافية ثلاثية بقيادة السياسي البوسني “علي عزت بيجوفيتش” علي أساس أن تكون الرئاسة مشتركة و مع ذلك نتيجة التوترات المتزايدة داخل و خارج “البوسنة و الهرسك” فقد أدي ذلك إلي أن يكون التعاون مع الحزب الديموقراطي الصربي بقيادة “رادوفان كاراديتش” أمرا صعبًا .

و في عام 1991 تم إعلان العديد من مناطق الحكم الذاتي الصربية في مناطق داخل “البوسنة و الهرسك” و التي تضم عددًا كبيرًا من السكان الصرب و ظهرت أدلة على أن جيش الشعب اليوغوسلافي كان يستخدم لإرسال شحنات أسلحة سرية إلى صرب البوسنة قادمة من “بلجراد” عاصمة ” صربيا ” ثم بدأ الحزب الديموقراطي الصربي في مقاطعة إجتماعات الرئاسة البوسنية و في أكتوبر أبعد نوابه من الجمعية البوسنية و أنشأ جمعية وطنية صربية في “بانيا لوكا” و بحلول ذلك الوقت إندلعت حرب واسعة النطاق في “كرواتيا” و كان تفكك “يوغوسلافيا” جاريًا و أصبح وضع “البوسنة و الهرسك” ضعيفًا للغاية و تمت مناقشة إمكانية تقسيمها خلال المحادثات بين الرئيس الكرواتي “فرانجو تودجمان” و الرئيس الصربي “سلوبودان ميلوسيفيتش” في وقت سابق من العام و بأن تكون هناك أيضا مناطق حكم ذاتي كرواتية في شمال و جنوب غرب البوسنة و الهرسك مشابهة لما فعله الصرب و تم الإعلان عن ذلك في نوفمبر 1991.

رادوفان كاراديتش ( يمينا ) و سلوبودان ميلوسيفيتش ( يسارا )
رادوفان كاراديتش ( يمينا ) و سلوبودان ميلوسيفيتش ( يسارا )

و عندما أعترفت المجموعة الأوروبية و هي الجماعة الأوروبية التي حل محلها الإتحاد الأوروبي لاحقًا بإستقلال “كرواتيا” و “سلوفينيا” دعت “البوسنة و الهرسك” إلى التقدم بطلب للحصول على الإعتراف أيضًا و تم إجراء إستفتاء على الإستقلال خلال الفترة من 29 فبراير إلى 1 مارس 1992 و على الرغم من أن حزب “كاراديتش” عرقل التصويت في معظم المناطق المأهولة بالسكان الصرب و لم يصوت أي من صرب البوسنة تقريبًا إلا أن ما يقرب من ثلثي الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم صوتوا جميعًا لصالح الإستقلال و هو ما أعلنه الرئيس “عزت بيجوفيتش” رسميًا في 3 مارس عام 1992 .

جنود يمشون بالقرب من مبانٍ تعرضت للقصف مليئة بثقوب الرصاص بعد معركة أستمرت ثلاثة أشهر بين القوات المسلحة الكرواتية و الجيش اليوغوسلافي في فوكوفار عام 1991

إندلاع حرب البوسنة

و مع الإعلان عن إستقلال البوسنة أعترفت “الولايات المتحدة” و المفوضية الأوروبية بذلك في 7 أبريل و تندلع بعدها حرب البوسنة التي بدأت بقيام قوات شبه عسكرية لصرب البوسنة بإطلاق النار على العاصمة “سراييفو” ثم بعد ذلك بوقت قصير بدأ القصف المدفعي للمدينة من قبل وحدات صرب البوسنة التابعة للجيش اليوغوسلافي و خلال شهر أبريل تعرضت العديد من البلدات الواقعة في شرق البوسنة مع عدد كبير من السكان البوسنيين للهجوم من قبل مجموعة من القوات الشبه عسكرية و وحدات من الجيش اليوغوسلافي حيث تم طرد معظم البوسنيين المحليين من هذه المناطق و الذين كانوا الضحايا الأوائل في البلاد لعملية وصفت بأنها تطهير عرقي و على الرغم من أن البوسنيين كانوا هم الضحايا الأساسيين و الجناة هم الصرب إلا أن الكروات كانوا أيضًا من بين الضحايا و الجناة و في غضون ستة أسابيع أدى هجوم منسق من قبل الجيش اليوغوسلافي و الجماعات شبه العسكرية و القوات المحلية الصربية البوسنية إلى وضع ما يقرب من ثلثي أراضي البوسنة تحت سيطرة الصرب و في مايو وُضعت وحدات و معدات الجيش في “البوسنة و الهرسك” تحت قيادة الجنرال الصربي البوسني “راتكو ملاديتش” .

راتكو ملاديتش القائد العسكري لصرب البوسنة مع جنوده أثناء حرب البوسنة عام 1994
راتكو ملاديتش القائد العسكري لصرب البوسنة مع جنوده أثناء حرب البوسنة عام 1994

و منذ صيف عام 1992 ظل الوضع العسكري في حرب البوسنة ثابتًا إلى حد ما إلي أن سيطر جيش حكومي بوسني تم تجميعه على عجل جنبًا إلى جنب مع بعض القوات الكرواتية البوسنية المعدة بشكل أفضل للخطوط الأمامية بقية ذلك العام على الرغم من تآكل قوتهم تدريجيًا في أجزاء من شرق البوسنة و الهرسك بالإضافة إلي إضعاف الحكومة البوسنية عسكريًا بسبب حظر الأسلحة الدولي و بسبب الصراع أعوام 1993-1994 مع القوات الكرواتية و لكن في وقت لاحق من عام 1994 وافق مسلمي البوسنة و الكروات البوسنيين علي تشكيل إتحاد فيدرالي مشترك و من جانبها رفضت الأمم المتحدة التدخل في حرب البوسنة لكن قوات الحماية التابعة للأمم المتحدة قامت بتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية ثم وسعت المنظمة فيما بعد دورها ليشمل حماية عدد من المناطق الآمنة و مع ذلك فشلت في حماية المنطقة الموجودة في “سريبرينيتشا” في يوليو 1995 و ذلك عندما أرتكبت القوات الصربية البوسنية مذبحة لأكثر من 7000 رجل من البوسنيين .

رجل بوسني يجري في أحد شوارع سراييفو حيث أصيب مدنيين بنيران القناصة خلال حرب البوسنة عام 1992
رجل بوسني يجري في أحد شوارع سراييفو حيث أصيب مدنيين بنيران القناصة خلال حرب البوسنة عام 1992

و خلال حرب البوسنة فشلت عدة مقترحات سلام حيث يرجع ذلك إلى حد كبير إلى أن صرب البوسنة الذين سيطروا على حوالي 70% من الأرض بحلول عام 1994 رفضوا التنازل عن أي شبر منها و لذلك في فبراير من نفس العام بدء حلف شمال الأطلسي في إستخدام قوته العسكرية و تمكنوا من إسقاط أربع طائرات تابعة لصرب البوسنة حاولت إنتهاك منطقة حظر الطيران التي فرضتها الأمم المتحدة فوق البلاد و في وقت لاحق من ذلك العام و بناءً على طلب من الأمم المتحدة شن “الناتو” غارات جوية غير فعالة ضد أهداف لصرب البوسنة و في أعقاب مذبحة سريبرينيتشا و هجوم آخر من صرب البوسنة على سوق في “سراييفو” ثم شن غارات جوية أكثر تركيزًا في أواخر عام 1995 إلى جانب هجوم بري واسع النطاق للبوسنيين و الكروات و نتيجة تلك الإجرائات تم إجبار صرب البوسنة علي الدخول في محادثات سلام برعاية “الولايات المتحدة” في دايتون بولاية أوهايو في نوفمبر و مثل صرب البوسنة “سلوبودان ميلوسيفيتش” و دعت إتفاقيات دايتون الناتجة عن “إتحادية البوسنة و الهرسك” بحيث تشكل 51% من أراضيها إتحادًا كرواتيًا بوسنيًا و 49% لتكون جمهورية صربية و لتطبيق الإتفاقية التي تم توقيعها رسميًا في ديسمبر عام 1995 تم نشر قوة دولية قوامها 60.000 عضو لمراقبتها و الإشراف عليها لتنتهي حرب البوسنة تاركة ورائها إحصائيات مروعة حيث قُدر في الأصل أن نحو 200.000 شخص على الأقل قد قتلوا فيها و نزح أكثر من 2.000.000 شخص و مع ذلك خلصت الدراسات اللاحقة إلى أن عدد القتلى كان في الواقع حوالي 100000 شخص .

جرائم الحرب و محاكماتها

حرب البوسنة

و نتيجة الفظائع التي تم إرتكابها أثناء إندلاع حرب البوسنة قامت الأمم المتحدة في مايو عام 1993 بإنشاء المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة (ICTY) و في السنوات التي أعقبت الحرب وجهت المحكمة تهماً ضد أفراد من كل عرق و جنسية ممثلة في النزاع و مع ذلك كانت أبرز القضايا هي المرفوعة ضد سلطات صرب البوسنة و بعد سنوات ألقي القبض على “سلوبودان ميلوسيفيتش ” عام 2001 و وجهت إليه تهمة الإبادة الجماعية و إرتكاب جرائم ضد الإنسانية و توفي في السجن عام 2006 قبل إنتهاء مدة محاكمته أما ” رادوفان كاراديتش ” فقد أختبأ عام 1997 و قضى أكثر من عقد من الزمان طليقًا قبل إعتقاله في يوليو 2008 و في مارس عام 2016 أدين بإرتكاب جريمة الإبادة الجماعية لدوره في مذبحة سريبرينيتشا بالإضافة إلى تسع تهم أخرى تتعلق بجرائم حرب و جرائم ضد الإنسانية.

رادوفان كاراديتش خلال أحدي جلسات محاكمته بتهم تتعلق بجرائم ضد الإنسانية في حرب البوسنة
رادوفان كاراديتش خلال أحدي جلسات محاكمته بتهم تتعلق بجرائم ضد الإنسانية في حرب البوسنة

أما بالنسبة إلي ” راتكو ميلاديتش ” فقد أختفي بعد إعتقال “ميلوسيفيتش” عام 2001 ثم أعتقلته السلطات الصربية عام 2011 و حاكمته المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة في العام التالي و في نوفمبر عام 2017 أدين بإرتكاب جرائم إبادة جماعية و جرائم حرب و حكم عليه بالسجن مدى الحياة و في قضيتها الأخيرة قبل إنتهاء ولايتها وجدت المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة أيضًا أن ستة مسؤولين كرواتيين رفيعي المستوى هم أيضا مذنبين بإرتكاب جرائم حرب و خلصت إلى أن حكومة “تودجمان” إنتهجت سياسة إجرامية للتطهير العرقي و عندما تمت قراءة هذا الحكم الإستئنافي في 29 نوفمبر أعلن “سلوبودان برالجاك” الذي حُكم عليه بالسجن لمدة 20 عامًا لإرتكابه جرائم حرب أثناء حصار موستار أنه يرفض هذا الحكم ثم قام بشرب زجاجة سم قام بتهريبها في قاعة المحكمة التي قامت بتعليق جلساتها على الفور ثم توفي “برالجاك” بعد ذلك بوقت قصير.

شارك الموضوع

عمرو عادل

فى الحياة الواقعيه مهندس ميكانيكا قوى اما فى الحياه الافتراضيه فباحث و كاتب و مدير الموقع دا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *