زعيم سياسى هندى و ناشطها الحقوقى الأبرز و أحد أعظم القيادات الروحية فى القرن العشرين و الملقب لدى مواطنيه فى الهند بإسم المهاتما غاندى أى الروح العظيمة حيث يعتبروه أبا تاريخيا للأمة جميعها بعد محاولاته لاحلال السلام بين جناحى المجتمع من المسلمين و الهندوس و تزعمه للحركة الوطنية المدافعة عن حقوق شعبها و المطالبة بإستقلال بلاده عن الاحتلال البريطانى و ذلك عبر استخدام الأساليب السلمية من خلال دعواته للعصيان المدنى و مقاطعة المؤسسات البريطانية العاملة داخل البلاد و التى كانت تقابل يإستجابة كبيرة من المواطنين كما كان مشهورا بين أتباعه باتخاذه أسلوب الزهد عن الحياه حيث كان نحيف الهيئه و يرتدى دائما ملابس مكونة من مئزرًا و شالًا و كثير الصلاة و الصيام و رغم بساطته تلك الا أنها لم تمنع من انتشار أفكاره و تعاليمه لخارج حدود بلاده و تلهم عددا كبيرا من النشطاء و المناضلين الأخرين الذين كان لهم تأثير كبيرا داخل مجتماعاتهم مثل مارتن لوثر كينج و نيلسون مانديلا .

نشأته و دراسته

وُلد ” موهانداس كارامشاند غاندى ” في 2 من أكتوبر عام 1869 في “بوربندر” بولاية “جوجارات” فى “الهند ” التي كانت آنذاك تعد جزءًا من الإمبراطورية البريطانية حيث شغل والده منصب رئيس الوزراء في “بوربندر” و ولايات أخرى بغرب الهند أما والدته “بوتليباي” فكانت امرأة شديدة التدين و مداومة على الصيام , و خلال طفولته كان ” غاندى ” الصغير يتسم بالخجل و الخوف لدرجة أنه كان لا ينام فى الظلام حتى فترات متقدمة من عمره و في السنوات التالية تمرد ذلك المراهق على مخاوفه عن طريق مخالفته لتعاليم ديانته و بدء فى التدخين و أكل اللحوم و سرقة النقود من الخدم الموجودين فى منزله .

و على الرغم من أن “غاندي” كان مهتمًا بأن يصبح طبيبًا إلا أن والده كان يأمل في أن يصبح شخصية سياسية مرموقه و وزيرًا في الحكومة لذلك فقد قام بتوجيهه للدخول فى مهنة المحاماه و في عام 1888 أبحر الشاب البالغ من العمر 18 عامًا إلى “لندن” لدراسة القانون حيث عانى كثيرا من أجل التأقلم مع طبيعة الثقافة الغربيه المختلفة فى العادات و التقاليد و عند عودته إلى بلاده عام 1891 علم أن والدته قد توفيت قبل وصوله بأسابيع فقط .

و بعودة ” غاندى ” إلى الهند أسس مكتبًا قانونيًا في “بومباي” لكنه لم يحالفه النجاح سرعان ما قبل منصبًا في احدى الشركات الهنديه أرسلته إلى مكتبها في “جنوب إفريقيا” و التى بقي فيها “غاندي” مع زوجته “كاستورباي” وأطفالهم لما يقرب من 20 عامًا.

غاندى خلال دراسته الحقوق فى لندن

غاندى و جنوب أفريقيا

كان عقد عمل ” غاندى ” فى جنوب أفريقيا لمدة عام واحد فقط فى 1893 حيث أبحر إلى مدينة “ديربان” الموجودة في ولاية “ناتال” الا أنه بمجرد وصوله شعر بالفزع من التمييز و العزل العنصري الذي يواجهه المهاجرون الهنود على أيدي البريطانيين البيض و سلطات البوير بتلك البلد و عند ظهوره لأول مرة في قاعة محكمة في “ديربان” طُلب منه نزع عمامته الا انه رفض و غادر المحكمة حيث تم السخرية منه في المطبوعات و وصفه بأنه “زائر غير مرحب به”.

و في 7 يونيو عام 1893 و خلال استقلاله لقطار متجه الى “بريتوريا ” اعترض رجل أبيض على وجوده في عربة الدرجة الاولى على الرغم من أنه كان يحمل تذكرة و طلب منه المغادرة إلى الجزء الخلفي من القطار الا أنه رفض ليتم إبعاده بالقوة و إلقائه خارج القطار بمحطة في “بيترماريتسبورج” حيث كان لذلك الحادث تأثيرا كبيرا عليه و قرر تكريس حياته لمحاربة المرض العميق المتمثل في التحيز اللوني و تعهد في تلك الليلة بأن يحاول إن أمكن استئصال ذلك المرض و تحمل المعاناة التى سيواجهها خلال مواجهته و فى ذلك اليوم تحديدا تحول ذلك الشاب الصغير و المتواضع الى شعلة لا تهدء من أجل المطالبة بالحقوق المدنية حيث قام بتشكيل مؤتمر “ناتال الهندي” عام 1894 لمحاربة التمييز.

و استعد “غاندي” للعودة إلى “الهند” في نهاية فترة تعاقده حين علم خلال حفل وداعه بوجود مشروع قانون أمام الجمعية التشريعية في “ناتال” يحرم الهنود من حق التصويت نتيجة لذلك أقنعه رفاقه المهاجرون بالبقاء و قيادة الكفاح ضد ذلك التشريع و وافق غاندى رغم علمه بأنه لن يستطيع منع تمرير القانون إلا أنه سوف يحاول لفت الانتباه الدولي إلى الظلم الواقع عليهم .

و بعد رحلة قصيرة إلى الهند في أواخر عام 1896 و أوائل عام 1897 عاد “غاندي” إلى “جنوب إفريقيا” مجددا مع زوجته و أولاده و عند اندلاع “حرب البوير” قام بتشكيل فيلق سيارات إسعاف هندي بالكامل قوامه 1100 متطوع لدعم القضية البريطانيه بحجة أنه إذا قام الهنود بالحصول على حقوق المواطنة الكاملة في الإمبراطورية البريطانية فعليهم أيضا تحمل مسؤولياتهم تجاهها و في عام 1906 نظم أول حملة جماعية للعصيان المدني و التي أطلق عليها “ساتياجراها” او “الحقيقة و الحزم” ردًا على القيود الجديدة التي فرضتها حكومة “ترانسفال” في “جنوب إفريقيا” على حقوق الهنود بما في ذلك رفض الاعتراف بزواج الهندوس و بعد سنوات من الاحتجاجات سجنت الحكومة فيها ” غاندى ” و معه مئات من الهنود عام 1913 و لكنها نتيجة استمرار الضغوط عليها وافقت على حل وسط نتج عن تفاوض بين “غاندي” و الجنرال “جان كريستيان سموتس” و الذي تضمن الاعتراف بزواج الهندوس و إلغاء ضريبة الاقتراع للهنود.

غاندى أثناء وجوده فى جنوب أفريقيا

العودة الى الهند

فى عام 1914 أبحر “غاندي” من “جنوب إفريقيا” عائدا إلى الوطن حيث كتب الجنرال “سموتس ” عنه قائلا : “لقد غادر القديس شواطئنا و آمل بصدق ان تكون مغادرة إلى الأبد” و في عام 1915 أسس فى مدينة ” احمد أباد ” مسكن “الأشرم” كمعتكف دينى له و الذى كان مفتوحًا لجميع الطوائف حيث عاش ” غاندى” حياة قاسيه و هو يرتدي مئزرًا وشالًا مكرسا أغلب وقته للصلاة و الصوم و التأمل و أصبح يُعرف باسم “المهاتما” وهو ما يعني “الروح العظيمة”.

معارضة غاندى للحكم البريطاني في الهند

في عام 1919 و مع استمرار سيطرة البريطانيين على “الهند” استيقظت روح التمرد السياسية لدى “غاندي” مجددا عندما صدر قانونا يسمح للسلطات البريطانية بسجن الأشخاص المشتبه في قيامهم بالتحريض على الفتنة دون محاكمه و رداً على ذلك دعا “غاندي” إلى حملة “ساتياجراها” للاحتجاجات و الإضرابات السلمية الا أنه و على عكس تلك الدعوات اندلعت أعمال عنف بلغت ذروتها في 13 من أبريل عام 1919 خلال مذبحة “أمريتسار” حيث أطلقت القوات البريطانيه بقيادة العميد “ريجنالد داير” نيران مدافعها الرشاشة على حشد من المتظاهرين العزل و قتلت ما يقرب من 400 شخص .

نتيجة لذلك لم يعد ” غاندى ” قادرًا على التعهد بالولاء للحكومة البريطانية و أعاد الميداليات التي حصل عليها مقابل خدمته العسكرية في “جنوب إفريقيا” و عارض تجنيد الهنود الإلزامى للخدمة فى الجيش البريطانى خلال الحرب العالمية الأولى و أصبح شخصية بارزة في حركة الحكم الذاتي الهندية و دعا إلى المقاطعة الشامله و العصيان المدنى و حث المسؤولين الحكوميين على التوقف عن العمل لدى التاج البريطانى و الطلاب على التوقف عن الذهاب إلى المدارس الحكومية و الجنود على ترك أعمالهم و المواطنين على التوقف عن دفع الضرائب و شراء البضائع البريطانية خاصة الملابس و بدأ في استخدام عجلة الغزل المحمولة لإنتاج القماش الخاص به و التى سرعان ما أصبحت رمزًا لاستقلال الهند و الاعتماد على الذات .

نتيجة لتلك الأنشطة ألقت السلطات البريطانية القبض على ” غاندى ” عام 1922 و تمت محاكمته و ادانته في ثلاث تهم تتعلق بالتحريض على الفتنة و على الرغم من الحكم عليه بالسجن لمدة ست سنوات تم إطلاق سراحه في فبراير عام 1924 بعد اجرائه لجراحة فى الزائدة الدودية حيث أكتشف أن العلاقات بين الهندوس و المسلمين في الهند قد تدهورت خلال فترة وجوده في السجن نتيجة أندلاع اعمال عنف بين المجموعتين الدينيتين لذلك بدأ “غاندي” صيامًا لمدة ثلاثة أسابيع في خريف عام 1924 للحث على الوحدة و ظل بعيدًا عن السياسة النشطة خلال معظم العشرينات الأخيرة من القرن الماضي .

غاندي و مسيرة الملح

عاد “غاندي” إلى السياسة النشطة عام 1930 للاحتجاج على قانون الملح البريطاني الذي يمنع الهنود من جمع أو بيع الملح الذى يعد عنصرا أساسيا للغذاء و أيضا لفرض السلطات ضرائب باهظة أفقرت سكان البلاد لذلك خطط لحملة “ساتياجراها” جديدة من خلال اقامة “مسيرة الملح” و التى كانت مسيرة سلمية امتدت لمسافة 390 كيلومترًا حتى بحر العرب حيث كان يجمع الملح في تحدٍ رمزي للحكومة .

و في 12 من مارس عام 1930 انطلق ” غاندى ” من ” الأشرم ” معتكفه الديني في “صابرماتي”و هو مرتديا شالا أبيض و صندلا منزليا و يحمل عصا للمشى مع بضع عشرات من الأتباع و بحلول الوقت الذي وصل فيه إلى مدينة “داندي” الساحلية بعد مرور 24 يوما تضخمت صفوف المتظاهرين و بدء فى خرق القانون من خلال صنع الملح من مياه البحر المتبخرة.

و أشعلت مسيرة الملح احتجاجات مماثلة و انتشر العصيان المدني الشامل في جميع أنحاء “الهند” و سُجن ما يقرب من 60 ألف هندي لخرقهم قوانين الملح بما في ذلك “غاندي” الذي سُجن في مايو 1930 ومع ذلك فإن الاحتجاجات ضد قوانين الملح أكسبته شهرة كبيرة في جميع أنحاء العالم حصل بموجبها على لقب “رجل العام” لمجلة تايم لعام 1930.

و فى يناير 1931 تم إطلاق سراح “غاندي” و بعد شهرين عقد اتفاقًا مع اللورد “إروين” لإنهاء تلك الاحتجاجات في مقابل تنازلات شملت إطلاق سراح آلاف السجناء السياسيين و رغم أن الاتفاقية قد حافظت إلى حد كبير على قوانين الملح كما هي لكنها أعطت أولئك الذين عاشوا على السواحل الحق في حصاد الملح من البحر.

و على أمل أن تكون تلك الاتفاقية نقطة انطلاق للحكم الذاتي حضر “غاندي” مؤتمر المائدة المستديرة في “لندن” حول الإصلاح الدستوري الهندي في أغسطس عام 1931 بصفته الممثل الوحيد للكونجرس الوطني الهندي الا أن المؤتمر لم يكن مثمرا .

غاندى خلال مسيرة الملح

إحتجاجات غاندى على الفصل العنصرى

بعد عودة ” غاندى ” الى الهند و فى يناير عام 1932 وجد نفسه مسجونًا مرة أخرى خلال حملة قمع قام بها نائب الملك الجديد في الهند اللورد “ويلينجدون” و ذلك بعد ان شرع في صيام لمدة ستة أيام احتجاجًا على القرار البريطاني بفصل “المنبوذين”و هم المواطنين الذين يعيشون في أدنى درجات النظام الطبقي في “الهند” من خلال تخصيص مقرات انتخابية منفصلة لهم حيث أجبرت تلك الاحتجاجات الشعبية السلطات على تعديل ذلك الاقتراح و بعد إطلاق سراحه في نهاية المطاف غادر “غاندي” المؤتمر الوطني الهندي عام 1934 و انتقلت القيادة إلى ربيبه “جواهر لال نهرو” ليبتعد مرة أخرى عن السياسة من أجل التركيز على التعليم و الفقر و المشاكل التي تعاني منها المناطق الريفية في الهند .

استقلال الهند عن بريطانيا العظمى

عندما وجدت بريطانيا العظمى نفسها غارقة في الحرب العالمية الثانية عام 1942 أطلق غاندي حركة “اتركوا الهند” التي دعت إلى الانسحاب البريطاني الفوري من البلاد و في أغسطس عام 1942 اعتقل هو و زوجته و زعماء آخرين في المؤتمر الوطني الهندي و تم احتجازهم في قصر الآغا خان في بيون الحالية حيث قال حينها ” وينستون تشرشل ” أمام البرلمان “لم أصبح الوزير الأول للملك لأترأس عملية تصفية الإمبراطورية البريطانية” الا أنه مع تدهور صحة ” غاندى ” تم إطلاق سراحه بعد مرور 19 شهرًا من الاحتجاز و بمجرد هزيمة تشرشل في الانتخابات العامة البريطانية عام 1945 بدأت المفاوضات من أجل استقلال “الهند” مع المؤتمر الوطني الهندي و عصبة “محمد علي جناح” الإسلامية حيث لعب “غاندي” دورًا نشطًا في المفاوضات لكنه لم يستطع تحقيق أماله فى توحيد الهند حيث دعت الخطة النهائية لتقسيم شبه القارة الهندية على أسس دينية إلى دولتين مستقلتين و هم “الهند” التى تتكون غالبيتها من الهندوس و باكستان ذات الغالبية المسلمة.

و فى عام 1947 اندلعت أعمال عنف بين الهندوس و المسلمين حتى قبل أن يصبح الاستقلال ساري المفعول و تضاعفت عمليات القتل وقام غاندي بجولة في المناطق التي مزقتها أعمال الشغب في نداء من أجل السلام بين الطرفين و صام في محاولة لإنهاء إراقة الدماء و مع ذلك فقد نظر بعض الهندوس بشكل متزايد إلى “غاندي” على أنه خائن لدينه لأنه أعرب عن تعاطفه مع المسلمين.

اغتيال المهاتما غاندي

في 30 من يناير عام 1948 قُتل “غاندي” البالغ من العمر 78 عامًا بعد اطلاق الرصاص عليه خلال صلاته من قبل المتطرف الهندوسى ” ناثورام جودسى ” الذي كان منزعجًا من تسامحه مع المسلمين حيث ركع امام المهاتما خلال اجتماعه للصلاه فى وقت متأخر من بعد الظهر و سحب مسدسًا نصف آلي و أطلق النار عليه ثلاث مرات من مسافة قريبة ليلقى ” غاندى ” مصرعه فى الحال و يتم القاء القبض على القاتل و محاكمته و التى قضت بالحكم عليه بالاعدام شنقا مع أحد شركائه و نفذ فيه الحكم فى نوفمبر عام 1949 كما حكم على متآمرين آخرين بالسجن مدى الحياة .

مقتطفات من حياته

  • نشأ “غاندي” و هو يعبد الإله الهندوسي “فيشنو” حيث كان يتبع الديانة الجاينية و هي ديانة هندية صارمة أخلاقياً تعتنق أفكار اللاعنف و الصوم و التأمل والنباتية حيث أصبح أكثر إلتزاما و تدينا خلال فترة إقامته الأولى فى “لندن ” و ذلك باتباعه نظام غذائي خالٍ من اللحوم و انضم إلى اللجنة التنفيذية لجمعية لندن النباتية و بدأ في قراءة مجموعة متنوعة من النصوص المقدسة لمعرفة المزيد عن أديان العالم و خلال الفترة التى قضاها فى ” جنوب أفريقيا ” واصل دراسة الأديان الأخرى و انغمس في النصوص الروحية الهندوسية و تبنى حياة البساطة و التقشف و الصوم و العزوف عن الخيرات الماديه .
  • تزوج ” غاندى ” و هو بعمر 13 من “كاستوربا مكانجي ” و هى ابنة لتاجر في زواج مرتب و توفيت بين ذراعيه في فبراير عام 1944 عن عمر يناهز 74 عامًا حيث انجبت له أربعة أبناء منهم اثنان خلال اقامتهم فى “جنوب أفريقيا ” .

المصادر

شارك الموضوع

عمرو عادل

فى الحياة الواقعيه مهندس ميكانيكا قوى اما فى الحياه الافتراضيه فباحث و كاتب و مدير الموقع دا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *